الفلسطينيون يفتقدون «صاحب الصوت العالي» وصخرة الدفاع عن قضيتهم عالميًا

عريقات: نذكر له تقديمه مبادرة السلام العربية.. ومحادثات مكة لإنهاء الانقسام.. ودعمه اللامحدود في الحرب والسلم

الأمير الراحل لدى استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الرياض في ابريل 2009 (غيتي)
الأمير الراحل لدى استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الرياض في ابريل 2009 (غيتي)
TT

الفلسطينيون يفتقدون «صاحب الصوت العالي» وصخرة الدفاع عن قضيتهم عالميًا

الأمير الراحل لدى استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الرياض في ابريل 2009 (غيتي)
الأمير الراحل لدى استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الرياض في ابريل 2009 (غيتي)

عندما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس لصلاة الغائب على روح الأمير الراحل سعود الفيصل، لم يكن ذلك من باب المجاملة الدبلوماسية للملكة، ولكن لأن الفيصل كان دائما «صوت فلسطين العالي».. كما يحب أن يصفه كبير المفاوضين الفلسطينيين وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات.
وقف عباس مع كل الذين عرفوا وعاصروا الفيصل وصلّوا صلاة الغائب على روحه وهم يستشعرون أنهم فقدوا واحدا من أهم مناصري القضية الفلسطينية. وقال عريقات: «لقد كان صوتنا العالي دائما». وأضاف: «في كل محطة من محطاتنا المهمة كان صوت فلسطين الذي لا يغيب». ويتذكر عريقات كيف أن الفقيد لم يكن يكتفي بما يقدمه في المنابر والاجتماعات والقمم تجاه فلسطين ومع الإدارة الأميركية وحسب، بل كيف كان يتصل به ويطلب منه الحضور إلى مكتبه في المملكة ومعه كل المعلومات والتفاصيل والخرائط حول القضية الفلسطينية.
وتابع: «لقد جند نفسه للقضية الفلسطينية تماما وكان يسألنا قرروا أنتم ونحن معكم». ولا ينسى الفلسطينيون للفيصل إطلاقه مبادرة السلام العربية لإيجاد حل نهائي للقضية وإقامة دولة فلسطينية، ووقوفه خلف محادثات مكة لإنهاء الانقسام الداخلي، وإعلانه في الحرب الأخيرة على القطاع أن فلسطين هي قضية السعودية الأولى. ونعى عباس في بيان رسمي إلى الأمتين العربية والإسلامية، الأمير سعود بن فيصل، مشيدا بمواقفه العربية الأصيلة تجاه القضية الفلسطينية، ونصرتها في كل المحافل العربية والإقليمية والدولية، مؤكدا على أن الشعب الفلسطيني لن ينسى مواقفه الأخوية الشجاعة، في نصرة الحق الفلسطيني ومواقفه الصلبة تجاه فلسطين والقدس، التي كانت وباستمرار تعبر عن موقف المملكة الثابت تجاه فلسطين والقدس.
وقال عباس للصحافيين في رام الله: «خسرنا برحيله دبلوماسيا بارعا، وقائدا عربيا وإسلاميا فذا مناصرا لقضايا الحق والعدل في العالم بأسره». وأضاف: «عرفنا صاحب السمو منذ أكثر من 40 عاما، حيث بدأ عمله كوزير لخارجية المملكة العربية السعودية، وكان دائما وأبدا مدافعا عن القضية الفلسطينية في كل المحافل العربية والإقليمية والدولية، وإن فعل ذلك فهو كان يمثل سياسة المغفور له والده شهيد القدس الملك فيصل، وأيضا هو يمثل أولا وأخيرا سياسة المملكة العربية السعودية التي أسسها المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز، واستمرت إلى يومنا هذا، حيث يقودها هذه الأيام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أطال الله عمره وأعانه على الأوضاع العربية والدولية، ولكن نحن لنا ثقة كبيرة بأنه قادر على تجاوزها إن شاء الله».
وتابع: «إن السياسة التي انتهجها الأمير سعود الفيصل هي سياسة رجل محب ويؤمن بالقضية والعمل الفلسطيني، ولكنها سياسة بلده. رحم الله سعود الفيصل وأسكنه فسيح جناته.
ووجه عباس برقية تعزية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والأسرة المالكة، قائلا: «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إننا نعزيكم وأفراد الأسرة الإسلامية كافة، باسم فلسطين وشعبها، وباسمي شخصيا بوفاة صاحب السمو الملكي المغفور له بإذن الله الأمير سعود الفيصل، داعين المولى عز وجل أن يشمله بعميم عفوه وغفرانه، ويسكنه فسيح جناته، فقد كان رحمة الله عليه، خير من مثل بلاده ودافع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية»، وأضاف: «نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن عليكم بموفور الصحة والسعادة، وأن يحفظكم والمملكة العربية السعودية وشعبها الشقيق بكل خير وسلام، لتظل كما كانت دوما قوية عزيزة شامخة تواصل دورها الريادي في خدمة قضايا الأمة والدفاع عن أهدافها وتطلعاتها السامية».
ولم يقتصر نعي الفيصل على عباس فقط. بل نعاه كثير من السياسيين الفلسطينيين الذين اختبروه عن قرب. وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في بيان له: «لقد ترجل الفارس العربي الأصيل، فارس الموقف والكلمة ومنارة الدبلوماسية العربية، الذي قضى حياته وهو يدافع عن قضايا شعبه وأمتيه العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية العرب والمسلمين الأولى القضية الفلسطينية». وأضاف: «إننا إذ نتقدم للأشقاء في المملكة العربية السعودية، ملكًا وحكومة وشعبًا، بأحر التعازي والمواساة على رحيل الأمير الفيصل، فإننا نعزي أنفسنا والأمتين العربية والإسلامية على فقدان هذه القامة العالية، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء»، كما وصف سفير فلسطين لدى المملكة العربية السعودية بسام الآغا مواقف الأمير سعود الفيصل رحمه الله بأنها كانت ترجمة حقيقية لمواقف قيادة المملكة وشعبها العربي الأصيل، واصفا الفيصل بالوفي لفلسطين والمدافع الصلب عن حقوق شعبها.
وأضاف الآغا في حديث إذاعي في رام الله: «سمو الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - وقف بشموخ مع فلسطين دائما، كان سندا لفلسطين في المحافل والمؤتمرات الدولية، يواجه بصلابة وعناد من أجل قضيتها العادلة». وأشار الآغا إلى جواب الفيصل عندما سئل أخيرا عن أهم أمانيه، فقال: «كنت أتمنى رؤية الشعب الفلسطيني يعيش حرا في وطنه، مودعا حياة الشقاء والمنافي والمخيمات، أعان الله هذا الشعب الذي واجه المخططات الاستعمارية».
ولفت السفير الآغا إلى مدى تأثر الرئيس عباس حال علمه بخبر وفاة الأمير الفيصل، قائلاً: «تأثر الرئيس دليل على مدى خسارة فلسطين لهذا الرجل الذي كانت فلسطين همه الأول، حيث ترجم مواقف وسياسة المملكة تجاه فلسطين، وعبر بصدق وموقف أصيل عن كل سعودي خلال 40 عاما وزيرا للخارجية في المملكة العربية السعودية».
وقال الآغا: «لقد كسبناه وخسرناه، لكن عزاؤنا أن الله يعوضنا بوجود قادة المملكة المخلصين، وحكمة وشجاعة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز»، مستذكرا قول الفيصل عند استقباله سفيرا لفلسطين، حيث قال: «أهلا بفلسطين.. أبوابنا مفتوحة لفلسطين دائما».
أما السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور، فعد أن وفاة الأمير سعود الفيصل رحمه الله شكلت خسارة كبيرة لفلسطين والأمة العربية والإسلامية. وثمن دبور مواقف الأمير سعود الفيصل الداعمة للقضية الفلسطينية طوال فترة عمله كوزير للخارجية، مؤكدًا أن بوفاة الأمير الفيصل رحمه الله تخسر الأمة العربية واحدًا من أبرز رجالات الدبلوماسية العربية.
وحب الفلسطينيين للفيصل قديم للغاية، إذ كان يصفه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بصخرة الدفاع العربي عن فلسطين. وهذه الصخرة هي التي وقفت وراء تقديم العرب مبادرة السلام العربية عام 2002 لإنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية، هي التي هددت الإسرائيليين لاحقا بأنها (المبادرة) لن تبقى على الطاولة للأبد، وهو الذي وقف وراء اجتماعات مكة لإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وقال عريقات إنه كان متأثرا جدا بهذا الانقسام «لقد رأيت الحزن في عينيه»، وهو الذي قال في أغسطس (آب) الماضي بينما الإسرائيليون يدكون غزة في حرب دامية: «فلسطين قضية السعودية الأولى» سائلا نظراءه في منظمة التعاون الإسلامية عن أسباب ضعف الأمة، ومضيفا في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر وزارة خارجية المنظمة في جدة: «هل كان في مقدور إسرائيل العدوان على غزة لو أن الأمة موحدة»، ومتابعا: «لا نريد أن نحول اجتماعنا لمجلس عزاء فلا وقت للعزاء واستجداء الحلول»، واستطرد قائلاً: «إسرائيل هدفها الأساسي استئصال الوجود الفلسطيني»، ومعلنا أن صندوق التنمية سيساعد في جهود إعادة الإعمار في فلسطين بـ500 مليون دولار. غير 300 مليون ستساعد بها المملكة لأغراض طبية.
إنه ببساطة الفيصل الذي ترحم عليه فلسطينيون عاديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» مستخدمين جملته الأخيرة الأشهر «حالتي الصحية أشبه بحالة أمتنا العربية».



السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)

بدأ سباق إعلامي على خلفية التسريبات من الغرف المغلقة حول أسماء المرشحين لتولي منصب رئيس وزراء الحكومة المدنية المرتقبة في السودان، فيما أكدت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأمر سابق لأوانه، وأن البعض ربما يحاول تسويق بعض الأسماء، لكن الجهات المعنية بأمر العملية السياسية تتمسك بأن اختيار رئيس الوزراء يحتاج إلى توافق كبير بين الأطراف المختلفة التي تشكل الحاضنة الجديدة للسلطة الانتقالية التي لم تتشكل بعد.
وأفادت المصادر ذاتها بأن موضوع الأسماء غير مطروح في الوقت الحالي لأن العملية السياسية لا تزال في بداياتها ويمكن الحديث عن الترشيحات عقب التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بين المدنيين والعسكريين. وأكدت أن «تحالف الحرية والتغيير، والمجموعات الأخرى، لم تبدأ في أي نقاش حول هذا الأمر، لكن هذا لا يمنع أي جهة كانت أن تتقدم بالمرشح الذي تراه مناسباً». وأوضحت أن المرشح لمنصب رئيس الوزراء سيخضع للتشاور بين أطراف كثيرة، وأن الوصول إلى التوافق على شخص لقيادة الحكومة المدنية في هذا الوقت لن يكون سهلاً، لكن ليس أمام قوى الانتقال مفر من التوافق على مرشح يجد قبولاً واسعاً وسط القوى السياسية وحراك الشارع.
ومن بين الأسماء التي ترددت لتولي منصب رئيس الوزراء، طه عثمان، وهو من قيادات تحالف «الحرية والتغيير» التي قادت المفاوضات مع قادة الجيش خلال الفترة الماضية حتى تم التوصل إلى «تفاهمات حول مسودة الوثيقة الدستورية، التي أعدتها نقابة المحامين»، والتي تحدد هياكل وصلاحيات مؤسسات وأجهزة السلطة الانتقالية المتفق عليها.
كما برز اسم وزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، الذي عمل في حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك. وتردد أيضاً اسم وزير العدل الأسبق، نصر الدين عبد الباري، الذي عمل أيضاً في حكومة حمدوك، وتتردد إشاعات بأنه يحظى بدعم مقدر من قوى دولية. وتقول المصادر إنه بصرف النظر عن الأسماء، فلا شك أن هناك مجموعات ضغط (لوبيات) تدفع باتجاه تقديم المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة الانتقالية المدنية، التي لا بد أن تتخذ قرارات صعبة، وربما مواجهات سياسية مع أنصار النظام المعزول من الإسلاميين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه الرئيس السابق عمر البشير.
لكن غالبية المصادر أشارت إلى أن هذه الترشيحات لا تخرج عن كونها ترويجاً وسباقاً لبعض القوى السياسية والمدنية لرسم المشهد السياسي في البلاد قبل اكتمال العملية السياسية، التي تحتاج إلى خطوات كبيرة للوصول إلى الاتفاق النهائي. وقالت المصادر: «في الوقت الراهن لا يمكن الحديث عن أي حظوظ للأسماء المطروحة للتنافس على المنصب»، لكنها توقعت أن ترتفع وتيرة الحملات الإعلامية في الفترة المقبلة في محاولة للتسويق السياسي لهذه الأسماء.
ونصّت التفاهمات التي توصل إليها تحالف «الحرية والتغيير» مع القيادة العسكرية في البلاد، وفق مسودة الدستور المقترح، على أن يكون رئيس الوزراء ومجلسه من الكفاءات الوطنية المستقلة، بعيداً عن المحاصصات الحزبية، وأن تختارهم القوى السياسية التي ستوقع على «الإعلان السياسي الجديد، مع مراعاة التمثيل العادل للنساء والتنوع العرقي والجهوي دون الإخلال بمبدأ الكفاءة».
وأكد القيادي في تحالف «الحرية والتغيير» ياسر عرمان، في حديث أول من أمس، أن اختيار رئيس الوزراء «يجب أن يتم بالتشاور بين قوى الثورة، بما في ذلك أطراف عملية السلام (الفصائل المسلحة)، بالإضافة إلى قوى الانتقال الديموقراطي». وتنقسم العملية السياسية إلى مرحلتين، الأولى التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بما تم التوصل إليه من توافق حول مسودة الدستور، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوقيع على «الاتفاق النهائي»، الذي يعقبه تشكيل الحكومة التنفيذية.