يُدعى الناخبون التونسيون غدا السبت لانتخاب برلمان جديد من دون صلاحيات فعلية في انتخابات تشريعية، تقاطعها غالبية الأحزاب السياسية المعارضة، وتمثل مرحلة جديدة في النظام السياسي الرئاسي، الذي أسس له الرئيس قيس سعيّد منذ احتكاره السلطات في 2021.
ويتكون البرلمان الجديد من 161 نائبا، ويحلّ محل البرلمان الذي جمّد سعيّد أعماله في 25 من يوليو (تموز) 2021، قبل أن يحلّه لاحقا، كما قرّر آنذاك احتكار السلطات في البلاد، معلّلا قراره بعدم فاعلية البرلمان السابق ومعلنا انطلاق «عهد جديد».
ويرى مراقبون أن البرلمان الجديد سيكون من دون صلاحيات فعلية، على اعتبار أن البرلمان السابق كان معززا بصلاحيات حكم فعلية وواسعة، بينما سيكون البرلمان المقبل مجرّداً منها بموجب الدستور الجديد، الذي أقرّه الرئيس، وتمّ إقراره إثر استفتاء شعبي لم يحظ بمشاركة واسعة في 25 من يوليو الماضي.
ويرى الخبير السياسي حمادي الرديسي أن «الهدف هو تحقيق أجندة» تم وضعها من طرف الرئيس سعيّد، مشيراً إلى أنها «استكمال للمسار الذي بدأ في 25 من يوليو». وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذا البرلمان «لن تكون لديه صلاحيات كثيرة لأنه لن يكون قادراً على مساءلة الحكومة، أو توجيه اللوم إليها»، لأنه من الصعب تحقيق الشروط المعقدة التي ينص عليها الدستور في هذه الحالات.
وبحسب الدستور الجديد، يمكن للبرلمان اقتراح مشاريع قوانين، على أن تُقدّم من جانب عشرة نواب على الأقل، مع إعطاء الأولوية للنصوص التي يقدّمها الرئيس، وسيعلن في 20 من مارس (آذار) المقبل عن تركيبة البرلمان النهائية، بعد تنظيم الدورة الثانية للانتخابات التشريعية ما بين شهري فبراير (شباط) ومارس المقبلين. وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف من مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات، وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة، غالبيتهم من دون انتماءات سياسية.
وبالنسبة للرديسي فإن «الهدف، رغم كل عيوب هذه الانتخابات ونواقصها، هو زيادة شرعية الرئاسة»، معتبراً أن الانتخابات ستنتج «برلماناً مرذّلاً بلا صلاحيات».
وتقاطع غالبية الأحزاب السياسية هذه الانتخابات، وفي مقدمتها حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية المعارض الأول لسعيّد، والذي كان أكبر الأحزاب المهيمنة على البرلمان طوال عشر سنوات، إذ إنه يعتبر ما يقوم به الرئيس «انقلاباً على الدستور وعلى الثورة»، التي فتحت طريقا للديمقراطية الوحيدة في العالم العربي.
وجدد أحمد نجيب الشابي، رئيس «جبهة الخلاص»، وهي تكتل لأحزاب معارضة، في مؤتمر صحافي أمس «مقاطعة الانتخابات وعدم الاعتراف بنتائجها»، وقال إن «نداءنا الأخير لعامة المواطنين بأن يمسكوا عن المشاركة في انتخابات يوم السبت» لأن «البرلمان سيكون مسخا دون صلاحيات».
أمّا الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة العمالية الرئيسية في البلاد، والذي قبل بقرارات الرئيس يوم 25 يوليو 2021 دون منحه «شيكا على بياض»، فقد أظهر في الأيّام الأخيرة موقفا مختلفا، وأكثر حدة تجاه مشروع سعيّد السياسي. واعتبر أمينه العام نور الدين الطبوبي في خطاب أمام أنصار «الاتحاد» أن الانتخابات القادمة «لا طعم ولا لون لها»، وهي نتاج «دستور لم يكن محلّ توافق».
وعلاوة على رفض الأحزاب، تطرح «التمثيلية» مشكلة أخرى في هذا الاقتراع، من خلال مشاركة منخفضة للنساء (122 مرشحة، أقل من 15 في المائة)، بينما تشكل النساء نصف سكان البلاد تقريبا (12 مليونا). وفي هذا السياق يبدي الرديسي مخاوفه من رؤية «برلمان من دون نساء»، بينما كانت المساواة إلزامية في القوائم الانتخابية في السابق.
وترشح للانتخابات 1085 شخصاً غالبيتهم غير معروفين من قبل الرأي العام التونسي. ووفقاً «للمرصد التونسي للانتقال الديمقراطي»، فإن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26 في المائة) وموظفون حكوميون، ذوو مستوى متوسط (نحو 22 في المائة). وستكون نسبة المشاركة في هذه الانتخابات رهانا كبيرا، وإن كان جل الخبراء يقدرون أن تكون ضعيفة. وقد حصل كل المرشحين على أكثر من 400 ألف توقيع تأييد، «لكن حتى وإن تمت مضاعفة الرقم بمرتين أو ثلاث، فسيكون ذلك فشلا ذريعا، علما بأنه في الاستفتاء السابق كما في الانتخابات الرئاسية (في العام 2019)، سجلت مشاركة 2,5 مليون ناخب»، بحسب الرديسي.
وبالنسبة لحجم مشاركة الشباب، قال عدد منهم لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم ليسوا معنيين بالاقتراع الذي سيفرز «برلماناً دمية»، مؤكدين أنهم «لا يرغبون في معرفة أي شيء عن المرشحين». كما تحدثت وسائل الإعلام في تونس كثيرا عن «لامبالاة» التونسيين بهذه الانتخابات، وعن عدم اهتمامهم بالحملات الانتخابية للمرشحين، وتحدثت أيضا عن مواصلتهم في المقابل لمواجهة النقص المتكرر في الحليب والأرز والسكر، وارتفاع التضخم الذي اقترب من 10 في المائة، في حين تغرق البلاد المثقلة بالديون، في أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب تداعيات وباء (كوفيد - 19) ثم الحرب في أوكرانيا.
في سياق ذلك، بدأ التونسيون في الخارج، أمس، الاقتراع لانتخاب ممثلين لهم في البرلمان، في ظل افتقاد غالبية الدوائر الانتخابية لمرشحين. وفتحت مكاتب الاقتراع من الساعة الثامنة صباحا واستمرت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي لبلد الاقتراع، وتستمر العملية الانتخابية حتى بعد غد السبت، تاريخ بدء الاقتراع داخل تونس.
التونسيون ينتخبون غداً برلماناً «من دون صلاحيات فعلية»
تقاطعها غالبية الأحزاب السياسية... ويرفض المواطنون معرفة نتائجها
التونسيون ينتخبون غداً برلماناً «من دون صلاحيات فعلية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة