تمنى ليونيل ميسي أن يكون مونديال قطر 2022 هو حسن الختام لمسيرته الدولية والتتويج بالكأس العالمية بعد أن قاد المنتخب الأرجنتيني إلى حجز مكان له في المباراة النهائية.
وبعد انتظار طيلة ثمانية أعوام لتعويض الفرصة التي فاتته عام 2014 في البرازيل، يريد ميسي أن يكون نهائي الأحد وداعاً مثالياً لمغامرته في المونديال، لكن حتى إن لم يتوَّج على الأراضي القطرية فهو «منح الأرجنتينيين ما هو أكثر من الفوز بالكأس».
تعكس ما قالته الصحافية صوفي مارتينيز ماتيوس في نهاية مقابلتها مع ميسي لصالح القناة التلفزيونية الأرجنتينية العامة، ما يشعر به ملايين الأرجنتينيين وحتى عشاق الكرة من حول العالم، بعد الذي قدمه قائد «منتخب التانغو» في الفوز على كرواتيا 3 - صفر خلال نصف نهائي مونديال قطر.
الملايين في العاصمة بوينس آيرس خرجوا للاحتفال بمنتخبهم (أ.ب)
في نهاية مقابلتها في المنطقة الإعلامية المختلطة مع نجم باريس سان جيرمان الفرنسي، قالت ماتيوس لقائد الكتيبة الأرجنتينية: «آخر شيء أريد أن أقوله لك لن يكون سؤالاً، بل تصريح. هناك نهائي كأس عالم بانتظارنا، وحتى إن كنا جميعاً نرغب في الفوز، هناك شيء واحد لا يمكن لأحد أن يسلبه منك وهو ما منحته لكل فرد أرجنتيني. أقول لك ذلك بكل صدق». وتابعت: «لا يوجد طفل واحد ليس لديه قميصك، سواء كانت النسخة الأصلية، أو نسخة طبق الأصل، أو نسخة مخترعة، أو خيالية. لقد أثّرت في حياة الجميع. وأعتقد أن هذا الأمر أعظم من كأس العالم».
وتوجهت إليه نيابةً عن الشعب الأرجنتيني بـ«شكراً لك على لحظة سعادة كبيرة جداً قدمتها للكثير من الناس. آمل أن تعرف ذلك في قلبك، لأني أعتقد أن ذلك (السعادة) أكثر أهمية من كأس العالم... لذا، شكراً لك أيها القائد».
ميسي وجد في ألفاريز أفضل شريك (أ.ب)
ورغم أعوامه الـ35، أظهر ميسي على ملعب لوسيل في مواجهة كرواتيا حجم رغبته في قيادة بلاده إلى لقبها العالمي الأول منذ 1986 والثالث في تاريخها من أجل تكريس أسطورته والوصول إلى مرتبة الراحل دييغو مارادونا.
ويقدم ميسي أفضل مشاركة له في النهائيات وهو لعب ضد كرواتيا الدور الرئيسي في بلوغ الأرجنتين النهائي السادس في تاريخها بعدما سجل الهدف الأول من ركلة جزاء، ومرر كرة الهدف الثالث بأداء خارق.
ويبدو أن اندفاع ميسي لإحراز اللقب الكبير الغائب عن خزائنه جعله يتجاوز عامل التقدم في العمر، والأرقام تتحدث عن نفسها، إذ إن عام 2022 كان الأكثر مردوداً له على صعيد الأهداف بقميص المنتخب الوطني منذ بدايته الدولية عام 2005.
وبأهدافه الخمسة في المونديال القطري، رفع ميسي رصيده في 2022 إلى 16 هدفاً، ليتفوق بفارق أربعة أهداف عن أكبر مردود تهديفي له مع المنتخب خلال عام واحد وقدره 12 هدفاً في 2012، أي حين كان في الخامسة والعشرين من عمره.
وبعدما طار حلم الانضمام إلى الأسطورة مارادونا ومنح الأرجنتين اللقب عام 2014 بالخسارة في النهائي أمام ألمانيا بالوقت الإضافي، سيحصل ميسي على فرصة ثانية في قطر لإحراز اللقب. ويتمنى نجم برشلونة الإسباني السابق أن يكون نهائي الأحد على ملعب لوسيل أيضاً أفضل وداع له لكأس العالم، وفق ما أفاد بعد الفوز على كرواتيا، قائلاً: «السعادة كبيرة، أنْ أتمكن من إنهاء مسيرتي في كؤوس العالم (بهذه الطريقة) وأن تكون مباراتي الأخيرة في نهائيٍّ».
وتابع: «كل ما اختبرته في كأس العالم هذه كان مثيراً، إن كان من ناحية المشاعر التي عاشها الناس أو كيف يستمتع الأرجنتينيون بذلك في الوطن».
وأكد أن هذه النهائيات ستكون الأخيرة له في كأس العالم. وأوضح: «لأنه تفصلنا سنوات كثيرة حتى كأس العالم المقبلة (سيكون في الـ39 من عمره)... أن أُنهي (المشوار) بهذه الطريقة، فهذا أفضل ما يمكن أن يحصل».
أفضل نهاية بالتأكيد هي أن يرفع ميسي الكأس الغالية (الأحد) في مباراة ستكون تاريخية له أيضاً على صعيد الأرقام الشخصية، إذ سينفرد بالرقم القياسي لعدد المباريات في كأس العالم بعدما بات ضد كرواتيا على المسافة ذاتها من الألماني لوتار ماتيوس في عدد المباريات في النهائيات والبالغ 25.
وبمشاركته أصلاً في النهائيات القطرية، وصل ميسي إلى رقم قياسي آخر متمثل بعدد كؤوس العالم التي خاضها (5)، على غرار غريمه البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي ودّع البطولة من ربع النهائي، وماتيوس أيضاً.
وبعد تسجيله خمسة أهداف في المونديال القطري، بينها ثلاثة في ثُمن ورُبع ونصف النهائي ليفكّ صيامه عن التهديف في الأدوار الإقصائية لأربع نسخ، رفع ميسي رصيده إلى 11 هدفاً في النهائيات، ليحطم الرقم القياسي الأرجنتيني المسجل باسم غابريال باتيستوتا (10). وأحرز باتيستوتا أهدافه العشرة مع المنتخب الأرجنتيني خلال 12 مباراة فقط بالمونديال بينما احتاج ميسي إلى 25 مباراة لتحطيم هذا الرقم القياسي.
وبات ميسي الآن بأهدافه الـ11 متخلفاً بفارق 5 عن الرقم القياسي المطلق لعدد الأهداف في النهائيات والمسجل باسم الألماني ميروسلاف كلوزه (16).
وميسي هو اللاعب الوحيد الذي قام بتمريرات حاسمة في كل من النسخ الخمس التي شارك فيها، كما بات اللاعب الوحيد الذي يسجل ويمرر كرات حاسمة في أربع نسخ من النهائيات منذ بدء جمع الإحصائيات عام 1966.
وكان البرازيلي بيليه يحمل الرقم القياسي لأكبر عدد من التمريرات الحاسمة في مراحل خروج المغلوب بست تمريرات، قبل أن يعادله ميسي أمام كرواتيا وبالتالي سيكون أمامه فرصة الانفراد بهذا الرقم أيضاً خلال المباراة النهائية. وقال ميسي: «أستمتع بالأمر كثيراً، أشعر بحالة جيدة، أشعر بالقوة لخوض كل مباراة، لقد قمنا بالكثير من التضحيات، حتى عندما خضنا وقتاً إضافياً في المباراة الماضية (أمام هولندا في دور الثمانية)، كنا مرهقين، لكننا استجمعنا قوتنا وفزنا على كرواتيا بجدارة، يمكنني أن أقول إننا أدينا بشكل جيد وأنا سعيد للغاية بهذه البطولة والمشاركة فيها وبدعم فريقي»، لكن «الأهم يبقى أن ننجح في تحقيق الهدف الجماعي، وهو الهدف الأجمل على الإطلاق. نحن على بُعد خطوة بعدما قاتلنا كثيراً، وسنحاول أن نقدم أفضل ما لدينا من أجل أن ننجح هذه المرة» في رفع الكأس.
من جهته أكد ليونيل سكالوني، المدير الفني لمنتخب الأرجنتين، أن ليونيل ميسي من دون شك هو «أفضل لاعب على مر العصور». وقال سكالوني: «لا نقول ذلك لأننا أرجنتينيون، قد يراها البعض أنانية، لكن ليس لديَّ أي شك في قول ذلك، إنه الأفضل في التاريخ».
وأضاف: «أتشرف وفخور بتدريبه، ورؤيته وهو يلعب، إنه أمر مثير لأنه في كل مرة تراه يلعب يكون مصدر تحفيز هائل لزملائه، للناس وللعالم أجمع... لذا ليس هناك ما يقال بشأن ميسي، من الفخر وجوده بالفريق».
كما أثنى سكالوني على أداء جوليان ألفاريز الذي سجل هدفين وكان وراء ركلة الجزاء التي أحرز منها ميسي الهدف الأول، وقال: «جوليان قدم مباراة رائعة، ليس فقط بسبب تسجيله هدفين، أيضاً لأنه كان عنصر مساعدة حقيقياً مع لاعبي خط الوسط. في بعض الأحيان يكون لدينا لاعبون في خط الوسط، لأن الآخرين يغطّون آخرين، في الأجنحة، لقد قدم (ألفاريز) كرة متميزة وبذكاء».
وأكد: «في عمره (فإن انضباطه في العمل) أمر طبيعي لأنه يريد أن يعطي كل شيء داخل الملعب، ما تقوله له ينفِّذه... سعداء للغاية بوجوده لأنه قادر على تسجيل الأهداف، وهو أمر رائع خصوصاً بالنسبة إلى لاعب وسط مهاجم مثله».
ألفاريز أفضل معاون لميسي
وفي سعيه للظفر باللقب الأسمى، وجد ميسي في زميله ألفاريز أفضل معاون بعدما كان الأخير عاملاً حاسماً في وصول الأرجنتين إلى النهائي.
في البداية، كان مقرراً أن يلعب أنجل دي ماريا دور المساعد المتميّز لميسي على غرار مونديال روسيا 2018، أو مهاجم إنتر الإيطالي لاوتارو مارتينيز الذي كان دوره محورياً في الفوز بلقب كوبا أميركا عام 2021، لكن الأول عاد من إصابة ولم يكن في أفضل حالاته البدنية، فيما يعيش الآخر أزمة ثقة بعدما فشل في التسجيل بكأس العالم هذه إلا تلك الركلة الترجيحية، الحاسمة للتأهل، أمام هولندا في ربع النهائي.
استخدم المدرّب سكالوني ألفاريز في البداية كبديل أمام السعودية (خسارة الأرجنتين 2 - 1)، ثم أمام المكسيك عندما منح دخوله في الشوط الثاني دينامية ورونقاً للأداء الأرجنتيني الذي أنهى المباراة بالفوز بثنائية نظيفة.
في المباراة التالية أمام بولندا، كان أساسياً في تشكيلة سكالوني. سيشكره المهاجم الشاب لاحقاً على تلك الثقة، ذلك أنه حوّل تمريرة في منطقة الجزاء من زميله السابق في ريفر بليت إنسو فرنانديز في الشباك (2 – 0) وفعلها مرة أخرى في دور الـ16 أمام أستراليا، وكان الهدف الثاني أيضاً (قلّصت أستراليا النتيجة لاحقاً)، عندما اعترض كرة عشوائية وأسكنها الشباك في الدقيقة 57، وعلى استاد لوسيل، كان هو الذي حلّ اللغز الكرواتي الفعّال حتى ما قبل نصف النهائي.
أولاً استغل ألفاريز خطأً دفاعياً بالتغطية من المخضرم ديان لوفرين، بعد تمريرة جميلة من فرنانديز، فانفرد بالحارس دومينيك ليفاكوفيتش الذي أسقطه أرضاً ليحتسب الحكم الإيطالي دانييلي أورساتو ركلة جزاء بعد نحو نصف ساعة على البداية فترجمها ميسي هدفاً.
لم يتأخر ألفاريز في إحراز الثاني، عندما استغل كرة أهدرها الكروات أمام منطقتهم، فانطلق بسرعة صاروخية وتخلّص من دفاع كرواتيا على طريقة متزلجي مسابقة التعرّج وسجّل منفرداً في مرمى ليفاكوفيتش في الدقيقة 39.
وأخيراً، وقبل أن يحلّ باولو ديبالا بدلاً منه، أنهى ألفاريز استعراض ميسي الذي صال وجال في منطقة جزاء كرواتيا متلاعباً بالشاب يوشكو غفارديول أحد أفضل مدافعي النهائيات، ليستلم تمريرته على طبق من فضة ويسجّل الهدف الثالث في الدقيقة 69.
في مانشستر سيتي، يلعب ألفاريز أيضاً أدواراً بديلة. فمع وجود النرويجي إرلينغ هالاند يدخل بديلاً فقط في الدقائق الأخيرة. لكن ذلك لم يمنعه من تسجيل ثلاثة أهداف هذا الموسم في الدوري الإنجليزي الممتاز، ومن لفت أنظار مدربه الإسباني جوسيب غوارديولا الذي قال: «أعرف مدى صعوبة عدم اللعب بانتظام... لكن منذ اليوم الأول، أشياء كثيرة أثارت إعجابنا به، إنه لاعب رائع». كما يقول شريكه في سيتي المدافع الهولندي نيثن أكي: ««إنه مهاجم يعرف ما يفعله، يسجّل أهدافاً صعبة ولديه لمسة أخيرة جميلة. رجل رائع، وخجول بعض الشيء».
كرمه ثمين بالنسبة للأرجنتينيين. عندما يُعفى ميسي من المهمات الدفاعية، فهو لا يحسب مجهوده، ويعيق استعادة الخصم لزمام الأمور.
لم يخطئ مشجعو الأرجنتين حيال الأهمية الجديدة لألفاريز عندما غنوا «جوليان... جوليان» في المدرجات.
وقال ألفاريز بعد المباراة أمام أستراليا: «أحاول دائماً تقديم أفضل ما لديّ، على أرض الملعب أو من مقاعد البدلاء لتشجيع زملائي في الفريق». لكن الجميع يراهن على أنه لن يكون بديلاً في النهائي. فمن الصعب تخيل سكالوني يستغني عن ألفاريز مجدداً. فبوجوده إلى جانب ميسي، ستخوض الأرجنتين مباراة نهائية خيالية.