حاضر العراق وماضيه في ندوة بمعرض جدة للكتاب

متحدثون أكدوا اتجاهه إلى دولة مدنية منفتحة على عمقها العربي

متحدثون خلال ندوة «عروبة العراق: الثقافة والهوية» في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)
متحدثون خلال ندوة «عروبة العراق: الثقافة والهوية» في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)
TT

حاضر العراق وماضيه في ندوة بمعرض جدة للكتاب

متحدثون خلال ندوة «عروبة العراق: الثقافة والهوية» في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)
متحدثون خلال ندوة «عروبة العراق: الثقافة والهوية» في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كشف باحثون ومفكرون من العراق أن الظروف العاصفة التي شهدتها البلاد ستلِد مرحلة علمانية تستجيب لمتطلبات وحتمية التاريخ وتؤسس نواة دولة وطنية عراقية حديثة منفتحة، يتجه معها العراق إلى دولة مدنية واضحة المعالم، ترفض إيران وتستعيد عمقها العربي، منوهين بأن التأثير والحضور العلماني أصبح واضحاً مؤخرًا في العراق، كما هي الحال لدى مثيلاتها من الدول العربية، وأن حركة التاريخ هي التي ستحكم على سبيل الحتم بوجود دولة وطنية عراقية حديثة منفتحة على الخارج، ولا خيار لديها إلا تنحية استخدام الدين عن المجال العام.
جاء ذلك خلال ندوة حوارية استضافها معرض الكتاب المُقام حالياً في جدة، حملت عنوان «عروبة العراق: الثقافة والهوية»، وأدارها الكاتب والإعلامي مشاري الذايدي، تناولت عدة موضوعات حول هوية العراق والشواهد التاريخية التي تؤكد عروبته، في ظل تعدد القوميات والمذاهب والأديان التي شكلت جدلاً متواتراً حول ثقافته وهويته.
شارك في الندوة المؤرخ والمؤلف الدكتور رشيد الخيون، والمفكر الديني رحيم أبو رغيف، والباحث السعودي كامل الخطي، خلال مشاركاتهم بشأن عروبة العراق، مستشهدين بأحداث مفصلية عبر التاريخ.
وقال رحيم أبو رغيف، أبرز المساهمين في مجال تحديث الفكر الديني في العراق، وفي مجال الفلسفة وإعادة قراءة التاريخ، إنه لا يميل إلى الماضوية بشقّيها الإيجابي والسلبي ما دام هناك واقع بحاجة إلى اهتمام أكثر، مبيناً أن الأولوية الآن تذهب إلى ضرورة تدارك الوضع السياسي والثقافي الذي يعيشه العراق، والذي أصبح مهدداً باستشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية الذي انعكست عنه تداعيات كبيرة في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويرى أبو رغيف، الذي أسس في عام 2003، منتدى الوسطية والاعتدال للثقافة والفكر، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن العراق يتجه إلى دولة علمانية مدنية واضحة المعالم ترفض إيران وغيرها، وأن التأثير والحضور العلماني واضح في الفترة الحالية في العراق، مثل غيرها من الدول العربية، مؤكداً أن حركة التاريخ هي التي ستحكم على سبيل الحتم بوجود دولة وطنية عراقية حديثة منفتحة على الخارج، ولا خيار أمامها إلا تنحية استخدام الدين عن المجال العام.
ولفت أبو رغيف، في مطلع حديثه، خلال الندوة الحوارية، إلى أن عنوان الندوة يبدو في ظاهره غريباً، وكأنها تستردّ للعراق عروبته المتحققة في الأصل، مشيراً إلى أن ما أصاب العراق في ظرفه الراهن جعل المحيط العربي يلاحظ ويتابع غياب الحس والحضور الثقافي العراقي العربي الفاعل، وهو ما أثار الجدل وأحدث تشكيكاً، الأمر الذي دعاه، خلال الندوة، إلى تفكيك هذه الأحجية التي تداخلت بين الأنساق الثقافية والتعددية، وتقديم ما هو عادل ومشروع للهوية العربية.
وبيّن أبو رغيف أن الهوية العربية في العراق تتعرض لاغتراب واستلاب، وهو ما أوجد تحدياً كبيراً يتطلب معادلاً وطنياً من شأنه استدعاء الهوية بشكل عادل ومشروع على قاعدة «إثبات الشيء لا ينفي ما عداه»، لافتًا إلى أن العراق بعد عام 2003 تأسس فيه مشهد سياسي جديد، مكون من ركني الإسلامية والقومية، وأنه لم يجرؤ أي شخص على التصدي لولادة حزب فيه مزاج عربي، في حين جرى السماح بوجود حزبين قوميين.
وشدّد أبو رغيف على أن النخب في العراق تدعو لعدم إقصاء الآخر وتطالب بأن يعيش الجميع في أمن وسلام وتحرص على ثقافة التسامح والاعتدال وإشاعة ثقافة قبول الآخر.
من جهته، قال الدكتور رشيد الخيون إن الشراسة التي قدمت بها القومية العربية في عام 2003 انتقصت من حقوق غير العرب في العراق، وترتبت نتيجة ذلك المشكلات التي يعانيها العراق حتى الآن.

مشاركة في ندوة عن العراق في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

واستطرد الخيون في حديثه رغم اختناق صوته متأثراً بما آلت إليه ظروف العراق، وموجة التشكيك في عروبته، مؤكداً أنه لا يوجد عراقي يمكن أن يتخلى عن عروبته، ومستشهداً بفصول من التاريخ تثبت وتؤكد أن عروبة العراق سبقت الفتح الإسلامي، وأن العرب كانوا موجودين من قبل الإسلام في منطقتي الحيرة والأنبار، بالإضافة إلى أن الخط العربي بدأ من الأنبار، ثم انتقل إلى مكة المكرمة.
وحذّر الخيون من أن أي تغيير في النظام العراقي، سواءً كان ذلك بسقوطه، أو بتغيير توجهاته، سيؤثر بشكل كبير على العراق، مشدداً على أن الطبقة الفاسدة تستقوي بالنظام الإيراني، ومن ثم سوف تسقط تلك الطبقة مع سقوط النظام الإيراني.
واستدعى الخيون تأثير دخول الفرس بأعداد كبيرة إبان فترة الخلافة العباسية، التي امتدت لـ534 عاماً، منوهاً بأن الصراع الحالي ليس فارسياً عربياً، لكنه إيراني عربي، كما لفت إلى تعقد المشهد في العراق والحاجة إلى زمن لإحداث التغيير.
واتفق كامل الخطي مع خطورة التدخل الإيراني في العراق، وقال: «منذ عام 1979 وعروبة العراق تتعرض لتهديد إيراني، وأن إيران لا عمق مذهبيا ولا عِرقياً لها في العراق، لذا فهي تخطط لأن تدحرج كرة النار من الداخل العراقي إلى باقي الإقليم».
ولفت الخطي إلى أن ثمة قبائل عربية تلاشت في الجزيرة العربية، لكنها لا تزال موجودة في العراق، مثل خزاعة وربيعة وبني أسد، التي تؤكد عمق عروبة العراق، في حين لم يحسن استغلال تأثيرها، مشيداً بحراك تشرين الذي أنشأ لنفسه مشروعية ذات مرجعية وطنية يتشرف بالانتماء إليها.


مقالات ذات صلة

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

كتب غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

شهد المجتمع العراقي تحولات عميقة في بنيته الديموغرافية، ارتباطاً بما شهده البلد من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب شللي

رومانتيكية فائضة في عالم سريع التغيّر

لم تعُدْ مفردة «الرومانتيكية» تُذكَرُ إلّا قليلاً، وحتى عندما تذكّرُ فغالباً ما تكون في سياق استذكار تاريخ التيارات الأدبية التي سادت في بدايات القرن التاسع عشر

لطفية الدليمي
كتب «سكك حديد مصر»... قاطرة للنهضة والتحديث

«سكك حديد مصر»... قاطرة للنهضة والتحديث

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «مصر والطرق الحديدية» للكاتب محمد أمين حسونة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مجموعة من الكتب القديمة (أرشيفية - رويترز)

خبراء الكيمياء يحذّرون: الكتب العتيقة تحتوي على صبغات سامة

أطلقت الجمعية الكيميائية الأميركية تحذيراً بشأن المخاطر الصحية المحتملة التي قد تنطوي عليها الكتب القديمة، خصوصاً تلك التي تعود إلى العصر الفيكتوري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

صدر حديثاً عن «منشورات رامينا» بلندن ديوان شعريّ باللغة الكردية يحمل عنوان «Toza Rojên Berê» للشاعر السوريّ حسين درويش، وهو من ترجمة الشاعر والمترجم ياسين حسين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار
TT

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

يتضمن كتاب «أوراق من سجن النساء» للأكاديمية وأستاذة الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن، تجربة فريدة تتمثل في استعادة ذكريات اعتقالات سبتمبر (أيلول) 1981 الشهيرة في مصر وكيف جمعتها زنزانة واحدة بعدد من المثقفات المصريات البارزات، مثل الكاتبة الدكتورة لطيفة الزيات، والأديبة الدكتورة نوال السعداوي، والناقدة صافيناز كاظم وأستاذة الأدب الفرنسي الدكتورة أمينة رشيد.

وتشير الدكتورة «عبد الرحمن» في كتابها الذي صدر حديثاً عن دار «العربي» بالقاهرة إلى أنها وأخريات كان نصيبهن الاعتقال والطرد من الجامعة بعد اتهامهن بالخيانة العظمى والتخابر مع الاتحاد السوفياتي، ولم تجرؤ السلطات على إبراز السبب الحقيقي لاعتقالهن، وهو اعتراضهن على معاهدة الصلح مع إسرائيل. وقد مكثن بالسجن مائة يوم إلى أن اغتيل الرئيس الراحل أنور السادات.

رحلة شاقة

تروي عواطف عبد الرحمن كيف أنها في يوم 28 أغسطس (آب) 1981 ذهبت إلى برلين الشرقية للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة واستطاعت بالتعاون مع بعض الأصدقاء إقناع منظمي المؤتمر بإضافة بند عن «العنصرية الصهيونية» في فلسطين، وكان يصحبها ابنها هشام لأول مرة. وبعد انتهاء المؤتمر الذي استغرق ثلاثة أيام قررت الذهاب لزيارة الأديبة رضوى عاشور وزوجها الشاعر مريد البرغوثي في بودابست التي اختاراها آنذاك منفى مؤقتاً بعد توتر العلاقة بين المثقفين العرب وبين الرئيس السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أعقبت زيارته للقدس في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977.

تركت «عبد الرحمن» هشام لدى الصديق نبيل السلمي وزوجته كاترين في برلين واستقبلها مريد ورضوى وابنهما تميم بترحاب شديد، ومكثت ثلاثة أيام في حوارات متصلة عن الأحوال في مصر وتداعيات اتفاقية الصلح التي أبرمها السادات مع إسرائيل. ويوم 3 سبتمبر استمعا إلى خطاب السادات الذي أعلن فيه عن اعتقال 1365 مواطناً من المعارضة، فصاحت رضوى في انزعاج إنه لم يستثنِ أحداً ولم يبقَ سوى أمي وأمها والمحتمل أن يتم اعتقالهما بالفعل. قررت «عواطف» العودة إلى برلين لإحضار ابنها والسفر إلى القاهرة وتوالت اتصالات الأصدقاء الهاتفية من باريس ولندن وألمانيا، أخبروها بأن قائمة المعتقلين تضم جميع الأسماء من أصدقاء مشتركين، ويتصدرهم عبد السلام الزيات، وفؤاد مرسي ولطيفة الزيات، وكان اسمها ضمن القائمة ونصحوها بعدم السفر إلى القاهرة، لكنها رفضت.

ودّعها مريد ورضوى في المطار. وصلت إلى برلين في المساء لتجد في انتظارها نبيل السلمي وفتحي عبد الفتاح وبعض الأصدقاء الذين كانوا يلحّون على ضرورة بقائها وعدم المجازفة بسفرها إلى القاهرة. أخبرتهم بأن بقاءها هناك يعني الضياع وأنها تفضل الذهاب إلى زنزانة الوطن فقد تكون أرحم لها وسط أهلها وناسها من البقاء في الغربة. كان إصرارها على العودة إلى مصر أقوى من إلحاحهم، وهيأت نفسها لأسوأ الاحتمالات وبدأت في الطائرة تحاول أن تهيئ ابنها هشام. فأخبرته عن تجربة ابنَي صديقتها الناقدة فريدة النقاش «رشا وجاسر» اللذين تحملا بشجاعة سجن أمهما فريدة وأبيهما الكاتب الصحافي حسين عبد الرازق.

عند وصولها إلى مطار القاهرة فوجئت بممدوح طه، والد ابنها، وكانا انفصلا منذ عشر سنوات، ينتظرها على باب الطائرة ممسكاً بصحيفة «الأهرام». انتحى بها جانباً وقبل أن يتحدث سألته في انزعاج هل مات أحد من أهلها، فقد نسيت تماماً موضوع الاعتقال. أخبرها أن الموضوع أخطر من الموت، ثم أطلعها على الصحيفة التي وجدت بها صورتها تتصدر الصفحة الأولى مع صور بقية المطلوب اعتقالهم. أطلعت الضابط على صورتها بالصحيفة وأبلغته أنها مطلوبة للاعتقال، ثم اتجهت نحو ابنها وعانقته محاولة إظهار تماسكها، لكن جسدها كان ينتفض حزناً وغضباً وحيرةً فلا تدري هل ستكون هذه هي آخر مرة تلتقي فيها بنجلها الوحيد؟!

صدمة اللحظات الأولى

تصور «عبد الرحمن» كيف كانت صدمة اللحظات الأولى في السجن، قائلة: «عندما وصلت إلى سجن النساء في القناطر وجدت بوابة حديدية هائلة وبها باب صغير، دخلت من الباب الصغير ورأيت السجّانات اللاتي نشاهدهن في السينما يعلقن المفاتيح في الحزام الجلدي، شكلهن مخيف جداً وغير مريح. وفجأة صفقت السجّانات ونادين على الست زينب سجّانة السياسيات؛ لأن هناك (إيراداً) جديداً عليه استلامه. استغربتُ جداً كيف يتحول الإنسان في لحظة مجرد شيء، خصوصاً أني قادمة من مؤتمر دولي أطالب فيه بحقوق الشعوب. كيف أتحول في نظرهم إلى (إيراد)، أي أن قيمتي انخفضت لتصيح مجرد شيء. وكان هذا الموقف أولى الصدمات وبعدها دخلت ساحة كبيرة تتوسطها شجرة علمت أنها الشجرة التي رسمتها الفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون في لوحاتها؛ فهي سبقتنا إلى هذا السجن ومكثت فيه خمس سنوات».

لم تنم الليلة الأولى بسبب الأصوات المنبعثة من عنبر اللصوص المجاور لهن وعندما غفت عينها من الإرهاق، وجدت حشرة كبيرة وفزعت وقامت تنادي نوال السعداوي منزعجة: «يا نوال... يا نوال... إحنا في فندق إيه؟»؛ وهو ما أثار الضحك بشدة. سلمتها إدارة السجن جلبابين، واحد تغسله والآخر ترتديه. وبحكم خبرتها السابقة معتقلةً سياسية، اقترحت الدكتورة لطيفة الزيات تنظيم الحياة العامة في العنبر وتحديد مسؤولة عن نظافة المكان ومسؤولة عن الطعام، وهكذا. أيضاً لا يمكنها نسيان حملة التفتيش المفاجئة التي قلبت العنبر رأساً على عقب؛ لأنه بلغهم أن هناك أوراقاً وأقلاماً، وهي أخطر من أي سلاح!

تُعدّ المعتقلات السياسيات أخطر النزيلات في السجن... أما سجينات المخدرات فهن «وزيرات الاقتصاد» لأنهن ينفق على السجن

وزيرات اقتصاد

تُعدّ المعتقلات السياسيات أخطر النزيلات في السجن، أما سجينات المخدرات فهن «وزيرات الاقتصاد»؛ لأنهن ينفق على السجن، خصوصاً «الحاجة مناعة» التي كانت تُسجن وتخرج ثم تعود مرة أخرى، والسجن بالكامل يعرفها وكانت حجرتها مفروشة بالموكيت وبها تلفزيون. وعندما علمت بقدوم النزيلات السياسيات بعثت لهن بأقلام وورق وراديو. وكانت تبعث لهن كل يوم بالصحف في السر عن طريق إحدى السجينات التي كانت تخفيها في ملابسها. وكانت «الحاجة مناعة» تحظى بمعاملة استثنائية لتقديمها الرشى لصغار وكبار المسؤولين في السجن، بدءاً من السجاجيد وحتى السيارات.

أما أشرف العناصر في السجن، بناءً على أقوال السجانات ومأمور السجن، فهن القاتلات لأنهن «ارتكبن جرائمهن في لحظة غضب دفاعاً عن الشرف وعن الكرامة». وكان من بينهن مَن لم ترتكب أي جريمة على الإطلاق ولكنهن اعترفن بديلاً عن أزواجهن الذين ارتكبوا هذه الجرائم بالفعل، خصوصاً السجينات المنتميات إلى الصعيد. وكن يبررن تضيحاتهن بحرصهن على أن تظل بيوتهن مفتوحة، ولا يضيرهن أن يقترن أزواجهن بأخريات؛ فالمرأة الصعيدية السجينة تضحي بذاتها من أجل الجماعة ومن أجل العائلة ومن أجل التقاليد. ويأتي ترتيب اللصّات في ذيل قائمة السجينات؛ لأنهن موضع احتقار شديد داخل السجن ولا يمكن منحهن الثقة.

وتصف «عبد الرحمن» أجواء السجن، لافتة إلى أن الزنزانة لا تزيد مساحتها على متر واحد × متر ونصف المتر، أما التعذيب فلا يقتصر على العقاب الجسدي الذي يتمثل في الصعق بالكهرباء وتغطيس السجين في الماء الساخن والبارد، بل التعذيب النفسي وفرض العزلة، ومنع التواصل مع الآخرين، وهي الوسائل الأخطر تأثيراً على شخصية السجين.