حرب أوكرانيا تحول مرتزقة «فاغنر» إلى مدافعين عن الوطن

أصحاب سوابق يحملون البنادق على الجبهة... وداخل الحدود

تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر» (رويترز)
تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر» (رويترز)
TT

حرب أوكرانيا تحول مرتزقة «فاغنر» إلى مدافعين عن الوطن

تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر» (رويترز)
تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر» (رويترز)

لم تكن الضربة القاسية التي تلقتها قوات «فاغنر» في لوغانسك قبل يومين، الوحيدة التي تمر سريعاً من دون أن تثير كثيراً من النقاشات، باستثناء بعض التغطيات المحدودة في وسائل إعلام. كالعادة، لم يصدر تعليق رسمي على الحادث، ولا تفاصيل عن عدد الضحايا وحجم الخسائر.
تجاهلت وسائل الإعلام الحكومية الكبرى خبر تفجير فندق كان يستخدم مقراً رئيسياً لتحركات قوات «فاغنر» في دونباس، بينما اكتفت وسائل إعلام تابعة للقوات بنقل خبر مقتضب عن الحادث. وفي اليوم التالي، ترددت معطيات عن إسقاط طائرة مقاتلة تابعة أيضاً لقوات «فاغنر» كانت تقوم بمهمة في المنطقة، قُتل طاقمها المكون من شخصين؛ لكن الأهم في الخبر -وفقاً لمعطيات وسائل إعلام- أنه كشف امتلاك المجموعة التي أحيط نشاطها العسكري دائماً بهالة من السرية والتكتم، أسلحة ثقيلة، بينها مقاتلات من طراز «سوخوي».
هذا الكشف لم يكن الوحيد الذي فاجأ كثيرين في روسيا وخارجها؛ إذ سبق ذلك انتقال نشاط قوات «فاغنر» إلى العلن، بعدما ظل لسنوات محاطاً بكثير من الغموض والكتمان، وكان تناول المعطيات المتعلقة بالعمليات العسكرية للمجموعة يعد من المحظورات.
وكشفت وسائل إعلام حكومية روسية النقاب للمرة الأولى قبل أسابيع، عن نشاط مجموعات «فاغنر» العسكري في الحرب الأوكرانية، وتحدثت عن دور أساسي تقوم به في معارك دونباس. وكانت مسألة مشاركة الوحدات العسكرية الخاصة التابعة لهذه المجموعة، في «العملية العسكرية الروسية الخاصة» معروفة منذ وقت طويل؛ لكن هذا النشاط أحيط دائماً بتكتم شديد، أثير حوله كثير من التساؤلات، وهو الأمر الذي بدا تكراراً لتجارب سابقة في تغطية النشاط الخفي للمجموعة في سوريا وليبيا وبعض البلدان الأفريقية.
وبدا أن موسكو اتخذت قراراً بكشف جوانب من هذا النشاط، على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة في أوكرانيا، وفي إطار التعاطي الجديد الذي وضعه قائد الوحدات المشتركة، سيرغي سوروفيكين، لإدارة المعارك.
وحملت التغطيات التي قدمتها وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية إشارات واضحة إلى هذا التعاطي المختلف، فقد باتت تنشر بيانات عن تحركات أفراد المجموعة العسكرية، وتصريحات لمؤسسها يفغيني بريغوجين، المقرب من الكرملين، وهو الذي كان مجرد ذكر اسمه إلى جانب «فاغنر» يسفر عن فتح قضايا جنائية، كما حدث في وقت سابق مع حزب معارض صغير، تعرض لملاحقة وخسر قضية في المحاكم، وتم تغريمه بدفع تعويضات ضخمة.
ونشرت شبكة «روسيا سيغودنيا» أخيراً، للمرة الأولى، معطيات عن مشاركة عناصر «فاغنر» في معارك ضارية في دونيتسك، وتحدثت عن تقدم طفيف أحرزته المجموعة عبر نجاحها في الاستيلاء على مناطق تقع على خطوط التماس. وفي الوقت ذاته، أشارت إلى مشاركة فاعلة لقوات «فاغنر» في الاشتباكات المتواصلة على تخوم مدينة باخموت، جنوب غربي دونيتسك، مع اقتراب القوات منها، بعد «تحرير» بلدة كديما جنوب المدينة.
اللافت أن المحطة التلفزيونية الحكومية الروسية، دخلت للمرة الأولى في تاريخ تغطية نشاطات هذه المجموعة إلى مواقع القتال، ونشرت مقاطع فيديو تم تصويرها خلال تغطية المعارك.
كان اسم «مجموعة فاغنر» قد ظهر إلى العلن للمرة الأولى مباشرة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وتحدثت تقارير عن أن مشاركة مقاتلي المجموعات في بعض العمليات العسكرية سبق إرسال الوحدات العسكرية الروسية النظامية. وشاركت قوات «فاغنر» التي يديرها رجل الأعمال المقرب من الكرملين يفغيني بريغوجين، في معارك ضارية في تدمر وحلب ومناطق أخرى في سوريا. كما تحدثت تقارير عن مشاركة المجموعة في عمليات قتال جرت في ليبيا، وعن دور أساسي قامت به في بعض بلدان القارة الأفريقية، خلال السنوات السابقة.
لكن الجديد في المعطيات التي تناقلتها وسائل الإعلام لم يقتصر على الكشف عن علاقة بريغوجين بـ«فاغنر»؛ بل تعدى ذلك، إلى الكشف عن تفاصيل كانت تعد دائماً من المحرمات، مثل الإشارات إلى أن المنتسبين إلى هذه المجموعات في جزء كبير منهم هم من أرباب السوابق، وتم إطلاق سراح بعضهم من السجون بشكل مشروط بتوقيع عقود للقتال في أوكرانيا، مقابل رواتب شهرية مجزية.
تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر»؛ لكن هذا الرقم لا تؤكده المصادر الروسية التي تتجنب دائماً الخوض في التفاصيل.
في الوقت ذاته، كشفت حوادث وقعت أخيراً عن معطيات تؤكد الرواية الأوكرانية؛ إذ حملت حادثة قيام مسلح ينتمي للمجموعة بإطلاق النار في بلدة حدودية داخل الأراضي الروسية على بعض عناصر الشرطة، تفاصيل مثيرة للغاية؛ خصوصاً بعدما انبرى بريغوجين علناً للدفاع عن مطلق النار، وتعهد بإطلاق سراحه و«إعادته إلى الجبهة سريعاً».
وقال بريغوجين لوكالة «نوفوستي»، إن «قيادة مجموعة (فاغنر) لا تتنصل من مسؤوليتها عن تصرفات بافيل نيكولين الذي أطلق النار على ثكنة لرجال الشرطة في بلدة نوفوشاختينسك بمنطقة روستوف»، وزاد أنه كتب إلى المدعي العام تعهداً شخصياً بضمان نقل المتهم إلى دونباس، في مقابل الإفراج عنه.
وقعت الحادثة بعد ظهر يوم 6 ديسمبر (كانون الأول)، وبات معلوماً أن رجلاً يرتدي ملابس مموهة فتح النار من مدفع رشاش خفيف على الشرطة، ما أدى إلى وقوع بعض الإصابات، ثم فر بعد ذلك. في اليوم التالي تم اعتقاله في قرية كيسيليفو. وحسب لجنة التحقيق فإن لديه سوابق جنائية تتعلق بالسرقة. وتم فتح قضية جنائية بموجب بنود التعدي على حياة ضباط إنفاذ القانون وحمل الأسلحة. وسرعان ما أعلن نيكولين أنه خدم في مجموعة «فاغنر». وقال مطلق النار إنه ظن خطأ «أن رجال الشرطة أوكرانيون». وأوضح بافيل نيكولين: «لم أكن أعرف حتى أنني عبرت (الحدود)، تخلفت وراء المجموعة». وعندما سئل: لماذا بدأ إطلاق النار على الشرطة؟ قال المشتبه به إنه «اعتقد أن هذا كمين أوكراني». وأضاف نيكولين: «لأنهم لم يكونوا يرتدون الزي العسكري (في الملابس) ولم يبرزوا وثائق».
كشفت الحادثة جانباً خطيراً في الموضوع، فرجال «فاغنر» الذين أُطلقوا من السجون وتخلصوا من أحكام جنائية ليقاتلوا في أوكرانيا، لا يحملون السلاح فقط في ساحات القتال؛ بل وفي الداخل الروسي أيضاً. لكن هناك قصة أخرى، كان بريغوجين بطلها أيضاً. وهي تظهر جانباً من التفاصيل المتعلقة بمقاتلي «فاغنر».
قبل أسابيع، رفضت سلطات سان بطرسبورغ دفن مقاتل في مجموعة «فاغنر» لقي مصرعه أخيراً، في «ممشى الأبطال» التابع للمقبرة التاريخية في المدينة. هناك يرقد كثيرون من العسكريين النظاميين الذين لقوا مصرعهم في ساحات القتال في حروب مختلفة سابقاً، وسبب الرفض أن لهذا الرجل «تاريخاً إجرامياً».
أثار الرفض غضب بريغوجين، ووصف الحادثة بأنها فضيحة. وقال لوكالات رسمية: «يمكننا أن نقول إن هذا جزء من التخريب والاستهزاء بذكرى إخواننا الموتى. لن نصمت على هذه الفضيحة، وسنقاتل من أجل كل مقاتل، سواء كان أسيراً أم قتيلاً». وزاد في حديث صحافي: «يقاتل السجناء السابقون وضباط إنفاذ القانون جنباً إلى جنب، ويموتون معاً، باسم وطنهم الأم المشترك». وتعهد بأن يظهر لسلطات مدينة سان بطرسبورغ: «من هو على صواب ومن على خطأ». وحذَّر رجل الأعمال من أنه «سوف يسحب كل نذل من آذانه»، ويقدمه إلى العدالة، داعياً من اتخذ قرار عدم دفن «المدافع عن الوطن» في «ممشى الأبطال» إلى أن «ينظر في عيون هذا الجندي الميت الذي مع رفاقه في السلاح، يفي بالعقد مع الوطن حتى النهاية، حياً أو ميتاً».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».