مصر: مقترح بيوم دراسي من 3 فترات «تُعطله» أزمة «نقص المعلمين»

ضمن مناقشة برلمانية لمواجهة كثافة الفصول

وزير التربية والتعليم المصري ( صفحة وزارة التربية والتعليم على «فيسبوك»)
وزير التربية والتعليم المصري ( صفحة وزارة التربية والتعليم على «فيسبوك»)
TT

مصر: مقترح بيوم دراسي من 3 فترات «تُعطله» أزمة «نقص المعلمين»

وزير التربية والتعليم المصري ( صفحة وزارة التربية والتعليم على «فيسبوك»)
وزير التربية والتعليم المصري ( صفحة وزارة التربية والتعليم على «فيسبوك»)

لمواجهة الكثافة الطلابية داخل المدارس الحكومية المصرية، تقدم مجلس الشيوخ المصري (البرلمان)، بمقترح يقضي بتقسيم اليوم الدراسي إلى ثلاث فترات، كحل مؤقت لحين تنفيذ توسعات مرتقبة لزيادة سعة وعدد المدارس، وعدت بها الحكومة.
وتقدم مجلس الشيوخ، (الاثنين)، بورقة بحثية لأمانة لجنة التعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تضمنت مقترحات لـ«استعادة» الريادة العلمية والتعليمية للمدارس، من بينها «مد اليوم الدراسي ليبدأ من الثامنة صباحاً، ويستمر حتى التاسعة مساءً، على أن يتضمن 3 فترات دراسية»، حسب نص الورقة.
وقالت يسرا أباظة، عضو مجلس الشيوخ المصري، إن الغرض من المقترح هو «الحد من كثافة الفصول، لا سيما خلال فترة الشتاء، وانتشار الأوبئة على شاكلة الفيروس (المخلوي التنفسي) الذي أصاب عدداً كبيراً من الأطفال خلال الفترة الأخيرة». وأكدت أباظة، في مداخلة هاتفية مع برنامج «صالة التحرير» على فضائية «صدى البلد» مساء (الاثنين)، أن المقترح «مؤقت»، معتبرة إياه «جزءاً من الإجراءات الاحترازية والوقائية لحين زيادة عدد المدارس على مستوى الجمهورية، ومن ثم الحد من الكثافات الطلابية، ما ينعكس على الصحة وجودة العملية التعليمية».
غير أن المقترح يواجه معضلة «نقص المعلمين»، فحسب تصريح لوزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق الدكتور طارق شوقي، أمام مجلس النواب في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فإن «قطاع التعليم يعاني عجزاً في عدد المعلمين يُقدر بنحو 323 ألف معلم على مستوى الجمهورية».
في السياق عينه، قدرت وزارة التربية والتعليم، في بيان إحصائي نُشر مطلع العام الجاري، عدد المدارس الحكومية بنحو 49067 مدرسة، فيما وصل عدد الطلاب بالمدارس الحكومية إلى 22.504.582 مليون طالب، ما يشير إلى الكثافة الطلابية.
وأثارت أزمة الكثافة الطلابية في الفصول عدداً من الأزمات، كان أبرزها صورة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في بداية العام الدراسي، سبتمبر (أيلول) الماضي، تضمنت قائمة طلاب فصل في مدرسة تابعة لإدارة الخانكة التعليمية، بمحافظة القليوبية، بلغ عدد الطلاب فيه 119 طالباً وطالبة، وقتها نفت وزارة التربية والتعليم صحة المنشور، وأوضحت أن «الكشف يضم أسماء الطلاب في فترتين دراسيتين، على مدار اليوم، وليست واحدة».
من جانبه، أكد الدكتور علاء الجندي، خبير المناهج والتدريس، ومدرب معتمد من وزارة التربية والتعليم، «صعوبة» تنفيذ مقترح مد اليوم الدراسي إلى 3 فترات. وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «أزمة الكثافة الطلابية إرث يصعب حله بمقترح مؤقت، لا سيما أنه يواجه معضلة النقص الشديد في أعضاء هيئة التدريس، كذلك الكثافة السكانية، التي باتت غولاً يلتهم الجهود التنموية».
وأشار الجندي إلى أن تقسيم اليوم الدراسي إلى ثلاث فترات، «يؤثر سلباً على سير العملية التعليمية»، موضحاً أن «زيادة عدد الفترات الدراسية يترتب عليه خفض عدد الحصص المدرسية، وفي أقل تقدير تقليل وقت الحصة، وهذا من شأنه أن يؤثر على نتاج خطة التعلم، ما سيؤدي إلى تراجع في مستوى التلاميذ».
وعن تصوره لحل أزمة الكثافة الطلابية، اقترح الجندي المشاركة المجتمعية، وقال إن «على المجالس النيابية أن تبحث عن حلول واقعية ومبتكرة مثل المشاركة المجتمعية في بناء مدارس جديدة، وتوفير ميزانية لتعيين معلمين جدد لسد العجز الشديد».
وكانت وزارة التربية والتعليم المصرية قد أعلنت في يوليو (تموز) الماضي عن إطلاق مسابقة تستهدف اختيار 14 ألفاً، و813 معلماً، من أصل 60 ألفاً و719 شخصاً تقدموا للمسابقة، على أن يجتاز المتسابقون اختبارات إلكترونية، وفي إطار محاولات التربية والتعليم لسد عجز المعلمين، أعلنت الوزارة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن فتح باب التقديم لوظيفة معلم بنظام الحصة، واشترطت أن يكون المتقدم للوظيفة حاصلاً على مؤهل جامعي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.