إيلي صعب يُدخل الرجل إلى عالمه الخاص... للمرة الأولى

قال لـ «الشرق الأوسط» : حرصت على أن يبقى الأساس كلاسيكياً واكتفيت بتعزيز جُرعة التطريز

إيلي صعب يحيي الحضور في باريس
إيلي صعب يحيي الحضور في باريس
TT

إيلي صعب يُدخل الرجل إلى عالمه الخاص... للمرة الأولى

إيلي صعب يحيي الحضور في باريس
إيلي صعب يحيي الحضور في باريس

لا يزال المصمم إيلي صعب يُلهب الجانب الرومانسي في المرأة. فكلما اقتربت من الأزياء الهندسية التي توحي بالقوة، جذبها هو إلى عالمه المفعم بالشاعرية والأنوثة. هذا ما أكدته تشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2023 التي قدمها في موسم «الهوت كوتور» بباريس مؤخرا. كل ما فيها من تصاميم وألوان وخطوط كان مُنعشاً كنسمة هواء خفيفة، لا سيما أنه خفف من الترتر وأحجار الكريستال، الأمر الذي منح المرأة قوة من نوع آخر. قوة منحتها حرية حركة لا تخفى على العين.
من يقترب من إيلي صعب يعرف أن وراء هدوئه وأسلوبه الرومانسي الحالم عاصفة من الأفكار ذات الجانب التجاري. إمبراطوريته التي تشمل جوانب تتعدى الأزياء والإكسسوارات والعطور إلى تصميم الديكورات المنزلية واليخوت وغيرها أكبر دليل على ذلك. في عرضه الأخير من خط «الهوت كوتور» لموسم خريف وشتاء 2023 بباريس، وسع هذه الإمبراطورية بدخوله مجال التصميم الرجالي ليُثبت أيضاً أنه قارئ جيد لأحوال السوق وما تفرضه من تغيرات اجتماعية وثقافية.

أول إطلالة كانت جريئة بفكرتها وألوانها وفاجأ بها الحضور

لأول مرة منذ بدايته، قدم في عرض كانت كل التوقعات تُشير إلى أنه للمرأة فحسب، مجموعة لافتة من الأزياء الرجالية قال إنها جاءت «نزولاً عند رغبة الرجل. هو من ظل يطالبني لسنوات بأزياء خاصة به» حسب ما أكده في مكالمة مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً «لا أخفيك أني بدأت التفكير في تنفيذ هذه الخطوة منذ فترة ليست بالقصيرة. كنت مترددا لكني شعرت حاليا أن وقتها قد حان».

«الكاب» ظهر من بعيد وكأنه استلهم من «البشت» العربي لولا حجمه

كان عنوان التشكيلة «بداية الشفق»، وهو ما لا يترك أدنى شك أنها موجهة للمساء والسهرة. ورغم أن الفساتين الموجهة للمرأة كانت مفعمة بالترف والشاعرية، فإن المفاجأة التي انتزعت الشهقات هي «الكابات» الرجالية. طبعاً كانت هناك الكثير من البناطيل التي نسقها مع «تي - شيرتات» مطرزة وبدلات إلا أن المعاطف على شكل «كايبس» كانت قوة الجذب الأكبر. يشرح إيلي: «كان مهماً بالنسبة لي ألا تخرج عن إطار الفخامة الكلاسيكية. فأنا هادئ بطبعي، وأميل إلى الأسلوب الرجالي الكلاسيكي الذي لا يعترف بزمن، لهذا حرصت على أن تبقى الأساسات كذلك، وكل ما قمت به أني أضفت زخات من التطريز إضافة إلى الأحجام السخية. فهذه كانت هي البهارات التي منحت كل قطعة جاذبيتها وفخامتها».

حرص المصمم على أن تكون الأساسات كلاسيكية

يضيف أنه تعامل مع كل قطعة بأسلوبه المعتاد: تفصيل كلاسيكي لا يُعلى عليه تزيده التطريزات والأقمشة المُترفة والألوان التي تباينت بين الداكن والمعدني بهاءً. كلها انسابت بسخاء في مجموعة من «الكايبس» زُين بعضها بالريش وبعضها الآخر بالأحجار والخرز. كانت أول إطلالة لعارض اختال مثل الطاووس في «كايب» طويل مزين بالريش لفتت خطوطه المتعرجة بالأحمر والأسود الأنظار ويكاد يحسبه الناظر مُستلهماً من البشت العربي لولا أنه أكبر حجماً. في البداية اعتقد الحضور أنها ستكون قطعة يتيمة يستهدف منها المصمم تقديم استراحة قبل إرسال المجموعة الثانية من الأزياء النسائية. لكن مع توالي الإطلالات الرجالية بدأت المقارنات والتكهنات بأن الرجل سيكون له نصيب كبير من هذه التشكيلة، وربما في تشكيلات قادمة، لا سيما أن نجاحها مضمون تخاطب بطريزاتها السخية وجُرأتها الواضحة مناسبات الأعياد والأعراس.

ما أكده إيلي صعب من دخوله، أو بالأحرى إدخاله الرجل إلى عالم «الهوت كوتور» أن هذا الأخير أصبح ينافس المرأة في إقباله على الموضة وإنعاشها، وأيضاً في رغبته في التميز في المناسبات المهمة مهما كان الثمن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيلي صعب ليس أول من بادر بهذه الخطوة، فقد سبقه إليها مصمم دار «فالنتينو» بيير باولو بكيولي في العام الماضي، ثم ديمنا فازاليا، مصمم دار «بالنسياغا»، حين قدم أول تشكيلة «هوت كوتور» للدار منذ 53 عاماً، خص فيها الرجل بمجموعة مهمة. هذا التهافت على نيل رضا الرجل يؤكد أن المُستقبل سيكون للأزياء الرجالية، وهو ما تؤكده أرقام المبيعات والانتعاش الذي تشهده حقائب اليد والأحذية الرجالية إلى جانب الأزياء.
فرغم أن الأقسام المخصصة للرجال لا تزال أصغر مقارنة بتلك الخاصة بالنساء، فإن معظم بيوت الأزياء سجلت أرباحاً في هذا القطاع شجع بعضها مثل «لويس فويتون» على فتح محلات مستقلة خاصة به. فقد أعلنت «ماتشزفاشن» أن مبيعاتها في قسمها الرجالي ارتفعت بنسبة 40 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفعت أسعار الأحذية بنسبة 50 في المائة. نفس الشيء بالنسبة للموقع الإلكتروني «مايتيريزا» Mytheresa، الذي أطلق قسماً رجالياً في عام 2020 ليُلبي تزايد الطلب. مواقع أخرى كان توجهها يقتصر على المرأة تعلمت هي الأخرى لغة الرجل مثل «آوتنيت» في شهر مارس (آذار) الماضي. هذا الانتعاش عززته دراسة قامت بها «يورو مونيتور» بنشرها تقريراً يُفيد بأن هذا الجانب سينمو بسرعة أكبر من غيره خلال الأربع سنوات القادمة ليصل إلى 547.9 مليار دولار بحلول عام 2026 بمعدل نمو سنوي يقدر بـ5.8 في المائة، مقارنة بـ5.3 في المائة فقط للجانب النسائي.

5 نقاط حددت عرض إيلي صعب
1- أقيم العرض في «لوكارو دو تومبل» بباريس، وهو مبنى يعود إلى القرون الوسطى. في عام 2001 خضع لعملية ترميم شارك فيها أربعمائة من السكان المحليين، ليُفتتح مؤخرا كمركز متعدد الأغراض. بمساحته وانفتاحه على الخارج ما يسمح باختراق الضوء له، كان مسرحا مناسبا لرؤية تفاصيل التشكيلة بوضوح.
2- «بداية الشفق» كان العنوان الذي اختاره المصمم. فغروب الشمس له دائما إيحاءات شاعرية تناسب ميوله وأسلوبه، ثم لا ننسى الإشارة إلى أنها موجهة لمناسبات المساء والسهرة.
3- تباينت الألوان في التشكيلة النسائية ما بين الألوان الهادئة المائلة إلى البيج والوردي والفضي، وبين الألوان الداكنة، مثل الأزرق والأسود وغيرها. أما بالنسبة للرجل فركز على الألوان الداكنة مع زخات ذهبية وقليل من الأحمر والأبيض.
4- رغم أن «الكاب» سرق الأضواء في هذه التشكيلة، فإنه من الظُلم تجاهل البدلات المفصلة، التي كانت تظهر بخجل من تحتها. فهذه كانت تشي بتفصيل لا يُعلى عليه، سواء تعلق الأمر بالسترات أو بالبنطلونات وغيرهما من القطع التي يمكن أن تُغني خزانة أي رجل وفي الوقت ذاته تُغنيه عن التوكسيدو في المناسبات الفخمة.
5- رسالة إيلي صعب كانت واضحة تتلخص في أن الرجل يستحق قطعا مفصلة على مقاسه. وهذا يعني أن تكون راقية تنتمي إلى خط «الهوت كوتور» لهذا لم يبخل عليها بالتطريز ولا بأي تفاصيل يمكنها أن تلفت الأنظار إلى لابسها.


مقالات ذات صلة

تالة أبو خالد... سعودية تعيد تعريف الأزياء العصرية بلمسة تراثية

لمسات الموضة المصممة السعودية تالة أبو خالد مع إحدى العارضات خلال عرضها الأول (الشرق الأوسط)

تالة أبو خالد... سعودية تعيد تعريف الأزياء العصرية بلمسة تراثية

في عالم الموضة والأزياء الذي يسيطر عليه المبدعون من جميع أنحاء العالم، برزت تالة أبو خالد بوصفها أصغر مصممة أزياء تدمج بين التراث والثقافة السعودية والتصاميم.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة المظهر المريح والأنيق هو السائد حالياً على المشهد... لأنه يعبِر عن زمننا (هيرميس)

كيف تغيرت أساليب أزياء العمل وأصبحت هجيناً؟

بدأ التغيير قبل الجائحة، لكنها فجّرت الأمور وفرضت تغييرات جذرية في أنماط حياتنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة دارا حمامة (خاص)

السباق بدأ والنهائيات ستكون في مراكش الحمراء

«فاشن تراست أرابيا لعام 2024» تعلن عن الأسماء الذين وصلوا إلى النهائيات ليتم الاختيار منهم 7 في حفل كبير بمراكش

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اشتهرت الدار منذ انطلاقها بالإثارة ونقشات الحيوانات الاستوائية (خاص)

«روبرتو كافالي»... ضيف شرف في أسبوع دبي المقبل

أعلن أسبوع دبي للموضة عن مشاركة علامة «روبرتو كافالي» ضيف شرف في فعاليات نسخته المرتقبة لربيع وصيف 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مجموعة من «ديفيد موريس» تتعدى الصورة السطحية لما هو أعمق

عقد «باسيفلورا» مرصع بالألماس والياقوت والزمرد في محاكاة للنباتات المائية (ديفيد موريس)
عقد «باسيفلورا» مرصع بالألماس والياقوت والزمرد في محاكاة للنباتات المائية (ديفيد موريس)
TT

مجموعة من «ديفيد موريس» تتعدى الصورة السطحية لما هو أعمق

عقد «باسيفلورا» مرصع بالألماس والياقوت والزمرد في محاكاة للنباتات المائية (ديفيد موريس)
عقد «باسيفلورا» مرصع بالألماس والياقوت والزمرد في محاكاة للنباتات المائية (ديفيد موريس)

ليس جديداً أن تُلهم المحيطات والبحار عالم الموضة والمجوهرات. فقد ألهمت قبل ذلك الأدب والرسم والموسيقى. بالنسبة للمصممين، كانت ولا تزال بألوانها المتغيرة وشعابها المتوهجة تثير بداخلهم مزيجاً من الفضول والرغبة في الغوص في أعماقها لاستكشاف كنوزها.

جيريمي موريس، الرئيس التنفيذي والمدير الفني لدار «ديفيد موريس»، يعشق السفر والترحال، وبالتالي كان قيامه برحلة بحرية مسألة وقت لا أقل ولا أكثر. غالبية مجموعاته الأخيرة تستكشف إما شواطئ وبحار الريفييرا أو أعماق المحيطات. منها ما ترصد انسيابية مياه زرقاء لازودية، أو سحر نباتاتها وشعابها. في مجموعته الأخيرة من المجوهرات الرفيعة وهي بعنوان «ميستيك كوف (Mystic Cove)»، رصد تفاصيل تداخلات ألوان هذه النباتات والشعاب المرجانية وانعكاسات الضوء وما تولده من شفافية آسرة من خلال الألماس والأحجار الكريمة الملونة. ما يحسب له فيها أنه تعدى رسم زبد البحر عند تلاطم الأمواج وزرقة المياه. غاص فيما هو أعمق باستعماله أحجاراً نادرة مثل الألماس الوردي.

أقراط «باسيفلورا» تحاكي النباتات المائية والشعاب المرجانية (ديفيد موريس)

طرح كماً من القلادات والأساور والخواتم والأقراط تأخذ سمات أسماك من انحناءات وحراشف، أو تتلون بألوان الشعاب المرجانية وشقائق النعمان. كان التورمالين بارايبا، حجراً رئيسياً فيها، بحكم أنه من الأحجار التي يُفضلها جيريمي. في هذه المجموعة كان له ما يُبرر استعماله. بلونه الأزرق الصافي، كان مثالياً لرسم لوحة مائية يتخللها انتعاش ينبعث من بريق الألماس، أو توهجاً يستمده من الزمرد الكولومبي والياقوت اللذين استعملهما بتدرجات تحاكي الشعاب المرجانية والنباتات المحيطة بها.

عقد «أكواسيما» (ديفيد موريس)

هذه التلاعبات الضوئية كانت مثلاً مصدر إلهام عقد «أكواسيما (Aquissima)»، المتميز بقطعة ألماس بيضاء بلون من الدرجة «دي»، 15.22 قيراط، وقطعة تورمالين بارايبا 9.58 قيراط، تزينها مجموعة من حجر الألماس الرقيق على شكل الكمثرى، فيما يعرف باسم «البريوليت». منحتها الدار نعومة وخفة جعلتها تبدو مثل رذاذ البحر.

أقراط أذن «باترفلاي راي» من الماس والتورمالين (ديفيد موريس)

أما أقراط «باترفلاي راي (Butterfly Ray)»، فكانت رفيقاً رائعاً لعقد مصنوع من الأحجار نفسها، التورمالين والألماس . تتكون هي الأخرى من أحجار كريمة صافية وبياض ساطع، تم تقطيعها على شكل وردة. إبداع جيريمي ظهر أيضاً في طريقة رصها بشكل ينساب بخفة وجمال يستحضر صورة أشعة الشمس الساطعة وهي تنعكس على سطح البحر.

خاتم «أوديسي» يتوسطه حجر تورمالين ضخم وتزينه قطع أخرى من الماس (ديفيد موريس)

خواتم اليد أيضاً خضعت للاهتمام نفسه الدقيق للتفاصيل. حدد جريمي موريس خطوطها وحجمها على مقاس الحجر المركزي الذي تم اختياره. وليس أدل على هذا من خاتم «أوديسي (Odyssey)»، الذي حدد حجر تورمالين بارايبا 6.75 قيراط، انحناءاته على نحو يشبه منحنيات شقائق النعمان البحرية.

خاتم «لاغونا (Laguna)» أيضاً تميز بترصيع هندسي الشكل، مع شارات مرصعة بالألماس تستحضر التسلسل الطبيعي لذيل السمكة، ما يعكس براعة وحرفية كبيرة من جانب الدار. وتتجلى هذه البراعة أكثر في خاتم «مانتا (Manta)»، الذي يتضمن حجر زمرد نادراً واستثنائياً بزنة 33.40 قيراط، على شكل نصف قمر بأسلوب «كابوشون».

أقراط «لاغونا أماريليس» من الياقوت والألماس (ديفيد موريس)

إضافة إلى تورمالين بارايبا والزمرد والياقوت، كان لا بد من استعمال أحجار أخرى لكي تكتمل الصورة. وهنا يأتي دور الألماس بمختلف ألوانه، علماً بأنه منذ أن تولى جيريمي منصبه، خلفاً لوالده ديفيد موريس عام 2003، أدخل الألماس الوردي في مجموعات الدار. يشرح أن لونه النادر لم يكن العنصر الوحيد الذي شده، بل أيضاً ما يتيحه من إمكانات كبيرة للابتكار والإبداع، وهو ما جسّده في قطع تعكس الظلال الرقيقة للأصداف والحياة البحرية المتلألئة بأعماق البحر في هذه المجموعة.

خاتم «باسيفيكا» مستوحى من حراشف سمكة وتتوسطه ماسة نادرة باللون الوردي (ديفيد موريس)

مثل خاتم «باسيفيكا (Pacifica)» الذي صاغه على شكل مروحة، تتوسطه ماسة وردية بعمق أرجواني لا يتوفر عادة بسهولة. واحدة من بين مليونَي ماسة تتميز بخصائص مماثلة. سلّط جيريمي الضوء على ظلها الوردي بمزجه الذهب الوردي والأبيض. من المجموعة نفسها، تم عرض خاتم «نبتون (Neptune)»، تتوسطه ماسة بشكل هندسي، تزن 5.33 قيراط، تزينها قطع من الألماس الوردي، بهدف التأكيد على زواياها الفنية.

أقراط «بلوسوم (Sea Blossom)» هي الأخرى صُمِّمت بانسيابية معتمدة على أحجار مركزية يزن كل منها أكثر من 10 قراريط، مع أحجار الماس الوردي Fancy Intense، بشكل كمثرى. فجيريمي حرص على أن تكون اللوحة فنية من دون أن ينسى أن المجوهرات الرفيعة هي أولاً وأخيراً استثمار للمدى البعيد.