ليبيا: مطالبات بالتحقيق في «جريمة» تسليم أبو عجيلة لأميركا

«الحركة الشعبية» دعت لمقاضاة حكومة الدبيبة محلياً ودولياً

صورة متداولة لضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة المريمي قبل تسليمه إلى أميركا
صورة متداولة لضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة المريمي قبل تسليمه إلى أميركا
TT

ليبيا: مطالبات بالتحقيق في «جريمة» تسليم أبو عجيلة لأميركا

صورة متداولة لضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة المريمي قبل تسليمه إلى أميركا
صورة متداولة لضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة المريمي قبل تسليمه إلى أميركا

تصاعدت ردود الفعل الغاضبة في ليبيا، على خلفية الإعلان عن تسليم المواطن أبو عجيلة مسعود، إلى الولايات المتحدة، للتحقيق معه في «تهمة تفجير» طائرة أميركية فوق مدينة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988.
وطالب مجلس النواب الليبي، بالإضافة لسياسيين وأكاديميين وإعلاميين، النائب العام المستشار الصديق الصور، اليوم (الاثنين) بالتحقيق مع «المتورطين» في تسليم أبو عجيلة إلى الولايات المتحدة، والأمر بالقبض «فوراً» على كل من له علاقة بهذه «الجريمة».
وأبو عجيلة محمد مسعود المريمي، هو ضابط سابق بجهاز الأمن الخارجي (الاستخبارات)، تجاوز الثمانين من عمره، خطفه مسلحون من منزله، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك حتى الآن. بينما حمَّلت عائلته الحكومة المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المسؤولية عن سلامته، وحذَّرتها من تسليمه إلى أي دولة أجنبية.
وعبرت «الحركة الوطنية الشعبية الليبية» عن إدانتها «لتسليم أبو عجيلة إلى السلطات الأميركية... نظير بقاء حكومة الدبيبة سيفاً مسلطاً على رقاب الليبيين»، مشيرة إلى أن «عملية التسليم هذه تخالف القانون الليبي، وتتجاهل الاتفاق السياسي» الذي أبرمه الرئيس الراحل معمر القذافي، مع الولايات المتحدة، في أغسطس (آب) 2008، بشأن تسوية قضية «لوكربي».
ودعت «الحركة الشعبية» في بيانها اليوم (الاثنين) «القوى الوطنية، من سياسيين وقانونيين ومثقفين للعمل على «تحميل الحكومة المسؤولية الأخلاقية»، و«مقاضاتها محلياً ودولياً على (هذا العمل الشنيع) الذي يمس بحقوق وكرامة المواطن الليبي».
وطرح الإعلان المفاجئ عن تسليم أبو عجيلة إلى الولايات المتحدة، على الرغم من تأكيد جهات غير رسمية أنه لا يزال في البلاد، كثيراً من الأسئلة عن كيفية خروجه من ليبيا، وهل خُطِف؟ أم سلمته الحكومة لقوات أميركية؟ لكن جميع هذه الاستفسارات لم تجد الإجابات الشافية لدى الجهات المسؤولة التي التزمت الصمت.
ودون أن يأتي على ذكر اسم أبو عجيلة أو أميركا، قال فتحي باشاغا، رئيس حكومة «الاستقرار» الليبية، إن «كل من ساهم في مخالفة القانون وانتهاك سيادة الدولة، والمساس باستقلال القضاء الوطني، تطوله المسؤولية الأخلاقية والوطنية التي لن يمحوها التاريخ الوطني من الذاكرة».
وأضاف باشاغا في تغريدات متتالية عبر حسابه على «تويتر»: «تطلعنا لترسيخ دعائم الديمقراطية ودولة القانون، يحتم علينا جميعاً ضرورة احترام حقوق الإنسان، ومحاكمة أي متهم تحت مظلة قانونية، وبإجراءات قضائية شفافة، تضمن للمتهم حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه».
ومضى باشاغا يقول: «نرفض بشدة أي شكل من أشكال الإرهاب، وندعم مبدأ المحاسبة ومحاكمة كل من ارتكب جريمة مخالفة للقانون، وعدم تمكين المجرمين من الإفلات من العقاب، شريطة أن يتم كل ذلك وفق أسس من الشفافية والشرعية الإجرائية والقضائية».
وبينما دعا الدكتور مصطفى الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي المختص في «قضية لوكربي» النائب العام إلى إصدار مذكرات قبض ضد كل من له علاقة بتسليم أبو عجيلة، رأى عضو مجلس النواب ميلود الأسود، أنه «تم البيع والتفريط في الوطن وثرواته؛ والآن يتم بيع أبنائه»، متسائلاً: «لمصلحة من هذا الخنوع؟ وما المقابل؟».
واعتبر عضو مجلس النواب، علي العيساوي، في تصريح صحافي نقله موقع البرلمان، اليوم (الاثنين)، أن إعادة فتح ملف «قضية لوكربي» بعد إغلاقه، يعد «أمراً غير مسؤول؛ كما تجب معاقبة المتواطئين في خطف أبو عجيلة»، مطالباً النائب العام «بفتح تحقيق فوري».
وقال إبراهيم بوشناف، مستشار الأمن القومي الليبي، إنه «خلافاً لكل التوقعات واستبعاداً لكل التحذيرات، فإن المواطن الليبي أبو عجيلة أضحى أسيراً لدى الولايات المتحدة»، مضيفاً: «ليس لنا في هذا المقام إلا تذكير المسؤولين الأميركيين بتعهداتهم وتشريعاتهم التي صدرت بشأن هذه القضية».
ونوه بوشناف إلى أن المادة الثالثة من الاتفاقية الموقعة في أغسطس 2008 بشأن «تفجير لوكربي» نصت على «قبول الطرفين للتسوية المادية، وتعتبر هذه الأموال المدفوعة تسوية كاملة ونهائية تماماً، ولا يجوز بعدها فتح أي مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر، قبل تاريخ 30 يونيو (حزيران) 2006».
كما لفت بوشناف إلى المادة «ب– 3» من ملحق الاتفاق التي تنص على «التزام الولايات المتحدة بتوفير الحصانة السيادية والدبلوماسية لليبيا، وبألا يستلم أهالي الضحايا أي تعويضات من الصندوق المشترك المخصص للغرض، إلا بعد توفير هذه الحصانة، وهو ما تم بالفعل عبر مراسيم رئاسية وتشريعية أميركية».
وسبق لوزارة العدل الأميركية توجيه الاتهام رسمياً إلى أبو عجيلة، في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021، بـ«ضلوعه في التخطيط وتصنيع القنبلة» التي أسقطت الطائرة فوق لوكربي، ما أدى إلى مقتل 270 شخصاً، بينهم 189 أميركياً.
وكان نظام القذافي قد سدد تعويضات قدرها 2.7 مليار دولار إلى عائلات الضحايا. وقد أُطلق سراح عبد الباسط المقرحي، المتهم الوحيد في القضية الذي حُكم عليه بـ27 عاماً؛ لأسباب صحية، عام 2009؛ لكنه توفي عام 2012 عن ستين عاماً في ليبيا.
وبشكل عام، دان محمد العلاقي، وزير العدل وحقوق الإنسان بالمجلس الانتقالي الليبي السابق «تسليم المواطنين الليبيين تحت أي مبرر، ما لم يكن وفق إجراءات قانونية وقضائية نص عليها القانون».
واعتبر مبروك أبو عميد، المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، أن تسليم أبو عجيلة «مخالف للقوانين والأخلاق... وصفقة مفضوحة لأناس سيلعنهم التاريخ».
وسبق لمجلس النواب الليبي التوعد بأنه سيطلب محاكمة كل من يثبت تورطه في محاولة إعادة فتح ملف «قضية لوكربي»، بتهمة «الخيانة العظمى»، معلناً عقب خطفه منتصف الشهر الماضي: «رفضه القاطع» تسليم أبو عجيلة، للولايات المتحدة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».