في أروقة المعرض بمركز «سوبر دوم» جدة، يقول أحد الناشرين: «هناك مدّ وجزر بين الثقافة والرياضة»، ويضيف: «يبدأ عدد الزائرين التناقص كلما اقترب موعد المباريات، لذلك خصصت الإدارة ساحة مجهزة بشاشة ضخمة؛ لمتابعة المباريات».
وتشهد منطقة المونديال في المعرض حضوراً كثيفاً من الجمهور من مختلف الأجناس والأعمار. يقول أحمد؛ وهو شاب يحمل رزمة من الكتب ويستلقي فوق أريكة أُعدت للجلوس: «لو شاهدت كيف تفاعل الجمهور مع فوز المنتخب المغربي على البرتغال، كان حدثاً استثنائياً».
ومساء أول من أمس، انقسم الجمهور بين مؤيد للفريق الإنجليزي، وآخرين شجعوا فرنسا.
وأمام أجنحة دُور النشر يمكنك أيضاً مشاهدة عشرات الشباب والشابات يتابعون أحداث المباريات عبر أجهزة الهاتف المحمول. ويمكن أيضاً ملاحظة تأثير كرة القدم على الثقافة على الحاضرين، خصوصاً على حضور الفعاليات الثقافية. وثمة كثيرون ممن غلبهم الانحياز لكرة القدم على حساب الثقافة.
هذه الساحرة المستديرة أوقعت الملايين في غرامها، وعبرت بعشاقها مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، بل تحولت هي نفسها إلى ثقافة متميزة وملهمة.
وبالعودة لمعرض جدة للكتاب، فقد حفل البرنامج الثقافي ليوم أمس الأحد، بإقامة ندوة حوارية بعنوان «كواليس صناعة فيلم: شمس المعارف»، تناولت تجربة هذا الفيلم الذي مثّل علامة فارقة في السينما السعودية. وعلاوة على نجاحه الكبير في شباك التذاكر السعودي والخليجي، سجل نجاحات أخرى على منصة «نتفليكس» بنسب مشاهدات عالية تزداد يوماً بعد يوم. تحدّث المشاركون عن قصص وكواليس الفيلم والتحديات التي واجهها صنّاعه للخروج بهذه التحفة السينمائية.
شارك في الندوة مُخرج الفيلم فارس قدس، وأبطاله: صهيب قدس، وبراء عالم، وأحمد صدام، وإسماعيل الحسن.
يُذكر أن «شمس المعارف» هو فيلم روائي كوميدي سعودي أُنتج عام 2020، وعُرض للمرة الأولى في 22 يوليو (تموز) 2020 بجدة، تلاه عرض آخر في الرياض، وذلك قبل العرض الجماهيري في صالات السينما السعودية في 31 يوليو 2020.
يحكي الفيلم قصة شباب سعوديين يغير الإنترنت حياتهم، بالتزامن مع ذروة صناعة المحتوى السعودي عليه، حيث يقرّر طالب في السنة الأخيرة من تعليمه الثانوي إنتاج فيلم رعب من دون ميزانية تُذكَر بمساعدة صديقه وعدوهما السابق ومعلمه، بيد أن المشروع يعرّض مستقبلهم للخطر.
الندوة الحوارية الثانية، التي شهدها المعرض أيضاً يوم أمس، حملت عنوان «هل يوجد ما يسمى بفنون الأقليات وآدابها؟». تناولت أدب الأقليات وفنونهم، أدارت الحوار عهود حجازي، وشارك في الندوة الدكتور باولو بران، وآلدو نيكوسيا، وأستاذة الأدب والنقد الحديث نورة القحطاني.
أمّا الندوة الثالثة فجاءت تحت عنوان «إنهم يكتبون ويرسمون: في العلاقة بين القلم والريشة»، بحث المشاركون فيها العلاقة بين الكتابة والرسم. فعادة ما يؤدي اجتماع القلم والريشة إلى ولادة مشروعات إبداعية وعلاقات إنسانية غير متوقعة.
أدار الحوار فايز الغامدي، وشارك في الندوة الفنانة التشكيلية والكاتبة هناء حجازي، والتشكيلية والشاعرة حميدة السنان.

عن تجربتها في الكتابة والرسم، ومتى اكتشفت أن هناك علاقة بين القلم والفن التشكيلي، تقول الدكتورة هناء حجازي، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ طفولتي كنتُ أبحث عن جديد، وأحاول التعبير كتابياً بطريقة جديدة، وكذلك الحال بالنسبة للرسم، كنت دائماً (أخربش) على الأوراق والطاولات، ولذلك فكلا الفنين: الكتابة والرسم كانا متلازمين بالنسبة لي. لا يمكنني تمييز أيهما بدأ أولاً. لكنني فيما بعد اتجهت لنشر أعمالي الكتابية أكثر من الرسم». وتضيف: «جاء الرسم في اللحظة التي لم أتمكن فيها من التعبير بالكلمات، وهذا الأمر دفعني لأُنمّي موهبة الرسم والتلوين في داخلي بشكل حرفي، فصِرتُ أشتري كتب تعليم الرسم وبدأت بتعليم نفسي».
وتكمل قائلة: «أما الكتابة فتسير معي. وأنا قارئة منذ طفولتي. وكان لزاماً عليّ أن أفعل ذلك، فالقراءة من مستلزمات الكتابة، بيد أنني لم أنقطع عن الرسم».
وعن القواسم المشتركة بين الكتابة والفن التشكيلي، تقول الدكتورة هناء حجازي: «حين أكتب أتخيّل المشهد الذي أكتبه، فيحضر بصورته وتفاصيله، وحينها كانت عملية تدوين لما أتخيله وأتصوره. وهذا أيضاً ينطبق على الرسم. معروفة برسم البورتريهات والأشخاص، ويعنيني أن أُدوّن الحالة الشعورية للإنسان الذي أرسمه، وأصور ملامحه بدقة. وهذا هو العامل المشترك عندي بين الكتابة والرسم، وكل همّي إيصال المشاعر، سواء بالكتابة أو بالفن التشكيلي (البورتريه) تحديداً».
على صعيد الشعر، نُظّمت أمسيتان؛ الأولى مخصصة للشاعر المصري هشام الجخ، أما الأمسية الثانية وأدارتها حليمة مظفر فكانت للشعراء السعوديين إبراهيم الحسين، وإبراهيم زولي، وروان طلال. قدّم الشاعر إبراهيم الحسين نصوصاً؛ من بينها «الضوء الذي حمَلَنا طويلاً»، مهداة إلى قاسم حداد:
كان الضوءُ يلعقُنا ويصقلُنا
مثلَ دمعتين
الضوءُ الذي حَمَلَنا طويلاً
كلمةً على كلمة.
كما قدم نصّاً بعنوان «لنخرجْ»:
لنخرجْ من الكلمات
ولنغادرْ دروبَها
فقد أقمنا طويلاً في حُجُراتِها
وعلّقْنا صُوَرَنا
ﻻ نريدُ أن نحملَ شيئاً من حروفِها
ﻻ نريدُ أن نحتفظَ بشيءٍ من هوائِها
لنخرجْ ولو مرّةً من الكلمات
دونَ أن نبكي
ودونَ أن نلتفت.
أما الشاعر إبراهيم زولي فقدم نصوصاً متعددة؛ من بينها: (بيارق)
خُذْ معك البيارق الفخورة بالضجر
ما أجفّف به جرح الهزيمة
ما كنت تتباهى به
أمام الغرباء وقطّاع الطرق
خُذْ معك ما لا أحزن عليه
وليس له ذكرى واحدة
خُذ وجهك المسرف في السهو
مفتوناً بالأبوّة الكاذبة
ويصافح معرض جدة الدولي للكتاب جمهوره العام الحالي، بمؤتمرين دوليين؛ الأول في مجال النشر الرقمي، والآخر في مجال الخيال العلمي. وبرنامج ثقافي يتضمن أكثر من 100 فعالية، مع مشاركة أكثر من 900 دار نشر محلية وعربية وعالمية، عبر 400 جناح، ومساحة مخصصة لعشاق المانجا والخيال العلمي، وينظم للمرة الأولى من هيئة الأدب والنشر والترجمة، ويستمر حتى يوم السبت 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
