ما حدود تدخل الصين وروسيا في أزمة «سد النهضة»؟

تقديرات متباينة بشأن قدرتهما على دفع المفاوضات

«سد النهضة» الإثيوبي (وزارة المياه والطاقة الإثيوبية)
«سد النهضة» الإثيوبي (وزارة المياه والطاقة الإثيوبية)
TT

ما حدود تدخل الصين وروسيا في أزمة «سد النهضة»؟

«سد النهضة» الإثيوبي (وزارة المياه والطاقة الإثيوبية)
«سد النهضة» الإثيوبي (وزارة المياه والطاقة الإثيوبية)

أثار حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن قضية «سد النهضة»، خلال فعاليات النسخة الأولى من القمة العربية - الصينية، التي عُقدت أخيراً بالرياض، تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين، في حل الأزمة. وبموازاة هذه التساؤلات، تجدد الحديث داخل الأروقة السياسية المصرية عن إمكانية أن تؤدي روسيا دوراً في هذا المجال، لكون موسكو وبكين ترتبطان بعلاقات وثيقة مع مصر تمتد لأكثر من 7 عقود. وبينما تعلو طموحات البعض بشأن حدود التدخل الصيني والروسي لحل الأزمة، يرى آخرون أن الأمر لن «يتجاوز دعوة دبلوماسية للتفاوض».
وفي كلمته أمام القمة «العربية – الصينية»، دعا السيسي إلى «وضع قضية الأمن المائي على رأس أولويات التعاون المستقبلي ضمن المنتدى العربي - الصيني»، مجدداً الدعوة لإثيوبيا لـ«الانخراط بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم». الأمر الذي فسره خبراء بأنه «دعوة للصين للتدخل في الأزمة».
وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 11 عاماً بشأن «سد النهضة» الذي تبنيه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر أن يؤثر على حصتها من مياه النهر.
جدّد حديث الرئيس المصري عن الأزمة طموحات البعض بشأن الحصول على دعم من الصين وروسيا في الأزمة، لا سيما أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بحث أخيراً مع نظيره الإثيوبي ملف «سد النهضة» في إطار جولته الأفريقية التي شملت مصر وأوغندا والكونغو، في يوليو (تموز) الماضي.
وترى الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن موقف روسيا تجاه قضية «سد النهضة» الإثيوبي، «متوازن ويقترب من الموقف المصري»، موضحة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «موسكو تدعم التسوية السلمية للأزمة، وتؤكد على حقوق مصر المائية، وفي نفس الوقت تؤكد على حق إثيوبيا في التنمية»، مشيرة إلى أن «موسكو سبق أن عرضت الوساطة لحل الأزمة عام 2019، لكن لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية في هذا الاتجاه، ربما بسبب انخراط الولايات المتحدة الأميركية في وساطة مماثلة خلال نفس الفترة».
وخلال فعاليات قمة «روسيا – أفريقيا» التي عُقدت عام 2019 في منتجع سوتشي، قال ميخائيل بوجدانوف، مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن «بلاده مستعدة للتوسط بين مصر وإثيوبيا حول مسألة (سد النهضة)، إذا طُلب منها ذلك»، مشيراً إلى ما وصفه بالعلاقات «المتميزة» التي تجمع موسكو بكل من القاهرة وأديس أبابا.
الموقف الروسي بشأن «سد النهضة» عرضه مندوبها لدى مجلس الأمن، فاسيلي نيبنزيا، خلال اجتماع لمناقشة الأزمة بدعوة من مصر في يوليو من العام الماضي، وقال إن «بلاده تعترف بأهمية مشروع السد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإثيوبيا، وفي الوقت نفسه تدرك الشواغل المشروعة لدى مصر والسودان، في غياب اتفاق حول تقاسم الموارد المشتركة»، مؤكداً أنه «لا بديل لتسوية النزاع إلا عبر السبل السياسية»، رافضاً «تنامي الخطاب التهديدي الذي لن يقود إلى حل سلمي تفاوضي»، ومقترحاً «عقد مفاوضات حول الأزمة برئاسة الاتحاد الأفريقي».
ولم يختلف موقف الصين عن روسيا؛ ففي نفس الجلسة أكد تشانغ غيون، مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، أن «بلاده تتفهم شواغل مصر والسودان وإثيوبيا، لكن يجب أن تُحل الأزمة بالمفاوضات»، مشيراً إلى أن «(سد النهضة) يمكن أن يكون مشروعاً للتعاون الأفريقي».
ولم تلقَ المواقف الصينية والروسية ترحيباً في الأوساط الإعلامية المصرية في حينه؛ إذ اعتبرها البعض «مخيبة للآمال»، متهمين موسكو بـ«الانحياز لإثيوبيا»، مما دفع السفير الروسي في القاهرة غيورغي بوريسينكو، لنفي هذه الاتهامات، وقال في تصريحات تلفزيونية في أغسطس (آب) من العام الماضي، إن «تفسير خطاب بلاده في مجلس الأمن باعتباره انحيازاً لإثيوبيا، تفسير خاطئ»، مشدداً على أن «موقف بلاده كان متوازناً ولا يختلف عن موقف معظم الأعضاء في مجلس الأمن».
وهو ما تؤكده أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، وتقول الشيخ، إن «التفسيرات الإعلامية لخطاب روسيا في مجلس الأمن لم تكن موضوعية»، موضحة أن «الموقف الروسي كان متوازناً، ويدعم التسوية السلمية، ويرفض استخدام القوة»، مفسرة حالة «عدم الرضا» عن موقف موسكو بـ«مقارنة موقف روسيا من الأزمة، بمواقف الاتحاد السوفياتي السابقة الداعمة لمصر في صراعها مع إسرائيل في الستينات من القرن الماضي»، وتابعت الشيخ، أن «الوضع مختلف، وروسيا الحالية ليست الاتحاد السوفياتي؛ فتلك حقبة تاريخية مختلفة»، لكن الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن «موقف روسيا والصين في مجلس الأمن كان مخيباً للآمال»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «موقف بكين كان أضعف من موقف موسكو»، ومشدداً على أن «الموقف لم يطرأ عليه أي تغيير حالياً».
وتتمسك مصر والسودان بالوصول إلى «اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد»، وبين الحين والآخر يتم استدعاء وساطات دولية، أو اللجوء لمجلس الأمن الدولي احتجاجاً على ما تعتبره القاهرة تصرفات «أحادية» من جانب أديس أبابا.
وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا والصين لحل الأزمة، أكدت الشيخ أن «باستطاعتهما لعب دور الوسيط في الأزمة، لا سيما مع العلاقات القوية والقنوات المفتوحة التي تملكها موسكو مع أديس أبابا، والنفوذ القوي لبكين في إثيوبيا». وقالت إن «البلدين يمكنهما الدفع باتجاه تسوية سلمية، لكن الأمر رهن بمدى تجاوب الأطراف المختلفة في النزاع»، لكن السيد لا يعتقد أن «موسكو وبكين قادرتان على لعب دور فعال في حل الأزمة»، ويوضح أن «الصين تحتفظ بعلاقات طيبة مع إثيوبيا، وتعتبرها واجهة لها في أفريقيا، عبر مشروعات كثيرة، تعتبرها نموذجاً لتطوير علاقاتها مع القارة، وبالتالي لن تمارس ضغطاً على إثيوبيا في هذه القضية أو غيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا». وقال السيد، إن «بكين وموسكو تعتبران أديس أبابا انعكاساً لاستراتيجيتهما في القارة الأفريقية، وبالتالي لا يمكن أن تمارسا أي ضغط عليها، وإن كانتا تحرصان على علاقات طيبة مع مصر»، وتابع أن «التحرك الصيني أو الروسي في هذا الملف لن يتجاوز حدود توجيه دعوة دبلوماسية للحكومة الإثيوبية للسعي في اتجاه تسوية تفاوضية مع مصر، وهو أمر تقول حكومة أديس أبابا إنها تفعله».
وأكد السيد، أن «الحكومة الإثيوبية مُصرّة على بناء السد، الذي تعتبره إنجازاً ضرورياً، وهي تمتلك كل أوراق اللعبة، ولا تجد أي سبب يدعوها للتلاقي مع المطالب المصرية، ما دامت لا توجد ضغوط دولية»، وقال إنه «لا توجد دولة قادرة على الضغط على إثيوبيا حالياً؛ لما تتمتع به من علاقات متنوعة مع مختلف دول العالم».



ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)

طرح الإعلان الصومالي المتكرر بشأن تلقي دعم عسكري من مصر، تساؤلات حول حدود هذا الدعم المقدم إلى حكومة مقديشو، التي تتنازع مع أديس أبابا، ومساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي.

وكشف وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، عن تلقي بلاده «مساعدات عسكرية وذخائر من مصر»، مضيفاً في تصريحات صحافية السبت، أن «القاهرة تلعب دوراً داعماً للصومال، ودائماً ما دافعت عن مقديشو تاريخياً».

وعدّد خبراء وعسكريون صور الدعم العسكري المصري إلى الصومال، وقالوا إنه يتضمن «الدفاع المشترك وتبادل المعلومات، مع المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، في ضوء التحديات الأمنية التي يواجهها الصومال في الفترة الحالية.

وعارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال دولة مستقلة، وعدّت القاهرة الاتفاق «اعتداء على السيادة الصومالية».

تبع ذلك توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة أغسطس (أب) الماضي، على «بروتوكول تعاون عسكري»، كما أعلن السيسي مشاركة بلاده في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية من يناير 2025.

ووفق مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية، اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، فإن الدعم العسكري المصري للصومال يأتي بناء على «طلب رسمي من الجانب الصومالي، قدّمه الرئيس الصومالي (السلطة الشرعية)».

وأضاف الحلبي لـ«الشرق الأوسط» أن «المساعدات الأمنية والعسكرية المقدمة من القاهرة لمقديشو، تأتي في مسارين، الأول في إطار قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بمشاركة قوات مصرية بتسليح خفيف، لضمان حفظ الأمن وإنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية»، بينما المسار الثاني «يأتي في إطار التعاون الثنائي بين القوات المسلحة في البلدين، ويتضمن برامج تدريبية لرفع كفاءة وقدرات الجيش الصومالي».

ويرى الحلبي أن «الدعم العسكري المصري ليس موجهاً ضد أحد، ولا يستهدف الحرب مع أطراف إقليمية أخرى»، مشيراً إلى أن «مصر تستهدف دعم الصومال في ضوء تحديات أمنية، تتعلق بخطر التنظيمات الإرهابية، وتأمين منطقة البحر الأحمر»، وهو «ما يتفق مع محددات السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم المؤسسات الوطنية للدول التي تواجه نزاعات، حفاظاً على وحدتها وسيادتها، وهي السياسية المصرية ذاتها تجاه ليبيا والسودان واليمن وسوريا»، على حد قوله.

وأعلن الصومال، نهاية أغسطس الماضي، وصول معدات ووفود عسكرية مصرية للعاصمة مقديشو، في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام. أعقبه بيان إثيوبي انتقد «تدخلات خارجية» لدول لم يسمّها عدّها «تشكل مخاطر على المنطقة»، كما أشارت إثيوبيا إلى أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي».

وفي المقابل، انتقد مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية التحرك الإثيوبي في الصومال، للحصول على ميناء بحري على البحر الأحمر، مؤكداً أنه «يخالف قواعد القانون الدولي، وأن قلق الصومال مشروع، لأن التحرك الإثيوبي يمهد لانفصال الإقليم رسمياً».

فيما عدّد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، حدود وصور الدعم العسكري المصري للصومال، مشيراً إلى أنه يتضمن «اتفاقية دفاع مشترك، بجانب تبادل المعلومات، وبرامج تدريبية للقوات المسلحة الصومالية، والمشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، وقال إن «القوات المصرية في بعثة حفظ السلام قد تصل إلى 10 ألف فرد، سيتولى منهم 7 آلاف المشاركة في حماية الحدود، و3 آلاف يشاركون في حماية الوضع الأمني بالمدن».

وعدّ زهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «رغبة مصر في تحقيق الاستقرار والحفاظ على الصومال قد تجعل مستوى التعاون العسكري لا حدود له، ليصل لأقصى مدى ممكن، في ضوء اتفاقية الدفاع المشترك، وقواعد القانون الدولي».

وأوضح أن «القاهرة دائماً ما كانت مساندة لمقديشو منذ استقلال الصومال»، مشيراً إلى أن «هذا الدعم يزداد في فترات الأزمات، وتتعدد صوره»، واستشهد على ذلك «بزيارة الرئيس الصومالي الحالي للقاهرة 3 مرات منذ توليه المسئولية في مايو (أيار) 2022».

ويواجه الصومال تحدياً أمنياً، بسبب استمرار وجود قوات إثيوبية على أراضيه، وأشار زهدي إلى أن الوضع قد يتأزم حال تمسك أديس أبابا باستمرار قواتها، بعد انتهاء تفويضها بنهاية العام الحالي، ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية.

وكان وزير الخارجية الصومالي قد طالب في تصريحات إعلامية مؤخراً، بضرورة «مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية الأراضي الصومالية، بنهاية تفويضها هذا العام»، وعدّ بقاءها «احتلالاً عسكرياً، ستتعامل معه بلاده بكل الإمكانات المتاحة»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا لا تسعى للحصول على موانئ بحرية فقط، ولكن السيطرة على الأراضي الصومالية وضمّها لسيادتها».