دراسة تشير إلى «غياب» آلية التنافس الحر بين العرض والطلب في أسواق النفط

نتيجة استخدام السلاح الجديد «سقوف الأسعار»

ناقلات نفط تنتظر عند مرسى في البحر الأسود قبالة كيليوس بالقرب من إسطنبول تطبيقاً لقرار «تسعير النفط الروسي» (رويترز)
ناقلات نفط تنتظر عند مرسى في البحر الأسود قبالة كيليوس بالقرب من إسطنبول تطبيقاً لقرار «تسعير النفط الروسي» (رويترز)
TT

دراسة تشير إلى «غياب» آلية التنافس الحر بين العرض والطلب في أسواق النفط

ناقلات نفط تنتظر عند مرسى في البحر الأسود قبالة كيليوس بالقرب من إسطنبول تطبيقاً لقرار «تسعير النفط الروسي» (رويترز)
ناقلات نفط تنتظر عند مرسى في البحر الأسود قبالة كيليوس بالقرب من إسطنبول تطبيقاً لقرار «تسعير النفط الروسي» (رويترز)

قللت دراسة بحثية متخصصة من أثر قرار مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، بوضع سقف سعري للنفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل، للضغط على بوتين في حربه على أوكرانيا. غير أنها أشارت إلى أن «آلية التنافس الحر بين قوى العرض والطلب قد غابت عن هذه السوق».
وخلصت الدراسة، التي قدمها الدكتور محمد يوسف والباحثة موزة المرزوقي، من مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، إلى أن «جانب الطلب في هذه السوق دائمًا ما يعيد ترتيب نفسه وتنظيم صفوفه للوقوف أمام قوى العرض، وبالشكل والمقدار اللذين يضمنان له تحقيق أقصى منافع ممكنة، اقتصادية كانت أو غير اقتصادية».
وأضافت الدراسة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها: «يدفعنا ذلك للقول إن احتمالات نجاح سياسة سقوف الأسعار سوف تعني تقدمًا جديدًا وتطورًا نوعيًا لقوى جانب الطلب في هذه السوق، عبر استخدام سلاح جديد تحت اسم (سقوف الأسعار)، وهو السلاح الذي يمكن إشهاره في الزمان والمكان المناسبين لمصالح جانب الطلب. ولذلك تحديدًا؛ فإن قوى العرض عليها التعلم جيدًا من هذا الدرس لكي تضمن هي الأخرى تحقيق مصالحها الاقتصادية وغير الاقتصادية، ولكن من دون الإضرار بمصالح أيٍّ من الأطراف الدولية، أو حتى التأثير على مقتضيات النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل».
ومنذ الاثنين الماضي، حظر الاتحاد الأوروبي عمليات تسليم النفط الروسي المنقول بحرًا، بالإضافة إلى آلية تحديد سقف لسعر النفط الروسي صادق عليها الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا، تنصّ على مواصلة تسليم النفط المبيع بسعر أقصاه 60 دولارًا للبرميل فقط. وفي حال كان السعر أعلى من هذا السقف، يُمنع على الشركات التي تتخذ من هذه الدول مقرّات لها، توفير الخدمات التي تسمح بالنقل البحري، لاسيما التأمين.

- تدخل دولي نادر
وصفت الدراسة هذا الإجراء، بأنه تدخل دولي «يندر حدوثه سوى في أوقات الأزمات العالمية الكبرى ... ويعني أن آلية التنافس الحر بين قوى العرض والطلب قد غابت عن هذه السوق، ناهيك من كونه يعكس القوة التي يمتلكها المشترون في هذه السوق في مواجهة البائعين».
أشارت الدراسة، إلى حصة روسيا من الاحتياطيات النفطية المؤكدة عالميا التي تبلغ نحو 6.2 في المائة، والتي تضع الاقتصاد الروسي في المنزلة السادسة عالميًا من حيث حجم الاحتياطيات النفطية الدولية؛ الذي يأتي تاليًا في الاحتياطيات المؤكدة لكل من فنزويلا والمملكة العربية السعودية وكندا ثم إيران والعراق.
وقالت إنه «بينما يشكل النفط للاقتصاد الروسي مكانة بالغة الأهمية، سواء في توليد الناتج المحلي الإجمالي أو في توليد النقد الأجنبي، فإن ريع (إيرادات) النفط الذي يتحصل عليه الاقتصاد الروسي، والمتمثل في الفرق بين تكاليف الإنتاج النفطي والأسعار الإقليمية للنفط، بات يشكل حاليًا نحو عشر الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الروسي».
وعلى صعيد الإيرادات الروسية من صادرات النفط، أوضحت الدراسة، أن «المتحصلات التي جناها الاقتصاد الروسي من الصادرات النفطية الخام ومشتقاتها زادت من نحو 151.8 مليار دولار في عام 2017 لتصل لنحو 180.8 مليار في عام 2021. وكان عام 2019 هو العام الأعلى في الحصيلة النفطية الروسية بقيمة تناهز 188.3 مليار دولار». وأشارت إلى دور روسيا في مجموعة أوبك بلس، بقولها: «إن الدور الروسي في رسم سياسات الإنتاج النفطي العالمي لا يرتبط فحسب بقدراته الإنتاجية السنوية، بل يعتمد بصفة أساسية على مرونة الإنتاج النفطي».

- مكانة النفط الروسي
وإجمالًا، وفق الدراسة، فإن جميع المؤشرات توضح بما لا يدع مجالًا للاختلاف أن للاقتصاد الروسي مكانة دولية مؤثرة في سوق النفط العالمية، إما عبر تأثيره على المعروض النفطي العالمي أو عبر التأثير في التنظيمات الدولية لمنتجي النفط عبر تجمع أوبك بلس.
وترى الدراسة، أن «قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود في مواجهة العقوبات الغربية كانت – ولا تزال – سببًا رئيسيًا في لجوء الدول الغربية بقيادة G7 إلى تطوير أنواع مختلفة من العقوبات لتحقيق الهدف الأساسي لفرضها، والمتمثل في رفع فاتورة الحرب الروسية على أوكرانيا، وللدرجة التي تدفع الاقتصاد الروسي إلى التراجع، سلمًا أو حربًا».

- العرض والطلب
وعمومًا، فقد تفاعلت جميع العناصر على جانبي العرض والطلب في سوق النفط العالمية لتصل بسعر النفط في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي لما دون خط 85 دولارًا للبرميل لسلة أوبك.
وإزاء هذا التقلب في سوق النفط، فقد استمرت قوى التضخم النقدي في الاشتعال في جميع أسواق العالم. وكان ذلك إما استجابة لأسعار النفط المرتفعة – ناهيك من أسعار الغاز الطبيعي – ولعوامل اقتصادية وجيواستراتيجية إضافية حدثت في الأسواق العالمية وفي سلاسل الإمداد وخطوط التجارة العالمية. وفق الدراسة. ويرى الدكتور محمد يوسف والباحثة موزة المرزوقي، في الدراسة أن «التقييد الفعال والكامل للصادرات الروسية يعني بالنسبة إلى سوق النفط العالمية وبالنسبة للدول الغربية، ارتفاعًا غير مرغوب فيه في الوقت الحالي في أسعار النفط، ويعني أيضًا مزيدًا من التضخم الذي ما انفكت السياسات النقدية المحلية في أميركا وأوروبا تجاهد للنزول به لمستويات ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا».
قالت الدراسة: «إذا غضضنا الطرف حاليًا عن موقف الاقتصادين الصيني والهندي من التجارة النفطية مع روسيا، فإن التغلب على معضلة النفط الروسي باتت هدفًا رئيسيًا لصانع السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الاقتصادان الأوروبي والياباني. وكانت الفكرة الأساسية للتغلب على معضلة النفط الروسي أن يتم الجمع بين الحسنيين: إتاحة المجال وفتح قنوات التجارة أمام صادرات روسيا من النفط، وتقييد قدرات الاقتصاد الروسي لزجره عن الاستمرار في الحرب على أوكرانيا».
وحددت الدراسة آثار قرار وضع سقوف سعرية على النفط الروسي في أنها «تضمن أسعار السقوف الموضوعة أن تغطي تكاليف الإنتاج النفطي بهامش الأرباح العادية، وبما يعني استمرار صمود قطاع النفط الروسي ودوران عجلات الإنتاج النفطي».
أضافت: كما «تضمن فتح الأسواق الدولية أمام النفط الروسي بتدابير وإجراءات تحافظ على هذه السقوف السعرية، وبما يعني تجنب انخفاض العرض النفطي من الأسواق العالمية، وبما يحافظ على التوازن الحاصل حاليًا في هذه السوق». و«تحفز الشركاء التجاريين الأساسيين من خارج الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على التعامل الشفاف في التجارة مع روسيا بعيدًا عن الأسواق النفطية الموازية، وبما يحقق مصالح شركات الشحن والنقل والتأمين التي تمتلكها الاقتصادات المعاقبة للاقتصاد الروسي».
وترى الدراسة أنه في حال تداول النفط الخام بسعر 60 دولارًا أو أقل، فإن الدول المشاركة في سقف السعر، والتي تتضمن مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا، ستتيح الحصول على الخدمات الأساسية، بما فيها التأمين.


مقالات ذات صلة

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

الاقتصاد إحدى منصات «أديس» البحرية (موقع الشركة الإلكتروني)

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

أعلنت شركة «أديس القابضة» السعودية فوز منصتها البحرية المرفوعة «أدمارين 504» بعقد حفر مع شركة «بريتانيا-يو» في نيجيريا بنحو 81.8 مليون ريال (21.8 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خزانات تخزين النفط الخام في منشأة «إينبريدج» في شيروود بارك في أفق مدينة إدمونتون في كندا (رويترز)

الزيادة الكبيرة في مخزونات الوقود الأميركية تخفّض أسعار النفط

انخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي، يوم الخميس، بعد زيادة كبيرة في مخزونات الوقود في الولايات المتحدة أكبر مستخدم للنفط في العالم.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد العلم الإيراني مع نموذج مصغر لرافعة مضخة للنفط (أرشيفية- رويترز)

«رويترز»: إيران تضغط على الصين لبيع نفط عالق بقيمة 1.7 مليار دولار

قالت مصادر مطلعة، 3 منها إيرانية وأحدها صيني، إن طهران تسعى لاستعادة 25 مليون برميل من النفط عالقة في ميناءين بالصين منذ 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار «شل» خلال المؤتمر والمعرض الأوروبي لطيران رجال الأعمال في جنيف (رويترز)

«شل» تحذر من ضعف تداول الغاز الطبيعي المسال والنفط في الربع الأخير من العام

قلّصت شركة شل توقعاتها لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال للربع الأخير وقالت إن نتائج تداول النفط والغاز من المتوقع أن تكون أقل بكثير من الأشهر الـ3 الماضية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سفن الشحن راسية قبالة الساحل وتتقاسم المساحة مع منصات النفط قبل التوجه إلى ميناء لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

النفط يرتفع بدعم تراجع المخزونات الأميركية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الأربعاء، مع تقلص الإمدادات من روسيا وأعضاء منظمة «أوبك»، وبعد أن أشار تقرير إلى انخفاض آخر بمخزونات النفط الأميركية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

ألمانيا تسجل أعلى عدد من إفلاس الشركات منذ 2009

الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
TT

ألمانيا تسجل أعلى عدد من إفلاس الشركات منذ 2009

الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)

سجلت ألمانيا أعلى عدد من حالات إفلاس الشركات منذ عام 2009 في الربع الأخير من العام الماضي، وهو مؤشر على تأثير ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الأسعار، بحسب دراسة أجراها معهد «هالي» للأبحاث الاقتصادية، يوم الخميس.

وخلال الربع الرابع من عام 2024، تم الإعلان عن إفلاس 4215 شركة، مما أثر على نحو 38 ألف وظيفة، وهو مستوى لم يُسجل منذ الأزمة المالية في منتصف عام 2009، وفق «رويترز».

ووفقاً لحسابات المعهد، فقد ارتفع عدد حالات الإفلاس في نهاية العام الماضي بنسبة 36 في المائة مقارنة بالربع الرابع من عام 2023.

وأشار المعهد إلى أن هذا التطور السلبي يرجع جزئياً إلى الأزمة الاقتصادية الحالية وزيادة تكلفة الطاقة والأجور.

وقال ستيفن مولر، رئيس أبحاث الإفلاس في المعهد: «لقد حالت سنوات أسعار الفائدة المنخفضة للغاية دون حدوث حالات إفلاس، وفي فترة الوباء، لم تُسجل حالات إفلاس بسبب الدعم الحكومي مثل إعانات العمل بدوام جزئي».

وأضاف مولر أن ارتفاع أسعار الفائدة وإلغاء الدعم أديا إلى ظهور تأثيرات تعويضية في حالات الإفلاس بدءاً من عام 2022.

وعلى صعيد القطاعات، شهد قطاع الخدمات أعلى زيادة في حالات الإفلاس، حيث ارتفع بنسبة 47 في المائة على أساس سنوي، في حين بلغ النمو في قطاع التصنيع نحو 32 في المائة.