اقتصر الجزء الثاني من مسلسل «صالون زهرة» على ضحكات ومواقف تستحق تقديرها. 10 حلقات، أمكن التمهّل أكثر في صناعتها، فلا يبدو النص مستعجلاً كأنّ من واجبه التشكُّل ضمن مَشاهد. اللحظات المُفرحة كادت تتغلّب عليها مساحة من الصراخ وأداء لكبار انتهى خائباً. الثلاثية السورية المُنتظرة، سامية الجزائري، هدى شعراوي ووفاء موصللي، عبرت تقريباً بلا أثر.
هشاشة النص (تأليف، سيناريو وحوار كلوديا مارشليان) طاغية، وهذا غير محبّذ في مشروع يصنّف نفسه كوميدياً. تُكمل الكاتبة الجزء الأول، وتضيف، فتأتي الإضافة ناقصة. ذلك تأكيد آخر على أنّ الكوميديا اللبنانية في غيبوبة، والإنعاش يقتصر على النوايا أكثر منه على الأفعال.
«صالون زهرة» بجزأيه على منصة «شاهد»، يشاء مدّ المُشاهد بضحكة. صنّاعه (إنتاج «الصبّاح أخوان») ممن يراهنون على الأمل اللبناني (والسوري) القتيل. لكنّ الفن ليس نوايا ووطنيات. هو محتوى إما جاذب وإما لا. بعض الأداء التمثيلي يحاول الانتصار للاحتمال الأول، والنتيجة ككل، لا تتبنّى انتصارات مشابهة.
كيمياء النجمين حاضرة بين نادين نسيب نجيم ومعتصم النهار. لا يُبقيان إيقاع المَشهد ذاته. الأولى وفية للشخصية، تليق بها الكوميديا. تمنح زهرة حضوراً من لحم ودم ومن مشاعر متضاربة، لكنها واقعية. فهي القوة النسائية حين يزهو الرجل بضعف المرأة، لا تخضع لابتزاز ولا تسكت عن حق. تقود «ثورة» تُسقط الشعار المُستَهلك لمصلحة التأثير المُحتمل. لا تخيّب اتّكال المسلسل عليها.
يؤكد الجزء الثاني قدرة معتصم النهار على المرور الجيد. لم تنقصه الطرافة والعفوية، خصوصاً حين «يبكي كطفل» أو يُطلق الأمثال الشعبية. ناسَبَ شخصية أنس. هذا على مستوى البطولة الرئيسية، لكنها وحدها لا تُحدث معجزة، وإن انضمّت إلى اللافتين من أسماء مثل مجدي مشموشي، وكارول عبود، مع أنجو ريحان، وفادي أبي سمرا، وحسين مقدم، وزينة مكي، ولين غرّة، وجنيد زين الدين، ونقولا دانيال... «كاست» يُبشّر بـ«ثقل» كوميدي، فكان الارتطام بـ«الخفة».
سيُقال إنّ المسلسل ليس فقط ضحكات، ففي السياق تكمن قضايا اجتماعية. صح. ثمة الحب الذي يخرج من الشباك حين يطلّ الفقر من الباب. الصراع الزوجي المولود من الواقع المرير والتسلّط العائلي. وهناك أيضاً جشع القابضين على مولدات الكهرباء وأعناق الناس. مع هوامش مثل تجارة الممنوعات والاستغلال العاطفي والجسدي. تتداخل أمام كاميرا المخرج جو بو عيد، حتى هذا الحد، بشيء من المتعة. يحيد القطار عن سكته «الصحيحة» بدخول بربارة على الخط. تؤدي مارينال سركيس شخصية، هذه المرة، تخلو من الإقناع. مكتوبة بغرابة لا إثارة فيها. تحمّلها الكاتبة عصا سحرية كما في كتب الأطفال القديمة. «أبرا كدابرا»، فيُحلّ كل شيء! فجأة ينتقل من الهم الى الانفراجات في الحي البيروتي، حيث «صالون زهرة»، وملحمة أبو عضل.
تُغيّر بربارة الثرية حياة الجميع. يكفي أنهم كانوا جزءاً من عملية خطفها مقابل المال. حضرت كـ«بابا نويل» ليلة الميلاد لتحقق الأحلام. تشتري شقة على البحر للزوجين البائسين. تُنهي الحلقات العشر بما لا يعفي السياق من السذاجة.
ذلك «مقبول» أمام «اللامقبول». وهو الدور المُسند للوفد الآتي من سوريا إلى منزل الزوجين (زهرة وأنس) بذريعة صلة القرابة. تأتي الأم والخالة والعمة من أجل اللا جديد في المواقف الكوميدية. الحماة والكنة تقريباً بلا نكهة. العتب على المسلسل في ضعف توظيف المواهب.
أسماء كبيرة في قوالب صغيرة. مرة أخرى، هي النصوص. سيغفر المُشاهد مبالغات الصراخ والكراكترات البعيدة عنه، لكنه لا يغفر خروج أسماء يعهدها «استثنائية» (الجزائري، وموصللي وشعراوي) بأدوار لم تقدّم ولم تؤخر.
الأنجح هي الرسالة عبر زهرة ومغتصبها (مرور جيد لدوري السمراني). هادفة بلا موعظة. تنتصر فيها سلطة القانون على التفلّت من العقاب. هنا ضوءان يصبّان في نور واحد: العدالة. فالمرأة المغتصبة، كالناجية من ابتزاز جنسي، ما إن تواجه ستضع حداً لوجعها. يعود الماضي فتواجهه زهرة بنسخة جديدة على نفسها، أكثر صلابة ونضوجاً وجرأة؛ وبعد 9 سنوات على جريمة اغتصابها، تفتح الملف وتزجّ المُغتصب في السجن.
الكوميديا ليست قهقهات كل الوقت. هي أيضاً مواقف مؤثرة تنتهي بعبرة. الانتصارات الصغيرة هي الأجمل، زلات المسلسل لا تحجبها. تُذكّر بطلته بأنّ المجتمع منافق يصدّق الكذبة ويُكذّب الحقيقة. ولا تأبه لـ«الفضيحة» و«العار» أمام دفاعها عن نفسها وابنتها، وما هو أهم في مسائل الأطفال: الصحة النفسية والحماية من الأذى.
هذا «نضال درامي» يُحسب لكلوديا مارشليان ونادين نجيم (ولأنجو ريحان في الجزء الأول بقضية الطلاق والحضانة)، ومَن خلف العمل. حين تتحول الأنظار للكوميديا، تكاد تحترق الطبخة. المكونات تفتقد الطبّاخ الماهر.