«أنا أقرأ بتوقيت بيروت» يعيد معرض الكتاب بعد غياب 3 سنوات

كبار الروائيين حضروا بجديدهم... وضيق المساحة أقصى ناشرين

معرض بيروت للكتاب احتفى بالجديد وتذكر الراحلين (الشرق الأوسط)
معرض بيروت للكتاب احتفى بالجديد وتذكر الراحلين (الشرق الأوسط)
TT

«أنا أقرأ بتوقيت بيروت» يعيد معرض الكتاب بعد غياب 3 سنوات

معرض بيروت للكتاب احتفى بالجديد وتذكر الراحلين (الشرق الأوسط)
معرض بيروت للكتاب احتفى بالجديد وتذكر الراحلين (الشرق الأوسط)

ظواهر عديدة لافتة في معرض بيروت للكتاب الذي يعود بعد غياب 3 سنوات وتحمل دورته الجديدة عنواناً دالاً: «أنا أقرأ بتوقيت بيروت». كثافة في الإصدارات، خصوصاً لأدباء معروفين، غاب جديدهم لسنوات، تخللها الوباء والانهيار الاقتصادي، والانتفاضة الشعبية، هؤلاء بعضهم يرجع إلينا بأكثر من كتاب. حسومات وصلت إلى 50 في المائة وأكثر. وبالتالي فأسعار بيروت ربما لا يجدها القارئ العربي في أي معرض آخر.
هناك أيضاً الوجود الكبير للكتاب الفرنسي هذه المرة، بعد أن قرر الفرنسيون الاستغناء عن معرضهم الفرنكفوني السنوي الكبير واستبدال لقاءات وحوارات أدبية وفكرية به، والانضمام إلى معرض الكتاب العربي. أمر إضافي، لا بد من ذكره، هو أن هذا القرار الفرنسي، مع ضيق مساحة العرض، حرم بعض الناشرين اللبنانيين من المشاركة، خصوصاً الذين اتخذوا قرارهم متأخرين؛ بعد أن وزعت المساحات.
المهمة التي على «النادي الثقافي العربي» المنظم للتظاهرة، مع «اتحاد الناشرين اللبنانيين»، البدء فيها هي البحث عن مكان جديد للعرض، تحضيراً للسنة المقبلة، يتسع للجميع ولا يقصي أحداً، بدل الاستسلام للوضع القائم، الذي تسبب فيه انفجار مرفأ بيروت وقضى على 6 آلاف متر، ولم يبق سوى 4 آلاف. المعارض تتوسع ولا تصغر ولا تتقوقع. كما أن المعرض بوضعه الحالي حرم العارضين من تقديم كتبهم بالشكل الملائم، حيث إن أكبر جناح لا يتجاوز 40 متراً، والبعض اضطر للعرض بما لا يتجاوز 14 متراً.

إقبال على الكتب القديمة تعويضاً عن غلاء الأسعار

زحمة في الممرات، إقبال على الكتب، سعادة بعودة اللقاءات. حفلات التوقيع المعلن عنها بالعشرات، لكن لا يزال من المبكر تقييم الشراء، ومدى قدرة الناس على الدفع بحيث يصل سعر الكتاب أحياناً إلى ربع المدخول الشهري لموظف حكومي. هذه الأزمة سبقت الانهيار، لكن مع الأزمة، انخفض البيع في المكتبات 80 في المائة؛ إن لم يكن أكثر، وفق بسام شبارو رئيس مجلس إدارة «الدار العربية للعلوم»، لذلك علينا أن ننتظر ما سيكون عليه المعرض في الأيام المقبلة.
الجميع يتعايش ويتأقلم، لمرة جديدة؛ البعض بإخراج القديم وبيعه بأسعار مغرية، لا تتجاوز الدولار أحياناً. فيما يحتسب الدولار بـ20 و30 ألف ليرة عند شراء كتاب جديد، بينما سعر الدولار في السوق السوداء 40 ألفاً.
لم تردع الأحوال الصعبة الأصدقاء من حضور التواقيع. بعض التقشف لم يعد مستغرباً، لكن الإقبال هو الذي يعدّ مفاجأة سارة للناشرين. لا يزال معرض الكتاب في أيامه الأولى، وموعد مباريات كأس العالم ليس الوقت المثالي لبيع الكتب.
بسبب كثافة المعارض العربية، وإحساس البعض باللاجدوى، غاب بعض الدور، بينها «دار الجمل». يقول خالد المعالي، صاحب الدار لـ«الشرق الأوسط»: «إضافة إلى الأوضاع، أشارك في معرض بغداد، وكذلك جدة، ولا أستطيع أن أوزع نفسي بين 3 معارض في وقت واحد». أما «دار الجديد»؛ فهي لم تشارك بدورها اعتراضاً على عدم دعوتها المبكرة، علماً بأنها كانت من بين الدور الأكثر نشاطاً وابتكاراً للأفكار في معارض أيام العزّ. ثمة دور تشارك دون أن تقوم بجهد خاص لإصدار جديد للمعرض، وتعدّ أن كل ما صدر في الأشهر القليلة السابقة هو جديد بالنسبة للقارئ الذي لم تعد المكتبات تعنى بتزويده بالجديد. ومن ثم فإن كبار الكتاب خبأوا لهذا المعرض زبدتهم، كأنما يقدمون نتاجهم مرة واحدة.
نحو 133 داراً موجودة. ثمة من يشارك بحماس كبير، كما «دار الآداب» التي خبأت زوادة من الإصدارات الدسمة. ها هي حنان الشيخ تعود بعد غياب سنوات من مهجرها اللندني، برواية تحكي فيها عن المهاجرين العرب والأفارقة ومعاناتهم في أوروبا. وكذلك عودة إلياس خوري، مكملاً ثلاثية «أولاد الغيتو»، بالجزء الأخير «رجل يشبهني»، حيث يختتم آدم نون رحلته بين اللد وحيفا ويافا ونيويورك. وهي كما الأجزاء التي سبقتها تقرأ منفصلة ومستقلة، أو باستكمال للجزأين الأولين.
وعبر «دار الآداب» واسيني الأعرج في رواية «عازفة البيكاديلي»؛ مستوحاة من بيروت وتحديداً «قصر البيكاديلي»، الذي شهد أهم الحفلات الفنية قبل أن ينتهي إلى الإغلاق، وهناك رغبة وعمل لإعادته إلى الحياة. زار واسيني المكان وعاينه، وكتب روايته، وهو يتمنى أن يقيم توقيعه هناك، لكن الظروف لم تسمح بعد. كذلك رواية جديدة لعلوية صبح بعنوان «افرح يا قلبي»، وأخرى لغادة خوري بعنوان «طفلة الرعد». لا تريد صاحبة «دار الآداب» رنا إدريس أن تتخلى عن عادتها بالاحتفاء بمعرض بيروت. وبمناسبة مرور سنة على رحيل شقيقها الكاتب سماح إدريس خصصت له مجلة «الآداب» عدداً خاصاً وقعته ابنتاه سارية وناي يوم الأحد الماضي.
من الجديد أيضاً رواية «حائطٌ خامس» للكاتب اللبناني عباس بيضون عن «دار هاشيت أنطوان - نوفل». تتناول الحياة في قرية جنوبية في سبعينات القرن الماضي، قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية من خلال 3 أصوات؛ الأول: صوت الشيخ عبد الرحمن العائد من النجف إلى جنوب لبنان. الثاني: لصديقه أنطوان، الشاعر، والباحث عن هويته بين القرية والمدينة، وبين أصله البروتستانتي من جهة وميله إلى الوجودية من جهة أخرى. وبينهما صوت ثالث: غريس، التي تحبّهما، وتحتار في الاختيار بينهما.
بعد غياب أيضاً؛ رواية جديدة لحسن داود؛ إنها «فرصة لغرام أخير» عن «دار هاشيت - أنطوان»، تحكي عن علاقة حب مترددة تحاول تخطي الحواجز وكسر السدود.
الشاعر شوقي بزيع أصدر كتابه «زواج المبدعين». والشاعر الذي رحل عنا حديثاً محمد علي شمس الدين صدرت له مجموعة شعرية جديدة هي «خدوش على التاج» عن «دار الرافدين».
ومن ضمن الأسماء الكبيرة العائدة بول شاؤول؛ بإصدارين عن «منشورات الجمل». كما تعرض «دار النهضة» مجموعاتها «أصوات» التي تحتفي بنحو 20 شاعراً. أما «دار نلسن»؛ فأصدرت العديد من الكتب، بينها كتاب عن سيد درويش لفيكتور سحاب، وآخر عن تأثير ترجمة الكتاب المقدس على النهضة الأدبية الحديثة لأمين ألبرت الريحاني، و«القصائد الممنوعة لعمر الزعني»، وللشاعر شوقي أبي شقرا ديوان «أنت والأنملة تداعبان خصورهن».
رانيا المعلم من «دار الساقي» تقول: «لا يساورني شك في أن الناس متعطشة للمعرض. ونحن أيضاً سعداء لمجرد انعقاده. وصدر لنا بهذه المناسبة نحو 10 كتب، هذا عدا الكتب الكثيرة التي صدرت خلال العام».
ومن جديد «دار الساقي» الطبعة العربية من رواية «حُب» لدينو بوتزاتي، من ترجمة رامي طويل، وكتاب حسن عبود «السيّدة مريم في القرآن الكريم».
وتشهد صالة المحاضرات نشاطاً كثيفاً، حيث جرت برمجة 25 جلسة بين حوار وندوة ونقاش؛ عدا اللقاءات التي أضيفت إلى البرنامج الرئيسي.



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.