الإنفاق الجماعي يجتاح اليونان خشية فقدان المدخرات في البنوك

سكان أثينا يحولون أموالهم إلى أصول ملموسة خوفًا من خسارتها

المدير التنفيذي لمحلات {زولوتاس} للمجوهرات قال إنه رفض  بيع ما قيمته أكثر من مليون دولار من الذهب لاحد اليونانيين ({نيويورك تايمز})
المدير التنفيذي لمحلات {زولوتاس} للمجوهرات قال إنه رفض بيع ما قيمته أكثر من مليون دولار من الذهب لاحد اليونانيين ({نيويورك تايمز})
TT

الإنفاق الجماعي يجتاح اليونان خشية فقدان المدخرات في البنوك

المدير التنفيذي لمحلات {زولوتاس} للمجوهرات قال إنه رفض  بيع ما قيمته أكثر من مليون دولار من الذهب لاحد اليونانيين ({نيويورك تايمز})
المدير التنفيذي لمحلات {زولوتاس} للمجوهرات قال إنه رفض بيع ما قيمته أكثر من مليون دولار من الذهب لاحد اليونانيين ({نيويورك تايمز})

كانت التجارة رائجة للغاية في متجر «كوتسوفولوس» الكبير للأجهزة والإلكترونيات في ضاحية الطبقة المتوسطة العليا من العاصمة أثينا، حتى ليظن السكان أن هناك تخفيضات كبيرة.
ولكن كلا، إنها حمى الشراء المذعورة، كما يقول عمال المتجر الشهير، فالمواطنون اليونانيون المصابون بقلق عميق جراء المزيد من الصعوبات الاقتصادية المتوقعة، ومحدودية السيولة النقدية المتوافرة لدى البنوك الوطنية، شرعوا في استخدام البطاقات الائتمانية لشراء الأفران، والثلاجات، وغسالات الصحون - وأي شيء ملموس يمكنهم الاحتفاظ بقيمته خلال الأوقات المالية العصيبة.
وتقول ديسبينا دريسي، التي تعمل في المتجر الشهير منذ 12 عاما: «لقد بعنا الكثير من الأشياء، حتى إننا بعنا الأجهزة المخصصة للعرض، وكان السكان يتهافتون أمامي للشراء. وإننا نباعد ما بين المعروضات لتغطية المساحات الفارغة على الرفوف». وبالنسبة إلى المراقب العادي فإن صخب الحياة اليومية لم يصبه أي تغيير هنا. فاليونانيون، الكثير منهم قد تخلصوا من سياراتهم في مقابل ابتياع الدراجات النارية الرخيصة، وكثيرا ما تزدحم الطرق بالسيارات في ساعة الذروة والمواطنون في طريقهم إلى أعمالهم أو وهم راجعون منها. كما يحتشد السياح لدى معبد الأكروبوليس، ويتلاقى الأصدقاء ويجلسون على المقاهي يتلمسون الظلال من الشمس الحامية.
ولكن تحت سطح الأحداث اليومية العادية، يعاني اليونانيون من خوف متزايد، والتداعيات الغريبة للبنوك المغلقة والاحتمالات المتصاعدة للمزيد من المتاعب. فقد يواجهون العواقب المجهولة لطردهم خارج منطقة اليورو خلال الأسبوع المقبل إذا لم تتوصل اليونان لاتفاق نهائي مع الدائنين الدوليين.
ويشاهد البعض التلفاز ويتابعون هواتفهم الذكية بصورة مستمرة، والآخرون يرفضون متابعة ما يجري في بروكسل على الإطلاق. لكن على أي حال يبذل الكثيرون ما بإمكانهم لحماية أنفسهم ماليا، من خلال شراء الأجهزة والمجوهرات أو سداد الضرائب مقدما حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم المالية إذا ما انتهى بهم الأمر إلى فقدان بعض من مدخراتهم جراء فشل البنوك، كما حدث للمودعين في قبرص بموجب خطة الإنقاذ المصرفي هناك لعام 2013.
ويقول أنطونيس موزاكيس، وهو محاسب يعمل في أثينا، إن «الذعر هو أقل ما يوصف به حال الناس هنا. لدي عدد ضخم من العملاء الراغبين في سداد ضرائبهم الآن وحالا، يريدون حساب الضرائب وسدادها فوريا قبل حدوث الاختلاف المحتمل في الأسعار. حتى إذا كانت الضرائب بقيمة كبيرة مثل 40 إلى 50 ألف يورو، فإنهم يسددونها فورا».
ويقول جورج باباليكسيس، وهو صائغ من اليونان، إنه جاءه أحد العملاء يريد شراء مجوهرات بقيمة مليون يورو - أي نحو 1.1 مليون دولار. ولكن السيد باباليكسيس، الرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة «زولوتاس» للمجوهرات، قال إنه رفض الطلب نظرا لأنه شعر بارتياح أكبر في الاحتفاظ بالمجوهرات عن إيداع الأموال في البنوك اليونانية. وأضاف «لا أكاد أصدق أنني رفضت عرض شراء بمليون دولار. ولكن كان حتميا علي رفض الصفقة. إنها تعبر عن قدر المخاطرة التي نواجهها».
وقال موزاكيس إن «العديد من الشركات كانت تحاول أيضا تسوية ديونها بسرعة، حيث لا تريد أن تكون مدينة بالأموال إذا ما تعرضت ودائعها للخطر إثر خطة إنقاذ البنوك اليونانية. ولا تريد شركات أخرى قبول المدفوعات لنفس السبب. فحينما تعرضت البنوك في قبرص لخطة الإنقاذ المالي في عام 2013، فقد المودعون الذين كانت ودائعهم أكثر من 100 ألف يورو نحو 40 في المائة من أموالهم».
لكن الأفراد، أيضا، يفعلون ما يمكنهم فعله لحماية أنفسهم. في المساء، يجول الكثير منهم في شوارع المدينة بحثا عن ماكينات الصراف الآلي التي لم تفرغ من الأموال بعد. ويستخدم الآخرون الحواسيب في توزيع الأموال بين العديد من الحسابات الإلكترونية أو إلى الأقارب، مما يؤدي لتخفيض الإجمالي في كل حساب على حدة.
ومع إغلاق البنوك، تقتصر مسحوبات المواطنين على 60 يورو فقط، أو ما يساوي 66 دولارا يوميا، من ماكينات الصراف الآلي ولا يمكنهم إجراء التحويلات الدولية من خلالها، وهي العوامل التي أدت إلى إحباط بعض الشركات بالفعل.
وأما مزاد سوق السمك في وسط المدينة حيث يتعين التعامل بأموال حاضرة، حضر القليل من السكان، مما ترك الصيادين في حالة مزرية. لكن هناك المزيد من المشاكل الدنيوية، كذلك، حيث لا تصدر ماكينات الصراف الآلي إلا عملات من فئة 20 أو 50 يورو فقط، ويبدو أن فئة الـ20 يورو بدأت تنفد من الماكينات. وتواجه المتاجر أوقاتا عصيبة هي الأخرى في تغيير العملات.
وبدأت بعض الشركات في جولة جديدة من عمليات تسريح الموظفين، حيث تقول امرأة شابة تعمل في وكالة سفريات صغيرة في أثينا «جاء مديري في العمل وقال إننا نواجه الموت جميعا. لقد اجتمع بنا كلنا ليخبرنا بذلك». ثم قلل أوقات عملها إلى يومين في الأسبوع فقط. كما تابعت: «لقد كان المدير في حالة ذهول وصدمة كبيرة». وعجزت تلك الشركة عن إصدار التذاكر هذا الأسبوع نظرا لأن وكلاء السياحة في اليونان تم حجبهم من نظام حجز التذاكر العالمي.
وبدأ الصيادلة في الشعور بوطأة الأزمة عليهم وبشكل فوري حينما أغلقت البنوك الوطنية، وذلك لأن أغلب الأدوية يجري استيرادها من الخارج وليست لديهم وسيلة لسداد الثمن.
ويقول ميخاليس موشكانوس، وهو صيدلي من أثينا، إن زبائنه «أصابهم قلق شديد عندما كان يضطر إلى صرفهم من دون أدوية». وهو يتفهم كذلك سبب السماح للكثير من الناس الذين لم يتمكنوا من الحصول على ما يكفي من المال لدفع ثمن الدواء بأن يبيع لهم الدواء الموجود ويسددوا الثمن بالأجل. وأضاف: «لدي العديد من سندات ديون الأدوية على طاولة مكتبي».
ويقول أحد المقاولين لدى شركة من شركات الطاقة اليونانية، والذي وافق على الحديث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن شركته سددت كل الضرائب المستحقة عليها خلال الأسبوع الماضي للتقليل من حجم الأموال التي يمكن أن تخضع لضريبة الودائع المصرفية. وتابع المقاول: «إنني أفكر الآن في شراء سيارة، مع أنني لست في حاجة إليها، وذلك للتقليل من رصيد الأموال الخاص بي. يريد الناس تحويل أموالهم إلى أصول مادية ملموسة، وليست في البنوك».
وأما والدته، كما يضيف، فقد طلبت منه مساعدتها في فتح حساب جديد عبر الإنترنت في العديد من البنوك اليونانية بقدر الإمكان بهدف تقسيم مدخرات حياتها إلى أجزاء صغيرة موزعة على أكثر من بنك.
وأدى الخوف العام إلى نشوء نوع من سعار الإنفاق. وبطبيعة الحال، ليس لدى الملايين من المواطنين اليونانيين ما ينفقونه حاليا بعد خمس سنوات من تصاعد حدة البطالة إلى عنان السماء وصولا لأكثر من 25 نقطة مئوية.
وفي حين ظل المتقاعدون يكافحون بحثا على الأموال، فإن بعضا من أصحاب الأعمال المتأخرين في سداد رواتب موظفيهم فاجأوا الموظفين بفتح خزائنهم وسداد الأموال إليهم نقدا بدلا من المخاطرة بفقدان الأموال وفقا لشروط خطة الإنقاذ المصرفي المتوقعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«الرد السريع»... الأوروبيون يبلغون الأمم المتحدة باستعدادهم لإعادة العقوبات على إيران

منشأة «نطنز» النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)
منشأة «نطنز» النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)
TT

«الرد السريع»... الأوروبيون يبلغون الأمم المتحدة باستعدادهم لإعادة العقوبات على إيران

منشأة «نطنز» النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)
منشأة «نطنز» النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)

أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأنها مستعدة، إذا تطلب الأمر، لتفعيل ما يُسمى بآلية «الرد السريع» وإعادة فرض جميع العقوبات الدولية على إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي.

وستفقد هذه الدول القدرة على اتخاذ مثل هذا الإجراء في 18 أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل عندما ينتهي أجل العمل بقرار صدر عن الأمم المتحدة عام 2015. ويدعم القرار الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين وتم بموجبه رفع العقوبات عن طهران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.

وقال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لـ«رويترز»، الأسبوع الماضي، إن إيران تسرع «بشكل كبير» تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المائة القريبة من مستوى 90 في المائة تقريباً اللازم لتصنيع أسلحة.

تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه إيران من سلسلة من الانتكاسات الاستراتيجية، بما في ذلك هجوم إسرائيل على حليفتيها حركة «حماس» في غزة، وجماعة «حزب الله» في لبنان، إلى جانب الإطاحة ببشار الأسد في سوريا.

وتقول الدول الغربية إنه لا يوجد مبرر لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي في إطار أي برنامج مدني، وإنه لا توجد دولة وصلت لهذا المستوى من التخصيب دون أن تنتج قنابل نووية. وتنفي إيران السعي لامتلاك أسلحة نووية.

وفي رسالة إلى مجلس الأمن في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، كتب سفراء بريطانيا وألمانيا وفرنسا لدى الأمم المتحدة: «يتعين على إيران خفض وتيرة برنامجها النووي من أجل خلق البيئة السياسية المواتية لتحقيق تقدم ملموس والتوصل إلى حل عبر التفاوض».

وقالوا: «نؤكد تمسكنا باستغلال كل السبل الدبلوماسية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، بما في ذلك استخدام آلية (الرد السريع) إذا تتطلب الأمر».

وجاءت هذه الرسالة رداً على رسائل وجهتها روسيا وإيران في وقت سابق من الأسبوع الماضي، التي أعقبت مذكرة أوّلية وجهتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى المجلس في 27 نوفمبر (تشرين الثاني). وواصلت روسيا وإيران إرسال رسائل أخرى هذا الأسبوع.

جاءت الردود المتبادلة في وقت التقى فيه دبلوماسيون أوروبيون وإيرانيون، أواخر الشهر الماضي، لمناقشة ما إذا كان بإمكانهم العمل على تهدئة التوتر الإقليمي، بما في ذلك ما يتعلق بالبرنامج النووي لطهران، قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وخلال فترة ولايته الأولى، انسحب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018.

«تبني الدبلوماسية»

في رسالة إلى مجلس الأمن يوم الاثنين، حث مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد عرفاني، الأوروبيين على «التخلي عن سياستهم الفاشلة وغير الفعالة المتمثلة في الضغط والمواجهة»، وقال: «يتعين عليهم تبني الدبلوماسية والتركيز على إعادة بناء الثقة الضرورية للخروج من المأزق الحالي».

وتبنت الأطراف الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي مع طهران موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران في الأشهر القليلة الماضية، لا سيما منذ أن كثفت طهران دعمها العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وقال مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في رسالة يوم الثلاثاء، إن بريطانيا وألمانيا وفرنسا ليس لها الحق في استخدام آلية «الرد السريع»، وإن الحديث عن إمكانية استخدامها يعد تصرفاً غير مسؤول من جانبهم.

وقدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الثلاثاء، تقريره نصف السنوي إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ اتفاق 2015، محذراً من وجود «حاجة ماسة إلى حل سلمي للقضية النووية الإيرانية» نظراً للوضع المتدهور في شتى أنحاء الشرق الأوسط.

وتنص آلية «الرد السريع» على أن تعلق إيران جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يسهم في تلك الأنشطة أو تطوير أنظمة توصيل الأسلحة النووية.

كما ستعيد الآلية فرض حظر على الأسلحة التقليدية، وتمنع طهران من تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية، وتعيد فرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات. كما سيتم حث الدول على تفتيش الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة.