بعد صدمات 2022... الاقتصاد العالمي سيدفع الثمن

شهدت سريلانكا هذا العام احتجاجات عارمة ضد الحكومة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد... كولومبو في 31 مارس 2022 (رويترز)
شهدت سريلانكا هذا العام احتجاجات عارمة ضد الحكومة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد... كولومبو في 31 مارس 2022 (رويترز)
TT

بعد صدمات 2022... الاقتصاد العالمي سيدفع الثمن

شهدت سريلانكا هذا العام احتجاجات عارمة ضد الحكومة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد... كولومبو في 31 مارس 2022 (رويترز)
شهدت سريلانكا هذا العام احتجاجات عارمة ضد الحكومة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد... كولومبو في 31 مارس 2022 (رويترز)

بعدما كان العالم يتوقع عاماً من الازدهار في 2022، واجه الاقتصاد العالمي هذه السنة سلسلة أزمات؛ من ارتفاع حاد في الأسعار، وحرب، وزيادة معدلات الفائدة، واحترار مناخي... وغيرها، تفاقمت مع الغزو الروسي لأوكرانيا، مُنذرة بعام قاتم في 2023؛ وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
سيبقى عام 2022 في التاريخ عاماً «متعدّد الأزمات» وفق تعبير المؤرخ آدم توز الذي تحدّث عن صدمات متباينة تتفاعل معاً لتجعل الوضع العام في غاية الصعوبة.
وأوضح رويل بيتسما، أستاذ الاقتصاد في جامعة أمستردام، أنّ هذه الصدمات «ازدادت منذ بداية القرن»، مع الأزمة المالية عام 2008 وأزمة الديون السيادية ووباء «كوفيد19» وأزمة الطاقة. ورأى أنّ العالم «لم يشهد وضعاً بهذا القدر من التعقيد منذ الحرب العالمية الثانية».
بعد سنوات من التضخم الضعيف أو حتى المستقر، كان الخبراء يُجمعون قبل عام على أنّ عودة التضخم ستكون مرحلية بالتزامن مع الانتعاش الاقتصادي بعد أزمة تفشي وباء «كوفيد19». غير أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا، والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، بدّلا الوضع.
وسجّل التضخّم مستويات غير مسبوقة منذ السبعينات والثمانينات، دافعاً ملايين العائلات في الدول النامية إلى الفقر، ومهدداً الأُسر في الدول الفقيرة بمزيد من البؤس. غير أنه بدأ يتباطأ إلى 10 في المائة بمنطقة اليورو خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، و6 في المائة بالولايات المتحدة خلال أكتوبر (تشرين الأول).
ومن المتوقّع أن يصل التضخم إلى 8 في المائة خلال الفصل الرابع من السنة في الدول المتطوّرة والناشئة والكبرى من «مجموعة العشرين»، قبل أن يتراجع إلى 5.5 في المائة في 2023 و2024، وفق منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وأوصت المنظمة بمنح مساعدات محددة الأهداف بشكل أكثر دقة لتسوية هذه المشكلة، لا سيما في فرنسا وألمانيا اللتين اضطرتا لمعاودة الإنفاق لتخصيص مساعدات للأسر والشركات.
وفي الاتحاد الأوروبي وحده، قطعت الدول وعوداً بمنح هذه الأسر 674 مليار يورو من المساعدات منذ سبتمبر (أيلول) 2021، وفق «مركز بروغل للدراسات»؛ من ضمنها 264 مليار يورو في ألمانيا، حيث يعلن نصف السكان أنّ مشترياتهم باتت تقتصر على المنتجات الأساسية حصراً، وفق تحقيق أجراه مكتب «إي واي».
وقالت نيكول أيزرمان، التي تدير كشكاً في سوق أعياد الميلاد بفرنكفورت: «كل شيء أصبح أغلى؛ من الكريما إلى النبيذ؛ مروراً بالكهرباء».
وعلى مقربة منها قال بائع آخر يدعى غونتر بلوم: «سوف أحترس، لكن لديّ كثير من الأولاد والأحفاد» الذين ينتظرون الهدايا.
إزاء هذه الصعوبات، عمد حكام المصارف المركزية المكلفون بشكل أساسي الحفاظ على استقرار الأسعار، إلى معاودة زيادة معدلات الفائدة.
غير أنّ هذه الاستراتيجية تشدّد الضغط على الاقتصاد، من خلال زيادة تكلفة الاقتراض على الأسر والشركات. والأمر نفسه ينطبق على الدول التي ازدادت مديونيتها بعد الأزمة المالية والأزمة الصحية، وبات بعضها مهدداً بانعدام الاستقرار، وصولاً إلى التخلّف عن سداد الديون.
وانطلق بصيص أمل من الولايات المتحدة مع إعلان رئيس «بنك الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم بأول، أنّه قد يُبطئ وتيرة رفع معدّلات الفائدة في ديسمبر (كانون الأول)، محذراً في الوقت نفسه من أنّها قد تبقى مرتفعة «لمدة».
من جانبه؛ يرى «البنك المركزي الأوروبي» أنّه ما زال بعيداً عن نقطة الاستقرار، من دون القيام بتكهّنات لعام 2023. وإن كان من المؤكّد أنّه سيزيد معدلات الفائدة في ديسمبر، فمن المرجح أن تكون الزيادة أدنى منها في أكتوبر.
وما زال العالم بعيداً من الركود المعمم العام المقبل، مع توقّع نمو بنسبة 2.7 في المائة وفق صندوق النقد الدولي، و2.2 في المائة وفق منظمة الأمن والتعاون في الميدان الاقتصادي. لكنّ المملكة المتحدة دخلت «في ركود»، ويعتقد كثير من خبراء الاقتصاد أنّ المانيا وإيطاليا ستتبعانها.
وبالنسبة إلى منطقة اليورو بشكل كلّي، تتوقّع وكالة «إس آند بي غلوبال» للتصنيف الائتماني، وضعاً على قدر خاص من الصعوبة في الفصل الأول من السنة، وركوداً على مدى العام المقبل، مما يعكس تدهوراً جديداً في الآفاق الاقتصادية بعد التوقعات السلبية التي وردت طوال عام 2022.
بموازاة ذلك؛ بدأت القاطرة الصينية تُظهر بوادر تباطؤ؛ إذ يعاني الاستهلاك وإنتاج الصناعات التحويلية من عواقب استراتيجية مكافحة «كوفيد19» التي تواجه احتجاجات متزايدة، وتتأثر الصادرات بتبعات التباطؤ العالمي.
وشرحت وكالة «إس آند بي غلوبال» أنّ «الولايات المتحدة تعاني من مشكلة تقليدية؛ هي فرط النشاط الاقتصادي، يفترض أن تتبدد من تلقاء ذاتها»، في حين أنّ «التحوّل في مجال الطاقة بأوروبا سيستغرق سنوات، ولا أحد يعرف متى ستخرج الصين من سياسة (صفر كوفيد) الصارمة التي تعتمدها». لكنّ الخبير الاقتصادي رويل بيتسما رأى أنّ «أسوأ الأزمات هي أزمة المناخ التي تتطوّر ببطء».
وإزاء ازدياد الكوارث، تبقى الطموحات محدودة للغاية، وهو ما ظهر من خلال «مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27)» الذي فشل في تحديد أهداف جديدة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
كذلك عكست الصعوبة التي تواجهها الدول في التعامل مع الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، بطء عملية التحوّل. ورأى رويل بيتسما أنّه «إذا لم نبذل ما يكفي من الجهود، فسوف نواجه صعوبة على نطاق لم نعرف له مثيلاً من قبل».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

نوفاك: سوق النفط متوازنة بفضل تحركات «أوبك بلس»

مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)
مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)
TT

نوفاك: سوق النفط متوازنة بفضل تحركات «أوبك بلس»

مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)
مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)

قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك يوم الجمعة، عقب اجتماع روسيا و«أوبك»، إن سوق النفط العالمية متوازنة بفضل تحركات دول «أوبك بلس» والالتزام بالحصص المقررة.

وأضاف نوفاك بعد اجتماعه مع الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في موسكو، إن دول «أوبك بلس»، التي تضخ نحو نصف إنتاج النفط العالمي، تتخذ كل القرارات اللازمة للحفاظ على استقرار السوق.

وقال نوفاك: «بينما نناقش الوضع والتوقعات اليوم، يخلص تقييمنا إلى أن السوق في الوقت الحالي متوازنة. يرجع الفضل في ذلك في الأساس إلى تحركات دول (أوبك بلس)، والإجراءات المشتركة للامتثال للحصص والتعهدات الطوعية من دول في (أوبك بلس)».

ويأتي ذلك في وقت تستعد فيه «أوبك بلس»، التي تضم منظمة البلدان المُصدّرة للبترول (أوبك) وحلفاء من بينهم روسيا، لعقد اجتماع في الأول من ديسمبر (كانون الأول).

وفي الأسواق، تراجعت أسعار النفط قليلا يوم الجمعة، لكنها اتجهت إلى تسجيل زيادة أسبوعية بنحو أربعة في المائة مع احتدام الحرب الأوكرانية، بعد تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنها قد تتحول إلى صراع عالمي.

وبحلول الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 34 سنتا أو 0.46 في المائة إلى 73.89 دولار للبرميل. وتراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 36 سنتا أو 0.51 في المائة إلى 69.74 دولار للبرميل. وزاد الخامان اثنين في المائة يوم الخميس، وكان من المتوقع أن يسجلا مكاسب أسبوعية بنحو أربعة في المائة، وذلك في أفضل أداء من نوعه منذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال بوتين يوم الخميس إن الحرب في أوكرانيا تتحول إلى صراع عالمي بعدما سمحت الولايات المتحدة وبريطانيا لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بأسلحة مقدمة من البلدين. وأضاف أن روسيا ردت بإطلاق نوع جديد من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى على منشأة عسكرية أوكرانية، محذرا الغرب من أن موسكو قد تتخذ مزيدا من الإجراءات.

وتعد روسيا من بين أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، حتى مع انخفاض الإنتاج بعد حظر الاستيراد المرتبط بغزوها لأوكرانيا وقيود الإمدادات التي تفرضها مجموعة «أوبك بلس». وقالت روسيا هذا الشهر إنها أنتجت حوالي تسعة ملايين برميل من الخام يوميا.

لكن بيانات مخزونات الخام الأميركية حدت من المكاسب. فقد تأثرت الأسعار بارتفاع مخزونات الخام الأميركية 545 ألف برميل إلى 430.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزة توقعات المحللين.

وأعلنت الصين يوم الخميس عن إجراءات في السياسات لتعزيز التجارة منها دعم واردات منتجات الطاقة وسط مخاوف بشأن تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية.

ومن جانبه، قال بنك غولدمان ساكس في مذكرة إنه يتوقع أن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت نحو 80 دولارا للبرميل هذا العام، رغم العجز في المعروض في 2024 والغموض الجيوسياسي، مشيرا إلى فائض متوقع قدره 0.4 مليون برميل يوميا العام المقبل.

وأضاف في المذكرة مساء الخميس: «توقعنا الرئيسي هو أن يظل برنت في نطاق 70 إلى 85 دولارا، مع قدرة إنتاج فائضة عالية تحد من ارتفاع الأسعار، فيما تحد مرونة أسعار (أوبك) وإمدادات النفط الصخري من انخفاض الأسعار».

ويتوقع البنك مخاطر قد تدفع أسعار برنت للصعود على المدى القريب، مع احتمال ارتفاع الأسعار إلى نطاق 85 دولارا في النصف الأول من عام 2025 إذا انخفض المعروض من إيران بمقدار مليون برميل يوميا بسبب فرض عقوبات أكثر صرامة.

وأوضح البنك أن مخاطر الأسعار على المدى المتوسط تميل إلى الجانب السلبي نظرا للطاقة الإنتاجية الاحتياطية المرتفعة. وقال: «في حين أن هناك طاقة احتياطية وفيرة في إنتاج النفط، فإننا نتوقع أن يظل التكرير قليلا للغاية، وأن تتعافى هوامش البنزين والديزل بشكل أكبر».

وأبقى البنك على توقعاته بأن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 76 دولارا للبرميل في عام 2025، لكنه خفض توقعاته لعام 2026 إلى 71 دولارا للبرميل في ظل فائض قدره 0.9 مليون برميل يوميا.

ويتوقع «غولدمان ساكس» أن يستمر الطلب على النفط في النمو لعقد آخر، مدفوعا بارتفاع الطلب الإجمالي على الطاقة إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي واستمرار وجود تحديات في إزالة الكربون من قطاعي الطيران والمنتجات البتروكيماوية.