جين ماكغيفرن لـ «الشرق الأوسط» : «المسار الرياضي» سيغير الرياض

أطول متنزه طولي عملاق يعبر العاصمة السعودية من شرقها إلى غربها

الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة المسار الرياضي» جين ماكغيفرن
الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة المسار الرياضي» جين ماكغيفرن
TT

جين ماكغيفرن لـ «الشرق الأوسط» : «المسار الرياضي» سيغير الرياض

الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة المسار الرياضي» جين ماكغيفرن
الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة المسار الرياضي» جين ماكغيفرن

أكدت الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة المسار الرياضي»، جين ماكغيفرن، أن المشروع عبارة عن مسار طولي متكامل المرافق يمتد لأكثر من 135 كيلومتراً داخل مدينة الرياض، وسيوفر أكثر من 50 رياضة مختلفة؛ من أبرزها مسارات للهواة والمحترفين في ركوب الدرجات الهوائية بالإضافة إلى وجود أماكن مناسبة لممارسة الرياضات الأخرى، مثل التسلق وكرة القدم والفروسية والتنس الأرضي وتنس الطاولة ومرافق التزلج.
كما يعد المسار مكاناً خلاباً يتيح المشي والتنزه والاستمتاع بمرافقه لجميع سكان العاصمة السعودية. وسيضم العديد من المساحات الخضراء والحدائق التي تغطي جزءاً كبيراً من المدينة. وتتطلع المؤسسة إلى تنفيذ المشروع وتشغيله في إطار مستدام مع التركيز على الحد من الانبعاثات الكربونية وتقليل الحاجة إلى استخدام السيارات.

المسار الرياضي سيوفر أكثر من 50 رياضة مختلفة في العاصمة السعودية

ويتميز المسار أيضاً بالتصميم الأيقوني للمباني وبوجود قطع فنية مميزة، وستقدم المؤسسة - بما يتماشى مع أهدافها ذات الصلة بالتنمية التشغيلية - فرصاً استثمارية على مستوى الرياض للمواطنين وللشركاء من الشرق الأوسط ومن جميع أنحاء العالم؛ بهدف تحقيق الاستقلال التشغيلي المالي.
جاء ذلك في حوار أجرته جين ماكغيفرن مع «الشرق الأوسط» بعد تعيينها بثمانية أشهر؛ للحديث أكثر عن مستجدات أحد مشاريع مدينة الرياض الأربعة الكبرى، الذي يهدف في المقام الأول لتشجيع السكان على اتباع أنماط حياة صحية في التنقل، وتحفيزهم على ممارسة الرياضات المختلفة – وخاصة رياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية والخيول - في محيط زاخر بالأنشطة والفعاليات الفنية، والثقافية، والترفيهية، والبيئية.
وتعتقد جين، أن هذا المشروع يعد الأبرز من بين جميع المشاريع التي تنفذ في مدينة الرياض في الوقت الحالي؛ حيث إنه أولاً وقبل كل شيء، مسار طولي في بيئة حضرية قائمة يضم مرافق متعددة تعبر المدينة في خط مستقيم، ويربط شرق المدينة بغربها، وليكون وجهة ممتعة وصحية لممارسة الرياضة والمشاركة في التجارب الرياضية المختلفة لجميع سكان الرياض وزوارها، وبالتعاون مع الجهات المعنية، مثل: وزارة الرياضة ووزارة الصحة، وسيسهم عند انتهائه في تحسين جودة الحياة للجميع.
والأهم من ذلك، أن المشروع يتقاطع مع العديد من المشاريع الأخرى الكبرى التي يجري تطويرها حالياً في الرياض؛ ما يشكل إطاراً شاملاً من الترابط. ويعدّ كذلك الركيزة الأساسية أو السلسلة ذات الصلة التي تربط الجميع. فهو مشروع رائع بحد ذاته، وفي جوهره قطعة أخاذة من التجديد الحضري المستدام والعالمي. كما يضفي قسماً مهماً في تاريخ تطوير مدينة الرياض، ويصنع مساراً حضرياً ومستداماً للأجيال القادمة.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1600245446173020160?s=20&t=xs2kwbUwQpUjWQNh_3iIjg

تضاريس متنوعة

وصفت جين بعض التحديات في تنفيذ المشروع؛ منها أنه يتم بناؤه في مناطق مختلفة ومتنوعة على مستوى المدينة، بالإضافة إلى أن العنصر «الحضري» الذي يبلغ طوله 32 كيلومتراً يتم إنشاؤها على المرافق السابقة، وعلى الرغم من طول المشروع، فإنه يضيق في بعض المناطق كما يمر ببعض الطرق السريعة المزدحمة. هذا، ويتواجد المسار منذ عشرات السنين وتندرج ضمن مناطقه المواقع الأصلية لأبراج الكهرباء التي تتطلب عملية إزالتها تنسيقاً وتخطيطاً حذراً وتفصيلياً لضمان عدم إزعاج السكان أو التأثير على مناطق العمل في الرياض.
ويغطي المشروع كذلك مناطق أخرى مهمة في المدينة، مثل: وادي حنيفة، ومتنزه الرمال الرياضي ووادي السلي، وتشكل هذه المناطق تحدياً مختلفاً بالنسبة لنا؛ فعلى الرغم من أنها تقع في مناطق أقل تطوراً في المدينة، فإننا نسعى إلى الحد من الإزعاج خلال تعزيزنا للوجهات الترفيهية التي يقدّرها السكان ويستخدمونها كثيراً، من خلال إضافة طرق وممرات آمنة للمشي وركوب الدراجات الهوائية.

الرياضة المجتمعية

في أواخر العام 2020، أصدرت الهيئة السعودية للرياضة للجميع، إحصائية توضّح، أن 38 في المائة من الشباب و44 في المائة من البالغين و51 في المائة من كبار السن لا يمارسون الرياضة، على أمل في أن تقل هذه النسب من خلال المشاريع والمبادرات الرياضية التي تقيمها المملكة العربية السعودية، ومن ضمنها المسار الرياضي الذي تُعد أهم أهدافه تشجيع الناس على أداء الرياضة بمرافق مهيأة بشكل كامل للرياضات المختلفة.
وتعتقد جين، أن المشروع سيساعد على تقليل هذه النسب بشكل كبير، حيث ستوفر المؤسسة البنية التحتية اللازمة لتزويد الأفراد بمرافق آمنة للممارسة الرياضات المختلفة والمشاركة فيها، وتغيير العادات السيئة وتحفيزهم على اتباع أنماط حياة صحية؛ نظراً لأن العديد من الأفراد لا يمارسون الرياضة بسبب ندرة المرافق الرياضية الآمنة.
كما أضافت، أن هذا المشروع لا يستهدف الأبطال الأولمبيين أو الرياضيين المحترفين فقط، بل يرحب بجميع سكان الرياض بشكل عام بغض النظر عن مستواهم الرياضي، ومع ذلك، سيضم المسار العديد من المرافق الرياضية المتميزة ويأمل في استضافة أحداث رياضية عالمية. ويعدّ المسار كذلك متاحاً لجميع الفئات العمرية؛ فهو متاح للجميع ويتضمن خدمات وعروضاً مختلفة لجميع الفئات، ويمتاز بسهولة الوصول إليه؛ حيث يتضمن وجود العديد من محطات شبكة المترو ويغطي مناطق واسعة في الرياض من شرقها إلى غربها.
هذا، وتعمل المؤسسة بشكل وثيق مع وزارتي الصحة والرياضة لفهم المبادرات التي تطمح لتنفيذها وكيفية مواءمة منتجاتنا وأنشطتنا ورياضاتنا معها، ولضمان أن نوفر لهم منصة لتقديم الخدمات.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1600260042640400385?s=20&t=jvjdXjDnK7OcfAnSy8p8Fg

الجانب الاقتصادي

وعلى الجانب الاقتصادي، سيُخصص المشروع نحو 40 في المائة من مساحته للاستثمارات بأنواعها كافة؛ حيث ستكون 2.3 مليون متر مربع مخصصة للمستثمرين أغلبها في المجال العقاري لتحقيق الاستدامة المالية للمشروع وإعادة تدوير أمواله في عملياته وتفعيل منصة الفعاليات العالمية الكبرى والمساحات الخضراء.
كما شددت جين، على أن الهدف الأساسي للمشروع هو تحسين جودة الحياة في الرياض، وتزويد سكانها بالبنية التحتية المثلى للاستمتاع بالرياضة من أي نوع يرغبون فيه، لكن من أهم الأهداف أيضاً تحقيق استدامة المشروع - ومنها الاستدامة المالية – لذلك؛ من الضروري فتح باب الاستثمار في المشروع وخلق تدفق مالي من داخل المشروع ليعود في تطويره مجدداً.
وأضافت، أن المؤسسة لا تتطلع إلى استقطاب المستثمرين والشركاء السعوديين فحسب، بل جميع الصناديق والجهات المهتمة من المجتمعات التجارية في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، يعمل المشروع حالياً على استقطاب المستأجرين والمشغلين العالميين لتحديد الفرص الاستثمارية المتاحة في جميع أنحاء الرياض وعلى مستوى المسار الرياضي؛ ما يعني أننا سنستخدم الأصول لخلق تدفق للدخل، ما يسهم في استدامة تشغيل المسار في المستقبل؛ لأن الهدف من المشروع مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببرنامج جودة الحياة التابع لـ«رؤية 2030».

تحديات الطقس

إحدى أهم المشاكل التي تواجه الرياض هو طقسها الحار في الصيف الذي قد يعيق ممارسة الرياضة في الأماكن المفتوحة، وخاصة في أشهر الصيف الأشد حراً، بالإضافة إلى الغبار وغيرها من الأحوال الجوية الصحراوية التي تشهدها المدينة كل عام.
وقد أشارت جين عند سؤالها عن ذلك، إلى أنه يجب التذكير بأن المشروع يراعي خلق العديد من العناصر البيئية؛ حيث سيحتوي المسار على أكثر من 170 ألف شجرة و4.4 مليون متر مربع من المسطحات الخضراء المفتوحة في جميع مناطق المشروع، وهذه وحدها ستسهم في زيادة نصيب الفرد في الرياض من المساحات الخضراء بنسبة تتجاوز 60 في المائة؛ ما سيساعد بشكل كبير على خفض درجات الحرارة لمرتادي المسار.
وأضافت، أنه يمكن ممارسة العديد من الرياضات في مرافق مغلقة ومكيفة - منها البرج الرياضي الأيقونة – لذلك؛ سيستطيع الجميع ممارسة الرياضة في أي وقت خلال العام براحة تامة.

الجانب البيئي

رغم أن المشروع في مجمله يستهدف الرياضة، فإن القائمين عليه حريصون جداً بأن يكون صديقاً للبيئة، وذلك ضمن توجه المملكة العربية السعودية والتزامها في معالجة قضية المناخ، وحرصها على أن تكون مشاريعها خالية من الانبعاثات الكربونية الضارة والحد من هدر المياه.
وفي هذا الإطار، ذكرت جين، أن المشروع بالكامل صديق للبيئة كما هو الحال في المشاريع السعودية الكبرى؛ لذلك لدينا الكثير من المبادرات، مثل: إعادة تدوير المياه الرمادية والتقليل من النفايات وإعادة تدويرها، وتحقيق كفاءة الطاقة وتقديم مرافق تبريد المناطق لجميع العقارات في المسار، وكما ذكرنا آنفاً، توجد ثلاث محطات للمترو تتصل مع المشروع؛ ما سيقلل من حركة السيارات ويشجع السكان على استخدام وسائل النقل العامة، كما يتضمن العديد من محطات شحن السيارات الكهربائية في عدد من المواقع الاستراتيجية، وسنحرص على تشجيع الزوار لاستخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة لتحسين صحتهم وللتقليل من الانبعاثات الضارة.
وأضافت، أن المشروع يتواءم مع هدف المملكة العربية السعودية 2060 للوصول إلى الحياد الصفري للكربون؛ ما سيسهم في تقليل درجات الحرارة ومساعدة البيئة والحفاظ عليها.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1600248214623428609?s=20&t=sdY7K23XVKrO3g7B9ZWkFQ

الجانب الفني

يحرص المشروع أيضاً على وضع بصمته في الجانب الفني والثقافي عبر إنشاء عدد من المعالم الفنية المميزة في أماكن مختلفة في المشروع؛ حيث سيقدم معالم مميزة في الرياض تعكس الثقافة السعودية والتوجهات المستقبلية، وغيرها من الدلالات الفنية والاجتماعية.
وفي هذا الجانب، قالت جين، إن التصاميم التي سيعتمدها المشروع لهذه المعالم شارك بها العديد من المصممين المحليين والعالميين، بالإضافة إلى وجود فريق مخصص من المهندسين المعماريين لكل منطقة لضمان جودتها.
وأضافت، أن المشروع بذاته سيكون لوحة فنية وسيبنى على الطراز المعماري السلماني الذي يدمج ما بين الأصالة والحداثة في آن واحد، ليعكس الثقافة السعودية والتصاميم الحديثة بشكل معاصر، وسيشكل جماليات في البناء على مناطق المشروع الواقعة على طريق الأمير محمد بن سلمان، من خلال الكود العمراني للمسار الرياضي الذي أطلقته المؤسسة مؤخراً.
ويعد مشروع «المسار الرياضي» أحد مشاريع مدينة الرياض الأربعة الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بتاريخ 19 مارس (آذار) 2019، بطول يزيد على 135 كيلومتراً، ويربط بين وادي حنيفة في غرب المدينة ووادي السلي في شرقها، من خلال شبكة من المسارات الآمنة والمشجرة للمشاة والدراجات الهوائية وراكبي الخيل، ويتضمن المشروع 4.4 مليون متر مربع من المساحات الخضراء المفتوحة، وما يصل إلى 50 موقعاً للرياضات المتنوعة، ومعالم فنية في جميع الأنحاء، بالإضافة إلى ذلك، هناك مواقع ومناطق استثمارية عدة تبلغ مساحتها أكثر من 2.3 مليون متر مربع.
هذا، وتُعد جين إحدى أبرز المديرين التنفيذيين في مجال الإنشاءات في العالم، وتتمتع بخبرة تزيد على 35 عاماً في مجال إدارة مشاريع البنى التحتية الضخمة، ومشاريع التجديد الحضري الكبرى، كما قادت العديد من المشاريع البارزة، مثل: إعادة تطوير «قبة الألفية» في لندن لتصبح تحت مسمى «O2»، واستاد «ويمبلي» الجديد. إضافة إلى ذلك، شغلت جين منصب رئيس مجلس إدارة منظمة البنى التحتية بوزارة الدفاع البريطانية، ومُنحت مقعداً في مجلس إدارة شركة «كروس ريل» في لندن، وشغلت مؤخراً منصب رئيس التطوير والبناء في شركة «ماديسون سكوير جاردن» في نيويورك.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1600252492939350016?s=20&t=Cl5RxR7wGUquH0xgt0UAaA



باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.