بريطانيا بحاجة إلى «أن تكون واقعية» بشأن وضعها العالمي

حصيلة حلقة دراسية بمشاركة عشرين باحثا من 18 دولة في «تشاتام هاوس»

من مظاهر الابهة البريطانية المألوفة (أ.ب)
من مظاهر الابهة البريطانية المألوفة (أ.ب)
TT

بريطانيا بحاجة إلى «أن تكون واقعية» بشأن وضعها العالمي

من مظاهر الابهة البريطانية المألوفة (أ.ب)
من مظاهر الابهة البريطانية المألوفة (أ.ب)

يقول جون كامبفنر، المدير التنفيذي لمشروع «المملكة المتحدة في العالم» لدى «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية) البريطاني، إنه يتعين على بريطانيا تبني نهج أكثر رصانة وجدارة بالثقة، إذا ما أرادت إعادة صياغة دورها كقوة متوسطة «بنفوذ أكبر» على الساحة العالمية.
وشارك كامبفنر في مناقشات دارت بين نحو عشرين خبيرا من أنحاء العالم، وتطرقت إلى الأمن والعلوم و«القوة الناعمة» ضمن أمور أخرى. وكان من بين المشاركين وزراء سابقون من أميركا اللاتينية، ومعارضون من هونغ كونغ، وأوروبيون من مشارب شتى، وخبير مصرفي هندي، بالإضافة إلى شباب وصناع سياسة ومعلقين من أميركا وفرنسا.
وعموما، كانت 18 دولة ممثلة في المناقشات، التي شكلت جزءا من البحث الذي يجريه مشروع «المملكة المتحدة في العالم»، والذي يهدف إلى وضع تصور «لدور بريطانيا في العالم بحلول عام 2030». والخلاصة التي توصلت إليها المجموعة، يمكن إيجازها في جملة واحدة تقريبا، وهي: ما زال بإمكان بريطانيا القيام بدور مهم على الساحة العالمية، إذا نظرت إلى نفسها في المرآة، وقامت بتغيير وتحديث بعض سلوكياتها.
وتداول المشاركون مصطلح «قوة متوسطة»، حيث جرى عقد مقارنات مع دول مثل أستراليا، وكندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، وجنوب أفريقيا، وبولندا، إضافةً إلى تركيا التي اضطلعت بدور أوسع في الشرق الأوسط وفي الصراع الروسي الأوكراني.
ويستدعي مصطلح «قوة متوسطة» فكرة «سرعة التحرك والمرونة»، وهو أمر يعشقه الوزراء في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، غير أنه ربما لا يعكس دور البلاد خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية كعضو دائم في مجلس الأمن، ولا يمثل الاعتراف بها كقوة نووية أو بدورها الرئيسي ضمن مجموعتي السبع الصناعية والعشرين، أو في «الكومنولث» البريطاني أو حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأعطت هذه الأوضاع بريطانيا نفوذا أكبر بكثير مما كان يمكنها بدونها، وهو ما يسمى «قوة متوسطة بنفوذ إضافي». ولكن تتطلب أي أجندة أمنية وخارجية عالمية تتسم بالقوة، اقتصادا يستطيع أن يحمل ثقل طموحاته.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن التعهد بزيادة الإنفاق العسكري إلى 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي يبدو متذبذبا.
وأشار كامبفنر إلى «المراجعة الكاملة» التي تعدها الحكومة كل خمس سنوات، والتي تحدد السياسة الخارجية والأمنية واستراتيجية الدفاع. وقد توقعت المراجعة الأخيرة في مارس (آذار) 2021 بالخطر الذي تمثله روسيا، وبرغم ذلك، اتسمت بالتفاؤل وشددت على نقاط القوة التي تتمتع بها بريطانيا، مع التركيز على العلم.
وخلال فترة الانتقال من فترة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، إلى الحالي ريشي سوناك، عبر ليز تراس، يبدو أن شعورا أكبر بالواقعية قد بدأ. ويبدو أن من صاغوا المراجعة الأخيرة يمرون بحالة من «الإنعاش»، حيث صارت القضايا الرئيسية هي: تداعيات حرب أوكرانيا، والتحدي الاستراتيجي المتنامي الذي تمثله الصين، والهجرة، والصحة العامة، ومخاوف تفشي وباء جديد، والتحديات المزدوجة التي تشمل طوارئ المناخ والقدرة على الصمود في مجال الطاقة.
ويؤكد كامبفنر، أن هذه المشكلات تتطلب تعاونا دوليا، ولكنها ظهرت في وقت يتسم بتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى. وقال «في بيئة يزداد فيها الاستبداد، وتمثل الشعبوية خطرا دائم الوجود، وتواجه الديمقراطية ضغوطا ضخمة، من المهم للمملكة المتحدة أن تحقق أكبر نفوذ وأعظم تأثير».
ولقد نال دعم بريطانيا لأوكرانيا الإشادة، ويقول دبلوماسي من شمال أوروبا، إن المملكة المتحدة «تنتمي لاتحاد خاص بها» عندما يتعلق الأمر بالأمن في الشمال، ولكن يجب تحديد الدور الذي يمكن أن تقوم به البلاد خارج أوروبا بشكل أكثر وضوحا، حيث تتجه أنظار الغرب حاليا صوب الشرق.
ويتعلق مظهر انتقاد آخر لبريطانيا بـ«عدم اتساق سياستها تجاه الصين»، فعلى مدار العقد الماضي، تحولت من الترحيب بها، وتشجيع الاستثمارات، إلى النظر إليها كتهديد عسكري ودبلوماسي واقتصادي محتمل.
ويقول كامبفنر، إن أحد الوعود الوهمية لـ«بريكست» كان قدرة بريطانيا على عقد اتفاقيات تجارية سهلة وسريعة، ولكن ذلك لم يحدث مع الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك للمملكة، ولا مع أميركا، ولا حتى مع 11 دولة عضو في «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ». ويقول كامبفنر، إن التجارة ليست بالأمر الجديد على السياسة الخارجية، وهذا شيء جوهري بالنسبة لبريطانيا حاليا، حيث تمثل الاتفاقيات التجارية وسيلة لتعزيز النفوذ مع دول لم يكن لها أولوية لدى بريطانيا قبل «بريكست».
ويعتمد الجزء الأكبر من «حلم بريطانيا العالمي» في حقبة ما بعد «بريكست»، على إحياء علاقات أعمق مع «الكومنولث» البريطاني. ولكن حتى هذا يبدو أصعب مما كان يتصور أساسا. فعندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يدين غزو روسيا لأوكرانيا، كانت هناك ثلاث دول من دول «الكومنولث» من بين الدول التي امتنعت عن التصويت. وأوضح ذلك أن النفوذ البريطاني يعاني من قيود واضحة للغاية. كما ألحق خفض بريطانيا لموازنة التنمية الدولية، من 7ر0 في المائة إلى 5ر0 في المائة من إجمالي الدخل القومي، ضررا إضافيا بمصداقية البلاد، ولذلك لم يكن من قبيل الدهشة أن الدعوة لشركاء «الكومنولث» إلى خوض الحرب ضد الاستبداد، ومن أجل الديمقراطية، لم تجد آذانا صاغية. وأعطت نقاشات الخبراء أهمية متزايدة للقوى الرئيسية في الجنوب العالمي، حيث أشاروا إلى أن دور بريطانيا في «الكومنولث» يعطيها نفوذا خاصاً في هذا الإطار، ولكن ربما تراجع ذلك عقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، ويرى البعض أن ما سيكون مهما خلال العقد المقبل، هو تعبير مختلف عن الرمزية.
وكان هناك اقتراح مثير للاهتمام يتعلق بتقديم اعتذار برلماني عن الاستعمار البريطاني، بالضبط كما فعل الأستراليون. ولكن كامبفنر تبنى وجهة نظر مفادها، «أن ذلك مخاطرة سياسية لا يستطيع أن يقدم عليها زعيم حزب العمال أو زعيم المحافظين، ولكن رد البعض كان: قد يدفعهم الاقتصاد والسياسة الخارجية إلى ذلك».
وفيما يتعلق بمقدرات بريطانيا الأساسية، اتفقت مجموعة الخبراء على مجالين: الدفاع والأمن، و«القوة الناعمة». ولا تزال نقاط القوة لدى بريطانيا في المقام الأول، تتمثل في تفوقها في العلوم والتكنولوجيا وقطاع الجامعات، والثقافة. والمفارقة أن الحكومة البريطانية قد فشلت في تقدير ذلك، وأدت إجراءات أخيرة إلى تقويض هذه القوة.
وأشار كامبفنر، إلى فعالية أخرى لـ«مشروع المملكة المتحدة في العالم»، سئل خلالها وزير الخارجية البريطاني الأسبق ديفيد ميليباند، عن أفكاره بشأن كيفية تطوير بريطانيا طريقة جديدة للانخراط على المستوى الدولي، فقال، إنه يجب على البلاد «أن تطور سبيلا يتحاشى إيهام النفس والنزعة التراجعية، وهو ما يلخص الأمر على نحو جيد». واختتم كامبفنر التحليل بقوله، «إن بريطانيا لا تزال تستطيع القيام بدور عالمي مهم في عصر الاضطرابات، ولكي تحقق ذلك، هي بحاجة إلى أن تشعر بارتياح تجاه واقعها: دولة أوروبية في حقبة ما بعد الاستعمار، لها دور عالمي بعينه، وليس هناك ما يشين في ذلك».


مقالات ذات صلة

مساعٍ عالمية لإيجاد «توازن» بين سلبيات ومزايا الذكاء الصناعي

يوميات الشرق مساعٍ عالمية لإيجاد «توازن» بين سلبيات ومزايا الذكاء الصناعي

مساعٍ عالمية لإيجاد «توازن» بين سلبيات ومزايا الذكاء الصناعي

في ظل النمو المتسارع لتطبيقات الذكاء الصناعي، تسعى حكومات دول عدة حول العالم لإيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين مزايا وسلبيات هذه التطبيقات، لا سيما مع انتشار مخاوف أمنية بشأن خصوصية بيانات المستخدمين. وفي هذا السياق، تعقد نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، اليوم (الخميس)، لقاءً مع الرؤساء التنفيذيين لأربع شركات كبرى تعمل على تطوير الذكاء الصناعي، بحسب وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية. في حين تدرس السلطات البريطانية تأثير «تشات جي بي تي» على الاقتصاد، والمستهلكين.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
لماذا تُعد العادات الصحية مفتاحاً أساسياً لإدارة أموالك؟

لماذا تُعد العادات الصحية مفتاحاً أساسياً لإدارة أموالك؟

يُعد النشاط البدني المنتظم والنظام الغذائي المتوازن والنوم الكافي من أكثر الممارسات الموصى بها للحفاظ على صحتك العامة. هذه العادات لها أيضاً تأثير إيجابي على أموالك الشخصية ومدخراتك بشكل عام. للوهلة الأولى، قد يكون من الصعب التعرف على الصلة بين العادات الصحية والأمور المالية الشخصية. ومع ذلك، هناك الكثير من القواسم المشتركة بين هذه المفاهيم. عندما تعتني بصحتك الجسدية والعقلية، فإنك تعزز أيضاً تطورك الشخصي والمهني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم بريطانيا: روسيا تتبنى استراتيجية جديدة للضربات الصاروخية

بريطانيا: روسيا تتبنى استراتيجية جديدة للضربات الصاروخية

أفادت وكالات الاستخبارات البريطانية بأن أحدث هجمات صاروخية روسية تردد أنها قتلت 25 مدنيا في أوكرانيا، تشير إلى استراتيجية هجومية جديدة وغير تمييزية بشكل أكبر، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وقالت وزارة الدفاع في لندن في تغريدة اليوم (السبت): «اشتملت الموجة على صواريخ أقل من تلك التي استخدمت في الشتاء، ومن غير المرجح أنها كانت تستهدف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا». وأضافت الوزارة في أحدث تحديث استخباراتي أنه كان هناك احتمالية حقيقية أن روسيا حاولت أمس (الجمعة) الهجوم على وحدات الاحتياط الأوكرانية، وأرسلت مؤخرا إمدادات عسكرية. كانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أمس، أنه تم شن سلسلة من الهجم

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ ميغان ماركل توقّع عقداً مع وكالة مواهب كبرى في هوليوود

ميغان ماركل توقّع عقداً مع وكالة مواهب كبرى في هوليوود

وقّعت ميغان ماركل، زوجة الأمير البريطاني هاري، عقداً مع وكالة مواهب كبرى تُمثّل بعض أكبر نجوم هوليوود، وفقًا للتقارير. سيتم تمثيل ميغان من خلال «WME»، التي لديها عملاء من المشاهير بمَن في ذلك ريهانا ودوين جونسون (ذا روك) ومات دامون. وأفاد موقع «فارايتي» الأميركي بأنه سيتم تمثيلها من قبل آري إيمانويل، الذي عمل مع مارك والبيرغ، ومارتن سكورسيزي، وتشارليز ثيرون، وغيرهم. يقال إن التطور يأتي بعد معركة طويلة لتمثيل الدوقة بين عديد من وكالات هوليوود. وتركيز ميغان سينصب على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وشراكات العلامات التجارية، بدلاً من التمثيل. وشركة «آرتشيويل» الإعلامية التابعة لميغان وهاري، التي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، الجمعة، إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية في تكنولوجيا المعلومات تحسباً لصدام محتمل مع واشنطن.

وقال مورغان أدامسكي، المدير التنفيذي للقيادة السيبرانية الأميركية، إن العمليات الإلكترونية المرتبطة بالصين تهدف إلى تحقيق الأفضلية في حالة حدوث صراع كبير مع الولايات المتحدة.

وحذر مسؤولون، وفقاً لوكالة «رويترز»، من أن قراصنة مرتبطين بالصين قد اخترقوا شبكات تكنولوجيا المعلومات واتخذوا خطوات لتنفيذ هجمات تخريبية في حالة حدوث صراع.

وقال مكتب التحقيقات الاتحادي مؤخراً إن عملية التجسس الإلكتروني التي أطلق عليها اسم «سالت تايفون» شملت سرقة بيانات سجلات مكالمات، واختراق اتصالات كبار المسؤولين في الحملتين الرئاسيتين للمرشحين المتنافسين قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ومعلومات اتصالات متعلقة بطلبات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

وذكر مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أنهما يقدمان المساعدة الفنية والمعلومات للأهداف المحتملة.

وقال أدامسكي، الجمعة، إن الحكومة الأميركية «نفذت أنشطة متزامنة عالمياً، هجومية ودفاعية، تركز بشكل كبير على إضعاف وتعطيل العمليات الإلكترونية لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم».

وتنفي بكين بشكل متكرر أي عمليات إلكترونية تستهدف كيانات أميركية. ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن على طلب للتعليق بعد.