تغيُّر المناخ العالمي يهدد مستقبل كرة القدم

هل نجحت قطر في تنظيم بطولة {محايدة كربونياً}؟

أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
TT

تغيُّر المناخ العالمي يهدد مستقبل كرة القدم

أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)

تستمر بطولة كأس العالم في قطر بإثارة الجدل على نحو لم تفعله أي مسابقة رياضية كُبرى من قبل. وفيما عرفت بعض الدورات الأولمبية وبطولات كأس العالم تجاذبات عديدة قبل الحرب العالمية الثانية، وخلال تصاعد حرارة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، فإن كأس العالم الحالية تجاوزت البُعد الكروي إلى حدٍّ بعيد واختلط فيها الرياضي بالسياسي والحقوقي بالثقافي، إلى جانب البُعد الكربوني.
وليس ببعيد عن حرارة المنافسات في هذه البطولة العالمية وحماسة متابعيها، كانت حرارة الطقس الدافع الرئيسي لجعل مباريات كأس العالم تنطلق في فصل الشتاء لأول مرة منذ بدايتها عام 1930. وفي الوقت ذاته، مثّلت انبعاثات غازات الدفيئة وأثرها على الاحترار العالمي قضية شائكة أخرى أثارتها البطولة على نحو غير مسبوق. فعدا عن البصمة الكربونية للمنشآت والنشاطات المرافقة، طُرحت تساؤلات عن الانبعاثات الناجمة عن تبريد الملاعب خلال فترات الحرّ. وقد حاول المنظّمون حل جزء من هذه المشكلة باستخدام الطاقات المتجددة، خاصة الشمس، لتوليد بعض احتياجات الكهرباء.

الانبعاثات الكربونية في تقارير «فيفا»
تشهد قطر طفرة في مجال الإنشاءات الخاصة بالبطولة الكروية منذ نحو عقد من الزمان؛ حيث شيّدت سبعة ملاعب جديدة و30 مرفقاً للتدريب وآلاف الغرف الفندقية، ووسّعت مطار الدوحة الدولي. وتُعد البلاد بين الأعلى حرارة والأكثر جفافاً على وجه الأرض، إذ تواجه موجات حرّ متفاقمة ونقصاً في المياه مع اشتداد تغيُّر المناخ.
ويتوقّع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أنّ الأنشطة المتعلقة بكأس العالم هذه السنة ستصل إلى 3.6 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل استهلاك الطاقة لنحو 460 ألف منزل لمدة سنة كاملة. ووفقاً لأحدث تقرير عن الانبعاثات أصدره «فيفا»، يمثّل السفر الجوي والإقامة أكبر مصدر للانبعاثات المتعلقة بالبطولة؛ حيث من المتوقّع أن يحضر نحو 1.5 مليون مشجّع من جميع أنحاء العالم. ويخطط الاتحاد الدولي لكرة القدم وقطر لتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تجنّبها بأرصدة الكربون، ومن خلال تدابير أخرى مثل زراعة الأشجار.
ووفقاً للتقرير نفسه، يمثّل بناء الملاعب نحو 18 في المائة من انبعاثات الكربون الناتجة عن البطولة. ومن بين الملاعب السبعة الجديدة التي تم تشييدها لبطولة قطر، يخطط منظمو كأس العالم لتفكيك ملعب واحد بالكامل وتقليل سعة الملاعب الأخرى بمقدار النصف تقريباً. وبالنسبة إلى المقاعد المؤقتة، يحمّل المنظمون أنفسهم مسؤولية 70 يوماً فقط من الانبعاثات، هي مدة البطولة، بالإضافة إلى مدة مسابقتي بطولة العالم للأندية التي سبقت كأس العالم.
وفي المقابل، تشير مجموعة «كاربون ماركت ووتش» (Carbon Market Watch) إلى أن المنهجية التي جرى اعتمادها في تقرير «فيفا» الأخير لا تتماشى مع تقاريره السابقة، التي ذكرت أن عُمر الملعب يمكن أن يصل إلى 60 عاماً. وتقدّر المجموعة أن البصمة الكربونية الإجمالية للملاعب الستة الدائمة ستصل إلى ثمانية أضعاف حسابات الكربون التي تبنّاها المنظّمون.
ومن ناحية أخرى، تقع الملاعب الثمانية المستخدمة في كأس العالم على بُعد نحو 50 كيلومتراً من وسط مدينة الدوحة. وفي حين يقلل التركيز العالي للملاعب من الانبعاثات المرتبطة بسفر المشجّعين، فإن المرافق قد تخلق مشكلات طويلة الأجل لسكان المدينة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
ويعدّ تقرير ما يجب فعله بالملاعب المتبقية مشكلة معروفة للمدن التي استضافت أحداثاً رياضية ضخمة، مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية. وتُعرف هذه الأماكن باسم «الفيلة البيضاء»، لارتفاع ثمنها وسويّتها العالمية، وغالباً ما تصبح في حالة سيئة وتحتل مساحة كبيرة وتستنزف الموارد المحلية.
وقد أعلن منظّمو كأس العالم في قطر عن نيّتهم التخلص من جميع «الفيلة البيضاء» من خلال وضع خطط لتحويل ما يتبقى من هذه الملاعب إلى مراكز مجتمعية وفنادق ومراكز تعليمية. وعلى سبيل المثال، من المقرر أن يصبح «استاد الجنوب»، الذي يتّسع لأكثر من 44 ألف متفرّج، مقراً لنادي الوكرة. وبعد نهائيات كأس العالم ستنخفض سعة الملعب إلى 20 ألف مقعد، ومن غير المعروف ماذا سيحدث للملعب الذي كان يستخدمه سابقاً الفريق المحلي، ويتّسع لنحو 12 ألف مشجّع.
وبالنسبة إلى الملعب المؤقت «استاد 974»، لم يكشف المنظّمون حتى الآن عن أي خطط ملموسة لكيفيّة أو حتى إمكانية إعادة استخدام حاويات الشحن التي بُني بها الملعب. ولم يتم احتساب الانبعاثات المتراكمة أثناء نقل وإعادة بناء المواد المستخدمة في حسابات الكربون.
ومن المتوقع أن يُصدِر «فيفا» تقريراً محدّثاً عن الانبعاثات بعد اختتام البطولة، وهو إجراء يتوافق مع مبادراته العديدة التي تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تشمل جعل كرة القدم جاهزة للعمل المناخي، وحماية البطولات الكبرى من الآثار السلبية لتغيُّر المناخ، وضمان جعل كرة القدم مرنة مناخياً. ولكن هل ستكون هذه المبادرات كافية لحماية مستقبل بطولات كرة القدم العالمية من آثار تغيُّر المناخ؟

كرة القدم والتكيُّف مع تغيُّر المناخ
خلال السنوات القليلة الماضية، تعرّضت العديد من التجمُّعات الرياضية الكبرى لظواهر الطقس المتطرّفة. ففي 2019، تسبب إعصار موسمي (تايفون) في تأجيل عدّة مباريات خلال كأس العالم للرغبي في اليابان. وفي بطولة أستراليا المفتوحة للتنس 2020، أصبح الهواء غير قابل للتنفس بسبب حرائق الغابات، كما تمّ في العام ذاته نقل مسار سباق الماراثون في أولمبياد طوكيو مئات الكيلومترات إلى الشمال هرباً من حرارة الجو المرتفعة. ويزداد القلق حول مستقبل الألعاب الأولمبية الشتوية مع ازدياد الاحترار العالمي.
وتكشف البيانات التاريخية وسيناريوهات الانبعاثات الحالية أن ارتفاع مستويات سطح البحر، وموجات الحرّ الشديدة، ومخاطر الحرائق الضخمة، والفيضانات، وتدهور جودة الهواء ستشكّل جميعها تهديدات كبيرة لمباريات كرة القدم، سواء للهواة أو المحترفين.
وكرة القدم ليست مجرّد ضحية لتغيُّر المناخ، فهي تسهم في زيادة الانبعاثات أيضاً. ويتضح ذلك من البصمة الكربونية للاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، التي تقدّر بنحو 29 طناً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً نتيجة السفر فقط، وهي كمية تقارب ثلاثة أضعاف البصمة الكربونية السنوية لمواطني المملكة المتحدة، وتتجاوز بكثير الهدف العالمي الذي يبلغ طنين اثنين لكل شخص من أجل الوفاء بالتزامات اتفاقية باريس المناخية.
وتنصبّ مخاوف عدد من اتحادات كرة القدم حالياً على مسألتي انخفاض جودة الهواء وارتفاع حرارة الجو، ما قد يؤثر على صحة الرياضيين والمتفرّجين والعاملين في مجال الرياضة، فضلاً عن تراجع الأداء. وكان الدوري الأميركي لكرة القدم وضع عتبات محددة لتنظيم المباريات أثناء الطقس الحارّ، كما أصدر اتحاد «ألبرتا سوكر» في كندا أدلّة عمل إرشادية تتعلق بنوعية الهواء.
ونظراً لأن ظروف ارتفاع حرارة الجو ستصبح أكثر تواتراً في المستقبل القريب، فمن المتوقع أن يكون هناك تأجيل وإلغاء للعديد من مباريات وبطولات كرة القدم. ومن المرجح أن تُسجّل تأثيرات ملحوظة للحرائق على البنية التحتية لملاعب كرة القدم، وأن تتدهور أرضيات ملاعب العشب الطبيعي نتيجة الجفاف والقيود المفروضة على الري خلال الصيف، كما ستتأثر الملاعب بظروف الشتاء القاسية على نحو متزايد.
وكانت دراسة، أُجريت في بريطانيا في عام 2013 وشملت 460 نادياً رياضياً، أشارت إلى خسارة ما بين 3 و13 أسبوعاً من استخدام بعض الملاعب سنوياً بسبب هطولات الأمطار الغزيرة. وعلى المدى الطويل، من المرجّح أن تشكّل مياه البحر المرتفعة والفيضانات المتكررة تهديداً مؤقتاً أو دائماً لأنشطة الأندية الرياضية، ما يعرّض مستقبل كرة القدم للخطر في بعض أجزاء العالم، إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مسارها الحالي. وقد تسببت الفيضانات بالفعل في جعل ملاعب مونبلييه الفرنسية في 2014 وملاعب كارلايل البريطانية في 2015 خارج الخدمة لعدّة أشهر.
وفيما تمثّل ملاعب العشب الاصطناعي حلولاً مثيرة للاهتمام تسمح بتنظيم المباريات على فترات أطول خلال العام، فإن هذه الملاعب تؤدي إلى تكوين جُزُر حرارية حيث ترتفع حرارتها السطحية بما بين 12 و22 درجة مئوية أعلى من حرارة العشب الطبيعي. ويزيد مستوى الحرارة المرتفع من الإجهاد الحراري الذي يتعرّض له اللاعبون، ويعزز المخاطر على صحتهم وأدائهم. وينطبق الأمر نفسه على صحة الحكام والمدربين والمشجّعين.
ويؤثر تلوُّث الهواء سلباً على كمية ونوعية التمريرات والمسافات المقطوعة وجهود اللاعبين المحترفين عالية الشدة، كما يمكن أن يؤدي التلوُّث المرتفع إلى تقليل عدد الأهداف المسجّلة أثناء المباريات بشكل كبير. وتشير الأدلة التجريبية لعدّة عقود إلى أن فرص الفوز لدى الفِرَق المُضيفة أعلى من فرص فوز الفِرَق الزائرة، لا سيما عندما يأتي الفريق المنافس من مدينة أقل تلوُّثاً. ويرتبط ذلك باعتياد الفِرَق المُضيفة على نوعية الهواء في ملاعبها، ما يجعل أداؤها أقل تأثراً.
بفضل انتشارها وقدرتها على الوصول إلى جمهور عريض، يمكن أن تلعب كرة القدم دوراً رئيسياً في التحوّل البيئي، بما في ذلك استراتيجيات التخفيف من تغيُّر المناخ والتكيُّف معه. وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم من أوائل الاتحادات الرياضية الدولية التي التزمت بإطار عمل الأمم المتحدة للرياضة من أجل المناخ، عبر تبنّي استراتيجية خاصة في هذا الشأن.
ويتعيّن على عالم كرة القدم الانتقال بسرعة كبيرة من نهج رد الفعل إلى النهج الاستباقي، عبر اتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية، في طليعتها تحديد التواريخ بما يتناسب مع أحوال الطقس في البلد المُضيف، بما يقلل الحاجة إلى تبريد الملاعب. كما تجب إعادة هيكلة المسابقات الوطنية والعالمية لتقليل سفر الرياضيين والمشجّعين، والحثّ على استخدام وسائط النقل العامة والمشتركة، وتعزيز تدابير السلامة، كزيادة فترات الراحة خلال المباريات وإجراء المزيد من التبديلات للاعبين، وتأمين الحماية من أشعة الشمس الحارقة للمتفرّجين.
من أهم ما حققته دورة قطر كسر الموانع التي كانت تعوق إقامة البطولات في مناطق حارّة، بنقل الموعد التقليدي من فصل الصيف إلى الشتاء، وبداية استخدام تقنيات الطاقة المتجددة على نطاق واسع في الملاعب، فلا يُحرم أي شعب من حقه في أن يكون جزءاً من نشاطات الرياضة العالمية. ونظراً إلى أن كرة القدم لن تكون الضحية الوحيدة للتغيُّر المناخي والمؤثرة فيه، فإن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل المجتمع الرياضي ككل لمواصلة اللعب بأمان ومتعة.



ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.