خبراء ومواقع إلكترونية لرعاية عشاق أجهزة «آيبود» القديمة

خدمات إدامة للتصاميم المتقادمة للأجهزة والبرامج الإلكترونية

ديمتريوس ليونتاريس مؤسس وصاحب «نيويورك سيتي آيبود دكتور» يصلح الأجهزة داخل شاحنته
ديمتريوس ليونتاريس مؤسس وصاحب «نيويورك سيتي آيبود دكتور» يصلح الأجهزة داخل شاحنته
TT

خبراء ومواقع إلكترونية لرعاية عشاق أجهزة «آيبود» القديمة

ديمتريوس ليونتاريس مؤسس وصاحب «نيويورك سيتي آيبود دكتور» يصلح الأجهزة داخل شاحنته
ديمتريوس ليونتاريس مؤسس وصاحب «نيويورك سيتي آيبود دكتور» يصلح الأجهزة داخل شاحنته

ماذا لو لم يتوافق تمسكك بالقديم، أي الأجهزة والمواد القديمة، مع خططك الشخصية؟
إن بعض الناس لا يقومون، إما بسبب النهج العملي أو البخل أو الحنين إلى الماضي أو بسبب كل ما سبق، بالحصول على آخر إصدار من جهاز، أو برنامج، أو لا يستطيعون القيام بذلك، حتى عندما تتوقف الشركة المصنعة عن دعم منتجاتها القديمة بهدف التركيز على تطوير منتجات جديدة جذابة، وبرامج متقدمة من أجل بيعها.

* خدمات «آيبود»
ويعد هذا نبأ سارا لمن ينتمون إلى هذه الفئة؛ فهناك آليات تستطيع الإبقاء على إدامة تلك الأجهزة. وتتضمن الحلول خبراء يقومون بزيارة من أجل إصلاح أجهزة مثل «آيبود»، فضلا عن خدمات صيانة عبر البريد الإلكتروني. كذلك هناك مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تساعدك في حل مشاكلك بنفسك.
وربما يشعر محبو «آيبود كلاسيك» (iPod Classic) بالقلق من عدم مواكبة التطور التكنولوجي، خاصة في ظل توقف شركة «آبل» بهدوء عن تطوير نموذجها العام الماضي. إذا لم تكن خدمة «جينيوس بار» في متجر «آبل» القريب خيارًا، فموقع دعم الشركة لا يزال يقدم خدمة استبدال البطارية، وخدمات الصيانة، لكن الخدمات الخاصة بـ«منتجات آي بود القديمة» كانت مقتصرة على عملاء كاليفورنيا، مما اضطر العملاء الآخرين إلى مواجهة مستقبل حتمي تموت فيه بطارياتهم دون بديل، وتتعطل فيه وحدات التخزين الخارجية، وغيرها من أعراض تقدم العمر الإلكتروني.
مع ذلك هناك سوق دعم صحية، وكذلك عمال صيانة محترفون يتمتعون بسنوات من الخبرة تعود إلى فترة ظهور جهاز الـ«آيبود» الأبيض القصير العريض عام 2001. ويمكن لأعمال الصيانة، التي لا تدخل ضمن نطاق الضمان مثل استبدال وحدات ذاكرة خارجية، تعزيز قدرات أجهزة «آيبود» القديمة، وليس من الصعب العثور على شخص يستطيع القيام بهذه المهمة.
وقال ديمتريوس ليونتاريس، مؤسس وصاحب «نيويورك سيتي آيبود دكتور»، وهي خدمة لصيانة أجهزة الكومبيوتر والإلكترونيات في مانهاتن تم تأسيسها عام 2004: «أتلقى العديد من الطلبات لاستبدال البطارية للحصول على بطارية سعتها أكبر يمكن أن تعمل لمائة ساعة على الـ(آيبود). وألتقي أحيانًا عميلا يريد وحدة تخزين سعتها 240 غيغابايت بدلا من تلك التي تبلغ سعتها 160 غيغابايت».
ويبلغ سعر تحديث وحدة تخزين خارجية سعتها 128 غيغابايت 190 دولارا، وسعر بطارية أكبر مقابل 110 دولارات، أو 90 دولارا مقابل البطارية التي يتم شراؤها مع تطوير وحدة الذاكرة الخارجية. كذلك يتعامل مع عيوب ومشاكل أخرى تصيب أجهزة «آبل» مثل الشاشات المهشمة. ورغم أن ليونتاريس يعمل من المنزل مع خدمة الصيانة عبر البريد الإلكتروني، فإن لديه صفحة تزخر بالثناء على مكالمات الخدمة الفورية لعملاء في مانهاتن وبروكلين، حيث يصل إلى المكان المطلوب ومعه أجزاء لـ«آيفون» و«آيبود».
ورغم تراجع صيانة أجهزة الـ«آي بود»، هناك زيادة نسبتها 300 في المائة بفضل عملاء يريدون صيانة أجهزتهم القديمة على حد قوله. وسعى أحد العملاء مؤخرًا إلى إعادة إحياء جهاز «آيبود» ينتمي إلى الجيل الأول وسعة ذاكرته 5 غيغابايت. وقال ليونتاريس: «توفيت زوجته وكان الأمر مؤثرا بالنسبة له. لذا أعدنا جهازه إلى العمل». بالنسبة إلى الذين يقيمون في مناطق لا يوجد بها عمال فنيون جائلون، وتندر فيها متاجر الصيانة، يمكن التفكير في خدمات صيانة عن طريق البريد الإلكتروني مثل موقع «رابيد ريبير»، و«يو بريكفيكس»، و«أيريسكيو».

* نظم تشغيل قديمة
وتقدم المواقع الثلاثة خدمة صيانة أجهزة الـ«آيفون» والـ«آيباد». ومثل أصحاب «آيبود كلاسيك»، لا يزال الذين يرفضون التحديث والتخلي عن «ويندوز إكس بي» يعيشون في عالم قديم، حيث توقفت شركة «مايكروسوفت» أخيرًا عن دعم النظام في أبريل (نيسان) 2014. والمؤكد أنه في حال استخدام الكومبيوتر دون توصيله بالإنترنت، سيكون الأمر على ما يرام طالما أنه لا يوجد اتصال نشط بالإنترنت.
ينبغي أن يتوخى الأشخاص الذين لا يزالون يريدون خوض مغامرة على الإنترنت الحذر وتبني إجراءات احترازية. وقالت أندريا إلدريدج، الرئيسة التنفيذية ومن مؤسسي شركة «نيردز أون كول» لصيانة أجهزة الكومبيوتر والكومبيوترات المحمولة: «بالنسبة إلى المستخدمين الذين يعتزمون الاستمرار في استخدام (إكس بي)، يمكنهم التفكير في استخدام برنامج لتجربة الأنشطة على الإنترنت بمعزل عن باقي جوانب الكومبيوتر». ورشحت برنامج «ساندبوكس» سعره 35 دولارا، يضع متصفح الإنترنت في بيئة منعزلة بحيث لا يستطيع أي ضرر قادم من الإنترنت الوصول إلى نظام التشغيل. وأضافت قائلة: «عندما تنتهي من تصفح الإنترنت، يمكن إفراغ محتوى البرنامج، وحذف أي شيء قمت بتنزيله أثناء تصفحك على الإنترنت». كذلك اقترحت برنامج «آي كلوك ستيك»، وهو وصلة «يو إس بي - دونغل» يمكن من خلالها تشغيل نسخة آمنة من نظام تشغيل «لينوكس» من أجل تصفح آمن بدلا من متصفح الكومبيوتر التقليدي.
ربما تكون شركة «مايكروسوفت» قد اتخذت خطوة نحو الأمام، لكن لا تزال تحتاج برامج مقاومة فيروسات عديدة، تدعم الأجهزة التي تعمل بنظام «ويندوز إكس بي»، إلى حماية. من بين البرامج المتوفرة، أحبت إلدريدج إصدار 2015 من «كاسبرسكي»، الذي يعد باستمرار دعم نظام «إكس بي» حتى عام 2018، طالما أن خدمة «ويندوز إكس بي- باك 3» لا تزال موجودة.

* صيانة وادامة
وتعد صيانة وتحديث الأجزاء المادية مثل مساحة الذاكرة، ووحدات التخزين الخارجية كافي للخروج من أماكن مثل «غيك سكواد» على موقع «بيست باي»، أو حتى بالبريد الإلكتروني من خلال مواقع مثل «ميل يور بي سي». في حال كانت خدمة الصيانة الاحترافية مكلفة بالنسبة إليك، يمكنك الاعتماد على نفسك من خلال الاستعانة بمواقع مثل «فيكس يو» و«أي فيكس إت» أو حتى المقاطع المصورة المتوفرة على موقع «يوتيوب» والتي ينشرها مستخدمون متحمسون. ويقدم موقع «أي فيكس إت» تعليمات مصورة خاصة بأعمال صيانة مشغلات ملفات «إم بي 3»، وأجهزة كومبيوتر، وكاميرات وغيرها. وهناك إرشادات لصيانة أجهزة أخرى مثل «إكس بوكس 360» من «مايكروسوفت».
وقال كايل وينز، مؤسس الموقع والرئيس التنفيذي له: «بلغ عدد مرات مشاهدة «أون ذا ريد رينغ أوف ديث» 3 آلاف مرة خلال الشهر الماضي. ويعني هذا أن هناك 3 آلاف شخص مهتمين بإصلاح أجهزة «إكس بوكس» الخاصة بهم». وللمساعدة في أعمال الصيانة، يبيع الموقع أجزاء وأدوات ضرورية في عملية الإصلاح، وتبلغ سعر أدوات صيانة «إكس بوكس 360 ريد رينغ أوف ديث» نحو 30 دولار.
أما بالنسبة إلى أصحاب أجهزة الـ«آي بود» قديمة الطراز، فلدى موقع «أي فيكس إت» قسم كامل مخصص لبرامج تشغيل الوسائط. وأشار وينز إلى أن التعليمات الإرشادية لصيانة «آي بود كلاسيك» تتمتع برواج كبير رغم أن العملية تحتاج إلى مجهود. وأوضح قائلا: «عليك استخدام سكين معجون لفتح الغطاء الخارجي. من الصعب فصل أجزاء (آي بود كلاسيك) عن بعضها البعض، لكن من يقومون بإصلاحه يفعلون ذلك بعزم وإصرار».
وأيا كان سبب احتفاظك بجهازك القديم، فهناك فائدة أخرى لذلك، وهي نقص الأشياء التي يتم الإلقاء به في مكب المواد التي يعاد تصنيعها. يكفي أن تقول إلى المعارضين لك بأن جهازك ليس قديما، بل هو قطعة قيمة تحب الاحتفاظ بها.
* خدمة «نيويورك تايمز»



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)