معركة الزبداني: النظام السوري يعتمد سياسة «الأرض المحروقة» مقابل الإخفاق الميداني

«حزب الله» يكتفي بالحديث عن «سيطرة بالنار» والمعارضة تقتل 20 عنصرًا وضابطًا

لبنانيات من عائلة مقاتل تابع لحزب الله سقط في معارك القلمون يبكين فوق جثمانه الذي شيع أمس في الضاحية الجنوبية ببيروت (أ.ف.ب)
لبنانيات من عائلة مقاتل تابع لحزب الله سقط في معارك القلمون يبكين فوق جثمانه الذي شيع أمس في الضاحية الجنوبية ببيروت (أ.ف.ب)
TT

معركة الزبداني: النظام السوري يعتمد سياسة «الأرض المحروقة» مقابل الإخفاق الميداني

لبنانيات من عائلة مقاتل تابع لحزب الله سقط في معارك القلمون يبكين فوق جثمانه الذي شيع أمس في الضاحية الجنوبية ببيروت (أ.ف.ب)
لبنانيات من عائلة مقاتل تابع لحزب الله سقط في معارك القلمون يبكين فوق جثمانه الذي شيع أمس في الضاحية الجنوبية ببيروت (أ.ف.ب)

لا يوجد أفق زمني للمعركة التي يشنّها النظام السوري و«حزب الله» على مدينة الزبداني الواقعة في الريف الغربي للعاصمة دمشق في محاولة للسيطرة عليها. ويبدو أن القوة النارية الهائلة التي يستخدمها النظام عبر مئات البراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية الثقيلة، تعبّر عن اعتماد النظام وحزب الله سياسة الأرض المحروقة، مقابل العجز عن إحراز أي تقدم على الأرض بعد أسبوع من بدء هذه المعركة.
واللافت أن وسائل إعلام «حزب الله» غيّبت تقارير اعتادت على بثّها في الأيام الأولى للمواجهة كانت تتحدث فيها عن تقدم ميداني، واكتفت بالإعلان عن «سيطرة نارية كاملة على الزبداني». ما يعني أنه لا تبدّل في المشهد العسكري، لأن الكلّ يقرّ بما فيها فصائل المعارضة السورية، بأن الزبداني تقع في مرمى البراميل التي يلقيها طيران النظام والصواريخ والمدفعية الثقيلة. لكن أي محاولة اقتحام تواجه من مقاتلي المعارضة بمقاومة شرسة، يتكبّد فيها «حزب الله» والقوات النظامية خسائر في الأرواح، بحيث أعلنت المعارضة عن مقتل 20 من القوات النظامية بينهم ضابطان برتبة عقيد. وهذا ما ترجم في لبنان من خلال تشييع «حزب الله» في الأيام القليلة الماضية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت عددًا من قتلاه الذين قضوا في هذه المعركة.
في القراءة العسكرية لمجريات المعركة، رأى الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنّا، أن «الزبداني ساقطة بالمعنى العسكري، بفعل محاصرتها وحجم النيران التي يستخدمها النظام وحزب الله في قصفها». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «أهمية السيطرة على الزبداني بالنسبة إلى النظام السوري وحزب الله أنها تعني إقفال الممر من جنوب سوريا إلى العاصمة والشمال السوري، عدا عن أهمية قربها من الخط الدولي بين بيروت ودمشق، والطريق 113 الذي يوصل القلمون بمدينة حمص وريفها». وقال حنا «لا شك أن الزبداني هي نقطة الإغلاق التي تعزل القلمون عن جنوب سوريا وتحمي خلفية العاصمة دمشق، وبالتالي تشكل الممر الآمن لحزب الله إلى الداخل السوري». معتبرًا أن «السيطرة على الزبداني تسهل على حزب الله تنظيف منطقة القلمون الذي يشكل ممرًا إلزاميًا له إلى العاصمة دمشق».
أما في المشهد الميداني، فقد أعلن موقع «الدرر الشامية» الإخباري المعارض، أن «حركة أحرار الشام سيطرت على حاجزَي المنشرة وعلي يوسف في سهل مضايا في مدينة الزبداني في ريف دمشق الغربي، بعد معارك عنيفة أدت إلى مقتل ضابطين من قوات النظام وتدمير عدة آليات عسكرية». ونقل الموقع عن المكتب الإعلامي لحركة أحرار الشام الإسلامية أن «الضابطين القتيلين هما العقيد كامل يوسف والعقيد علي عبد الكريم يوسف، قضيا خلال المعارك التي جرت على محاور طريق الشلاح وسرغايا في محيط الزبداني». وأكد أن «مقاتلي المعارضة دمروا عربة لقوات الأسد، وقتلوا عددًا من العناصر، وسيطروا على عدة مواقع، ومنها بناء الأرنب القريب من حاجز المشفى على طريق سرغايا – الزبداني»، مشيرًا إلى أن «مدينة الزبداني تشهد قصفًا غير مسبوق بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، حيث سقط أكثر من 160 برميلاً وصاروخًا على المدينة وريفها خلال الأيام الثلاثة الماضية».
من جهته، تحدث «مكتب أخبار سوريا» المعارض، عن استمرار الاشتباكات أمس الثلاثاء بين فصائل المعارضة والقوات السورية النظامية في مدينة الزبداني والتي تحاول الأخيرة اقتحامها منذ عدة أيام. وقال المكتب «إن القوات النظامية المتمركزة في الحواجز المحيطة بالمدينة استهدفت الزبداني بمئات القذائف والصواريخ، وهو ما تزامن مع تنفيذ الطيران المروحي نحو 28 غارة على أحياء المدينة»، مضيفًا أن «قناصة القوات النظامية استهدفت فتى لا يتجاوز الـ17 من عمره في منطقة المعمورة شرق المدينة، في حين ألقت العناصر النظامية القنابل الضوئية على منطقة حرف هريرة الواقعة في وادي بردى المجاورة».
بدورها أفادت وكالة «سمارت» للأنباء: «إن قوات النظام وميليشيا حزب الله حاولتا اقتحام مدينة الزبداني من جهة بلدة سرغايا، ما أدى لاندلاع اشتباكات مع مقاتلي أحرار الشام، سقط خلالها عشرة عناصر من الأولى، إضافة إلى تدمير عربتي BMB. كما استهدف مقاتلو أحرار الشام بقذائف الدبابات، مواقع قوات النظام في قلعة الكوكو غربي المدينة، ما أسفر عن مقتل ثمانية عناصر للأخيرة، وسط قصف مماثل على تجمعات قوات النظام قرب منطقة فرنسيس في سهل الزبداني، أوقع أكثر من عشرة قتلى بينهم ضابطان، في حين سقط مقاتل من أحرار الشام، خلال مواجهات مماثلة مع قوات النظام وميليشيا حزب الله في محور السلطاني والجبل الغربي».
وسائل إعلام «حزب الله» واكبت بدورها الوضع الميداني في الزبداني، فأعلنت أن «مقاتلي المقاومة والجيش السوري، يواصلون الإطباق على مدينة الزبداني الاستراتيجية القريبة من الحدود اللبنانية والمجاورة لطريق دمشق - بيروت الدولية». وقالت: «إن الجيش السوري والمقاومة تمكنوا من إكمال السيطرة النارية بشكل كامل على هذه المدينة وقطع كل خطوط إمداد الجماعات المسلحة التي قامت بمحاولةِ هجومٍ مضادٍ تمَّ إحباطُها». معتبرة أن «السيطرة على الزبداني تجعل المجموعات المسلحة تخسر معقلا مهمًا، كان يشكل خاصرة رخوة لأمن العاصمة السورية».
من جهته حمّل الائتلاف الوطني السوري الحكومة اللبنانية مسؤولية ضبط حدودها مع سوريا ومنع ميليشيا حزب الله الإرهابي من الاعتداءات المتكررة على الشعب السوري. ودان ما تشهده مدينة الزبداني بريف دمشق من حملة عسكرية شرسة لا تفرق بين منازل المدنيين والمواقع العسكرية، وتستخدم الأسلحة العشوائية كالبراميل المتفجرة وقذائف الهاون.
وقال البيان بأن «نظام الأسد قضى على كافة المعالم السياحية في مدينة الزبداني التي كانت مقصدا للسياح».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.