القرود تقرأ لغة جسد أقرانها والبشر

في عام 2020، عندما أدت جائحة «كوفيد - 19»، إلى زيادة كبيرة في العمل عن بُعد، شهدت تطبيقات مؤتمرات الفيديو مثل «زووم» ازدهاراَ في أعداد المستخدمين.
كان هناك الكثير من الخيارات الأخرى المتاحة، ولكن النمو المتسارع في مؤتمرات الفيديو يؤكد جانباً أساسياً من جوانب الاتصال البشري، وهو حاجتنا إلى رؤية بعضنا بعضاً.
ولا يتعلق الأمر فقط بتعبيرات الوجه، ولكن لغة الجسد هي أيضاً شكل قوي جداً من أشكال التواصل الاجتماعي المستخدمة للتعبير عما نشعر به تجاه الأشخاص من حولنا.
وتعدّ لغة الجسد مهمة جداً لدرجة أن جزءاً من دماغنا يسمى «القشرة البصرية» قد خصص مناطق مضبوطة لأنواع مختلفة من أوضاع الجسم وتعبيراته، غير أننا لسنا وحدنا المتمتعين بهذه الميزة، حيث أظهر فريق بحثي من جامعة «كوينزلاند» الأسترالية، خلال دراسة نشرت في العدد الأخير من دورية «ساينس أدفانسيس»، أن أدمغة قرود الريسوس، مثل أدمغتنا، موصولة للتفاعل مع لغة الجسد، ليس فقط مع أفراد جنسهم، ولكن أيضاً مع البشر والحيوانات الأخرى.
وأفادت العديد من الدراسات، بأن «المناطق الانتقائية للجسم» في أدمغتنا تكون أكثر نشاطاً عندما ننظر إلى أوضاع الجسم التي تنقل الخوف أكثر من أوضاع الجسم الأكثر هدوءاً.
ومع ذلك، فالبشر هم الرئيسيات الوحيدة التي تتجول على قدمين والأذرع عادة ما تكون حرة في التلويح والوقوف، وقاد ذلك الباحثين إلى التساؤل عما إذا كانت القدرة على التعرف على لغة الجسد فريدة عند البشر، أم توجد في الرئيسيات الأخرى، مثل قرود الريسوس؟
واستخدم الباحثون تقنية غير جراحية تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس نشاط الدماغ في أربعة قرود ريسوس، بينما أظهر لهم الباحثون صوراً لأوضاع الجسم المختلفة.
ومثل المشاركين من البشر في الدراسات السابقة، تم تدريب القرود أولاً على الجلوس بشكل مريح في الماسح الضوئي، وبعد ذلك، خلال جلسات المسح التجريبية، عُرض عليهم صور القرود التي كانت إما خائفة من شيء ما في بيئتها أو تقوم بعملها بهدوء.
وكانت ملامح الوجه في الصور غير واضحة؛ لضمان عدم مساهمة تعابير الوجه في نشاط الدماغ الذي تم قياسه أثناء التجربة.
ولتحديد أجزاء من دماغ القرد (إن وجدت) التي تشفر لغة الجسد العاطفية، قام الباحثون بطرح الإشارة العصبية التي لوحظت عند مشاهدة أجسام القرد الهادئة، من الإشارة التي لوحظت عند مشاهدة أجساد القرود الخائفة؛ ونتيجة لذلك، حددوا شبكة من مناطق انتقائية للجسم تقع على طول أخدود عميق في الدماغ يسمى التلم الصدغي العلوي، وهذا يشبه إلى حد بعيد شبكة موجودة في دماغ الإنسان.
وتقول جيسيكا توبير، زميل باحث بجامعة كوينزلاند، والباحثة المشاركة بالدراسة، في مقال كتبته الاثنين بموقع «ذا كونفرسيشن»: «يؤسس اكتشافنا ما يسميه علماء الأعصاب (التماثل الوظيفي الرئيسي) بين البشر وقرود الريسوس، وبعبارة أخرى، كلا النوعين له مناطق دماغية انتقائية للجسم لها نفس الاستجابة المرئية المحرضة للغة الجسد العاطفية».
ومن منظور أنثروبولوجي، تشير هذه النتيجة إلى أننا لسنا الرئيسيات الوحيدة التي تستخدم أوضاع الجسم للتعبير عما نشعر به.
وتضيف «كان الجزء الأكثر إثارة للاهتمام من نتائجنا، هو اكتشاف أن هذه الاستجابة للغة الجسد لم تقتصر على أجسام قرود الريسوس الأخرى، بل أثارت صور البشر، وحتى القطط المنزلية في حالة الهدوء والخوف نشاطاً دماغياً مشابهاً، وهذا مثير للاهتمام بشكل خاص عندما تفكر في أن القرود في هذه الدراسة كانت تعيش وتعمل مع باحثين ومقدمي رعاية من البشر، مثل العديد من الأنواع المستأنسة (الحيوانات الأليفة) والحيوانات الأسيرة الموجودة في حدائق الحيوان، وبالتالي، فإن هذه النتائج تفتح إمكانية أن الحيوانات التي نتفاعل معها ونراها من حولنا لديها القدرة على التعرف على لغة جسدنا».