فيلم «فرح»... الخلاص لا يأتي إلا بقرار شخصي

تجسد ستيفاني عطا الله دور فتاة تعاني من مشكلات نفسية
تجسد ستيفاني عطا الله دور فتاة تعاني من مشكلات نفسية
TT

فيلم «فرح»... الخلاص لا يأتي إلا بقرار شخصي

تجسد ستيفاني عطا الله دور فتاة تعاني من مشكلات نفسية
تجسد ستيفاني عطا الله دور فتاة تعاني من مشكلات نفسية

صحيح أن اسم الفيلم «فرح»، ولكنه بعيد كل البعد عن المعاني الحقيقية لهذه الكلمة. فالفرح المجبول بالوجع والمكسور في العمق والمفقود ولو للحظات في الحياة، هو ما نتابعه في هذا الشريط السينمائي. ولكن المشاهد كما أبطاله يبقى حتى الدقائق العشر الأخيرة منه متشوقاً لمتابعته باحثاً عن الفرح. فيتلقى جرعة دسمة منه بعد جهد جهيد قبيل إسدال الستارة على أحداثه بدقائق. فموضوع الفيلم وأحداثه المتسارعة هي متعبة صحيح لأنها تدور في فلك حالة نفسية متأزمة. ولكن يتفرع منها في الوقت نفسه رسائل وعبر عديدة، تصلح لأن تؤلف كل واحدة منها فيلماً بحد ذاته.
تنطلق أحداث الشريط عندما تبدأ معاناة طالبة الطب لينا (ستيفاني عطا الله) مع كوابيس متكررة حادة. فتبدأ حياتها بالتداعي، ومن ثم تضطر للعودة إلى وطنها بطلب من والدها مجدي مشموشي. فتحصل على وصفة طبية لتناول مضاد الاكتئاب المثير للجدل «زابا»، المعروف في صورته غير الشرعية باسم «جوي»، لمساعدتها على التعافي. وبينما تأخذ كوابيس لينا منعطفاً سيئاً، يتضح الرابط بوالدتها «فرح»، فتقرر التخلي عن تناول الأدوية المهدئة. وتنطلق في رحلة لكشف شبكة من الأسرار العائلية التي ستقودها إلى الحقيقة المطلقة وتبلسم أوجاعها النفسية.
كتبت الفيلم حسيبة فريحة وأهدته إلى والدها كما جاء في نهاية الشريط. كما أنها شاركت في إخراجه إلى جانب كنتن أوكسلي. والفيلم من بطولة ستيفاني عطا الله، ومجدي مشموشي، وحسيبة فريحة، وجوزيان بولس، وأسعد رشدان، ووليد العلايلي وغيرهم.
منذ اللحظات الأولى للشريط يشتَمُّ المشاهد رائحة الغموض والاضطراب عند بطلة العمل لينا. ولا يلبث بعدها أن يبدأ في التعاطف مع حالتها النفسية بسبب ضياعها، فالوحدة التي تعيشها مع كوابيسها واضطراب تصرفاتها وصولاً إلى كيفية تعاطي والدها المنشغل دائماً عنها، تدفع إلى التفاعل لا شعورياً معها.
يتشابك الخيال والواقع بشكل كبير في الفيلم إلى حد قد يدفع بالمشاهد إلى طرح أسئلة كثيرة فيما لو لم يتابع الفيلم بدقة. فانطلاقاً من الكوابيس التي تصيب لينا تختلط الأمور ببعضها. فنرى شخصيات تظهر فجأة هنا وأخرى تغيب من دون سياق مبرر في النص، ما يشير إلى مدى أهمية اهتمام الإنسان بصحته النفسية. ويستخلص مشاهده عبرة رئيسية منه، تقولها البطلة على أبواب نهاية الفيلم: «لا أحد يخلصنا سوى أنفسنا».
ويتطرق الفيلم إلى موضوعات مثيرة ومهمة من بينها الفساد والعقل التجاري السائدان عند أصحاب شركات الأدوية، وكذلك العلاقة غير السليمة بين الأهل وأولادهم التي قد تؤدي إلى نهايات خطيرة. فيما يعرج من ناحية أخرى على العلاجات النفسية المرتكزة على التجارة بالأدوية ذات الانعكاس السلبي على المريض.
وضمن مساحة يولد منها النور والأمل، يدلنا الفيلم على الطبيعة والهدوء والسكينة كأفضل طبيب معالج للإنسان. ومع شخصية الطبيبة النفسية التي تجسد دورها بياريت القطريب باتقان، نتعرف إلى من يمثل الخير في عالم يكثر فيه الشر وأصحابه.
يطغى أداء ستيفاني عطا الله على الفيلم برمته، ليس فقط لأنها بطلته بل لأنها تشرّبت الدور بنهم وقدمته على المستوى المطلوب. فهي استطاعت أن تنقل كل مشاعرها وأحاسيسها وحتى أوجاعها وكوابيسها إلى المشاهد بسلاسة الممثل المحترف فصدقّها.
وبرزت إجادتها للدور في لغة جسد صعبة اعتمدتها في صراخها الناتج عن حالات هستيرية، وفي نوبات عصبية تصاب بهما. وكذلك في ملامح وجهها المتعبة ونظراتها الفارغة وطبيعة مشيتها المنحنية والمثقلة بحالة نفسية معقدة.
أما مجدي مشموشي فنجح في تقديم صورة الأب اللامبالي ونقيضه، في مشاهد توزعت على الفيلم منذ بدايته إلى نهايته، فسرق اهتمام المشاهد وطبعه بحضوره المصقل بتجارب متراكمة. فيما استطاع أسعد رشدان في تقمص شخصية الطبيب الذي لم يحفظ قسم أبقراط (أبو الطب). فلم يصن مبدأ الإنسانية ولا المصداقية المتوجبة عليه خلال مزاولة عمله، فلحق بأهدافه المادية وقدمها على غيرها مرتدياً قناع طبيب العائلة المخلص والموثوق به.
ومن الوجوه التمثيلية الجديدة التي يقدمها الفيلم، يوسف بولس، الذي يجسد شخصية الصحافي الوهمي المولود من رحم هلوسات وكوابيس لينا. فيقدم أداء طبيعياً ومقنعاً ضمن مشاركة صاعدة له. ويتوقع لها البريق مع الوقت سيما أنه كان محاطاً بنجوم تمثيل من الصف الأول. حتى إن بعض الحضور خرجوا من الفيلم متسائلين عن مصير هذا الصحافي، وعن سبب غيابه عن بقية أحداث الفيلم، لأنه ترك أثراً عندهم، وليكتشفوا بعدها أنه ذهب إلى غير رجعة من كوابيسها بعدما شفيت منها.
حصد فيلم «فرح» الذي بدأ عرضه في صالات السينما اللبنانية، جوائز كثيرة في مهرجانات سينمائية مختلفة، من بينها جائزة خاصة بمناسبة الذكرى العاشرة لمهرجان «تشيلسي السينمائي» في الولايات المتحدة الأميركية، وفي مهرجان «الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»، نال جائزة أفضل عمل أول، وكذلك جائزة محمود عبد العزيز لأفضل إخراج فني من نصيب موسى بيضون ونزار نصار، ليصبح عدد الجوائز التي حصل عليها العمل في مشواره، أربع جوائز بعد فوزه بجائزة أفضل فيلم روائي باختيار الجمهور ضمن فعاليات «مهرجان الفيلم اللبناني» في كندا.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

دونيس: «الهلال» كان الطرف الأفضل حتى الدقيقة 65

اليوناني جورجيوس دونيس مدرب فريق الخليج  (الدوري السعودي للمحترفين)
اليوناني جورجيوس دونيس مدرب فريق الخليج (الدوري السعودي للمحترفين)
TT

دونيس: «الهلال» كان الطرف الأفضل حتى الدقيقة 65

اليوناني جورجيوس دونيس مدرب فريق الخليج  (الدوري السعودي للمحترفين)
اليوناني جورجيوس دونيس مدرب فريق الخليج (الدوري السعودي للمحترفين)

أرجع اليوناني جورجيوس دونيس، مدرب «الخليج»، خسارة فريقه أمام «الهلال» للغيابات الكثيرة بصفوف فريقه، موضحاً أنه يعمل على استعادة اللاعبين الغائبين لأسباب مختلفة.

وتلقّى «الخليج» خسارة جديدة في «الدوري السعودي للمحترفين»، وكانت هذه المرة أمام «الهلال» بنتيجة 3-2 في الجولة الحادية عشرة، ليتجمد رصيد الفريق عند 14 نقطة.

وقال دونيس، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب المباراة: «أفكر حالياً في استعادة الغائبين»، مضيفاً: «لدينا 4 لاعبين أساسيين غائبين، وهذا يُعد صعباً على فريق مثل الخليج».

وأكّد دونيس عدم مقارنة دكة البدلاء في فريق الخليج باللاعبين الأساسيين، «وعند اكتمال صفوف فريقنا فإننا نكون منافسين دوماً للفرق الأخرى».

وأشار المدرب اليوناني، في حديثه، إلى أن «الهلال» حتى الدقيقة 65 من مُجريات المباراة كان هو الطرف الأفضل، «لكن في آخِر دقائق المباراة سجلنا هدفين، وحاولنا أن نعود للمباراة، وقاتلنا حتى النهاية».

وأضاف دونيس: «من الطبيعي حين يتقدم الفريق بفارق ثلاثة أهداف يكون أكثر راحة، ودائماً كرة القدم معروفة بغرابتها، وهذا الأمر حدث لنا في مباراة الاتحاد، فقد كنا متقدمين بفارق كبير، لكن عندما يسترخي الفريق ستختلف الأمور بلا شك».

وشدّد دونيس على أهمية مراد هوساوي، وأشاد بأدائه المميز وقال: «هو لاعب مهم في فريق الخليج، وأنا سعيد لأنه منضم لصفوف المنتخب السعودي، وأقدم له الدعم والتحفيز الدائم».

وعن كسر مصيدة التسلل التي يكررها مهاجمو الفريق، أوضح دونيس أنه يعتمد الجوانب التكتيكية لاختراق المصيدة، «ونمتلك لاعبين للقيام بهذا الأمر أمام كل الفرق وليس فريق الهلال فقط».

وقال دونيس عن عدم مشاركة اللاعب جوشوا كينغ منذ بداية اللقاء: «للتو عاد من الإصابة». وقال الجهاز الطبي إنه لن يستطيع أن يلعب أكثر من 25 دقيقة، وسيشارك بشكل أكبر بشكل تدريجي في المباريات المقبلة.


«كأس أفريقيا»: التعادل يحسم مواجهة زامبيا وجزر القمر

من المواجهة التي جمعت زامبيا وجزر القمر (إ.ب.أ)
من المواجهة التي جمعت زامبيا وجزر القمر (إ.ب.أ)
TT

«كأس أفريقيا»: التعادل يحسم مواجهة زامبيا وجزر القمر

من المواجهة التي جمعت زامبيا وجزر القمر (إ.ب.أ)
من المواجهة التي جمعت زامبيا وجزر القمر (إ.ب.أ)

حسم التعادل السلبي نتيجة مباراة زامبيا ضد جزر القمر، ضِمن منافسات الجولة الثانية من بطولة كأس الأمم الأفريقية.

تأتي المواجهة لحساب المجموعة الأولى، ليكون الثاني للمنتخب الزامبي، الذي رفع رصيده لنقطتين، بينما حصد منتخب جزر القمر أول نقطة بعدما كان قد خسر الجولة الماضية ضد المغرب.

وتنتظر زامبيا مهمة صعبة ضد صاحب الأرض والجمهور المنتخب المغربي في الجولة الثالثة والأخيرة، الاثنين، في حين يلعب منتخب جزر القمر أمام مالي، ولكل منهما فرصة في التأهل وفقاً للنتائج الأخرى.

ويعد هذا التعادل هو الأول بلا أهداف منذ انطلاق النسخة الحالية من البطولة.


العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.