اليوم العالمي لـ«شجرة الزيتون»... ذكريات سعيدة تنازع «الحاضر المؤلم»

تغيرات المناخ نالت من إنتاجها

من محبي شجرة الزيتون الذين يستقبلون يومها العالمي بذكريات الماضي وتحديات الحاضر (المصدر: رابطة محبي شجر الزيتون باليونان «mia elia»)
من محبي شجرة الزيتون الذين يستقبلون يومها العالمي بذكريات الماضي وتحديات الحاضر (المصدر: رابطة محبي شجر الزيتون باليونان «mia elia»)
TT

اليوم العالمي لـ«شجرة الزيتون»... ذكريات سعيدة تنازع «الحاضر المؤلم»

من محبي شجرة الزيتون الذين يستقبلون يومها العالمي بذكريات الماضي وتحديات الحاضر (المصدر: رابطة محبي شجر الزيتون باليونان «mia elia»)
من محبي شجرة الزيتون الذين يستقبلون يومها العالمي بذكريات الماضي وتحديات الحاضر (المصدر: رابطة محبي شجر الزيتون باليونان «mia elia»)

احتفل العالم يوم «السبت» 26 نوفمبر (تشرين الثاني) باليوم العالمي لشجرة الزيتون، وهو اليوم الذي اختارته كل من اليونيسكو والمجلس الدولي للزيتون، ليكون اليوم العالمي للشجرة، في وقت هجر بعض المزارعين مزارع الزيتون، ولا يزال آخرون من بينهم خالد شوكت، متمسكين بإعطاء الشجرة كل الاهتمام والرعاية، رافضين التخلي عنها، بعد أن نال تغير المناخ من إنتاجها.
ويمتلك شوكت، ابن محافظة شمال سيناء المصرية، ذكريات سعيدة عند حصاد محصول الزيتون خلال فصل الصيف، وهذه الذكريات هي التي تنازع الحاضر المؤلم للشجرة، لتدفعه إلى التمسك بها، والبحث عن أدوات المقاومة في مواجهة تغيرات المناخ، التي بدأت تنال من إنتاجها.
وبينما احتفل العالم «السبت» باليوم العالمي لشجرة الزيتون، وهو اليوم الذي اختارته كل من اليونيسكو والمجلس الدولي للزيتون يوم 26 نوفمبر، ليكون اليوم العالمي للشجرة، وجد شوكت في هذه المناسبة الدولية، فرصة لتذكير أقرانه بفضل الشجرة عليهم، قائلاً بنبره يغلفها الحزن: «تذكروا أفضالها عليكم، ولا تُديروا لها ظهوركم، ودعونا نقاوم معاً ما تسببه تغيرات المناخ».
وانخفضت إنتاجية أشجار الزيتون إلى أكثر من النصف خلال المواسم الأخيرة، بسبب عدم استيفاء الشجرة لاحتياجات البرودة، بسبب ارتفاع درجة الحرارة، الأمر الذي يفرض معاملات خاصة، لم يعتد عليها بعض المزارعين، بحسب تقدير حسني الشيخ، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة أسيوط (جنوب مصر).
وتحتاج أشجار الزيتون إلى عدد من ساعات البرودة في فصل الشتاء، حيث تحتاج في المتوسط ما بين 100 إلى 150 ساعة كي تزهر في الربيع. وبسبب تغير المناخ وتذبذب الحرارة خلال فصل الشتاء، لم يتحقق التزهير المطلوب للشجرة، وانخفض إنتاج المحصول في موسم 2021، وبدأ شوكت وأقرانه ممن تمسكوا بأشجارهم، يسألون عن أدوات للصمود يمكنهم الاعتماد عليها في مواجهة تلك التغيرات.
ويقول شوكت لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إجراءات مختلفة في التسميد، وكذلك في تقليم الأشجار يمكن للمزارعين اتباعها لتقليل الأضرار، ونجحنا باستخدامها في تقليل الأضرار خلال موسم 2022». ويضيف: «قد تكون هذه الإجراءات مكلفة بعض الشيء، ولا تجعل أرباحنا من الشجرة بمعدلات الماضي نفسها، ولكن على الأقل تحافظ على حياة الشجرة واستمرارها».
ولشجرة الزيتون رصيد كبير في حياة شوكت وأقرانه دفعتهم للتمسك بها مع البحث عن عمل آخر إضافي لتأمين متطلبات الحياة. غير أن رصيدها البيئي والمعنوي يجب أن يدفع حكومات دول البحر المتوسط، التي تمتلك 98 في المائة من مجمل الأراضي المزروعة بالزيتون عالمياً، لتكون أحرص على هذه الشجرة التي توصف بـ«الشجرة المباركة».
وبالتزامن مع اليوم العالمي للشجرة (السبت)، أعادت مجموعة من محبي شجرة الزيتون في اليونان، تذكير العالم بأهمية الشجرة بيئياً ومعنوياً وغذائياً. وقال محبو الشجرة على موقعهم «mia elia»، إن هناك أسباب عدة تدفعهم للحرص على الاحتفال بهذا اليوم، ومنها أن أشجار الزيتون مفيدة للبيئة بطرق عديدة. فهي تساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، وتعمل على مكافحة الاحتباس الحراري والتصحر، حيث تشير الدلائل إلى أن زراعة الزيتون، يزيد من تثبيت ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في التربة.
كما أن هذه الشجرة المباركة، تُخرج الزيتون وزيت الزيتون، وكلاهما مغذيان للغاية وصحيان. وهما من المكونات الرئيسية في حمية البحر المتوسط. ويدرجها العديد من الطهاة المشهورين في وصفاتهم كدليل على الجودة العالية والقيمة الغذائية.
ويشتهر زيت الزيتون بخصائصه المضادة للأكسدة وقيمه العلاجية، وتُظهر الأبحاث أنه يمكن أن يمنع العديد من الأمراض، مثل السرطان ومشاكل القلب والتهاب المفاصل والسمنة.
وبالإضافة إلى هذه القيم الغذائية والبيئية، فإن هناك قيمة معنوية، تتمثل في أن شجرة الزيتون من أكثر الأشجار المحبوبة في تاريخ البشرية، حيث اعتبرها الناس مقدسة منذ العصور اليونانية القديمة، وكان غصنها دائماً رمزاً لطول العمر والسلام والوئام والنمو والبعث والصداقة. كما أنها ألهمت العديد من الفنانين والشعراء والكتاب في جميع أنحاء العالم.
ويقول محبو الشجرة على موقعهم: «نحن نحتفل دائماً بهذا اليوم على الطاولة مع العائلة والأصدقاء. نستمتع بالمأكولات الشهية محلية الصنع، المصنوعة من زيت الزيتون الطازج».
وكانت اليونيسكو قد أعلنت عن هذا اليوم (اليوم العالمي لشجرة الزيتون) في الدورة الأربعين للمؤتمر العام للمنظمة في عام 2019، بناءً على اقتراح من الحكومتين اللبنانية والتونسية. وتقول على موقعها: «تحتل شجرة الزيتون، وتحديداً غصن الزيتون، مكانة مهمة في أذهان الرجال والنساء. ومنذ العصور القديمة، كان يُستخدم هذا الغصن رمزاً للسلام والحكمة والوئام، وبالتالي هو مهم ليس فقط للبلدان التي تنمو فيها هذه الأشجار النبيلة، ولكن أيضاً للناس والمجتمعات في جميع أنحاء العالم».
وتُشجع اليونيسكو الجميع على المشاركة من خلال أنشطة مختلفة، مثل المناقشات والمؤتمرات وورش العمل، والفعاليات الثقافية والعروض التقديمية أو المعارض.
وبينما تشجع اليونيسكو على تلك الأنشطة الثقافية، يشجع حسني الشيخ، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة أسيوط (جنوب مصر) شوكت وأقرانه من المزارعين، على الاستمرار في نهجهم بعدم إهمال تلك الشجرة ومقاومة تغيرات المناخ.
ويقول الشيخ لـ«الشرق الأوسط»، إن «أحد أسباب تلك المشكلة (إهمال زراعة الزيتون بمصر)، هو التوسع في استخدام الأصناف الأجنبية التي تحتاج إلى ساعات برودة أكثر من الأصناف المحلية».
ويكمل: «إضافة إلى إجراءات التقليم والتسميد المختلفة التي تتناسب مع تغيرات المناخ، والتي يجب أن يعرفها المزارعون جيداً، نشجعهم على العودة إلى إنتاج الأصناف المحلية».


مقالات ذات صلة

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

بيئة جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة؟

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (باريس)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.