بغداد: قتلى وجرحى ودمار جراء سقوط قنبلة {خطأ} من «سوخوي» عراقية

«خلل فني» وراء الحادث الذي أوقع 25 قتيلاً وجريحًا

عناصر أمن عراقيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض منازل دمرتها القنبلة التي سقطت من مقاتلة «سوخوي» عراقية في بغداد أمس (أ.ب)
عناصر أمن عراقيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض منازل دمرتها القنبلة التي سقطت من مقاتلة «سوخوي» عراقية في بغداد أمس (أ.ب)
TT

بغداد: قتلى وجرحى ودمار جراء سقوط قنبلة {خطأ} من «سوخوي» عراقية

عناصر أمن عراقيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض منازل دمرتها القنبلة التي سقطت من مقاتلة «سوخوي» عراقية في بغداد أمس (أ.ب)
عناصر أمن عراقيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض منازل دمرتها القنبلة التي سقطت من مقاتلة «سوخوي» عراقية في بغداد أمس (أ.ب)

أدى «خلل فني» في طائرة مقاتلة عراقية من نوع «سوخوي» روسية الصنع أمس إلى سقوط قنبلة على ثلاثة منازل سكنية في أحد أحياء شرق بغداد، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص على الأقل.
وقال المتحدث باسم «خلية الإعلام الحربي» العميد سعد معن لـ«الشرق الأوسط» إن «خللا فنيا حدث في طائرة حربية عراقية من نوع (سوخوي 25) روسية الصنع كانت عائدة من عمليات قصف لمواقع الإرهابيين، وقد علقت إحدى القنابل لخلل فني، وأثناء عودتها إلى قاعدتها سقطت القنبلة على ثلاثة منازل في منطقة النعيرية في بغداد الجديدة، مما تسبب بوقوع خسائر مادية وبشرية، وقد تشكلت لجنة تحقيق فنية بالحادث للتأكد من طبيعة الخلل الذي تعرضت له الطائرة، علما بأن قائدها من الطيارين الغيورين والكفوئين، وسنعلم أبناء شعبنا الكريم بنتائج التحقيق».
وأشار مسؤولون عراقيون إلى أن سقوط القنبلة أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص على الأقل وإصابة 17 بجروح، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وأوضحت وزارة الدفاع أن القنبلة «لم تسقط» من الطائرة بسبب «طارئ فني» أثناء تنفيذها المهمة «في المنطقة الغربية» من البلاد، مؤكدة «الإيعاز للطيار بإعادة الضربة لإسقاط القنبلة، وحاول 6 مرات، ولم ينجح بإسقاط القنبلة ميكانيكيا أو يدويا». وأشارت إلى أنه «بسبب قلة الوقود»، طلب من الطيار العودة إلى القاعدة العسكرية، وأثناء الدوران للهبوط «سقطت القنبلة المعلقة تلقائيا على طريق القاعدة في منطقة سكنية ببغداد الجديدة».
وتقع بغداد الجديدة في الأطراف الشرقية للعاصمة، قرب قاعدة الرشيد الجوية التي تنطلق منها مقاتلات عراقية لضرب مواقع تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من البلاد منذ أكثر من عام.
من جهته، قال محافظ بغداد علي محسن التميمي، إن المقاتلة كانت عائدة من تنفيذ مهمة في محيط مدينة حديثة في محافظة الأنبار (غرب)، حيث تدور مواجهات مع التنظيم المتطرف الذي يحاصر المدينة. وطالب التميمي بنقل قاعدة الرشيد الجوية بعيدا عن المناطق المأهولة.
وخلفت القنبلة دمارا كبيرا في ثلاثة منازل على الأقل من طبقتين، حيث انهارت الأسقف والحجارة على سيارات.
وقال علي جاسم (27 عاما)، وهو موظف في وزارة الداخلية: «كنا في المنزل وجاء طيار وأطلق صاروخا (...) ليست لدينا خسائر، لكن منزلنا تدمر». وأضاف: «نحن في منطقة لا حرب فيها، وحدث هذا الأمر. من يعلم كم من الأخطاء تحدث في مناطق الحرب».
وتتميز منطقة بغداد الجديدة وحي النعيرية الذي وقع فيه الحادث، بأنها جامعة لخليط من كثير من الأديان والطوائف، حيث يقطنها المسلمون الشيعة، والسنة، إضافة إلى نسبة كبيرة من المسيحيين الذين يتركزون في حي السريان أو كما يسمى «حي الغدير».
وكان صيف العام الماضي شهد وصول 10 طائرات من نوع «سوخوي» قديمة إلى العراق، وباشرت الطائرات فور وصولها عملياتها القتالية وتوفير غطاء جوي للمقاتلين على الأرض. وكان القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قد كشف وقتها عن شراء العراق طائرات روسية مستعملة. وقال المالكي وقتها في مقابلة صحافية: «اشترينا طائرات روسية مقاتلة نوع (سوخوي) التي تستخدم في حرب العصابات»، مشيرًا إلى أن «هذه الطائرات مستعملة وقديمة، لكنها تدخل في مكافحة الإرهاب، وهذا ما نحتاجه الآن». وعزا المالكي أسباب هذه الصفقات السريعة مع روسيا لشراء طائرات مستعملة وقديمة إلى تأخر الجانب الأميركي في تسليم العراق طائرات «إف 16» تعاقد على شرائها. وقال حينها المالكي: «لقد توهمنا بعقد صفقات كهذه مع الجانب الأميركي لبطء عملية التسليم، وكان ينبغي أن نتعاقد مع دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها».
ووافقت الولايات المتحدة على بيع العراق 36 طائرة من طراز «إف 16»، إلا أن بغداد لم تتسلم أيا منها. ونقلت الدفعة الأولى منها إلى قاعدة عسكرية في ولاية أريزونا الأميركية، حيث يتدرب عليها طيارون عراقيون. وقتل أحد الطيارين، العميد الطيار رشيد محمد صادق، في تحطم إحدى هذه المقاتلات أثناء مهمة تدريبية نهاية يونيو (حزيران) الماضي.



جبايات حوثية على أمتعة المسافرين وفي صدارتها الأدوية

نقاط التفتيش الحوثية تمارس الجبايات وتصادر أمتعة المسافرين تحت مسمى تحصيلات جمركية وضريبية (أرشيفية - رويترز)
نقاط التفتيش الحوثية تمارس الجبايات وتصادر أمتعة المسافرين تحت مسمى تحصيلات جمركية وضريبية (أرشيفية - رويترز)
TT

جبايات حوثية على أمتعة المسافرين وفي صدارتها الأدوية

نقاط التفتيش الحوثية تمارس الجبايات وتصادر أمتعة المسافرين تحت مسمى تحصيلات جمركية وضريبية (أرشيفية - رويترز)
نقاط التفتيش الحوثية تمارس الجبايات وتصادر أمتعة المسافرين تحت مسمى تحصيلات جمركية وضريبية (أرشيفية - رويترز)

فضَّل شاب يمني أن يتعرض للضرب والاعتداء من أفراد نقطة تفتيش حوثية على مشارف العاصمة المختطفة صنعاء على أن يسلم الأدوية التي يحملها معه، بعد أن دفع لأجل الحصول عليها أموالاً كثيرة، واضطر للسفر إلى مدينة عدن لتسلمها بنفسه من أحد معارفه القادمين من خارج البلاد.

وبحسب رواية أحد المسافرين بسيارة أجرة من عدن إلى صنعاء خلال الأيام الماضية لـ«الشرق الأوسط»؛ فإن الشاب الذي ينتمي إلى محافظة الحديدة (غرب) بدا متوتراً للغاية عند توقف السيارة في نقطة التفتيش، وعندما وصل أفراد النقطة إليه لجأ إلى توسلهم وإخبارهم أن الأدوية تخص والدته الطاعنة في السن، ولا يمكنه توفير بديل عنها.

ومما قاله الشاب إنه سبق له دفع ثمن الأدوية ليجلبها له أحد المسافرين من خارج البلاد، لكن تمت مصادرتها بالطريقة نفسها، وعندما عجز عن إقناع أفراد نقطة التفتيش؛ احتضن الكيس بكل قوته، لينهالوا عليه بالضرب قبل أن يحتجزوه لديهم، وطلبوا من سائق السيارة والمسافرين الانطلاق وعدم التدخل.

وتشير هذه القصة إلى ما يشهده سوق الدواء في اليمن، وخصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ندرة واختفاء عدد من أصناف الأدوية المهمة للأمراض الخطيرة والمزمنة، في وضع صحي يزداد كارثية، إلى جانب تشديد الجماعة الحوثية للجبايات في نقاط التفتيش بزعم تحصيل الإيرادات الجمركية.

الجماعة الحوثية استحدثت مراكز تحصيل جمركية على عدد من الطرقات داخل البلاد (إعلام حوثي)

ويشكو المسافرون إلى مناطق سيطرة الجماعة من ممارسات تعسفية تنتهجها نقاط التفتيش، إذ تُقدِم على البحث في أمتعتهم وحقائبهم وسؤالهم عن محتوياتها، والاستفسار عن جميع الأغراض بما فيها الملابس والأغراض الشخصية.

ويقول أحد الناشطين المتعاونين مع منظمة دولية مختصة بحرية الرأي والتعبير لـ«الشرق الأوسط»، إنه يعاني كثيراً في نقاط التفتيش الحوثية التي يضطر إلى العبور منها باستمرار بحكم عمله وسفره الدائم، حيث يجري سؤاله عن كل محتويات حقيبته، خصوصاً الجديدة منها.

ويضطر الناشط، الذي فضل عدم الكشف عن بياناته، إلى استخدام الملابس والأغراض الجديدة التي يشتريها قبل العودة، أو إزالة أدوات التغليف منها، حتى لا يتعرض للتحقيق حولها أو مصادرتها، وذلك بعد تجربة سابقة له حين جرى مصادرة عدد من الأقْمِصَة التي اشتراها هدايا.

جبايات بلا سندات

تعتمد الجماعة الحوثية على نقاط التفتيش بوصفها أحد مصادر إيراداتها الضخمة، وإلى جانب استحداث نقاط تحصيل ضريبي في مختلف الطرقات، ومراكز جمركية في المنافذ التي تربط مناطق سيطرتها بالمناطق المحررة الخاضعة للحكومة الشرعية، كلفت عدداً كبيراً من قادتها وأفرادها في نقاط التفتيش بفرض جبابات على مختلف أغراض المسافرين والمواد المنقولة براً.

ويذكر محمد العزب، من أهالي مدينة تعز، لـ«الشرق الأوسط»، أنه، ولعدة مرات، تعرض لتفتيش المواد الغذائية التي ينقلها معه إلى أقاربه في صنعاء، واضطر لدفع مبالغ مالية مقابل السماح له بالعبور بها، رغم أن كمياتها محدودة وليست تجارية.

عناصر حوثيون يغلقون مقرات شركات الأدوية التي تتعرض لتعسفات الجماعة (إعلام حوثي)

وكان العزب ينقل معه خلال سفره إلى صنعاء بعضاً من فائض السلال الغذائية التي تتحصل عليها عائلته في تعز كمساعدات من المنظمات الدولية والوكالات الأممية إلى أقاربه في صنعاء، الذين يعانون من الفاقة بسبب انقطاع رواتب الموظفين واتساع رقعة البطالة تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

وتشير غالبية شكاوى المسافرين إلى مساعٍ حوثية لمصادرة الأدوية التي يحملها المسافرون للاستخدام الشخصي أو لأقاربهم، خصوصاً مع أزمة الأدوية التي تشهدها مناطق سيطرة الجماعة، وارتفاع أسعارها الذي يتسبب بعجز الكثيرين عن شرائها.

وأبدى الكثير من المسافرين، سواء للعلاج أو لأغراض أخرى، استياءهم الشديد من ممارسات نقاط التفتيش الحوثية بحقهم، وإجبارهم على الإفصاح عن كل ما يحملونه من أدوية، سواء كانت للاستخدام الشخصي أو لأقاربهم ومعارفهم.

ويوضح نبيل، وهو من سكان صنعاء، لـ«الشرق الأوسط» أنه ووالده اضطرا إلى تبرير وجود الأدوية التي بحوزتهما بعد رحلة علاجية طويلة خارج البلاد، أجريا خلالها عدة عمليات جراحية، ولم يُسمح بالمرور بتلك الأدوية إلا بعد دفع مبلغ مالي كبير.

أدوية الأطفال في اليمن تشهد نقصاً شديداً في ظل أزمة معيشية معقدة يعيشها السكان (أ.ف.ب)

واستغرب نبيل من أنه لم يسمح لهما بحمل سند تحصيل المبلغ، وبعد إلحاحهما من أجل الحصول عليه، اشترط عليهما أفراد النقطة تصويره بالهاتف فقط، وفوجئا حينها أن السند تضمن نصف المبلغ الذي اضطرا لدفعه، وليس المبلغ كاملاً.

غلاء وتزوير

لم تتمكن شركات صناعة الأدوية المحلية في اليمن من تغطية الاحتياجات المتزايدة للأدوية والنقص الحاصل في السوق المحلية، نتيجة سيطرة الجماعة الحوثية على غالبيتها، أو فرض الجبايات عليها، إلى جانب القيود المفروضة على استيراد المواد الخام.

وينوه جهاد، وهو صيدلي يعمل في أحد المستشفيات في صنعاء، إلى أن سوق الأدوية في العاصمة صنعاء وبقية المدن تحت سيطرة الجماعة الحوثية تشهد انتشار أدوية بديلة للأدوية الشهيرة والمعروفة لمختلف الأمراض، خصوصاً المزمنة منها، وأن الأدوية البديلة ليست بفاعلية وكفاءة الأدوية الأصلية، بالإضافة إلى انتشار الأدوية المهربة.

وتنتشر في الأسواق المحلية كميات كبيرة من الأدوية المهربة التي لا يعلم حقيقة مصدرها، والمواد المصنعة منها، كما وتنتشر الأدوية المقلدة والمزورة في ظل الرقابة الحوثية التي تُتهم بالتواطؤ والفساد.

الجماعة الحوثية تزعم باستمرار إتلاف أطنان من الأدوية المهربة (إعلام حوثي)

وحذر من الانعكاسات السلبية التي تقع على المرضى بسبب الأدوية البديلة، إلى جانب عدم كفاءتها في حماية المرضى من تدهور صحتهم.

ومنذ أيام مرت الذكرى الثانية لوفاة 10 أطفال في وحدة علاج السرطان بمستشفى الكويت في صنعاء، إثر حقنهم بأدوية «منتهية الصلاحية»، التي تبين مسؤولية قادة حوثيين عنها، دون أن يتخذ القضاء الذي تديره الجماعة أي إجراءات ضدهم.

وطبقاً لشهادات طبية متعددة حصلت عليها «الشرق الأوسط»؛ فإن الأدوية التي يعاني المرضى في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من نقصها تتمثل في أدوية أمراض القلب وضغط الدم والسكر والصرع والغدة الدرقية وأمراض الكبد والكلى، وأدوية الأطفال، وفيتامين (د).

وحذرت مصادر طبية من أن الكثير من الأدوية المتوافرة ستشهد أسعارها ارتفاعاً جديداً يصل إلى 50 في المائة من أسعارها الحالية، وقد تزيد تلك الزيادة على هذه النسبة لكون الكثير من الصيدليات تبيعها حالياً بأسعار أعلى من أسعارها المتعارف عليها نتيجة غياب الرقابة، أو اضطرار الكثير من تجار الأدوية لزيادة الأسعار بسبب الجبايات المفروضة عليهم.