رئيس «أسترازينيكا»: يجب أن نتعايش مع «كورونا»... ولن أنسى لحظة «اختراعنا» اللقاح

حث في حديث لـ«الشرق الأوسط» على معالجة التغيّر المناخي بـ«وصفة مواجهة الوباء»... وقال إن الصين لا يمكنها الاستمرار في الإغلاق إلى الأبد

السير باسكال سوريوت (شركة أسترازينيكا)
السير باسكال سوريوت (شركة أسترازينيكا)
TT

رئيس «أسترازينيكا»: يجب أن نتعايش مع «كورونا»... ولن أنسى لحظة «اختراعنا» اللقاح

السير باسكال سوريوت (شركة أسترازينيكا)
السير باسكال سوريوت (شركة أسترازينيكا)

قال الرئيس التنفيذي لـشركة «أسترازينيكا»، السير باسكال سوريوت، في حديث الى «الشرق الأوسط»، إن وباء «كوفيد-19» (كورونا) لم ينتهِ، و«وعلينا فقط التكيف مع الأمر كما تعايشنا مع فيروسات الإنفلونزا. معظم الأشخاص الذين يصابون بها يمرضون بشكل أساسي لبضعة أيام فقط، ولا يحتاجون إلى تلقي العلاج في المستشفيات؛ لأن اللقاحات توفر المناعة الأساسية اللازمة»؛ مشيراً إلى ضرورة الانتباه إلى «عدوى (كورونا) طويلة الأمد، وحماية مناعة الأشخاص المعرضين للخطر». وعن شعوره الشخصي لدى سماعه نبأ وصول شركته إلى لقاح ضد «كوفيد-19»، قال: «شاركت بشكل كبير في المناقشات التي أجريت مع باحثي جامعة أكسفورد، وفي عمليات تطوير اللقاح. وعندما علمنا أن لدينا لقاحاً فعالاً وقال فريقنا إنه يمكننا تصنيعه، كنت سعيداً للغاية؛ لأننا اعتقدنا أنه يمكننا إحداث فرق». وقال: «نصيحتي للناس هي أن يستمعوا إلى العِلم وليس إلى وسائل التواصل الاجتماعي». وسئل عن سياسة الصين الخاصة بـ«صفر كوفيد»، فأجاب: «كنت أتفهم هذه السياسة في المرحلة الأولية من انتشار الوباء... ولكن يجب أن أقول اليوم إنه يتعين عليهم في مرحلة ما الانتقال، الصين لا يمكنها الاستمرار في الإغلاق إلى الأبد. فهم بحاجة إلى إعادة الفتح لتسهيل الاتصال والتجارة مع بقية العالم، وحتى يلتقي الناس بعضهم ببعض». ودعا إلى نسخ تجربة التعاون في مواجهة التغير المناخي. وهنا نص الحديث الذي جرى عبر تطبيق «تيميز» أول من أمس:
> ندرك جميعاً أن اهتمامات «أسترازينيكا» تتجاوز وباء «كوفيد-19»؛ لكن هل تعتقد أن هذه الجائحة قد انتهت؟
- مع الأسف، لا أعتقد أن وباء «كوفيد-19» قد انتهى؛ بل أتصور أن هذه الجائحة ستبقى معنا لبعض الوقت، وعلينا فقط التكيف مع الأمر كما تعايشنا مع فيروسات الإنفلونزا. وأعتقد أن أكبر مشكلة سنواجهها هذا العام هي فيروسات الإنفلونزا، وعدوى الفيروس المخلوي التنفسي (RSV). صحيح أن عدوى «كوفيد-19» لا تزال موجودة، ولكن معظم الأشخاص الذين يصابون بها يمرضون بشكل أساسي لبضعة أيام فقط، ولا يحتاجون إلى تلقي العلاج في المستشفيات؛ لأن اللقاحات توفر المناعة الأساسية اللازمة.
فيروس «كوفيد-19» سيظل موجوداً، وسنحتاج إلى معالجته، ولكن الأمور التي تحتاج أن نركز انتباهنا عليها هي عدوى «كورونا» طويلة الأمد، ومناعة الأشخاص المعرضين للخطر.
> كما ذكرت، علينا الآن أن نتعلم كيف نتعايش مع وباء «كوفيد-19»، وذلك بفضل بعض الرواد وبعض القادة والمديرين التنفيذيين والشركات الذين ساعدونا في الحصول على بعض الحصانة، والتعايش مع الوباء. وتعد شركة «أسترازينيكا» بالتأكيد واحدة منهم، وكذلك أنت. ولكن، كيف كان شعورك عندما سمعت لأول مرة عن «كوفيد-19»؟ وكذلك عندما سمعت الأخبار السارة من جامعة أكسفورد ومختبرات شركتك، بأنه قد تم التوصل إلى لقاح؟
- لقد تطور الأمر شيئاً فشيئاً في ذلك الوقت؛ لأننا سمعنا عن عدوى «كوفيد-19» تماماً مثل بقية سكان العالم في يناير (كانون الثاني) 2020. لدينا وجود كبير في الصين، ولدينا مقر في شنغهاي، ونحو 20 ألف موظف في الصين. وكما يمكنك أن تتخيل، فقد سمعنا عن «كوفيد-19» وتأثيره على الناس في الصين في وقت مبكر للغاية، وكنا نتتبع ما كان يحدث، وفكَّرنا في الكيفية التي يمكننا المساعدة من خلالها.
3 مليارات جرعة لقاح
> ماذا حصل؟
- في بداية الأمر، ساعدنا ببساطة في شراء الأقنعة الواقية (الكمامات)؛ حيث تمكنَّا من تسليمها إلى المستشفيات التي لا يوجد فيها أي منها، ثم تساءلنا: ماذا يمكننا أن نفعل أيضاً؟ وبدأنا في النظر إلى بعض الأدوية التي تنتجها شركتنا وكيفية إعادة استخدامها، لنرى ما إذا كان يمكن استخدامها لعلاج عدوى «كوفيد-19»، وبعد ذلك بدأنا تطوير تركيبات الأجسام المضادة طويلة المفعول الخاصة بنا (Evusheld)، ثم في وقت ما، في أبريل (نيسان) 2020 تقريباً، عندما كنا نبحث عن مزيد من الأمور التي يمكننا القيام بها، علمنا بأمر اللقاح الذي تم التوصل له في أكسفورد، واتفقنا مع الجامعة على أنه يمكننا التعاون معهم. وكان تعاوننا ناجحاً للغاية. ويسعدنا جداً أننا تمكنَّا من المشاركة في هذا الجهد والمساعدة.
لم يكن الأمر مجرد رحلة بسيطة؛ لأنه كما يمكنك أن تتخيل، أخذنا لقاحاً كان فريق عظيم من العلماء في الجامعة قد قاموا بإنشائه في مختبر أكاديمي، وبدأوا تطويره، ولكنهم كانوا يطورونه ويقومون بالتجارب بالطريقة التي تستخدمها المراكز الأكاديمية، وليس بالطريقة التي يستخدمها قطاع الصناعة. لقد كان الأمر صعباً في بعض الأوقات. فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة طرحت جميع الأسئلة الممكنة؛ لأن الطريقة التي تم بها إجراء التجارب الأولية في أكسفورد لم تكن مماثلة للطريقة التي تعمل بها الصناعة، ولذلك كان علينا اللحاق بالركب، والقيام بجميع الخطوات اللازمة لتكييف البرنامج مع معيار الصناعة ومعيار إدارة الغذاء والدواء (FDA).
وكانت هناك أسابيع وشهور من العمل المكثف، وكان الأمر يمثل تحدياً كبيراً بالطبع، ولكنه كان مجزياً للغاية؛ لأننا أحدثنا فرقاً كبيراً. وكما تعلم، فقد قدمنا أكثر من 3 مليارات جرعة من اللقاح، وهناك تقديرات مستقلة بأن اللقاح أنقذ حياة 6.3 مليون شخص على مستوى العالم.
> على المستوى الشخصي، كيف شعرت عندما سمعت الأخبار من فريقك بأن «أسترازينيكا» طورت اللقاح، وتمت الموافقة عليه؟
- لقد شاركت بشكل كبير في المناقشات التي أجريت مع باحثي جامعة أكسفورد وفي عمليات تطوير اللقاح. وعندما علمنا أن لدينا لقاحاً فعالاً، وقال فريقنا إنه يمكننا تصنيعه، كنت سعيداً للغاية؛ لأننا اعتقدنا أنه يمكننا إحداث فرق.
وقد أنشأنا سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم، لتزويد مناطق جغرافية مختلفة من خلال سلاسل التوريد المختلفة، حتى نتمكن من تزويد الجميع باللقاح، ولكن حدث شيء واحد أدى إلى حدوث مشكلة، وهو أننا اتفقنا على الشراكة مع معهد الأمصال في الهند الذي يملك قدرة كبيرة على التصنيع على نطاق واسع، واتفقنا مع المعهد والحكومة الهندية على أن نصف إنتاج المعهد سيبقى في نيودلهي، أما النصف الآخر فسيتم تصديره إلى عدد من الدول حول العالم. ولكن، عندما ازدادت حالات الإصابة بفيروس «كوفيد-19» بشكل كبير في الهند، اضطرت الحكومة إلى إعطاء الأولوية لمواطنيها، وقررت الاحتفاظ بكل جرعات اللقاح المصنعة لسكان البلاد. وقد أدى ذلك إلى حدوث مشكلات في الإمداد في كثير من البلدان. فقد واجهنا تحديات عديدة بلا شك، ولكن الجميع في «أسترازينيكا» كان سعيداً بتأمين هذا اللقاح.
> نجحتَ في تحقيق ذلك من خلال العمل مع العلماء والأشخاص المختلفين. فما الدروس المستفادة من هذه العملية؟ وهل أصبحنا أكثر استعداداً الآن لمواجهة أي جائحة محتملة في المستقبل؟
- باعتبارنا مجتمعاً، ربما نكون أكثر استعداداً. فعلى الرغم من أن الوضع ليس مثالياً، فإننا أكثر استعداداً بالفعل، وذلك يرجع بشكل أساسي إلى أن الناس يضعون التحديات التي فرضها الوباء في اعتبارهم. ولكن السؤال المهم الآن هو: ماذا إذا لم تظهر أوبئة أخرى في غضون السنوات العشر المقبلة؟ -وآمل ألا تظهر أي أوبئة- عندها قد يركز الناس على أولوياتهم، ويقل تركيزهم على التأهب لمواجهة الأوبئة.
وقد بات هناك الآن شيئان موجودان:
1- هناك مراكز حول العالم ترصد ظهور الفيروسات الجديدة، وتتعاون فيما بينها.
2- بالنسبة لفيروس «كوفيد-19»، اعتقد الناس في البداية أن المشكلة تخص الصين فقط. وأستطيع أن أخبرك أنني كنت في أوروبا في ذلك الوقت، وكان الفيروس قد وصل إلى إيطاليا. وعديد من الناس وعديد من البلدان في جميع أنحاء أوروبا اعتقدوا أن الأمر يخص إيطاليا فقط، كما لو كان هناك حدود بين إيطاليا وبقية أوروبا يمكنها إيقاف انتشار العدوى، إذ كان هناك إنكار في ذلك الوقت في عديد من الأماكن. ولكن، لا أعتقد أنه سيكون هناك مثل هذه الحالة من الإنكار مرة أخرى.
> أبداً؟
- الآن، توجد مراكز ترصد ظهور الفيروسات الجديدة، ومن المرجح أن الحكومات ستبالغ في رد فعلها تجاه بعض الفيروسات الجديدة بدلاً من تجاهلها، وسيكون لدينا تقنيات جديدة يمكنها تقديم لقاحات جديدة للمرضى بشكل أسرع. فقد تعلم العالم أنه من أجل الحصول على لقاحات على هذا النطاق، فإننا بحاجة إلى تعاون بين القطاعين الخاص والعام، وعلينا أن نجعل الحكومات تعمل مع القطاع الصناعي الخاص ومع الأكاديميين، لتقديم اللقاحات إلى العالم بشكل أسرع.
ومن الجدير بالذكر أنه لولا استثمارات الحكومة الأميركية، لا أعتقد أننا كنا سنحصل على تلك اللقاحات بهذا الحجم الذي تمكنا من تصنيعه بهذه السرعة؛ حيث موَلت حكومة الولايات المتحدة تطوير عديد من اللقاحات؛ لأن الأمر كان يمثل خطوة محفوفة بالمخاطر، إذ إنه كان لدينا فيروس جديد، ولقاح جديد، ولا نعرف ما إذا كان سينجح أم لا. وكانت تكلفة تطوير اللقاح ستبلغ مئات الملايين من الدولارات، كما كان علينا إنشاء شبكة تصنيع ستكلفنا كثيراً من الأموال أيضاً، وكنا بحاجة لاستثمار الأموال الطائلة قبل أن نعرف مدى فعالية اللقاح. وقد قامت حكومة الولايات المتحدة بإرسال الطلبات بشكل مسبق، وخاطرت بالأموال في سبيل تطوير اللقاح. ولذا، فإنه من دون الولايات المتحدة، لا أعتقد أن العالم كان سيتفاعل مع الأمر بالشكل الذي رأيناه.
التطعيم
> تختلف وجهات نظر الأشخاص حول كيفية تعاملهم مع اللقاح، وكيفية تعاملهم مع عدوى «كوفيد-19» وكيفية تعاملهم مع الوباء. فما نصيحتك للجمهور؟
- أنا أقود مؤسسة علمية، ولذلك فأنا بالطبع أؤمن بالعِلم، وأؤمن بالنظر في البيانات. ونصيحتي هي أن ينظر الناس إلى هذه البيانات. فقد كان رد فعل المجتمع سريعاً بشكل لا يصدق تجاه هذا الفيروس، وكان هناك كثير من الأمور التي لم نكن نعرفها عن هذا الفيروس، وكثير من الأمور التي لم نكن نعرفها أيضاً عن اللقاحات المضادة له. وقال بعض الناس إن اللقاح لم يتم تطويره بالسرعة الكافية، وإن البلدان الفقيرة لم تحصل على اللقاحات بالسرعة الكافية. ولكن إذا نظرنا إلى الوراء، فإننا سنجد أن الاستجابة كانت سريعة بشكل لا يصدق. لم تكن بالسرعة الكافية لبعض البلدان بالطبع؛ لكنها كانت سريعة عموماً. كما كان هناك كثير من الأمور المجهولة؛ حيث لم نكن نعرف كيفية استخدام اللقاحات، ولم نكن نعرف عواقب هذه التطعيمات، ولم نكن متأكدين بشكل كافٍ من الأشخاص الذين يجب تطعيمهم. وعندما لا يكون لديك كافة هذه المعلومات، فإنه سيأتي أشخاص مختلفون بحقائق أخرى خاصة بهم.
واليوم، باتت هناك بيانات كثيرة متوفرة بشكل أكبر، ويمكن للأشخاص الاطلاع على هذه البيانات. ومن الواضح الآن من خلال النظر إلى هذه البيانات أن التطعيم ضد عدوى «كوفيد-19» يعد مفيداً جداً بشكل حقيقي للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50-55 عاماً، وهؤلاء الذين يعانون من أمراض مزمنة حادة. أما بالنسبة للأشخاص الأصغر سناً، فربما يكون التطعيم أقل أهمية، ويمكن أن يتم أخذ جرعتين فقط، وقد لا يحتاج هؤلاء إلى كثير من الجرعات المعززة؛ لأن لديهم مناعة أساسية يوفرها اللقاح، ومن المرجح أن تستمر لفترة طويلة.
وقد ظهر كثير من البيانات الآن، ويتعين على كل فرد أن يتخذ قراره بنفسه. فالأمر يعد مسألة صحية شخصية، وعليك أن تقرر كيف ستعالج نفسك، وعلى الجميع أن يختاروا. ولكن يجب أن ينظر الناس بشكل أساسي إلى البيانات، وليس الاكتفاء بالنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يجب أن يسألوا العلماء وألا يعتمدوا على الإعلام.
وأكرر مرة أخرى أن المشكلة تكمن في أنه كان هناك عديد من الأشياء المجهولة، كما أننا كنا نتحرك بسرعة كبيرة؛ حيث قال بعض الخبراء في بداية الأمر أشياء ثبت أنها خاطئة، ما خلق بيئة جعلت الناس يقولون: انظروا إلى هذا الخبير، فقد قال كذا وكذا، ولكنه كان مخطئاً بشكل كامل؛ إذن، فلماذا نستمع إلى الخبراء؟ ولكن لدينا اليوم كمية كبيرة من البيانات، كما أصبحت الرؤية العلمية أكثر تماسكاً.
> ما نصيحتك؟
- نصيحتي للناس هي أن يستمعوا إلى العِلم، وليس إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
> أحد الأسباب التي مكنت أشخاصاً أمثالك من مساعدتنا على مواجهة هذا الوباء هو العمل الجماعي؛ حيث عملت القطاعات الخاصة والحكومات والعلماء والشركات معاً، وذلك لأن الأزمة كانت عابرة للحدود، وتشبه إلى حد بعيد أزمة تغير المناخ. إذن، ما الدروس المستفادة من معالجة هذا الوباء في مجال التصدي لتغير المناخ؟
- أعتقد أن الوصفة متشابهة جداً من نواحٍ عدة:
1- علينا أن ننظر إلى العِلم والتكنولوجيا لمساعدتنا في إيجاد الحلول؛ لأن لديهما عديداً من الحلول لأزمة تغير المناخ.
2- الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية.
فخلال عملية تطوير اللقاح المضاد لعدوى «كوفيد-19»، أقمنا شراكات رائعة مع الحكومة السعودية، وتحدثنا مع المسؤولين السعوديين عدة مرات عبر تقنية الفيديو، وعملنا أيضاً مع الحكومة المغربية. وقد أعجبت كثيراً بأنهم كانوا منظمين جداً في وقت مبكر للغاية، كما دخلنا في شراكة مع مصر. وقد كان هذا التعاون مع كافة هذه الدول ناجحاً للغاية، حتى أننا قمنا بشحن اللقاح إلى فلسطين. فقد كان هناك عديد من البلدان التي لم نفكر فيها بالضرورة، ولكن خلال المناقشات المختلفة تم سؤالنا عما إذا كان بإمكاننا شحن اللقاحات إلى فلسطين؛ لأنه لم يكن لديها لقاحات، ولذلك قمنا بالأمر.
وقد كان التعاون بين القطاعين العام والخاص ناجحاً للغاية، ويمكن أن ينطبق الشيء نفسه على مؤتمر «COP 27». فأثناء حضوري المؤتمر التقيت رئيس الوزراء المصري (مصطفى مدبولي)، ووزير الصحة (خالد عبد الغفار)، وبات لدينا برنامج في مصر يسمى «المستشفيات الخضراء»، ويتم تقديم هذه المبادرة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك مع بعض المؤسسات الأكاديمية مثل المستشفيات. فالتعاون يعد أحد الحلول الرئيسية بشكل حقيقي.
أزمة المناخ
> هل تشعر بالإلحاح نفسه في التعامل مع أزمة تغير المناخ؟
- هذه هي الطبيعة البشرية عندما يتفاعل الناس مع تهديد كبير بسرعة كبيرة وبكثافة كبيرة. ولكن، بالنسبة للتهديد الخاص بتغير المناخ، فإن بعض الناس يدركون أنه أمر مُلِح، وبعض الأشخاص الآخرين لا ينظرون إليه باعتباره كذلك. والحقيقة هي أن الناس، عبر المناطق الجغرافية والدول المختلفة، لا يزالون يتجادلون بعضهم مع بعض حول أشياء أخرى. وفي حال أصبحنا غداً مهددين باعتبارنا جنساً بشرياً بكارثة طبيعية هائلة، فحينها سيدرك الجميع بسرعة أننا جميعاً في القارب نفسه. فنحن نتشارك جميعاً الكوكب نفسه، ولذا فإنه يتعين علينا جميعاً أن نعمل معاً. ولكن -مع الأسف- لا يبدو أن الشعور بالإلحاح بالمستوى المطلوب في الوقت الحالي. إلا أن إدراك الناس أنه يجب القيام بشيء ما حيال الأمر بات يزداد، وذلك بالنظر لما حدث في باكستان والفيضانات التي طالت أكثر من 10 ملايين طفل. فأنا فرنسي وأسترالي أيضاً، وشهدت الحرائق الهائلة في أستراليا، ثم الفيضانات. وهكذا، فإننا نرى تأثير تغير المناخ، ولذا فإن مزيداً ومزيداً من الناس يدركون أن هناك شيئاً ما يجب القيام به.
> هناك عنصر آخر أعتقد أنه قد يربط بين «كوفيد-19» وتغير المناخ، وهو العدالة، فقد لعبت شركة «أسترازينيكا» دوراً كبيراً في إقامة العدل من خلال توفير اللقاح للفقراء بشكل مجاني تقريباً، دون أي ربح. ولكن هناك شعوراً بأن الدول الفقيرة والفقراء يدفعون ثمناً أكبر بسبب هذا الوباء وأزمة تغير المناخ.
- قطعاً، وهذا أمر صحيح بالفعل. فقد التقيت مع الأمين العام للكومنولث الذي يتكون من 56 دولة، أكبرها الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، وأصغرها جزيرة يبلغ عدد سكانها 11000 نسمة، ويمكنك أن ترى دولاً بدأت تعاني داخل الكومنولث؛ حيث تقول بعض الجزر إنها لن تكون موجودة قريباً، إذ إنها ستغرق نتيجة تغير المناخ. وعندما ترى أن جزءاً كبيراً من القطب الجنوبي قد بدأ في الانهيار، وفي حال ذاب جليده فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة مستوى المياه بمقدار 63 سنتيمتراً في كل مكان حول العالم، حينها ستختفي بعض أجزاء العالم تحت الماء. وعادة ما تعاني أفقر أجزاء العالم أولاً، كما هو الحال دائماً مع الأسف.
وإذا نظرت إلى قضية تغير المناخ، فإنك ستجد أن الناس يتحدثون عن زيادة درجة الحرارة بمتوسط يبلغ 1.5 درجة أو 2، ولكن الحقيقة هي أن بعض أجزاء العالم ستعاني أكثر من ذلك بكثير. ففي الجزء الشمالي من قارة أفريقيا، ستكون الزيادة في درجات الحرارة أكبر بكثير، كما ستعاني هذه المنطقة من الجفاف، وسيكون الأمر مروعاً للناس هناك، وسنشهد هجرة جماعية.
وقد تم الاتفاق في مؤتمر «COP 27» على إنشاء صندوق لتمويل «الخسائر والأضرار» من أجل مساعدة البلدان الفقيرة. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن هذا أمر جيد، فإنه ليس كافياً. فالحل هو وقف انبعاثات الكربون بشكل حقيقي، وإلا فإننا سنكون في طريقنا نحو كارثة هائلة للجميع.
> هل أنت الآن أكثر تفاؤلاً مما كنت عليه قبل سنوات قليلة، فيما يتعلق بمعالجة قضية تغير المناخ؟
- نعم، أنا كذلك؛ لأن إدراك الناس للمشكلة آخذ في الازدياد، كما أن الصناعات والمؤسسات الخاصة باتت تنخرط في الأمر، وباتت حكومة الولايات المتحدة تأخذ الآن زمام المبادرة أيضاً، وأصبحت هذه القضية موجودة في جداول أعمال عديد من الحكومات. صحيح أن بعض الشركات وبعض الحكومات تتحدث عن المشروعات الخضراء بينما لا تتخذ كثيراً من الإجراءات لتنفيذها، ولكن هناك مزيداً ومزيداً من البلدان والشركات التي تتخذ تدابير حقيقية.
كما أن هناك اتجاهاً متزايداً لإفصاح الصناعات عما تفعله لمواجهة تغير المناخ، ومن ثم يمكن للناس مراقبة ما يفعلونه وتتبعه وانتقاده. وأعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، ولكن المشكلة تتعلق بما إذا كنا نتحرك بالسرعة الكافية، إذ إنه في الواقع يخبرنا العلماء أن تنبؤاتهم التي توصلوا إليها قبل 10-15 عاماً باتت تحدث بشكل أسرع بكثير مما كانوا يعتقدون. ولذا فإننا نظل في هذه الحلقة المفرغة؛ حيث تسوء الأمور أكثر مما كان متوقعاً، وتتسارع بشكل أكبر.
> في أوروبا، لاحظنا أن الأشهر القليلة الماضية لم تأت بأخبار جيدة بالنسبة لمعالجة أزمة تغير المناخ؛ لأننا سمعنا مرة أخرى أنه بسبب الحرب في أوكرانيا فإن بعض الدول والكيانات الأوروبية تتحدث عن استخدام مصادر الطاقة القديمة، مثل الفحم.
- قطعاً، فالحقيقة هي أننا يجب أن نكون واقعيين وعمليين حيال ذلك. وحقيقة الحياة هي أن هذه الحكومات منتخبة، وذلك على الأقل في الدول الديمقراطية، ولذا فإن هذه الحكومات ستركز على بلدانها، وستفكر فيما يجب أن تفعله لناخبيها وشعبها. ومرة أخرى يعد وباء «كوفيد-19» مثالاً جيداً أيضاً على ما يحدث في مثل تلك المواقف. فقد كان بعض البلدان ينتج كثيراً من جرعات اللقاح، وكان العالم يقول إن هذه الدول بحاجة إلى مشاركة هذه الجرعات مع الآخرين، ولكنها لم تفعل ذلك؛ بل بدأت هذه الدول في مشاركتها عندما بات لديها ما يكفي لها، وبمجرد أن أصبح لديها ما يكفي لتغطية سكانها، بدأت في المشاركة، ولكنها لم تشارك عدداً كبيراً من اللقاحات قبل هذه المرحلة. صحيح أنك قد تنتقد هذا التصرف، ولكن في نهاية الأمر هذه حقيقة من حقائق الحياة. فالمسؤولون المنتخبون سيهتمون بشعوبهم أولاً. صحيح أنه أمر مؤسف بعض الشيء، وبالتأكيد كنا نأمل أن يشاركوا الجرعات بشكل أكثر وأسرع؛ لكنهم في الواقع ليس بمقدورهم فعل ذلك. وهو بالفعل الشيء نفسه هنا في قضية الطاقة؛ حيث تقول الدول إنه يجب عليها التأكد من أن الناس لديها الكهرباء والتدفئة اللازمة لفصل الشتاء، وإلا فإنه سيتم عزل هؤلاء السياسيين في الانتخابات المقبلة. ولذا، فإن علينا أن نأخذ هذا في الاعتبار عند النظر في كيفية التخطيط لمعالجة أزمة تغير المناخ.
ومن ناحية أخرى، فإن الجانب المشرق في حرب أوكرانيا والعقوبات، هو أن الناس باتوا يدركون أننا بحاجة إلى الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة لنصبح مستقلين؛ إذ تهدف اسكوتلندا -على سبيل المثال- إلى أن تصبح مكتفية ذاتياً بشكل كامل باستخدام الطاقة المتجددة. وقد التقيت برئيس وزراء آيرلندا (مايكل مارتن) مؤخراً، وهو لديه الهدف نفسه أيضاً. كما أننا أصبحنا نرى البلدان تضع بشكل تدريجي جدول أعمال يمنحها الاستقلال في مجال الطاقة من خلال المصادر الخضراء.
إيرادات «أسترازينيكا»
> في 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت شركة «أسترازينيكا» عن نتائجها المالية للربع الثالث من العام الحالي، والتي تضمنت إيرادات أعلى من المتوقع. وأشارت إلى أن تلك الأرباح لم تكن بسبب اللقاح المضاد لعدوى «كوفيد-19»؛ بل من مصادر أخرى.
- الحقيقة هي أن تركيزنا بوصفنا شركة، ينصب على أدوية مرض السرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الكلى، والسكري، والأمراض المتعلقة بالتمثيل الغذائي، وكذلك أمراض الجهاز التنفسي والربو والأمراض النادرة. ولدينا مجموعة قوية جداً من المنتجات الجديدة التي قمنا بإطلاقها في كل مكان. ولذا، فإن النمو الذي حققناه مؤخراً يعد مدفوعاً بكل تلك المنتجات الجديدة. فخلال الربع الثالث حصلنا على 19 موافقة لمنتجات جديدة. فنحن ننمو لأن عملنا الأساسي ينمو، ولكن لقاحات «كوفيد-19» لم تحقق أي ربح. صحيح أننا ما زلنا نقوم بتسليم جرعات اللقاح هذا العام، ولكن مبيعاته لا تحقق كثيراً من الأرباح؛ لأننا نبيع بسعر قريب من سعر التكلفة.
> ما نسبة النمو؟
- في الواقع، كان النمو الذي حققناه أكثر بقليل من 11 في المائة لهذا الربع من العام، وذلك بسبب جميع أنواع المنتجات التي نصنعها. فلدينا منتج لأمراض الكلى، وأمراض القلب، والسكري، كما تنمو مبيعات عديد من منتجات السرطان أيضاً بشكل كبير، فضلاً عن أننا نستثمر في منظومة البحث والتطوير (R&D). وقد نما الإيراد السنوي حتى نهاية سبتمبر (أيلول) بنسبة 36 في المائة، مدفوعة بالاستثمار في هذه المنظومة، وبتقديم منتجات جيدة.
كما شهد الربع الثالث من العام الحالي زيادة بنسبة 19 في المائة، بالإضافة إلى الـ11 في المائة التي أشرت إليها بسبب منتجاتنا الأساسية، من دون جميع المنتجات المضافة. وفي حال قمنا بتضمين هذه المنتجات الأخيرة، مثل منتجات الأمراض النادرة التي حصلنا عليها وجميع المنتجات الجديدة، فإن نسبة النمو هذا العام ستكون 37 في المائة، و19 في المائة في الربع الثالث.
> لم تعد شركة «أسترازينيكا» تنتج كثيراً من اللقاحات المضادة لـ«كوفيد-19»، هل هذا صحيح؟
- نحن ننتج لقاح «كوفيد-19» من خلال الشبكة الخاصة بنا. فقد تم تصنيع بعضها بواسطة شريكنا في الهند، كما قمنا بتصنيع لقاح في تايلاند لجنوب آسيا، وآخر في البرازيل من أجل البرازيل، وفي المكسيك لأميركا اللاتينية، إذ إن لدينا شبكة كاملة من الشركات المصنعة في عديد من المناطق الجغرافية حول العالم، كما قمنا أيضاً بتصنيع اللقاح في أوروبا والمملكة المتحدة واليابان والصين التي لدينا شراكة فيها؛ لكن حكومة بكين قررت التركيز على اللقاحات المطورة محلياً والتي زودت بها بعض البلدان. كما أعرف أن الإمارات العربية المتحدة قامت أيضاً بجلب كثير من اللقاحات الصينية.
> ما رأيك في سياسة الصين الخاصة بـ«صفر كوفيد» من وجهة نظر العِلم؟
- من وجهة النظر العلمية، فإنني كنت أتفهم هذه السياسة في المرحلة الأولية من انتشار الوباء؛ لأنهم في تلك الفترة قاموا بحماية سكانهم بشكل جيد للغاية. ولكن يجب أن أقول اليوم إنه يتعين عليهم في مرحلة ما الانتقال. الصين لا يمكنها الاستمرار في الإغلاق إلى الأبد، فهم بحاجة إلى إعادة الفتح لتسهيل الاتصال والتجارة مع بقية العالم، وحتى يلتقي الناس بعضهم ببعض.
وبالعودة إلى تهديد الانبعاث الكربوني وتهديد تغير المناخ، فأعتقد حقاً أن التعاون على المستوى العالمي هو الحل، وأيضاً أن يدرك الناس أننا جميعاً متماثلون ونتشارك الكوكب ذاته. ففي نهاية الأمر، لدينا جميعاً الآمال نفسها، والقلق نفسه، والمخاوف نفسها. فنحن الأشخاص ذواتهم أينما كنا في العالم، ولكنك لن تدرك ذلك إلا في حال قابلت أشخاصاً مختلفين. ولكن، إذا كنت تعيش في بلد ما، ولم تغادر بلدك قط، ولم تقابل أشخاصاً من دول أخرى قط، فإنه من السهل جداً أن تعتقد أنهم مختلفون؛ لكن عندما تقابل أشخاصاً من دول أخرى فسرعان ما تدرك أنهم مثلك، لديهم الآمال ذاتها والقلق ذاته. آمل أن تفتح الصين بشكل كامل في المستقبل القريب، ليلتقي الناس مجدداً ويتعاونون.
وأنا سعيد حقاً لأننا سنلتقي بفريقنا الصيني الذي سينضم إلينا في منطقة الشرق الأوسط وبقية المنطقة الدولية، في دبي، الأسبوع المقبل. فريقنا سيجتمع مرة أخرى وهذا أمر جيد.
> ما التوقعات المستقبلية لشركة «أسترازينيكا» على مستوى العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
- رؤيتنا تبدو قوية جداً. فقد أخبرنا السوق أننا نتوقع أن ننمو بأرقام مزدوجة تتراوح ما بين 10 و12 في المائة على أساس سنوي حتى عام 2025. وعلى الرغم من أننا لا نعطي توجيهات لما بعد عام 2025، فإننا أخبرنا السوق أننا نتوقع أن ننمو بشكل رائد في الصناعة، وهو ما ترجمه عديد من المحللين إلى أرقام عالية مكونة من رقم واحد. ونتوقع تحقيق ذلك من خلال إطلاق منتجات جديدة.
أما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي أميركا اللاتينية وجنوب آسيا والصين، فإننا سننمو لأن هذا هو المكان الذي يوجد فيه الناس بكثافة، كما أن لدينا مجموعة من المنتجات التي تغطي الأمراض الشائعة التي يمكن علاجها بمنتجات منخفضة التكلفة، وصولاً إلى منتجات باهظة الثمن لعلاج السرطان والأمراض النادرة الأخرى.
وينتشر مرض السكري وأمراض الكلى وأمراض القلب بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تنتشر أمراض الربو. ولدينا منتجات ليست باهظة الثمن تعالج تلك الأمراض، ونتوقع أن ننمو كثيراً في جميع تلك المناطق.


مقالات ذات صلة

صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».