جياني إنفانتينو... رئيس «الفيفا» الطامح لمكافحة الفساد وتوسيع قاعدة المشاركة

شخصية تجسّد التخصص القانوني والتعددية الثقافية

جياني إنفانتينو... رئيس «الفيفا» الطامح لمكافحة الفساد وتوسيع قاعدة المشاركة
TT

جياني إنفانتينو... رئيس «الفيفا» الطامح لمكافحة الفساد وتوسيع قاعدة المشاركة

جياني إنفانتينو... رئيس «الفيفا» الطامح لمكافحة الفساد وتوسيع قاعدة المشاركة

تحوّل جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، إلى نجم بارز من نجوم نهائيات كأس العالم قبل حتى أن تنطلق مبارياتها في قطر. فقد اختار الرجل الذي يرأس «فيفا» منذ عام 2016، عشية انطلاق كأس العالم أن يشنَّ هجوماً عنيفاً على الغرب ويتهم دوله بـ«ازدواجية المعايير». خطاب إنفانتينو، الذي جذب اهتماماً عالمياً وأثار كثيراً من الجدل واللغط، جاء رداً على انتقادات الغرب لاستضافة قطر نهائيات كأس العالم بحجة سجلها في حقوق الإنسان. غير أن إنفانتينو، حامل الجنسية المزدوجة؛ السويسرية والإيطالية، رد بغضب على سيل من الانتقادات الغربية الفردية والمؤسساتية. واتهم الغرب بـ«النفاق»، داعياً الأوروبيين إلى الاعتذار، قائلاً: «لقد تعلمنا العديد من الدروس من الأوروبيين والعالم الغربي... أنا أوروبي، ولكن بسبب ما كنا نفعله منذ 3000 عام حول العالم، يجب علينا أن نعتذر لنحو 3000 سنة مقبلة قبل إعطاء دروس في الأخلاق». ثم تابع رئيس «فيفا» قائلاً إنه يجد «صعوبة في فهم النقد»، وإن «الكثير من الأشياء ليست مثالية، غير أن الإصلاح والتغيير يستغرقان وقتاً. ولم يتردد إنفانتينو في اتهام الدول التي تنتقد استضافة قطر لكأس العالم، بالدول (المنافقة) التي تنتقد قراراً اتخذ قبل 12 سنة»، قبل أن يضيف متسائلاً: «لماذا لا يدرك أحد التقدم الذي تحقق هنا؟».
قد تساعد خلفيه جياني إنفانتيو «التعددية» ثقافياً على فهم خطابه التي أثار كثيراً من الجدل في قطر عشية انطلاق كأس العالم، حول شعوره بأنه «عربي وأوروبي وأفريقي وعامل…»؛ فهو وُلِد لأبوين من إيطاليا، ويحمل الجنسية المزدوجة الإيطالية والسويسرية. ثم إنه متزوّج من سيدة لبنانية هي لينا الأشقر، التي التقى بها في لبنان أثناء زيارة عمل عندما كان في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهي تعمل في الاتحاد اللبناني لكرة القدم. وهو أيضاً متعدد اللغات، إذ يتكلّم بطلاقة 5 لغات هي الإيطالية والفرنسية والإسبانية والألمانية والإنجليزية، بجانب العربية التي اكتسبها من زوجته وبناتهما الأربع.
أكثر من ذلك، استثمر إنفانتينو الكثير للمساعدة في إنجاح كأس العالم في نهائياتها الحالية؛ إذ انتقل إلى الدوحة مع عائلته قبل أشهر للتأكد من حسن سير التنظيم واكتمال التحضيرات في الوقت المناسب، مع أن انتقاله عرّضه لانتقادات شكّكت بحيادية الاتحاد الذي يتّخذ من مدينة زيوريخ السويسرية مقراً له. ومن ثم، سلط هذا الجدل الضوء على رجل يصفه عارفوه بأنه «مُدمن عمل» وذو طموح لا محدود، وهاتان صفتان أكسبتاه حتى الآن ولايتين على رأس «فيفا»، وما يبدو أنها ولاية ثالثة قريباً في انتخابات الاتحاد في مارس (آذار) المقبل التي لم يترشح فيها أحد غيره.
النشأة والبدايات
تشير بدايات جياني إنفانتينو، المولود في بلدة بريغ بسويسرا عام 1970 لوالدين إيطاليين، إلى رجل مثابر دؤوب يعرف ما يريد. وهو رغم حبه لكرة القدم منذ الطفولة، لم يكن لاعباً مميزاً. بل أدرك باكراً أنه لن يلمع كلاعب كرة رغم شغفه باللعبة، فاختار طريقاً آخر يوصله إليها؛ إذ درس الحقوق وتخصص بالقانون الذي يحكم لعبة كرة القدم في جامعة فريبور المرموقة. ونظراً لعجز والديه - فينشنزو وماريا - عن تغطية تكاليف دراسته الجامعية، اضطر للعمل في السكك الحديدية بالتوازي مع الدراسة.
بعد التخرّج، عمل إنفانتينو لفترة مستشاراً قانونياً لأندية في إيطاليا وإسبانيا وسويسرا. ثم عمل في المركز الدولي للدروس الرياضية بجامعة نوشاتيل السويسرية، حتى أصبح المدير العام. وعام 2000، انتقل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) ليُعيّن بعد 4 سنوات مديراً للقسم القانوني ورئيس القسم المعني بإعطاء التصريحات للنوادي. ومن ثم، واصل صعوده داخل الاتحاد حتى أصبح نائب الأمين العام عام 2007، ثم الأمين العام بعد سنتين من ذلك. وخلال الفترة التي أمضاها إنفانتينو في «يويفا»، كان مسؤولاً عن توسيع هذا الاتحاد ليضم 24 فريقاً. ومما يُسجّل له هنا تثبيته دور «يويفا» كاتحاد محترم ومقدّر على الصعيد الأوروبي، بعد إدخاله إصلاحات مالية ومواجهة العنصرية والتمييز في اللعبة.
في «فيفا»
وصل إنفانتينو إلى رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بعد الفضيحة التي هزّته عام 2015، ودفعت برئيسه السابق جوزيف بلاتر إلى الاستقالة. وبالفعل، انتخب إنفانتينو الذي تعهد بإدخال إصلاحات على الاتحاد، وترأسه بعدما كان عضواً في لجنة الإصلاحات التابعة له. وبعد سنتين من ترؤسه «فيفا»، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن «الكلمات الدافئة والإحساس الجيد الذي رافق انتقال إنفانتينو من مقر (يويفا)، بالقرب من جنيف، ليدير (فيفا)، تبخّرت. وفي الأشهر الماضية تسبب إنفانتينو بانزعاج كبير لأقرانه وزملائه وحتى بعض مؤيديه، بسبب مساعيه لإدخال تعديلات كبيرة على اللعبة، واقتراحه بطولات جديدة تعيد ترتيب الجدول الدولي». وتابعت أن الرجل «المدمن على العمل، الذي أشرف على إصلاح أخطر المشكلات المالية والتنظيمية لـ(فيفا)، أثار باندفاعه الكبير لتغيير الهيكل الأساسي للرياضة، ضيق كثيرين لدرجة أن إعادة انتخابه لولاية ثانية باتت مهددة».
أيضاً أشارت الصحيفة لمحاولات إنفانتينو إقناع مجلس «فيفا»، إبّان اجتماعه بالعاصمة الكولومبية عام 2018، بزيادة عدد المنتخبات المشارك في نهائيات كأس العالم إلى 40 دولة، كما كان وعد خلال حملته الانتخابية. وكانت غايته رفع دخل «فيفا» وإجبار القنوات التي تنقل المباريات على دفع مبالغ إضافية لضمان حقوق نقل عدد أكبر من المباريات. ويومذاك، اقترح إنفانتينو أيضاً إطلاق بطولتين جديدتين تموّلان من مبلغ 25 مليار يورو حصل عليها كتبرعات من دون أن يكشف عن الطرف المموّل، بحسب الصحيفة، لكن المجلس رفض اقتراح إنفانتينو لتمسكه برفض الكشف عن مصدر التمويل.
إرث فضائح بلاتر
في حينه، اشتكى راينهالد غريندل، رئيس الاتحاد الألماني الفيدرالي لكرة القدم، من أن إنفانتينو «بالكاد تكلّم معه»... وأنه «ما كان يريد سماع أي آراء». ولكن الصحيفة نقلت عن إنفانتينو نفسه - الذي زوّدها بإجابات عبر البريد الإلكتروني - قوله عن عقد من الفضائح في ظل إدارة سلفه جوزيف بلاتر: «بغض النظر عن الوقت الذي أمضيته أستعد لمواجهة مناخ من التردّد، فإن مستوى عدم الثقة التي واجهته في (فيفا)، وضمن المنظمة، غير معقول». وتابع: «في ذلك الوقت، كانت سمعة المنظمة في الحضيض، وأي شيء يتعلق بـ(فيفا) كان يغرق بقرينة الذنب، وأي شيء يصار إلى اقتراحه أو قوله يواجه بالريبة. لم يكن من السهل تحقيق شيء في مناخ كهذا. ولأشهر طويلة، بعدما تسلمت منصبي، شكل ذلك عقبة ضخمة ودائمة. وما زال، إلى درجة معينة».
من ناحية ثانية، بينما يعتبر إنفانتينو أن الخلافات داخل «فيفا» في منظمة بهذا الحجم طبيعية، يرفض منتقدوه ذلك، ويقولون إنهم يختلفون معه، لا سيما أنه فاز برئاسة الاتحاد بعد حملة وعد فيها بمضاعفة الأموال التي يصرفها «الفيفا» على المنتخبات بأربعة أضعاف. ووفق راينهارلد غريندل «قدّم إنفانتينو الكثير من الوعود من دون أن يكون لديه التمويل اللازم... وبالنسبة إليه فإن دورات وبطولات إضافية يمكن أن تجلب هذه الأموال، لكن هذا الطريق خطأ».
في أي حال، ظل إنفانتينو متمسكاً بفكرة زيادة عدد المنتخبات المشارك في نهائيات كأس العالم، لكنه عدل الرقم من 40 إلى 48 منتخباً، مع العلم أن 32 منتخباً يشاركون في نهائيات قطر حالياً. وحقاً، نجح بتمرير فكرته التي ستُطبق في النهائيات المقبلة التي ستستضيفها 3 دول بشكل مشترك للمرة الأولى هي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
أيضاً، حتى بعد قرار الزيادة، استمرت الانتقادات الموجهة لإنفانتينو. وطلب «اليويفا» منه تغيير موقفه وإعادة النهائيات لعدد المنتخبات الأصلية، ورأى «اليويفا» أن عدد المباريات حالياً «كبير جداً لدرجة غير مقبولة، لأنه ينهك اللاعبين. كذلك اعتبر أن قرار رئيس «الفيفا» بزيادة عدد المنتخبات المشاركة قرار «سياسي لا علاقة له بالرياضة، بل هدفه إرضاء قاعدته التي انتخبته». ونقلت صحيفة «ماركا» الإسبانية التي تُعنى بأخبار الرياضة، عن خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني (لا ليغا) - آنذاك - قوله إن «صناعة كرة القدم تموّل نفسها من الأندية والروابط وليس من (الفيفا)». وانتقد يواكيم لوف، مدرب المنتخب الألماني - آنذاك - القرار، قائلاً إنه سيقلل من قيمة البطولة «لأن اللاعبين سيكونون عندها قد وصلوا إلى حدودهم الجسدية والعقلية». ومن المنتقدين أيضاً لقرار زيادة المنتخبات مَن يقول إنها «تخلق ظروفاً غير ملائمة بشكل تلقائي لبعض الدول التي لن تكون لديها البنية التحتية اللازمة لاستضافة بطولة بهذه الضخامة»، وبأنها «تفرض حكماً بطولات تستضيفها أكثر من دولة كما سيحصل في عام 2026».
نجاحات وإخفاقات
الواقع أن إنفانتينو لم ينجح في كل ما سعى لتحقيقه عندما ترأس «الفيفا»، وتعهد أيضاً بجعله منظمة «حديثة موثوق بها ومهنية» في أعقاب فضيحة الرشى التي هزت الاتحاد قبل انتخابه. وفعلاً، بُعيد انتخابه، عيّن إنفانتنينو ميغيل مادورو - القادم من محكمة العدل الأوروبية - رئيساً لقسم الحوكمة في «الفيفا» كي يشرف على لجنة أحد أهدافها التدقيق في المسؤولين الكبار الذين يعينون في وظائف داخل الاتحاد. ولكن خلال الأشهر التي تلت، ووفق تقارير صحافية، اشتكى مسؤولون داخل المنظمة من أن «لجنة مادورو» رفضت إعطاء الموافقة على السماح لنائب رئيس الوزراء الروسي فيتالي موتكو بإعادة الترشح لمجلس «الفيفا». وتسببت «اللجنة» أيضاً بجدل داخل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لطلبها زيادة أعداد النساء في الوظائف العليا داخل الاتحاد، في حين تضايق مسؤولون في أفريقيا عندما علموا أن «اللجنة» تريد فتح تحقيق في انتخابات داخل مجلس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بسبب شكها في صدقية الانتخابات.
وفي نهاية المطاف، لم يصمد مادورو في منصبه 8 أشهر قبل أن يُطلب منه الاستقالة. وعلى الأثر اتهم مادورو رئيسه السابق بعد الاستقالة بأنه «اتخذ قراراً سياسياً لإنقاذ نفسه»، وأن القرار خاطئ. لكن صحيفة «الغارديان» البريطانية كتبت آنذاك أن مهمة إنفانتينو «ليست بسيطة»، وهو «ورث منظمة بحاجة إلى إصلاحات كبيرة... والمقاومة من الداخل ليست بسهلة».
وحسب مصادر مطلعة، كان إنفانتينو - على ما يبدو - متخوفاً من أثر منع إعادة ترشح فيتالي موتكو لمجلس «الفيفا» عام 2017 على نهائيات روسيا في العام التالي، وأيضاً ربما على فرص إعادة انتخابه بعد سنتين، إلا أنه عاد فضمن إعادة انتخابه لولاية جديدة تنتهي العام المقبل. ويرجح أنه نجح أيضاً بضمان انتخابه لولاية ثالثة في أبريل (نيسان) 2023 بعد إعلان «الفيفا» أن لا مرشحين غيره للمنصب.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».