نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904https://aawsat.com/home/article/4008466/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85-%C2%AB%D9%81%D9%8A%D9%81%D8%A7%C2%BB-%D9%85%D9%86%D8%B0-1904
نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904
منذ تأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم رسمياً يوم 21 مايو (أيار) 1904، في العاصمة الفرنسية باريس، تعاقب على رئاسته 12 رئيساً، بينهم تسعة رؤساء أصلاء، وثلاثة تولوا الرئاسة بالوكالة، ولقد توفي ثلاثة أيضاً أثناء شغلهم المنصب. الاتحاد اتخذ له عبر تاريخه عدداً من المقرات قبل الاستقرار في مقره الحالي في مدينة زيوريخ السويسرية. وهو يضم راهناً 209 دول أعضاء، الأمر الذي يجعله إحدى أكبر المؤسسات الدولية من حيث العضوية. وفيما يلي، أسماء الرؤساء الذين تولوا المنصب قبل الرئيس الحالي جياني إنفانتينو.
روبير غيران (فرنسا): 1904 – 1906 أول رؤساء «الفيفا» بين عامي 1904 و1906، كان الصحافي الفرنسي روبير غيران (1876 - 1952). غيران عمل في صحيفة «لو ماتان»، بجانب اهتمامه بكرة القدم، إذ شغل منصب سكرتير قسم كرة القدم في «اتحاد الجمعيات الرياضية الفرنسية». وبعدها كان في طليعة العاملين على تأسيس الاتحاد الدولي للعبة، عبر دعوته ممثلي أول سبع دول أعضاء في الاتحاد الوليد من أجل إقرار وثيقة التأسيس والقانون الداخلي. وعام 1904 (عندما كان لا يزال في سن الرابعة والعشرين) انتخب رئيساً للمؤتمر التأسيسي. ومن ثم ظل رئيساً للاتحاد حتى عام 1906 عندما ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى 15 دولة. دانيال بُرلي وولفول (بريطانيا): 1906 – 1918 البريطاني دانيال بُرلي وولفول (1852 – 1918) كان الرئيس الثاني، وهو صاحب خبرة في الإدارة الرياضية. وفي عهده أقرت واعتمدت أنظمة اللعبة وفق النموذج الإنجليزي، وصارت إلزامية التطبيق. كما بوشر بإرساء دعائم تنظيم المباريات الدولية، عبر أولمبياد لندن عام 1908. خلال عهده انضمت للاتحاد أول دول غير أوروبية، واندلعت الحرب العالمية الأولى، وتوفي في خريف عام 1918 وهو في المنصب.
كورنيليوس هيرشمان (هولندا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1918 و1920 المصرفي والإداري الرياضي والأولمبي الهولندي كورنيليوس هيرشمان (1877 - 1951) كان أول رئيس بالوكالة عندما شغل المنصب بعد وفاة بُرلي وولفول. هيرشمان كان أحد مؤسسي الاتحاد الدولي وأمينه العام الثاني بين عامي 1906 و1931.
جول ريميه (فرنسا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1920 و1921. ثم رسمياً بين 1921 و1954 المحامي والإداري الرياضي الفرنسي جول ريميه (1873 - 1956) يُعد أبرز رواد «الفيفا»، وهو الرئيس الأطول عهداً للاتحاد (شغل المنصب لمدة 33 سنة)، والرجل الذي حملت «كأس العالم» الأصلية اسمه تقديراً لإطلاقه أول مبادرة لتنظيم البطولة العالمية. وبالفعل نظمت كأس العالم الأولى عام 1930. ووفق الأنظمة المعمول بها في حينه منحت تلك الكأس نهائياً للبرازيل إثر انتزاع منتخبها البرازيلي البطولة ثلاث مرات. رودولف سيلدرايرز (بلجيكا): 1954 - 1955 رودولف سيلدرايرز (1876 - 1955)، المحامي والصحافي والإداري الرياضي البلجيكي المولود في ألمانيا، كان أحد أبرز الشخصيات الرياضية في بلجيكا وأحد مؤسسي الاتحاد الملكي البلجيكي لجمعيات كرة القدم. تولى منصب نائب رئيس «الفيفا» عام 1927. توفي خلال سنة و108 أيام فقط من شغله المنصب.
آرثر دروري (بريطانيا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1955 و1956، ثم رسمياً بين 1956 و1961 الإداري الرياضي البريطاني آرثر دروري (1891 - 1961)، كان خامس رئيس لفيفا، لدى توليه المنصب بالوكالة في أعقاب وفاة سلفه سيلدرايرز عام 1955. وفي العام التالي (1956) أسند إليه المنصب بالأصالة، وظل يشغله حتى وفاته يوم 25 مارس 1961. تقلب دروري في عدد من المناصب الكروية في إنجلترا، منها رئاسة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم ورئاسة رايطة أندية المحترفين (الليغ). في عام 1961 صار ثالث رئيس للـ«فيفا» يتوفى إبان شغله المنصب. إرنست ثومن (سويسرا): 1961 الإداري الرياضي السويسري إرنست ثومن (1899 - 1967) خلف سلفه الراحل دروري في رئاسة «الفيفا» بالوكالة، إثر وفاة الأخير، إلا أنه لم يبقَ في المنصب إلا ستة أشهر، خسر خلالها انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى أمام البريطاني ستانلي راوس. توفي في حادث سير عام 1967.
السير ستانلي راوس (بريطانيا): 1961 - 1974 السير ستانلي راوس (1895 - 1986)، أحد ألمع الشخصيات الإدارية الكروية في إنجلترا، وكان قد شق طريقه في هذا المجال مدرّساً للرياضة البدنية، وتخلل مسيرته عمله حكم كرة محلياً فدولياً، ثم عمله مسؤولاً إدارياً في الاتحادات والجمعيات وصولاً إلى توليه منصب سكرتير الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بين 1934 و1962. تولى راوس رئاسة «الفيفا» لفترة طويلة نسبياً بين 1961 و1974. وإبان فترة رئاسته انتزعت إنجلترا كأس العالم في نهائيات البطولة التي استضافتها لندن عام 1966.
جواو هافيلانج (البرازيل): 1974 - 1998 المحامي ورجل الأعمال البرازيلي الثري جواو هافيلانج (1916 - 2016)، كان أول رئيس للـ«فيفا» يُنتخَب من خارج أوروبا، وهو السابع في سلسلة الرؤساء والثاني من حيث طول مدة توليه الرئاسة بعد جول ريميه. فقد شغل هافيلانج المنصب لأكثر من 24 سنة، وشهدت السنوات الأخيرة من رئاسته شبهات وتهم فساد، امتدت تداعياتها إلى عهد رئاسة خلفه السويسري جوزيف بلاتر. أيضاً كان هافيلانج الرئيس الأطول عمراً، إذ تجاوز سن المائة سنة.
جوزيف بلاتر (سويسرا): 1998 - 2015 المحامي ورجل الأعمال والعلاقات العامة والإداري الرياضي السويسري جوزيف بلاتر (المولود عام 1936)، خلف جواو هافيلانج في رئاسة «الفيفا»، كما ورث عن سلفه إبان مسيرة تربو عن 17 سنة في المنصب علامات استفهام تتصل بتهم الفساد. وبالفعل، أدت التهم إلى فتح تحقيقات افضت في نهاية المطاف إلى إدانته عام 2015. ومنعه من تولي أي مسؤوليات تتصل بالاتحاد حتى عام 2027.
عيسى حياتو (الكاميرون): تولى المنصب مؤقتاً بين 2015 و2016 الإداري والرياضي الكاميروني عيسى حياتو، المولود عام 1946. كان أول أفريقي وأول مسلم (ابن أسرة من سلاطين شعب الفولاني) يتولى رئاسة «الفيفا» عام 2015 - ولو بالوكالة - وذلك في أعقاب إدانة جوزيف بلاتر. ولقد استمر في المنصب حتى انتخابات خلفه جياني إنفانتينو عام 2016.
شرق السودان... نار تحت الرمادhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/5091458-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%A7%D8%AF
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.
حدود ملتهبة
تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.
وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.
وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.
لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.
12 ميليشيا مسلحة
من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».
وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.
ميليشيات بثياب قبلية
«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.
أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.
بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.
كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.
ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.
أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.
ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.
وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.
مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق
إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».
الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.
استقطاب قبلي
حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».
ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».
تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة
من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية
المسؤولية على «العسكر»
حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».
وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».
ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».
وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».
الدور الإقليمي
في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.
للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.
أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.
أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.
وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.