نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904

نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904
TT

نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904

نظرة إلى رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ 1904

منذ تأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم رسمياً يوم 21 مايو (أيار) 1904، في العاصمة الفرنسية باريس، تعاقب على رئاسته 12 رئيساً، بينهم تسعة رؤساء أصلاء، وثلاثة تولوا الرئاسة بالوكالة، ولقد توفي ثلاثة أيضاً أثناء شغلهم المنصب.
الاتحاد اتخذ له عبر تاريخه عدداً من المقرات قبل الاستقرار في مقره الحالي في مدينة زيوريخ السويسرية. وهو يضم راهناً 209 دول أعضاء، الأمر الذي يجعله إحدى أكبر المؤسسات الدولية من حيث العضوية. وفيما يلي، أسماء الرؤساء الذين تولوا المنصب قبل الرئيس الحالي جياني إنفانتينو.

روبير غيران (فرنسا): 1904 – 1906
أول رؤساء «الفيفا» بين عامي 1904 و1906، كان الصحافي الفرنسي روبير غيران (1876 - 1952).
غيران عمل في صحيفة «لو ماتان»، بجانب اهتمامه بكرة القدم، إذ شغل منصب سكرتير قسم كرة القدم في «اتحاد الجمعيات الرياضية الفرنسية». وبعدها كان في طليعة العاملين على تأسيس الاتحاد الدولي للعبة، عبر دعوته ممثلي أول سبع دول أعضاء في الاتحاد الوليد من أجل إقرار وثيقة التأسيس والقانون الداخلي. وعام 1904 (عندما كان لا يزال في سن الرابعة والعشرين) انتخب رئيساً للمؤتمر التأسيسي. ومن ثم ظل رئيساً للاتحاد حتى عام 1906 عندما ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى 15 دولة.
دانيال بُرلي وولفول (بريطانيا):
1906 – 1918
البريطاني دانيال بُرلي وولفول (1852 – 1918) كان الرئيس الثاني، وهو صاحب خبرة في الإدارة الرياضية. وفي عهده أقرت واعتمدت أنظمة اللعبة وفق النموذج الإنجليزي، وصارت إلزامية التطبيق. كما بوشر بإرساء دعائم تنظيم المباريات الدولية، عبر أولمبياد لندن عام 1908. خلال عهده انضمت للاتحاد أول دول غير أوروبية، واندلعت الحرب العالمية الأولى، وتوفي في خريف عام 1918 وهو في المنصب.

كورنيليوس هيرشمان (هولندا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1918 و1920
المصرفي والإداري الرياضي والأولمبي الهولندي كورنيليوس هيرشمان (1877 - 1951) كان أول رئيس بالوكالة عندما شغل المنصب بعد وفاة بُرلي وولفول. هيرشمان كان أحد مؤسسي الاتحاد الدولي وأمينه العام الثاني بين عامي 1906 و1931.

جول ريميه (فرنسا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1920 و1921. ثم رسمياً بين
1921 و1954
المحامي والإداري الرياضي الفرنسي جول ريميه (1873 - 1956) يُعد أبرز رواد «الفيفا»، وهو الرئيس الأطول عهداً للاتحاد (شغل المنصب لمدة 33 سنة)، والرجل الذي حملت «كأس العالم» الأصلية اسمه تقديراً لإطلاقه أول مبادرة لتنظيم البطولة العالمية. وبالفعل نظمت كأس العالم الأولى عام 1930. ووفق الأنظمة المعمول بها في حينه منحت تلك الكأس نهائياً للبرازيل إثر انتزاع منتخبها البرازيلي البطولة ثلاث مرات.
رودولف سيلدرايرز (بلجيكا):
1954 - 1955
رودولف سيلدرايرز (1876 - 1955)، المحامي والصحافي والإداري الرياضي البلجيكي المولود في ألمانيا، كان أحد أبرز الشخصيات الرياضية في بلجيكا وأحد مؤسسي الاتحاد الملكي البلجيكي لجمعيات كرة القدم. تولى منصب نائب رئيس «الفيفا» عام 1927. توفي خلال سنة و108 أيام فقط من شغله المنصب.

آرثر دروري (بريطانيا): تولى المنصب مؤقتاً بين 1955 و1956، ثم رسمياً بين 1956 و1961
الإداري الرياضي البريطاني آرثر دروري (1891 - 1961)، كان خامس رئيس لفيفا، لدى توليه المنصب بالوكالة في أعقاب وفاة سلفه سيلدرايرز عام 1955. وفي العام التالي (1956) أسند إليه المنصب بالأصالة، وظل يشغله حتى وفاته يوم 25 مارس 1961. تقلب دروري في عدد من المناصب الكروية في إنجلترا، منها رئاسة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم ورئاسة رايطة أندية المحترفين (الليغ). في عام 1961 صار ثالث رئيس للـ«فيفا» يتوفى إبان شغله المنصب.
إرنست ثومن (سويسرا): 1961
الإداري الرياضي السويسري إرنست ثومن (1899 - 1967) خلف سلفه الراحل دروري في رئاسة «الفيفا» بالوكالة، إثر وفاة الأخير، إلا أنه لم يبقَ في المنصب إلا ستة أشهر، خسر خلالها انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى أمام البريطاني ستانلي راوس. توفي في حادث سير عام 1967.

السير ستانلي راوس (بريطانيا):
1961 - 1974
السير ستانلي راوس (1895 - 1986)، أحد ألمع الشخصيات الإدارية الكروية في إنجلترا، وكان قد شق طريقه في هذا المجال مدرّساً للرياضة البدنية، وتخلل مسيرته عمله حكم كرة محلياً فدولياً، ثم عمله مسؤولاً إدارياً في الاتحادات والجمعيات وصولاً إلى توليه منصب سكرتير الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بين 1934 و1962. تولى راوس رئاسة «الفيفا» لفترة طويلة نسبياً بين 1961 و1974. وإبان فترة رئاسته انتزعت إنجلترا كأس العالم في نهائيات البطولة التي استضافتها لندن عام 1966.

جواو هافيلانج (البرازيل): 1974 - 1998
المحامي ورجل الأعمال البرازيلي الثري جواو هافيلانج (1916 - 2016)، كان أول رئيس للـ«فيفا» يُنتخَب من خارج أوروبا، وهو السابع في سلسلة الرؤساء والثاني من حيث طول مدة توليه الرئاسة بعد جول ريميه. فقد شغل هافيلانج المنصب لأكثر من 24 سنة، وشهدت السنوات الأخيرة من رئاسته شبهات وتهم فساد، امتدت تداعياتها إلى عهد رئاسة خلفه السويسري جوزيف بلاتر. أيضاً كان هافيلانج الرئيس الأطول عمراً، إذ تجاوز سن المائة سنة.

جوزيف بلاتر (سويسرا): 1998 - 2015
المحامي ورجل الأعمال والعلاقات العامة والإداري الرياضي السويسري جوزيف بلاتر (المولود عام 1936)، خلف جواو هافيلانج في رئاسة «الفيفا»، كما ورث عن سلفه إبان مسيرة تربو عن 17 سنة في المنصب علامات استفهام تتصل بتهم الفساد. وبالفعل، أدت التهم إلى فتح تحقيقات افضت في نهاية المطاف إلى إدانته عام 2015. ومنعه من تولي أي مسؤوليات تتصل بالاتحاد حتى عام 2027.

عيسى حياتو (الكاميرون):
تولى المنصب مؤقتاً بين 2015 و2016
الإداري والرياضي الكاميروني عيسى حياتو، المولود عام 1946. كان أول أفريقي وأول مسلم (ابن أسرة من سلاطين شعب الفولاني) يتولى رئاسة «الفيفا» عام 2015 - ولو بالوكالة - وذلك في أعقاب إدانة جوزيف بلاتر. ولقد استمر في المنصب حتى انتخابات خلفه جياني إنفانتينو عام 2016.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.