توصية «أممية» بالاستثمار في سلاسل التبريد المستدامة للأغذية

تقرير دولي اعتبرها وسيلة «فعالة» لمواجهة أزمات الغذاء والمناخ

سلسلة تبريد الأغذية مسؤولة عن 4 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (أرشيفية)
سلسلة تبريد الأغذية مسؤولة عن 4 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (أرشيفية)
TT

توصية «أممية» بالاستثمار في سلاسل التبريد المستدامة للأغذية

سلسلة تبريد الأغذية مسؤولة عن 4 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (أرشيفية)
سلسلة تبريد الأغذية مسؤولة عن 4 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (أرشيفية)

دعا تقرير أممي، حول «سلاسل التبريد المستدامة للأغذية»، الحكومات وشركاء التنمية الدوليين والصناعة، إلى الاستثمار في سلاسل تبريد الغذاء المستدامة لتقليل الجوع وتوفير سبل العيش للمجتمعات والتكيف مع تغير المناخ.
وتم إطلاق التقرير في ختام قمة أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب27)، بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، حيث شدد على أن «سلاسل التبريد الغذائي ضرورية لمواجهة التحدي المتمثل في إطعام ملياري شخص إضافي بحلول عام 2050، وتسخير قدرة المجتمعات الريفية على الصمود، مع تجنب آثار زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري».
وتم وضع التقرير في إطار تحالف التبريد بقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج عمل الأوزون التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتحالف المناخ والهواء النظيف.
ويقول إنغر أندرسن، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير نشره الموقع الرسمي للبرنامج، «في الوقت الذي يجب أن يعمل فيه المجتمع الدولي للتصدي لأزمات المناخ والغذاء، يمكن لسلاسل تبريد الأغذية المستدامة أن تحدث فرقاً هائلاً، فهي تسمح لنا بتقليل الفاقد من الغذاء، وتحسين الأمن الغذائي، وإبطاء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخلق فرص العمل، وتقليل الفقر، وبناء القدرة على الصمود، وكل ذلك بضربة واحدة».
وارتفع عدد المتضررين من الجوع في العالم إلى 828 مليوناً في عام 2021 بزيادة قدرها 46 مليوناً على أساس سنوي، ولم يتمكن ما يقرب من 3.1 مليار شخص من تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في عام 2020، بزيادة 112 مليون شخص عن عام 2019، حيث أدت الآثار الاقتصادية لوباء (كوفيد - 19) إلى ارتفاع التضخم، وفي غضون ذلك، أدى الصراع في أوكرانيا هذا العام إلى ارتفاع أسعار الحبوب الأساسية ما يهدد الأمن الغذائي.
ويأتي كل هذا بينما يُفقد ما يقدر بـ14 في المائة من جميع المواد الغذائية المنتجة للاستهلاك البشري قبل أن تصل إلى المستهلك، ويعد عدم وجود سلسلة تبريد فعالة للحفاظ على الجودة والقيمة الغذائية وسلامة الأغذية أحد المساهمين الرئيسيين (12 في المائة من إجمالي الخسائر).
ووفقاً للتقرير، يمكن للدول النامية توفير 144 مليون طن من الغذاء سنوياً إذا وصلت إلى نفس المستوى من البنية التحتية لسلسلة تبريد الأغذية مثل البلدان المتقدمة.
ونظراً لأن فقدان الغذاء بعد الحصاد يقلل من دخل 470 مليون مزارع صغير بنسبة 15 في المائة، وخصوصاً في البلدان النامية، فإن الاستثمار في سلاسل تبريد الأغذية المستدامة من شأنه أن يساعد في انتشال هذه الأسر الزراعية من الفقر.
ولسلسلة تبريد الغذاء آثار خطيرة على تغير المناخ والبيئة، حيث بلغ إجمالي الانبعاثات الناتجة عن فقد الأغذية وهدرها بسبب نقص التبريد ما يقدر بـ1 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2) في عام 2017 (نحو 2 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية).
وعلى وجه الخصوص، يسهم في انبعاثات غاز الميثان، وهو ملوث مناخي قوي ولكنه قصير العمر، ومن شأن اتخاذ الإجراءات الآن أن يسهم في تقليل تركيزات الميثان في الغلاف الجوي هذا العقد.
وبشكل عام، تعتبر سلسلة تبريد الأغذية مسؤولة عن نحو 4 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، عندما يتم تضمين الانبعاثات من تقنيات سلسلة التبريد وفقدان الطعام الناجم عن نقص التبريد.
ويؤدي فقدان الغذاء أيضاً إلى الإضرار بالعالم الطبيعي من خلال دفع التحويل غير الضروري للأراضي للأغراض الزراعية واستخدام الموارد مثل المياه والوقود الأحفوري والطاقة. ويمكن أن يكون للحد من فقد الأغذية وهدرها تأثير إيجابي على تغير المناخ، ولكن فقط إذا تم تصميم البنية التحتية الجديدة المتعلقة بالتبريد لاستخدام الغازات ذات الإمكانات المنخفضة للاحترار العالمي، وتكون «فعالة» في استخدام الطاقة وتعمل بالطاقة المتجددة.
وتظهر المشاريع في جميع أنحاء العالم أن سلاسل التبريد للأغذية المستدامة تحدث فرقاً بالفعل، ففي الهند، أدى مشروع تجريبي لسلسلة تبريد الأغذية إلى خفض خسائر فاكهة الكيوي بنسبة 76 في المائة مع تقليل الانبعاثات من خلال التوسع في استخدام وسائل النقل المبرد.
وفي نيجيريا، أدى مشروع «كولدهوبس»، الذي يوفر التخزين البارد الذي يعمل بالطاقة الشمسية لصغار المزارعين، إلى منع تلف أكثر من 42 ألف طناً من المواد الغذائية وزيادة دخل الأسرة لأكثر من 5 آلاف من صغار المزارعين وتجار التجزئة وتجار الجملة بنسبة 50 في المائة.
لكن هذه المشاريع، من بين العديد من دراسات الحالة التوضيحية الأخرى في التقرير الجديد، لا تزال الاستثناء وليس القاعدة. ولتوسيع سلاسل تبريد الأغذية المستدامة على مستوى العالم، يقدم التقرير سلسلة من التوصيات للحكومات وأصحاب المصلحة، بما في ذلك، اتباع نهج شامل للأنظمة لتوفير سلسلة تبريد الأغذية، مع الاعتراف بأن توفير تقنيات التبريد وحدها لا يكفي، وتحديد وقياس استخدام الطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في سلاسل تبريد الأغذية الحالية وتحديد فرص التخفيضات، التعاون وإجراء تقييمات لاحتياجات سلسلة تبريد الأغذية ووضع خطط عمل تبريد وطنية محددة التكلفة ومتسلسلة مدعومة بإجراءات وتمويل محدد، وأخيراً تنفيذ الحد الأدنى من الكفاءة الطموحة.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها «تشعر بالقلق» إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي صورة تظهر لحظة قصف إسرائيلي لمبنى في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية لبيروت... 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو «الأطراف» إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان

دعا مسؤول في الأمم المتحدة، الاثنين، الأطراف المعنية إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان حيث تتواصل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.