فلورنسا... جميلة توسكانا ومهد النهضة وليوناردو دا فينشي ومايكل أنجلو

ما الأسباب التي تجعلك تزورها أكثر من مرة؟

فلورنسا مدينة الفن الجميل (شاتر ستوك)
فلورنسا مدينة الفن الجميل (شاتر ستوك)
TT

فلورنسا... جميلة توسكانا ومهد النهضة وليوناردو دا فينشي ومايكل أنجلو

فلورنسا مدينة الفن الجميل (شاتر ستوك)
فلورنسا مدينة الفن الجميل (شاتر ستوك)

لكل مدينة في إيطاليا سحرها، ولكل مقاطعة جمالها وسماتها. عندما تذكر صقلية تشتمّ رائحة التوابل والبهارات، وعندما تذكر سردينيا تتذكر الشواطئ ورائحة السمك المنبعثة من أطباقها، وعند الحديث عن باري تشتهي أكل جبن البوراتا، وعندما تذكر توسكانا تتخيل أشجار السرو الرفيعة والطويلة التي تصطف جنباً إلى جنب مستقبلة الزوار الذين يأتون إليها بهدف الغوص في التاريخ والفن والأكل وتذوق ألذّ أنواع زيت الزيتون.

جسر «فيكيو» الأشهر والأقدم في فلورنسا

في زيارة استمرت أسبوعاً كاملاً إلى إيطاليا، بدأت من صقلية، وتوقفت في روما، لتنتهي في فلورنسا، لنكون بذلك قد غطينا 3 مدن إيطالية، تنتمي كل منها إلى مقاطعة مختلفة، وتحمل كل منها صفاتها، لكن تبقى الصفة المشتركة في نهاية المطاف هي الجمال، وأمنية العودة لزيارة المدينة من جديد.

سافوي من أهم وأجمل أماكن الإقامة في وسط فلورنسا

الطقس كان مشمساً ودافئاً في يوم غير عادي من أيام شهر أكتوبر (تشرين الأول) الخريفي، ونقطة الانطلاق كانت من محطة «تيبورتينا» للقطارات، وما أن تركنا روما حتى بدأت المناظر تتبدل والطبيعة تتغير منذرة بروعة حقيقية في انتظارنا في فلورنسا المدينة الكبرى في مقاطعة توسكانا وعاصمتها، وبيت أهم روائع النهضة الفنية والهندسة المعمارية المتجسدة في مبنى الـ«دوومو»، وهو عبارة عن كاتدرائية بقبة، قام بهندستها برونيليشي، في حين صمم جرسها جيوتو، و«غاليريا ديل أكاديميا» حيث تجد منحوتة «ديفيد» لمايكل أنجلو، وغاليري «أوفيتزي» حيث تجد معروضات دا فينتشي وبتيشيللي.

ديكور ناعم ومريح

صحيح أن روما هي مهد الفن والروعة المعمارية، إلا أن فلورنسا لا تقل روعة عن العاصمة الإيطالية، لكنها تعيش في هدوء أكبر من روما، من دون أن تبخل على زوارها بالكم الهائل من المعمار والفن حتى التسوق، أضف إلى ذلك الريف والخضرة والجبال القريبة.
ساعة ونصف ساعة بواسطة القطار من روما، تأخذك إلى محطة «ماريا نوفيلا»، لتبدأ رحلة اكتشاف هذه المنطقة الساحرة، والغوص في تاريخها السياسي المضطرب فترة حكم عائلة مديتشي القوية والثورات الدينية والديمقراطية، فكان يطلق على هذه المدينة ما بين عامي 1865 و1870 لقب عاصمة مملكة إيطاليا، وكانت تعرف أيضاً باسم «جوهرة النهضة».

ما الأسباب التي تجعلك تزور فلورنسا أكثر
من مرة؟

الأسباب كثيرة، لأن فلورنسا ليست مجرد مدينة، بل كنز حقيقي يحوي كثيراً من المجوهرات التي تستحق التمعن، وأجمل ما فيها هو المشي والالتحاق برحلات سياحية للمشاة التي تأخذك إلى أزقة المدينة للتعرف على أجمل معالمها وأشهر جسر فيها، وهو «بونتي فيكيو» Ponte Vecchio، وهذا الجسر سيكون المسلك اليومي لتحركاتك، لأن العبور من خلاله مهم جداً وأساسي، فهو مخصص للمشاة ويربط طرفي المدينة.

من أطباق مطعم «إل باريوني»


من أجمل ساحات فلورنسا؛ «بياتزا ديل دوومو» حيث تجد أجمل التماثيل وأجمل الواجهات الرخامية وأفضل طريقة للصعود إلى أعلى مبنى الـDuomo وتفادي الانتظار في طابور طويل، لشراء تذكرة والالتحاق بجولة مع دليل سياحي، تخولك الصعود لرؤية أجمل مباني فلورنسا وأسطحها المكسوة بالقرميد الأحمر. تستغرق الرحلة نحو ساعتين ونصف ساعة.
وتعتبر ساحة «مايكل أنجلو» من أكثر الأماكن النابضة بالحياة، وأجمل ما فيها هو موقعها على تلة مرتفعة مطلة على جميع معالم فلورنسا، وهذه الساحة مناسبة جداً لمحبي غروب الشمس. يتجمهر فيها الناس قبل موعد المغيب كل يوم ليصطفوا على شرفتها الشاهقة وعلى سلمها العريض للتمتع بالمنظر المطل على المدينة وسماع الموسيقى التي يعزفها موسيقيّو الطريق ويشاهدون العروض الفنية الحية.
وإذا كنت من عشّاق وداع الشمس في وقت الغروب، فأنصحك بالتوجه إلى جسر «سانتا ترينيتا» حيث ستشاهد لوناً غريباً للشمس، وهي تحترق محولة السماء إلى كرة باللون البرتقالي، وهي تغرق وتختفي خلف الأفق، ومن الجسر ترى الناس يصطفون على ضفتي الجدران التي تحرس جانبي النهر الذي يتحول في تلك اللحظة إلى مرآة تعكس صورة جسر «بونتي فيكيو» الأقدم في فلورنسا. وإذا حوّلت نظرك إلى الجهة اليمنى من الجسر ترى القصور وهي ترمي بظلها في النهر، ليتحول هذا المكان عند الغروب كل مساء إلى أجمل نقطة رومنسية يأتيها الزوار من كل الأماكن لمشاهدة تلك اللحظات المدهشة.
أما إذا كنت تبحث عن نقطة رائعة لمشاهدة غروب الشمس، لكن في مكان لا يقصده السياح كثيراً وغير مكتظ بالناس فأنصحك بالتوجه إلى «Fiesole» ويمكن الوصول إليه بواسطة التاكسي أو حافلة النقل العام، وتبعد هذه النقطة بنحو 20 دقيقة من وسط المدينة.
من أجمل الحدائق في المدينة هي حديقة Cascine، وفيها تمضي ساعات طويلة تتمتع خلالها بالخضرة والطبيعة الخلابة والزهور الملونة، والأهم هو أن الدخول إليها مجاني.
وللغوص أكثر من التاريخ الغابر الذي تتنفسه في كل زاوية من زوايا فلورنسا لا بد من زيارة قصر Palazzo Strozzi الذي يعود بناؤه إلى عام 1489 وهو من بين القصور المميزة، لأنه يضم معرضاً للفنون المعاصرة، وفيه أجمل اللوحات الفنية، والدخول إليه مجاني أيضاً.

التسوق في فلورنسا
تعتبر فلورنسا روما مصغرة عندما تبحث عن التسوق، حيث توفر جميع وأهم الماركات الإيطالية من دون أي استثناء، ففي فلورنسا تنحصر المحلات في شوارع قريبة بعضها من بعض، ولن تضلّ طريقك في الوصول إليها، فوسط المدينة صغير نسبياً، وكل الشوارع تتلاقى، فسيكون من السهل جداً إيجاد المحلات التجارية التي تبيع السلع الراقية، إضافة إلى البوتيكات الصغيرة المستقلة أيضاً. إذا كنت تبحث عن ماركات مثل «ميو ميو» و«أرماني» وغيرهما، فتجدها جميعاً بالقرب من الدوومو وساحة «Piazza Dell Signoria»، أما إذا كنت تفضل التبضع في مكان واحد فقد يكون مركز «لا ريناشينتي» هو الخيار الأفضل، لأنه يبيع أغلب الماركات الإيطالية والعالمية تحت سقف واحد، وتنتشر أيضاً محلات كثيرة عند شارع «فيا دي كالزيولي» وشارع «فيا دي تورنابووني» حيث تجد «غوتشي» و«بوتشي» و«برادا». ويبقى محل «غوتشي غاردن» عنواناً من الضروري أن تتوجه إليه، وهو يقع عند ساحة «بياتزا ديلا سينيوريا» ليس بهدف التبضع فقط، إنما لزيارة متحف «غوتشي» التابع له، والدخول إلى المحل التجاري بالمجان. أما تذكرة دخول المتحف فيبلغ ثمنها نحو 10 يوروهات، وتجد في غوتشي غاردن ما لا تجده في أي محل «غوتشي» حول العالم، لأن الدار تقوم بتخصيص بعض التصميمات لحقائب اليد والملابس والأحذية لـ«غوتشي غاردن» فقط.
ولمحبي الأسواق الشعبية والتذكارات، يعتبر شارع «ميركات ديل بوركيه» من أجمل الأماكن التي تجد فيها الهدايا والمنتجات المحلية، وهذه السوق تفتح من الساعة التاسعة صباحاً، حتى الساعة السادسة والنصف مساء.
الإقامة
يوجد في فلورنسا كثير من الفنادق، بميزانيات مختلفة، لكن إذا كانت زيارتك قصيرة وتفضل النزول في وسط المدينة حيث لن تكون بحاجة لاستخدام سيارات الأجرة أو النقل العام، وكنت من نوعية السياح التي لا تأبه للسعر، طالما أن الفندق راقٍ ويتمتع بموقع ممتاز، فأنصحك في هذه الحالة بفندق «هوتيل سافوي» Hotel Savoy الواقع عند «بياتزا ديلا ريبوبليكا» التابع لشركة روكو فورتيه، التي تأسست على يد سير روكو فورتيه، وشقيقته أولغا بوليتزي، عام 1996. وتضم هذه العلامة 14 فندقاً ومنتجعاً حول العالم، وميزة الفنادق التابعة لهذه العلامة بما فيها «سافوي» أنها تختار مباني أثرية وتطورها وتركز فيها على حجم الغرف لتكون كبيرة. ويوجد في «سافوي» جناح خاص يطلق عليه «جناح السبا»، مخصص لضيوف الفندق، ومنه تطل على أجمل مباني المدينة التي تتميز بقببها وأسطحها الحمراء.
ومن عناوين الإقامة المميزة في فلورنسا فيلا سان ميكيلي - بلموند هوتيل. تقع على تل في دير من القرن الخامس عشر. واجهة عصر النهضة الجميلة مستوحاة من أعمال مايكل أنغلو، بينما تمزج التصميمات الداخلية بين السمات التاريخية والمفروشات المعاصرة. يقع مكتب الاستقبال في الكنيسة السابقة للدير، مع أسقف عالية وأقمشة مخملية غنية بألوان عميقة. تم تحويل الأديرة إلى صالة استقبال.

فندق «إل تورنابووني»

يقع في شارع «فيا تورنابووني» الفاخر، الذي يعد من أجمل شوارع فلورنسا، وهو فندق أنيق يقع في قصر من القرن الثالث عشر. تم الحفاظ على الميزات الأصلية فيه قدر الإمكان، بما في ذلك مدفأة أصلية في إحدى الغرف، ولوحات جدارية رائعة في سقف الغرف الأخرى. ويتميز بموقعه القريب من التسوق.

بورتريه فيرنزي
يحتوي على أجنحة فقط، تملكه عائلة فيراغامو بخمسينات وستينات القرن الماضي عندما انطلقت الأزياء الإيطالية الراقية وأصبحت فلورنسا نقطة جذب للمشاهير. تصطفّ الصور بالأبيض والأسود لنجوم السينما على الجدران، حتى إن هناك إيصالاً وُضع في إطار لحذاء للنجمة مارلين مونرو من دار فيراغامو، بينما تقدم النوافذ الممتدة من الأرض حتى السقف مناظر خلابة لنهر أرنو وجسر فيكيو.

فندق «فورسيزونز»
يمتد هذا الفندق الفخم على مبنيين كبيرين من عصر النهضة، ويقع في «Giardino della Gherardesca»، تم تزيين الديكورات الداخلية بمصنوعات فنية رائعة.
المطاعم
في إيطاليا، وفي أي مدينة، لن تكون بحاجة لتوصيتك بالمكان الأفضل لتناول الطعام فيه، فهناك بعض الأماكن مخصصة للسياح، لكنها قد لا تكون على المستوى المطلوب، ابحث دائماً عن الأماكن التي تجد فيها أهل البلد وعن الـ«تراتوريا»، أي المقاهي التقليدية.
إليك أفضلها في فلورنسا: «إل باريوني» Il Parione و«لا غيوسترا» La Giostra و«تراتوريا ماريوني» Trattoria Ma Marione و«تراتوريا ماريو» Trattoria Mario. لاحظنا في فلورنسا أن البيتزا شبه مختفية عن لوائح الطعام، لأن الأطباق الأشهر في توسكانا هي الباستا، ولا سيما تلك التي تقدم مع الكمأة المحلية، لكن في حال كنت من محبي البيتزا وتبحث عن مطعم جيد وغير مخصص للسياح في فلورنسا، فأنصحك بمطعم «نيرومو» Neromo. ولمحبي الطعام الراقي والحاصل على نجمة ميشلان فأنصحك بـ«غوتشي أوستيريا دا ماسيمو» Gucci Osteria Da Massimo التي تترأس مطبخه الطاهية المكسيكية من أصول لبنانية كريمة لوبيرز، يشار إلى أنه تم افتتاح «غوتشي كافيه» Gucci Cafe بالقرب من المطعم الرئيس، الذي يقدم الشاي والقهوة والمأكولات الخفيفة، بالإضافة إلى الحلويات المنمقة.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.