شيوخ أميركيون يحثون إدارة بايدن على تسليم كييف «مسيّرات» متطورة

واشنطن تزوّد أوكرانيا بمروحيات وتتهم روسيا بمحاولة الحصول على أسلحة إيرانية بعد نفاد مخزونها

أوكرانيان يتدربان على تشغيل «مسيرة» قرب خاركيف في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
أوكرانيان يتدربان على تشغيل «مسيرة» قرب خاركيف في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
TT

شيوخ أميركيون يحثون إدارة بايدن على تسليم كييف «مسيّرات» متطورة

أوكرانيان يتدربان على تشغيل «مسيرة» قرب خاركيف في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)
أوكرانيان يتدربان على تشغيل «مسيرة» قرب خاركيف في شرق أوكرانيا (إ.ب.أ)

استخدمت روسيا في الآونة الأخيرة طائرات درون إيرانية للتعويض عن افتقارها لصواريخ كروز، كما أن مخزونها الحالي من الأسلحة الإيرانية الصنع نفد تقريباً، إلا أنها ستسعى للحصول على مزيد من تلك الإمدادات، حيث تمزج الهجمات الروسية بين استخدام الطائرات المسيرة وأنظمة الأسلحة التقليدية، حسب تقييم استخباراتي بريطاني يومي للحرب الأوكرانية. وأضاف التقرير أن روسيا لم تقم بشن هجمات بطائرات كاميكازي منذ عدة أيام، لكن «من المرجح أن ينفد مخزون روسيا الحالي قريباً، ولكنها من المحتمل أن تسعى للحصول على مزيد من هذه الإمدادات».
وقالت تقرير وزارة الدفاع البريطانية، أمس (الأربعاء)، إن روسيا أطلقت على الأرجح عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة إيرانية الصنع في حربها على أوكرانيا منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ونشرت مئات من الصواريخ، بما في ذلك ما يطلق عليه «طائرات درون كاميكازي... لكن هذا التوجه أحزر نجاحاً محدوداً». وقد أسقطت الدفاعات الجوية الأوكرانية معظم المسيرات الإيرانية. وأضافت وزارة الدفاع أن أهداف الهجمات بطائرات الدرون هي أهداف عسكرية تكتيكية بصورة أساسية، بالإضافة إلى استهداف شبكة الكهرباء الأوكرانية. مع ذلك، طالب قادة روس مؤخراً أن تستهدف طائرات الدرون الإيرانية المنشآت الطبية والهجوم عليها بالذخيرة الموجهة.
وسبق أن اعترفت إيران أنها باعت روسيا عدداً من طائرات الدرون قبل بداية الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) الماضي، لكنها نفت أن تكون قد استخدمت هذه الطائرات في الحرب ضد أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في مؤتمر صحافي في طهران، إن الطائرة المسيرة التي استولت عليها أوكرانيا «بدت مثل مسيرات شاهد الإيرانية، ولكنها في الواقع هي طائرة مسيرة روسية»، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء.
ومن ناحية أخرى، التقى خبراء من إيران وأوكرانيا لمناقشة التقارير التي تفيد بتسليم طائرات مسيرة إيرانية لروسيا للاستخدام في الحرب الأوكرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، أوليج نيكولينكو، لشبكة «سي إن إن»: «تم عقد اجتماع للخبراء بالفعل. ولا يمكنني الكشف عن التفاصيل، ولكن يمكنني أن أطمئنكم أن الجانب الأوكراني ما زال يتخذ أكثر الإجراءات صرامة للحيلولة دون استخدام روسيا للأسلحة الإيرانية في الحرب ضد أوكرانيا». ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) عنه القول: «لقد أبلغت أوكرانيا إيران بأن عواقب التواطؤ في العدوان الروسي لن تكون قابلة للقياس بالفوائد المحتملة للتعاون مع روسيا».
وفي وقت سابق، أعلنت بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة أنه تم اتخاذ خطوات مهمة حتى الآن في التعامل المشترك لخبراء الدفاع من إيران وأوكرانيا. وقالت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة لشبكة «سي إن إن» إثر مزاعم إطلاق خط إنتاج طائرات مسيرة إيرانية في روسيا، بعد ادعاء استخدام طائرات مسيرة إيرانية في النزاع في أوكرانيا، طلبت إيران عقد اجتماع خبراء مشترك مع المسؤولين الأوكرانيين للتحقيق في هذه الادعاءات. وأضافت أنه تم حتى الآن اتخاذ خطوات مهمة في التعامل المشترك لخبراء الدفاع من إيران وأوكرانيا، وسيستمر ذلك حتى يتم تبديد أي سوء فهم في هذا الصدد.
وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية أنها سوف ترسل مروحيات لأوكرانيا لأول مرة منذ بدء الحرب. وذكرت وكالة «بي أيه ميديا» البريطانية أن وزير الدفاع بن والاس قال إنها أول مرة يتم فيها إرسال مروحيات لأوكرانيا منذ الغزو الروسي. وأفادت هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) أنه سوف يتم إرسال 3 مروحيات «سي كينغ». وقد وصلت أولى المروحيات بالفعل لأوكرانيا. وقال والاس، الذي أعلن عن إرسال المروحيات من أوسلو، حيث يجرى مباحثات مع الحلفاء لمناقشة الدعم العسكري المستمر لكييف، إن بريطانيا سوف ترسل أيضاً 10 آلاف قذيفة مدفعية إضافية. ويأتي هذا الإعلان عقب استغلال رئيس الوزراء ريشي سوناك زيارة للعاصمة الأوكرانية للإعلان عن حزمة مساعدات دفاعية جديدة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني (59.5 مليون دولار) تشمل 125 مدفعاً مضاداً للطائرات ومعدات لمواجهة طائرات الدرون الإيرانية.
وفي سياق متصل، حثّ أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، إدارة الرئيس جو بايدن، على «إعادة النظر» في قرارها بعدم منح أوكرانيا طائرات بدون طيار متقدمة. وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن 16 سيناتوراً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجّهوا رسالة إلى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، قالوا فيها إن التكنولوجيا يمكن أن تساعد كييف في السيطرة على أراضيها، ومنحها زخماً في ساحة المعركة في مواجهة الغزو الروسي. وكتب المشرعون: «إن الجانب الإيجابي طويل المدى لتزويد أوكرانيا بطائرة (إم كيو - 1 سي) مهم ويمنحها القدرة على قيادة المسار الاستراتيجي للحرب». يذكر أن هذه الطائرة الحديثة قادرة على التحليق على مستوى متوسط، لأكثر من 24 ساعة. ومن بين الموقعين على الرسالة، السيناتور الجمهوري جوني إرنست، والسيناتور الجمهوري جيمس إينهوف، المنتهية ولايته في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، والسيناتور الديمقراطي تيم كين، والديمقراطي جو مانشين، والديمقراطي مارك كيلي. وأضافت الرسالة أنه في الأسابيع القليلة الماضية من الحرب التي استمرت قرابة 9 أشهر، زودت إيران روسيا بطائرات بدون طيار لقصف المراكز السكانية الأوكرانية والبنية التحتية المدنية. وقال المشرعون إنها أعطت روسيا ميزة في ساحة المعركة، ويجب أن يكون لدى الأوكرانيين ترسانة من الولايات المتحدة لمواجهة ما تلقته روسيا.
وأضاف المشرعون أن «السمات التشغيلية لهذه الطائرة توفر القدرة على توجيه ضربات فتاكة والقدرة على البقاء، والقابلية للتصدير، بما يكمل أنظمة الأسلحة الحالية التي يستخدمها الأوكرانيون، وستزيد من قدرات الجيش الأوكراني». وقال المشرعون إن تدريب الأوكرانيين على هذه الطائرة، التي تصنعها شركة «جنرال أتوميكس»، سيستغرق 27 يوماً. وإذا حصلت أوكرانيا عليها، فإنها «تستطيع العثور على السفن الحربية الروسية في البحر الأسود ومهاجمتها، وكسر حصارها القسري وتخفيف الضغوط المزدوجة على الاقتصاد الأوكراني وأسعار الغذاء العالمية». وكان البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية قد رفضا طلب أوكرانيا الحصول على هذا النوع من الطائرات في وقت سابق من هذا الشهر. وأعرب المسؤولون الأميركيون عن قلقهم من إمكانية سرقة التكنولوجيا الموجودة على متنها، ومن احتمال أن تساهم في توسيع نطاق الحرب مع روسيا. وقالت سابرينا سينغ، نائبة المتحدث باسم البنتاغون، إن وزارة الدفاع تقيم تأثير توفير الطائرات من دون طيار على الجيش الأميركي. وأضافت: «نحن دائماً نقيم ما يمكننا إرساله إلى أوكرانيا».
وفيما يصرّ المسؤولون الأميركيون على أن الإحجام عن توفير تلك الطائرة، نابع من مشكلات فنية، وليس خوفاً من التصعيد، أظهرت الرسالة الخلاف بين مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، بشأن نوع الأسلحة التي يجب توفيرها لأوكرانيا، خصوصاً أنها شرحت أن عملية تدريب القوات الأوكرانية لا تتطلب أكثر من شهر. وسبق لأعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين، أن وجّهوا رسالة مماثلة في سبتمبر الماضي، حثوا فيها الإدارة على تسريع عملية المراجعة بشأن توفير هذه الطائرة الحديثة. وفيما رفض البنتاغون هذا الطلب، طلبت الرسالة الجديدة من الوزير أوستن، أن يشرح بحلول 30 من هذا الشهر، الأسباب التي تمنع البنتاغون من تزويد أوكرانيا بها.
وتتناقض الرسالة الجديدة مع التكهنات التي سرت عن احتمال حصول تغيير في دعم الكونغرس الأميركي للمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا، بعد صدور مواقف قالت إن هذا الدعم «لن يكون شيكاً على بياض». وتتعرض كييف لضغوط من بعض مؤيديها الغربيين للإشارة إلى استعدادها لإجراء مفاوضات مع موسكو، وسط مخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية العالمية للحرب. وقالت الرسالة إن «النجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة مشجعة، لكن نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غزو كل أوكرانيا لم تتغير». وأضافت: «إن تقديم المساعدة القاتلة الفعالة في الوقت المناسب لتحقيق الاستقرار في الدفاعات الأوكرانية وتمكين المقاومة طويلة الأمد ضد العدوان الروسي في المستقبل لا يزال أمراً ملحاً».
وأعلنت الولايات المتحدة عن حزمة دعم عسكرية جديدة لأوكرانيا، بقيمة 400 مليون دولار. وقال بيان باسم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن المساعدة الجديدة «تهدف لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها»، بما في ذلك من «هجمات (الكرملين) التي لا هوادة فيها على البنية التحتية للطاقة الحيوية في أوكرانيا». وأضاف بيان بلينكن أنه «عملاً بالتفويض الرئاسي، أوجّه بـ(السحب 26) للأسلحة والمعدات الأميركية لأوكرانيا منذ أغسطس (آب) 2021».
ويشمل هذا السحب، البالغ 400 مليون دولار، أسلحة وذخائر ومعدات دفاع جوي إضافية من مخزونات وزارة الدفاع الأميركية، ويرفع إجمالي المساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا إلى مستوى غير مسبوق يبلغ نحو 19.7 مليار دولار، منذ بداية الإدارة. وتتضمن الحزمة ذخيرة المدفعية، والنيران الدقيقة، وصواريخ الدفاع الجوي، والمركبات التكتيكية «التي ستخدم أوكرانيا بشكل أفضل في ساحة المعركة».
وأضاف بلينكن أن فرنسا والمملكة المتحدة والسويد تنضم إلى جهودنا، حيث قدمت بريطانيا مبلغ 50 مليون جنيه إسترليني لتمويل أنظمة الدفاع الجوي التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني سوناك خلال زيارته الأخيرة إلى كييف، والتزام السويد الأخير بالدفاع الجوي بقيمة 300 مليون دولار تقريباً.


مقالات ذات صلة

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أوروبا كالين جورجيسكو المرشح لمنصب الرئيس يتحدث لوسائل الإعلام في بوخارست (ا.ب)

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حققها رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صحافيون يلتقطون صوراً لبقايا صاروخ استهدف منطقة دنيبرو في مركز لتحليل الطب الشرعي بمكان غير محدد بأوكرانيا الأحد (أ.ب)

موسكو تؤكد عزمها الرد على التصعيد الأميركي «غير المسبوق»

أكدت موسكو، الأحد، عزمها الرد على ما سمّته التصعيد الأميركي «غير المسبوق»، فيما دعا الرئيس الأوكراني إلى تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده بعدما أسقطت وحدات الدفاع…

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.