البرلمان الأوروبي يصنف روسيا «دولة راعية للإرهاب»

غارات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا وتعرض منشآت للبنية التحتية للقصف في كييف

أعلنت الإدارة العسكرية في كييف مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة ستة جراء الضربات (أ.ب)
أعلنت الإدارة العسكرية في كييف مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة ستة جراء الضربات (أ.ب)
TT

البرلمان الأوروبي يصنف روسيا «دولة راعية للإرهاب»

أعلنت الإدارة العسكرية في كييف مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة ستة جراء الضربات (أ.ب)
أعلنت الإدارة العسكرية في كييف مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة ستة جراء الضربات (أ.ب)

أصدرت السلطات الأوكرانية تحذيراً من وقوع غارات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، فيما تعرضت منشآت للبنية التحتية في العاصمة الأوكرانية كييف للقصف، الأربعاء. وكتب رئيس البلدية على «تليغرام» يقول: «العدو يشن ضربات صاروخية على البنية التحتية الحيوية في مدينة كييف. ابقوا في الملاجئ حتى انتهاء حالة التأهب الجوي». وأضاف بعد فترة وجيزة في رسالة منفصلة: «دوّت انفجارات أخرى في أحياء مختلفة»، مشيراً إلى أن «خدمات الإسعاف والأطباء في طريقهم إلى المواقع المتضررة». كما أفاد رئيس بلدية كييف بقطع التيار الكهربائي «لأسباب طارئة» في «أحياء معينة» من العاصمة، فيما أعلن بعد ذلك بقليل انقطاع إمدادات المياه أيضاً في المدينة. وبعد دوي سلسلة انفجارات، انقطع التيار الكهربائي عن شمال ووسط كييف، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية». وأفادت وكالة «إنترفاكس أوكرانيا» للأنباء بوقوع انفجارات في عدة مناطق بجنوب أوكرانيا وجنوبها الشرقي، واستهدفت القوات الروسية بشكل متزايد البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا في الأسابيع القليلة الماضية، مع مواجهتها انتكاسات في ميادين القتال منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير (شباط).
وأعلنت الإدارة العسكرية في العاصمة مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة ستة جراء الضربات. وقالت على «تليغرام»: «نتيجة للهجوم تضرر مبنى سكني من طابقين. قتل ثلاثة أشخاص وأصيب ستة».
وأشار صحافي في «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن منطقة شمال كييف كانت من دون كهرباء بعد سلسلة من الانفجارات. كما لوحظت مشكلات في شبكة الهاتف المحمول في العاصمة. وكتب حاكم منطقة كييف أوليكسي كوليبا على «تليغرام» أن هناك مناطق «سكنية» و«منشآت بنى تحتية حيوية» تضرّرت في هذه المنطقة، محذراً من أن «هناك خطر حدوث مزيد من التفجيرات».
من جهته، أفاد رئيس بلدية لفيف في غرب أوكرانيا أندريه سادوفي أن «المدينة بكاملها» تعاني انقطاعاً في التيار الكهربائي. وحذر من احتمال «مواجهة مشكلات في إمدادات المياه».
إلى ذلك، صنف البرلمان الأوروبي، أمس الأربعاء، روسيا «دولة راعية للإرهاب»، وقال إن الهجمات العسكرية التي تشنها موسكو على أهداف مدنية مثل البنية التحتية للطاقة ومستشفيات ومدارس وملاجئ في أوكرانيا، تنتهك القانون الدولي.
والخطوة رمزية إلى حد كبير؛ إذ ليس لدى الاتحاد الأوروبي إطار عمل قانوني يدعم ذلك. وفي الوقت ذاته فرض التكتل عقوبات غير مسبوقة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.
وفي النص الذي أقر في ستراسبورغ بأغلبية 191 صوتاً مقابل معارضة 58 صوتاً، وامتناع 44 عن التصويت، وصف النواب الأوروبيون «روسيا بأنها دولة راعية للإرهاب ودولة تستخدم وسائل إرهابية». وأضافوا أن «الهجمات والفظائع المتعمدة التي ارتكبها الاتحاد الروسي ضد السكان المدنيين في أوكرانيا وتدمير البنية التحتية المدنية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ترقى إلى أعمال إرهابية».
وردت موسكو بغضب على قرار البرلمان الأوروبي. وكتبت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية على تطبيق «تليغرام» قائلة: «أقترح تصنيف البرلمان الأوروبي راعياً للحماقة».
وحث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الولايات المتحدة ودولاً أخرى على إعلان روسيا دولة راعية للإرهاب، متهماً قواتها باستهداف المدنيين، وهو ما تنفيه موسكو. ورفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حتى الآن إدراج روسيا في تلك القائمة على الرغم من صدور قرارات من مجلسي الكونغرس تحثه على ذلك. وتشمل قائمة وزارة الخارجية الأميركية حالياً للدول الراعية للإرهاب أربع دول هي: كوبا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا، مما يعني حظر الصادرات الدفاعية، وفرض قيود مالية. ومن بين دول الاتحاد الأوروبي، أقرت برلمانات أربع دول حتى الآن تصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب وفقاً لخدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية، وتلك الدول هي: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبولندا.
ورحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالقرار. وصرّح على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه «يجب عزل روسيا على كافة المستويات ومساءلتها من أجل وضع حد لسياستها القديمة المتمثلة بالإرهاب في أوكرانيا وفي أنحاء العالم». وبعكس الولايات المتحدة ليس لدى الاتحاد الأوروبي إطار قانوني لتصنيف دول على قائمة «دول راعية للإرهاب». وامتنعت واشنطن حتى الآن عن إدراج موسكو على قائمتها تلك، وهي خطوة من شأنها تفعيل مزيد من العقوبات وإلغاء الحصانة للمسؤولين الروس.
وقال النائب الليتواني أندريوس كوبيليوس الذي دفع باتجاه القرار: «لقد سمينا الأشياء بأسمائها. روسيا ليست فقط دولة راعية للإرهاب، ولكنها دولة تستخدم وسائل إرهاب». وأضاف أن «اعتراف البرلمان الأوروبي بهذه الحقيقة يوجه إشارة سياسية واضحة. أوروبا والأوروبيون لا يريدون البقاء من دون أي تحرك عندما ينتهك جارهم الكبير جميع المعايير الإنسانية والدولية».
وفرض الاتحاد الأوروبي ثماني حزم من العقوبات غير المسبوقة استهدفت صادرات النفط الروسية المهمة، وكبار المسؤولين. ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن العمل جار لإعداد حزمة جديدة من العقوبات بعد أن أطلقت موسكو وابلاً من الصواريخ والمسيّرات ضد بنى تحتية للطاقة في أوكرانيا بعد تكبدها خسائر في ساحة المعركة. كما حث قرار البرلمان الأوروبي الاتحاد الأوروبي على إدراج مجموعة فاغنر العسكرية والقوات الموالية للزعيم الشيشاني رمضان قديروف على قائمة العقوبات التي تطال المنظمات «الإرهابية».
وفي سياق متصل، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، إن مديرها العام رفائيل جروسي التقى وفداً روسياً في إسطنبول، أمس الأربعاء، لمناقشة الأمن والسلامة في محطة زابوريجيا النووية الخاضعة للسيطرة الروسية في أوكرانيا. وشهدت المحطة قصفاً جديداً في مطلع الأسبوع، مما أدى لتجدد المطالبات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتأسيس منطقة حماية حولها لمنع وقوع كارثة نووية. وتبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بشأن القصف على المحطة في الأشهر القليلة الماضية. وأدى القصف إلى إلحاق أضرار ببنايات وسبق أن قطع خطوط الكهرباء التي تغذي المحطة وتعد حيوية لتبريد وقود مفاعلاتها الستة، وتجنب وقوع انصهار نووي. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تغريدة: «المدير العام للوكالة رفائيل جروسي التقى وفداً روسياً بقيادة رئيس روساتوم أليكسي ليخاتشيف في إسطنبول اليوم لإجراء مشاورات بشأن الجوانب التشغيلية المتعلقة بالسلامة في زابوريجيا في أوكرانيا وهي إقامة منطقة حماية للأمن والسلامة النووييْن بشكل عاجل». ويحذر جروسي منذ أشهر من خطر وقوع حادث نووي كارثي بسبب القصف.
وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الشهر الماضي، بأن تتسلم شركة تابعة لروساتوم، وهي شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية، أصول المحطة وتنقل الموظفين الأوكرانيين على قوة كيان قانوني روسي جديد. وقالت كييف إن الخطوة تصل إلى حد السرقة. ونقلت وكالات أنباء روسية عن روساتوم قولها، في بيان، إن الاجتماع في إسطنبول ركّز على «ضمان سلامة المحطة».
وأضافت الشركة في البيان: «أخذنا في الاعتبار الاستجابة الفورية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على القصف الضخم الذي استهدف المحطة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام. وافق الطرفان على مواصلة التعاون».
وكانت تلك المحطة النووية، وهي الأكبر في أوروبا، تزود أوكرانيا بنحو خُمس احتياجاتها من الطاقة الكهربائية قبل الغزو الروسي. واضطرت المحطة للعمل بمولدات احتياطية في عدد من المرات.
وأثار القصف المتكرر في محيط المحطة مخاوف من وقوع حادث مروع في منطقة لا تبعد سوى 500 كيلومتر عن موقع أسوأ حادثة نووية في العالم والتي شهدتها تشيرنوبل في 1986.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟