على غرار الهدف الشهير الذي سجله النجم السعودي السابق سعيد العويران في مرمى بلجيكا «مونديال أميركا 94»، ونال من خلاله صيتاً واسعاً بين عشاق الكرة استمر حتى يومنا هذا، دخل اللاعب الملقب بـ«الطوربيد» سالم الدوسري التاريخ المونديالي من الباب الكبير أيضاً، وذلك بهدفه الصاروخي والمثير في الشباك الأرجنتينية، الذي قاد من خلاله «الأخضر» إلى فوزه التاريخي في مونديال قطر الحالي.
من عمق المنطقة الأرجنتينية وفي ظل رقابة ثلاثة لاعبين من العيار الثقيل وذوي باع طويل وصولات وجولات في الملاعب العالمية، تمكن الدوسري من خداع نجوم التانغو في منطقتهم المحظورة وسدد كرة بطريقة لافتة وقوية توحي أنها تسديدته الأخيرة في الملاعب ليضع حارس أستون فيلا الخبير إيميليانو مارتينيز في موقف لا يحسد عليه أمام آلاف الجماهير الأرجنتينية فيما الكرة الخضراء تعانق شباكه.
هدف الدوسري لم ينل إعجاب السعوديين والعرب فحسب، بل اقتحم منصات «السوشيال ميديا» العالمية ونال ملايين الإعجابات والتعليقات وبمختلف اللغات، نظراً للطريقة الماكرة التي تم من خلالها تسجيل هذا الهدف المثير.
وفي ألمانيا وضعت مجلة بيلد صورة لسالم الدوسري صاحب هدف الفوز وهو يقوم بحركة أكروباتية وكتبت: «هذا الهدف المذهل حطم ميسي».
وكتبت مجلة شبورت بيلد الألمانية: «أول مفاجأة في كأس العالم... هزيمة مذلة لميسي».
وسلطت شبكة سكاي سبورتس الضوء على انتفاضة السعودية المذهلة في الشوط الثاني لتنتزع أول فوز في تاريخها في بداية مشوارها في كأس العالم.
وقيل عن لاعب الوسط السعودي سالم الدوسري إنه رجل المناسبات الكبيرة، لكن بهدف الفوز الرائع على الأرجنتين اكتسب لقب رجل المناسبات التاريخية، لمساهمته بإسقاط مرشح قوي لنيل اللقب يضمّ أفضل لاعب في العالم سبع مرات ليونيل ميسي.
ووضع الدوسري السعودية في المقدمة 2 - 1 فحققت «ريمونتادا» لم يحلم الكثير من السعوديين فيها، لتحقق فوزاً هو الأهم في تاريخها بعد خمس مشاركات سابقة في كأس العالم شهدت تأهلها مرة وحيدة إلى الدور الثاني عام 1994 من المشاركة الأولى.
والمهاجم سالم الدوسري صاحب هدف الفوز على الأرجنتين جدد تعاقده مع الهلال في الموسم الماضي مقابل 52 مليون ريال سعودي (13.84 مليون دولار) لأربعة أعوام.
واستهلّ ابن الـ31 النهائيات، وهو أحد اللاعبين السعوديين القلائل سجلوا في كأس العالم (2018) وكأس آسيا (2019) والألعاب الأولمبية في طوكيو 2021.
كما زار الشباك أيضاً في صفوف ناديه الهلال في كأس العالم للأندية ضد فلامنغو البرازيلي، في نصف نهائي نسخة عام 2019 عندما خسر فريقه 1 - 3. ثم في مباراة فريقه ضد الجزيرة (6 - 1) في نسخة عام 2022 من البطولة ذاتها.
وساهم في قيادة الهلال إلى لقبين في دوري أبطال آسيا عامي 2019 و2021. علما بأنه سجل في النهائي الأول ضد أوراوا ريد دايموندز الياباني.
ومنذ خوضه مباراته الدولية الأولى ضد أستراليا في فبراير (شباط) 2012 خلال تصفيات مونديال 2014 حيث سجّل هدفا في المباراة التي خسرتها السعودية 2 - 4. بات الدوسري الملقب بالـ«تورنيدو» (الإعصار)»، نظراً للجهود الجبارة التي يبذلها على المستطيل الأخضر، عنصراً أساسياً في صفوف «الصقور الخضر».
وتميّز الدوسري في مركز الجناح لكنه يستطيع اللعب في أي مركز في خط الأمام، بفضل سرعته ورشاقة ساقيه، التي تجعل منه مراوغاً من الطراز الأول، وبالفعل وجد أمام الأرجنتين في المناطق الخطرة لإنهاء الهجمات مسجلاً هدف الفوز، فضلاً عن ممارسته الضغط على المنافس عندما لا تكون الكرة في حوزة فريقه.
في استاد لوسيل قال المشجع السعودي أبو خالد (38 عاماً): «هذا الإعصار هذا. إحنا نسمّيه التورنيدو. اليوم عصفهم عصف».
وهذا هو الهدف الثاني للدوسري (18 هدفاً في 72 مباراة دولية) في كأس العالم، بعد الأوّل في روسيا 2018، عندما سجّل هدف الفوز 2 - 1 في مرمى مصر في الثواني الأخيرة، لكن من دون طائل لأن المنتخبين العربيين خرجا من الدور الأوّل.
الدوسري يحتفل بطريقته الخاصة بعد تسجيل الهدف (أ.ف.ب)
قال آنذاك بعد منحه منتخب بلاده أول انتصار لها منذ مونديال 1994 «هدفي رفع اسم الكرة السعودية في المحافل الدولية».
واكتسب الدوسري خبرة عندما كان أحد تسعة لاعبين انضموا إلى أندية إسبانية مختلفة عام 2018 من خلال اتفاق بين هيئة الرياضة السعودية ورابطة الدوري الإسباني، فخاض تجربة في صفوف فياريال لمدة ستة أشهر ومباراة واحدة ضد ريال مدريد انتهت بالتعادل 2 - 2. علما بأنه شارك في الشوط الثاني عندما كان فريقه متخلفاً صفر - 2.
وقال عن هذه التجربة «كسبت الكثير خلالها لا سيما من الناحية التكتيكية والسرعة واللياقة البدنية». وكان له دور رئيس في إيصال المنتخب السعودي إلى مونديال 2022، فقد أنقذ منتخبه من خسارة أمام اليمن بتسجيله هدف التعادل 2 - 2 في التصفيات، كما منحه ثلاث نقاط ثمينة بتسجيله هدف الفوز 3 - 2 في مرمى أوزبكستان في الثواني الأخيرة في التصفيات عينها.
وبدأ الدوسري مسيرته الكروية في الفئات العمرية مع فريق الهلال وسجّل كلاعب هاوٍ في 12 يناير (كانون الثاني) 2011، فيما كان ظهوره الأول بقميص الفريق الأول في موسم 2012 في ديربي العاصمة الرياض أمام النصر، عندما نجح في تسجيل هدف في المباراة (3 - صفر) بعد نزوله احتياطياً.
ويملك الدوسري سجلاً مميزاً في صفوف «الزعيم»، حيث أسهم في تتويج فريقه بطلاً للدوري السعودي 4 مرات وكأس السعودية 3 مرات، بالإضافة إلى دوري أبطال آسيا.
واكتسب الدوسري نضجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، فبعد أن كان يلعب بطريقة فردية مبرزاً مهاراته الرائعة في المراوغة، بات أكثر انضباطاً ويوظف أداءه بشكل جماعي لمصلحة المنتخب.