مرضى السرطان في ليبيا... ضحايا «صراع السلطة»

الدبيبة ينشئ «الهيئة الوطنية» لمكافحة الأورام بعد واقعة وفاة «الأطفال التسعة»

إخضاع طفلة لجراحة بمستشفى الأطفال في بنغازي (إدارة المستشفى)
إخضاع طفلة لجراحة بمستشفى الأطفال في بنغازي (إدارة المستشفى)
TT

مرضى السرطان في ليبيا... ضحايا «صراع السلطة»

إخضاع طفلة لجراحة بمستشفى الأطفال في بنغازي (إدارة المستشفى)
إخضاع طفلة لجراحة بمستشفى الأطفال في بنغازي (إدارة المستشفى)

سلّطت واقعة وفاة تسعة أطفال مصابين بالأورام في مستشفى طب وجراحة الأطفال ببنغازي (شرق ليبيا)، الضوء على مأساة باقي أقرانهم من حاملي هذا المرض، على وقع انقسام سلطة سياسية، ومؤسسات اقتصادية، وسط توجيه اتهامات لمحافظ المصرف المركزي الصديق المكبير بالعاصمة طرابلس، بداعي «عدم اعتماده المخصصات المالية المطلوبة».
وتعاني المنظومة الصحية في ليبيا تراجعاً كبيراً منذ إسقاط النظام السابق عام 2011. لأسباب عديدة، من بينها الحروب التي شهدتها البلاد، والانقسام السياسي والأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى نقص المعدات والأدوية، وخاصة جرعات العلاج الكيماوي لمرضى السرطان.
وعلى أبواب المركز والمستشفيات في ليبيا، يتجمع العشرات من المرضى بحثاً عن العلاج، لكن تظل معاناة من يعانون الأورام هي الأكثر صعوبة، مما يضطرهم للسفر خارج البلاد بحثاً عن علاج.
وتقول سيدة ليبية، وهي والدة لطفلة مريضة بهذا الداء تسمى غفران، إنها «سعت لعلاجها من سرطان في القولون، بمركز سرت للأورام بـوسط البلاد، لكن مع كثرة المرضى والانتظار الطويل، اضطرت للسفر إلى تونس لمداواتها».
وأضافت السيدة في تصريحات لفضائية ليبية مساء أمس، أنها «عانت كثيراً مع طفلتها، وأنفقت ما لديها من أموال، ولا تزال تتردد على الأطباء لاستكمال علاج ابنتها».
ولا توجد أرقام رسمية في ليبيا توضح أعداد مرضى الأورام، لكن جمعيات ليبية معنية تشير إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في البلاد، بما يقارب 30 ألف مريض، بينهم نحو 8 آلاف طفل، في وقت يقول الأطباء المحليون إن المرضى بالسرطان يفوق عددهم هذه الأرقام بكثير.
ويرى ليبيون أن جانباً من معاناتهم الصحية، يرجع لوجود انقسام في المؤسسات المالية بالبلاد، بجانب انقسام حكومي أيضاً، يتمحور في «الصراع على السلطة»، تسبب في تدهور المنظومة الصحية.
ويقول مصدر طبي، رفض عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المرضى الليبيين يسافرون خارج البلاد لتلقي بعض علاجات الأورام، خاصة مع نقص العلاج بالأشعة، وعدم توفر معظم الأدوية الكيماوية، بجانب نقص في الوسائل التشخيصية الحديثة مثل المسح النووي وغيرها».
وتحدث «البرنامج الوطني لمكافحة السرطان» عن تعقد وضع المصابين بأمراض سرطانية في البلاد، لكنه لفت إلى إحصائية أممية تشير إلى أن 6077 شخصاً ينضمون لطابور المرضى بالسرطان في ليبيا سنوياً، وأن النسبة الأكبر من عدد المصابين هم المصابون بسرطان القولون والرئة بنسبة 12 في المائة لكل منهما من إجمالي المصابين بالسرطان بالبلاد، يلي ذلك الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 11 في المائة، ثم سرطان المثانة بنحو 6.4 في المائة، في مقابل 59 في المائة لباقي أنواع السرطانات، ولكن «تبقى نسبة الإصابة بسرطان الثدي هي الأعلى بين نسب الإصابات بمختلف السرطانات لدى الإناث»، وفقاً للإحصائية.
وأحدثت واقعة وفاة الأطفال التسعة في مستشفى طب وجراحة الأطفال بمدينة بنغازي، ردود فعل غاضبة، واتهامات لرئيس المصرف المركزي بطرابلس.
وعلى خلفية واقعة وفاة هؤلاء الأطفال، أطلق عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية” المؤقتة، مساء أمس، مشروعه «شفاء» لتنظيم علاج السرطان في البلاد، بحضور رئيس جهاز دعم وتطوير العلاج بالداخل والخارج، ومدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض.
وقرر الدبيبة، وفقاً لمكتبه، إنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان»، التي قال إنها ستكون «مُستقلة إدارياً ومالياً وتابعة بشكل مباشر لرئاسة الوزراء»، وتهدف إلى وضع السياسات والخطط والبرامج اللازمة لمكافحة السرطان ومتابعة تنفيذها، واتخاذ الإجراءات لتوطين علاج المرضى بالداخل، وضم كل مراكز السرطان لتكون تابعة للهيئة، وإعداد قاعدة بيانات لتحديد الاحتياجات من الأدوية والأجهزة اللازمة.
كما اعتمد الدبيبة «الوثيقة الوطنية» للوقاية والكشف المبكر، التي ستبدأ بمراحل التوعية والوقاية حتى فبراير (شباط) عام 2024 لتبدأ بعدها مرحلة الفحص الإلزامي لكل النساء الليبيات فوق السن الـ35 عاماً.
وفي أعقاب إعلان وزارة الصحة التابعة لحكومة «الاستقرار» برئاسة فتحي باشاغا عن وفاة الأطفال التسعة منتصف الشهر الحالي، حمّلت لجنة المرأة والطفل بمجلس النواب، محافظ المصرف المركزي بطرابلس، المسؤولية عن ذلك، وقالت إنه «لم يصرف المبالغ المخصصة لعلاجهم، الأمر الذي نتج عنه وفاتهم».
وطالبت اللجنة البرلمانية حينها «الجهات المسؤولة ذات الصلة باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال كل من قصّر في أداء واجبه تجاه هؤلاء الأطفال الذين قضوا نحبهم نتيجة الإهمال والتقصير»، داعية إلى «فتح تحقيق عاجل بهذا الشأن».
غير أن محافظ المصرف المركزي، سارع بتقديم شكوى في وزير الصحة بحكومة باشاغا للنائب العام، واتهمه بـ«تضليل الرأي العام والافتراء والتشهير»، ورأى أن تحميل (المركزي) المسؤولية عن وفاة أطفال الأورام «ادعاء باطل وأكاذيب ملفقة».
وللتخفيف معاناة بعض الأطفال بشرق البلاد، وجه الدبيبة «جهاز تطوير العلاج بالداخل والخارج»، لتشكيل لجنة مُستعجلة لمتابعة 60 حالة من حالات سرطان الأطفال بمدينة بنغازي، وإيفاد الحالات الخطيرة إلى الخارج».
وسبق وأمر عثمان عبد الجليل، وزير الصحة بحكومة باشاغا، بعلاج 61 طفلاً من مرضى الأورام وزراعة النخاع بالخارج، وناشدت وزارته الجهات التشريعية والرقابية التدخل لإلزام مصرف ليبيا المركزي بفتح الاعتمادات المستندية اللازمة في أسرع وقت ممكن حتى يتم إيفاد هذه الفئة من المرضى لتلقي علاجهم المطلوب في الخارج، وقالت إنها «أخلت مسؤوليتها عن أي تأخير في هذا الشأن».
وتُكلّف جرعة علاج الكيماوي لمرضى السرطان في ليبيا أكثر من 3 آلاف دولار، مما يصعب على ذوي المرضى علاجهم بالبلاد.
وتتكفل ليبيا بالإنفاق على علاج مواطنيها في الخارج، لكن هذا الملف شابته «وقائع فساد» غالبيتها تحقق فيها النيابة العامة راهناً.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.