قوات النظام وحزب الله يدخلان «الزبداني».. والمعارضة تردّ بقطع المياه عن العاصمة

مصدر في «الحر» يؤكد أن التقدم لم يتعد الأطراف الشرقية

قوات النظام وحزب الله يدخلان «الزبداني».. والمعارضة تردّ بقطع المياه عن العاصمة
TT

قوات النظام وحزب الله يدخلان «الزبداني».. والمعارضة تردّ بقطع المياه عن العاصمة

قوات النظام وحزب الله يدخلان «الزبداني».. والمعارضة تردّ بقطع المياه عن العاصمة

دخلت قوات النظام وحزب الله اللبناني يوم أمس مدينة الزبداني في ريف دمشق وفق ما أعلنت وسائل إعلام النظام والحزب، فيما أكدت المعارضة أن التقدم لم يتجاوز الأطراف الشرقية للمدينة. وأتى ذلك إثر هجوم عنيف بدأ أول من أمس على المدينة التي تعتبر آخر معاقل المعارضة في المنطقة، ويهدف إلى السيطرة على الحدود الاستراتيجية التي تقع على الطريق الدولي السريع الذي يربط سوريا بلبنان.
وفي رد منها على «معركة الزبداني» أعلنت فصائل المعارضة في وادي بردى قطع المياه عن دمشق إلى حين توقُّف العملية العسكرية على المدينة، فيما استمرت الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام وحزب الله وقوات الدفاع الوطني من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى، في حي جوبر داخل العاصمة دمشق، بعد إعلان الأخيرة يوم أمس «معركة أيام بدر» التي تهدف إلى السيطرة على نقاط استراتيجية في الحي وسط تنفيذ الطيران الحربي سلسلة غارات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، مشيرا إلى تفجير المعارضة لمبنى قالت إن قوات النظام كانت تتمركز فيه في الحي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
وأعلن ما يعرف بـ«مجلس شورى وادي بردى» في ريف دمشق يوم أمس عن قطع مياه «نبع الفيجة» عن دمشق. وقال المجلس في بيان نقله ناشطون معارضون: «تم بعون الله بعد اجتماع مجلس شورى وادي بردى، الاتفاق على قطع المياه بشكل كامل عن دمشق حتى يتوقف القصف على أهلنا في الزبداني وإعلان المنطقة منطقة عسكرية».
وذكر مصدر أمني سوري لوكالة «الصحافة الفرنسية» أن «جبهة الزبداني شهدت تقدما ونجاحات اليوم (أمس)»، مشيرا إلى أن «الجيش بدأ الدخول إلى أطراف المدينة».
وذكر التلفزيون السوري في شريط إخباري عاجل أن «وحدات من قواتنا بالتعاون مع المقاومة اللبنانية أحكمت سيطرتها على حي الجمعيات في غرب الزبداني وحي السلطانة في شرق المدينة»، مشيرا إلى أن الوحدات «تتابع عملياتها بنجاح موقعة عشرات الإرهابيين قتلى ومصابين».
من جهته، أكد المرصد دخول المدينة، موضحا أنه جاء إثر عملية عسكرية عنيفة قام خلالها الطيران منذ صباح أمس «بإلقاء ما يزيد على 16 برميلا متفجرا على الزبداني، بالإضافة إلى قصفها بصواريخ يعتقد أنها من نوع أرض - أرض».
وأضاف: «تستمر الاشتباكات العنيفة بين حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة وقوات الدفاع الوطني من جهة، وحركة أحرار الشام وجبهة النصرة ومقاتلين محليين من جهة أخرى، في محيط مدينة الزبداني، وسط تقدم للأول في منطقة السلطانة بالقسم الغربي وفي الأطراف الشرقية من المدينة».
وذكرت «شبكة الدرر الشامية» أن قوات النظام تشنّ حملة عسكرية لاقتحام المنطقة مدعومةً من «حزب الله» في محاولة للتقدم من جهة حي قلعة الزهراء والجبل الغربي، تحت غطاء ناري بعشرات الغارات من الطيران الحربي والمروحي، فضلاً عن القصف العنيف بمئات القذائف، مما تسبب بحرائق ودمار هائل.
وأدت «الاشتباكات العنيفة» في محيط المدينة إلى مقتل 14 عنصرا من قوات النظام وحزب الله، بالإضافة إلى 11 مقاتلا من المعارضة خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.
وبثت وسائل إعلام حزب الله لقطات لمقاتلين بلباس عسكري قالت إنها لعناصر الجيش السوري وحزب الله داخل المدينة، وهم يطلقون النار من رشاشاتهم أو يلقون القنابل من داخل أبنية أو في مساحات حرجية، بينما كان في الإمكان مشاهدة دخان أبيض كثيف ينبعث من انفجارات قوية.
في المقابل، أكد مصدر قيادي في «الجيش الحر» أن التقدم الذي أحرزته قوات النظام وحزب الله لا يتعدى الأطراف الشرقية للمدينة، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ هذه هي المحاولة الثانية عشرة التي يحاول خلالها النظام منذ 4 سنوات التقدم إلى المدينة ومن ثم يعود أدراجه. وأوضح «أن هذا الجزء من المنطقة الذي هو عبارة عن سهل يصل إليه النظام ومن معه بالآليات العسكرية الكبيرة التي يملكها، لكنه يعجز عن التقدم نحو المدينة التي لم ولن تسقط». واعتبر المصدر أن النظام وحزب الله يعتمدان أسلوب الضغط النفسي في الزبداني كما حصل في القلمون، وذلك بهدف إفراغ المنطقة من أهلها والتغيير الديموغرافي لإخلاء المنطقة من «حاضني الثورة».
وتبعد الزبداني نحو عشرين كيلومترا شمال دمشق، وكانت تشكل قبل بدء النزاع ممرا للتهريب بين سوريا ولبنان، وهي من أول المدن التي انتفضت ضد النظام في منتصف مارس (آذار) 2011، ودخلت تحت السيطرة الكاملة لفصائل المعارضة منذ أواخر 2013.
وفي شهر أبريل (نيسان)، استكمل مقاتلو حزب الله والقوات النظامية عملية عسكرية واسعة في منطقة القلمون طردوا خلالها مقاتلي المعارضة من المنطقة التي تشكل الزبداني امتدادا لها، إلا أن المئات من المقاتلين تحصنوا في مناطق جبلية على الحدود، لكن حزب الله شن عملية جديدة الشهر الماضي نجح خلالها في إبعادهم عن الحدود.
وتشرف الزبداني على الطريق العام بين دمشق وبيروت، وتعتبر استراتيجية لحزب الله أكثر منها لمقاتلي المعارضة المحاصرين فيها منذ أكثر من سنة، إذ إن من شأنها أن تسهل تنقله بين سوريا ولبنان.
وسبق العملية البرية التي انطلقت يوم السبت، أيام من القصف الجوي والمدفعي لمراكز ائتلاف من الفصائل المسلحة المعارضة التي تدافع عن المدينة.
وكانت المنطقة المحيطة بالمدينة في الماضي منتجعا صيفيا وجزءا من طريق الإمداد الذي كانت تنقل عبره الأسلحة من سوريا إلى حزب الله، قبل اندلاع النزاع السوري عام 2011 الذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 230 ألف شخص.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.