في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، لم يستطع روميو لحود أن يشارك في حفل تكريمه مع شقيقته بابو في مدينة جبيل. يومها اعتذرت أخته عنه من «حزب الكتائب» منظم الحفل؛ إذ تعذَّر على روميو الحضور لأسباب صحية. ومنذ ذلك اليوم، غاب روميو لحود عن أي إطلالات إعلامية، والتي كانت تتلون بحضوره بين وقت وآخر.
روميو لحود الذي بقي حتى الرمق الأخير متابعاً لمجريات الساحة الفنية، لم يكن فناناً لبنانياً عادياً. فقد أسهم في صناعة زمن الفن الجميل، فنثره في لبنان وحول العالم. وشهدت نجاحاته قلعة بعلبك، وكذلك مسرح «الأوليمبيا» في باريس، والبلاط الملكي في بلجيكا.
وفي فترة الثمانينات، اتخذ من خشبة صالة سينما «إليزيه» موقعاً لأعماله المسرحية. فكانت بمثابة المتنفس الوحيد الذي يطل عبره اللبنانيون على الفن الأصيل أثناء الحرب.
صادف رحيل روميو لحود يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، وكأنه اختار هذا اليوم للتأكيد على حبه الكبير لوطنه. فهو لم يترك مناسبة إلا رغب من خلالها في أن يسلط الضوء على لبنان الثقافة والفن.
ويشكِّل رحيل لحود آخر حبة من عنقود الفن الجميل، بعد أن سبقته أسماء كثيرة، كوديع الصافي، وعاصي ومنصور وإلياس الرحباني، وصباح، وملحم بركات، وغيرهم.
وانشغل اللبنانيون بخبر رحيله، من فنانين وإعلاميين ومواطنين عاديين، واصفين غيابه بالخسارة التي لن تتعوض. وكتبت الإعلامية غابي لطيف من محل إقامتها في باريس مغردة: «في يوم الاستقلال، رحل الكبير روميو لحود الذي طبع تاريخ لبنان الفني والثقافي ببصماته الخالدة». وتابعت: «روميو المبدع صانع النجوم وأحلى الإنجازات... كل لبنان يودعك، ورحيلك في اليوم الوطني رسالة حب».
ونعت ابنة أخيه ناهي، الفنانة ألين لحود، عمّها، مكتفية بنشر موعد جنازته في الواحدة من بعد ظهر اليوم، في كاتدرائية مار جرجس وسط بيروت، على أن تقبل التعازي قبل مراسيم الجنازة وبعدها في الكنيسة نفسها، وبالتالي في كنيسة «السيدة» في عمشيت (مسقط رأسه) في 24 الجاري، وفي كنيسة «سيدة العطايا» نهار الجمعة، في 25 منه.
وفي اتصال مع نقيب الفنانين المحترفين، الممثل جورج شلهوب، أكد أن مجلس النقابة والأعضاء المنتسبين إليها هزّهم خبر رحيل لحود. وتابع لـ«الشرق الأوسط»: «إنه فنان عملاق من بلادي، نفتخر به وبما قدمه للبنان من أعمال فنية عبرت الشرق والغرب. وكانت تربطني به علاقة صداقة وطيدة؛ إذ كنا نتبادل الزيارات مع زوجتينا، ونمضي أوقاتاً سعيدة. في الفترة الأخيرة تدهورت صحته؛ حتى أنه غاب عن حفل تكريمه في جبيل مؤخراً. إنه فنان لن يتكرر، ومميز، كرَّس نفسه للمسرح اللبناني، فحفر في ذاكرتنا إلى الأبد».
وأكد شلهوب أنه على اتصال مباشر مع وزير الثقافة، القاضي محمد وسام مرتضى، من أجل البحث في كيفية تكريم الراحل، مضيفاً: «إن أحباءنا من الفنانين يرحلون الواحد تلو الآخر، والوزير مرتضى كان سنداً للنقابة في أفراحها وأحزانها، ونحن نشكره على تعاونه ووقوفه إلى جانبنا في مناسبات عدة. ففي ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها في لبنان والتضييق علينا من قبل المصارف، أصبحت ميزانياتنا السنوية ضئيلة للقيام بواجباتنا تجاه فنانينا».
وارتبط اسم روميو لحود بأسماء نجوم من لبنان، كصباح، وعصام رجي، وغيرهما. ومنذ عام 1977 بدأ مشواره الفني مع الراحلة سلوى القطريب، فأخرج لها عدة مسرحيات، في مقدمها «بنت الجبل» التي حققت نجاحاً منقطع النظير. وكذلك شارك في تلحين عدد من أغاني أعمال أخرى، مثل: «اسمك بقلبي»، و«أوكسيجين»، و«ياسمين»، و«نمرود» وغيرها. وفي عام 2015 أعادت ابنة سلوى القطريب، ألين لحود، تقديم دور والدتها في المسرحية نفسها، ضمن نسخة جديدة.
لحَّن روميو لحود أغنيات عديدة لاقت انتشاراً واسعاً، فحفظتها أجيال من اللبنانيين، مثل: «بكرا بتشرق شمس العيد» للراحلة صباح، والتي أعادت غناءها الفنانة إليسا ضمن ألبومها «أسعد واحدة»، إلى جانب أغنية أخرى لسلوى القطريب بعنوان «قالولي العيد بعيوني». وكان للفنانة كارول سماحة تجربة مشابهة مع الراحل، عندما اختارت أغنية «خدني معك»، للراحلة سلوى القطريب أيضاً، من ألحانه، لإعادة غنائها بتوزيع موسيقي جديد.
وغرَّدت الفنانة إليسا إثر انتشار خبر رحيله تقول: «روميو لحود شو بشع الفراق لو كيف ما كانت الظروف. بتشرف إني عرفتك، وغنيت من أعمالك وعاصرت إبداعك، وإنشالله روحك بتضل حاضرة بكل عمل منستعيدو إلك».
واستعارت الفنانة كارول سماحة كلمات أغنيتها «خدني معك» في رحيل الفنان لحود، وغرَّدت: «تركتنا ورحت ع درب بعيدة أستاذ روميو، مطرح ما لون الأزرق غاب.. أعمالك ستبقى شمس جديدة تذكرنا بمطرح ما كنا ولاد زغار، نحلم بيوم اللي صرنا كبار».
روميو الحائز على وسام «الأرز الوطني» برتبة ضابط في عام 1995، نعاه نقيب المحررين في لبنان جوزف القصيفي، يقول: «أغمض روميو عينيه في ذكرى الاستقلال، وقلبه مثقل بالحزن، على وطن أبدع في الإضاءة على تراثه، فكان أغنيته الدائمة كلمة، لحناً، صوتاً، أداء، ومسرح إبداعاته، متألقاً وأنيقاً في الزمن الجميل الذي نستعيده في الذاكرة صوراً زاهية هيهات أن تتكرر».
وكتبت الإعلامية جيزيل خوري في رحيله: «رحل روميو لحود، رائد المسرح الغنائي في لبنان صانع النجوم ورفيقهم. بدأ في مهرجانات بعلبك سنة 1963 مع صباح، وأطلق عصام رجي وطوني حنا وإيلي شويري وغسان صليبا وسلوى القطريب... رحل في يوم استقلال لبنان الذي حمله على مسارح عالمية مثل (الأوليمبيا) وغيرها. روميو، شو في خلف البحر خبريات».
رحيل روميو لحود أحد صناع زمن الفن الجميل في لبنان
ترجل عن صهوة جواده في يوم الاستقلال
رحيل روميو لحود أحد صناع زمن الفن الجميل في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة