«عالم ديور المُذهل»... حيث تلتقي الأناقة الباريسية بالثقافة البريطانية

تجربة مُثيرة معجونة بالزنجبيل وحلاوة السكر

نفذ هذا المشروع حوالي 200 حرفي متخصص على مدى عام تقريباً (تصوير: أدريان ديران)
نفذ هذا المشروع حوالي 200 حرفي متخصص على مدى عام تقريباً (تصوير: أدريان ديران)
TT

«عالم ديور المُذهل»... حيث تلتقي الأناقة الباريسية بالثقافة البريطانية

نفذ هذا المشروع حوالي 200 حرفي متخصص على مدى عام تقريباً (تصوير: أدريان ديران)
نفذ هذا المشروع حوالي 200 حرفي متخصص على مدى عام تقريباً (تصوير: أدريان ديران)

في هذا الوقت من كل سنة، تتزين الشوارع وتتبارى المحلات الكبيرة على تزيين واجهاتها بشتى الألوان والأشكال احتفالاً بأعياد رأس السنة. كل ما زادت واجهاتها ابتكاراً وجمالاً كانت أكثر جذباً للتسوق فيها، أو على الأقل التقاط صور تُنشر على «إنستغرام»، وتسلط الضوء عليها. «ديور» سهّلت الأمر على متجر «هارودز» هذا الموسم، وقدّمت له الفوز في هذه المنافسة السنوية على طبق كل ما فيه معجون بحلاوة السكر ودفء الزنجبيل والقرفة.
أول شيء سيثير انتباه الزائر إلى لندن هذه الأيام أن ألوان متجر «هارودز» الأيقونية تغيرت. عوض اللونين الأخضر الزيتوني والذهبي المألوفين، تلوّن ولأول مرة بألوان البني الدافئة التي تمازج فيها الزنجيل والكراميل والقرفة مع رشة خفيفة من بودرة السكر. الفضل يعود إلى الدار الفرنسية التي استحوذت عليه، لتُدخلنا في تجربة فريدة بعنوان «عالم ديور المُذهل». عالم يعكس سحر الأناقة الفرنسية وأسلوب عيش لذيذ استعداداً لاحتفالات الكريسماس ورأس السنة، التي على ما يبدو كان يعشقها مؤسسها كريستيان ديور. أقل ما يمكن أن يقال عن حجم ونوعية هذه الشراكة بين أيقونتين عالميتين أنها غير مسبوقة. كان الهدف منها بالنسبة لديور تسليط الضوء على تاريخها وإرثها، وبالنسبة لـ«هارودز» جذب المزيد من الزبائن في هذه الفترة بالذات، حيث يعاني الاقتصاد البريطاني من ركود مخيف. من هذا المنظور كان خلق نوع من الفانتازيا في لندن هدية «ديور» إلى بلد عشقه مؤسسها وربطته بها علاقة حب تعود إلى أكثر من سبعين عاماً. في سيرته الذاتية لم يُخف كريستيان ديور حبه هذا، إلى حد أنه تغزل بالمطبخ البريطاني في سابقة مثيرة لفرنسي يعشق الأكل ويتقن فنون الطبخ. كتب: «ليس هناك بلد يروق لي أسلوب عيشه مثل بريطانيا... أعشق احترامه للتقاليد ونظرته إلى الأمور، كما أقدر أدبه وفنون عمارته، بل أحب حتى مطبخه».
لهذا عندما قررت الدار أن تعود إلى لندن هذا الموسم، فإنها لم تكتف بخلق تجربة تسوق فريدة من نوعها فحسب، بل حرصت على مخاطبة كل الحواس باستعراض عالمها المُبهر من كل جوانبه وزواياه. زيّنت كل الواجهات، حوالي 44 نافذة بأزياء وإكسسوارات ورموز أساسية، أعاد الفنان بيترو روفو ابتكارها لمجموعة «ديور كروز» لعام 2023، مثل وردة الرياح، والنجوم الجالبة للحظ، والأزهار المتلألئة. النجمة المنحوتة وسط المحل على ارتفاع يبلغ سبعة عشر متراً، وهو أكبر تركيب للمبنى حتى يومنا هذا، تتراقص بأضواء مشعة لتُوجه الزوار نحو الداخل، حيث تستمر الإغراءات.


إلى جانب الفني حضر الجانب التجاري من خلال عرض لذيذ لآخر الإكسسوارات والأزياء (تصوير: تشارلي غوسب)

فإلى جانب «مقهى ديور»، حيث تُقدم كل أنواع الأطباق والحلويات الشهية على غرار فطيرة «تأتين» أو خبز «البابا» بالإجاص، وحلويات عيد الميلاد التقليدية، مثل كعكة العسل الفاخرة التي تأتي على شكل شجرة عيد الميلاد، هناك معرض تدعونا فيه لإعادة اكتشاف الأماكن التي أثرت على كريستيان ديور وأثْرت مخيلته من منظور جديد، بدءاً من حديقة والدته غرانفيل بالنورماندي، إلى مشغل الأحلام بباريس حيث رسم فساتينه الخيالية الأولى؛ وقصر «لا كول نوار» جنوب فرنسا، حيث أبدع أجمل عطوره. كل هذا من خلال منمنمات تتلاعب بالنسب والمقاييس مصنوعة من السكاكر، وتكاد تفوح منها روائح توابل الأعياد الدافئة.

إلى جانب الفني حضر الجانب التجاري من خلال عرض لذيذ لآخر الإكسسوارات والأزياء (تصوير: تشارلي غوسب)

استغرق التحضير لهذا المشروع حوالي 19 شهراً، وأكثر من عام لتنفيذه بيد ما لا يقل عن 200 من الحرفيين. وراء هذا المشروع بيترو بيكاري، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ«كريستيان ديور كوتور» الذي أخذ على عاتقه منذ التحاقه بالدار مهمة تغيير مفهوم التسوق المعاصر، أو على الأقل تعهد بأن يعيد لنا أساسياته الجميلة من لمس وشم تجربة على أرض الواقع عوض خوضه وراء شاشة كومبيوتر أو هاتف نقال. من هذا المنظور فإن «عالم ديور المذهل» نُسخة مُصغرة عن مشروعه الضخم في باريس: «30 مونتين». معلمة أرادها أن تكون بمثابة مضاد للعالم الافتراضي. اعتمد فيها على خلق فضاءات متنوعة تثير المتعة والراحة، وفي الوقت ذاته تُدخل الزبون إلى عالم الديور الغني.

مسيرة المؤسس من مسقط رأسه غرانفيل إلى باريس (أدريان ديران)

في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» منذ أشهر، قال إن التسوق الفعلي له سحر خاص، ولا يمكن أن تُعوضه أي تجربة تسوق أخرى مهما كان تفاعلها وجمالها. «إنه ترف يوقظ أجمل المشاعر بعد لمس قطعة من الحرير أو الكشمير، أو شم رائحة عطر يستحضر ذكريات جميلة، كما أنه متعة اجتماعية تجمع الأصدقاء بشكل أو بآخر»، حسب قوله. الفكرة نفسها تم تطبيقها في لندن باستثناء أن التجربة مؤقتة، وإن كانت دعوة صريحة لكي نستمتع بالتسوق الفعلي وبالموضة في الوقت ذاته. كل هذا لا يعني أن الجانب التجاري غير حاضر. بالعكس، فهو دافع مهم، لا سيما في هذه الفترة تحديداً، حيث يهون تعب التجول بين المحلات وأقسامها المتنوعة بحثاً عن تلك الهدية الخاصة التي لا تُعبر عن الحب وحده، بل أيضاً عن مدى فهم الهادي لرغبات وربما أحلام المتلقي.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.