كيف أصبح الفلفل حاراً؟

الـ«سالسا» تتعدى مبيعات الكاتشاب... والمستقبل باتجاه النكهات اللاذعة

في فترة من الفترات تعدت مبيعات السالسا الحريفة الكاتشاب
في فترة من الفترات تعدت مبيعات السالسا الحريفة الكاتشاب
TT

كيف أصبح الفلفل حاراً؟

في فترة من الفترات تعدت مبيعات السالسا الحريفة الكاتشاب
في فترة من الفترات تعدت مبيعات السالسا الحريفة الكاتشاب

الفلفل الحار ثمرة تحملها نباتات من جنس «الفليفلة» وعائلة «الباذنجانيات»، والمعروفة عموماً باسم «نباتات الثلثان»، وغالباً ما تتخذ سمعتها اللاذعة من تأثيرها الالتهابي المفترض في جسم الإنسان. وهناك آلاف الأنواع من الفلفل الحار: منها المدخنة، والمسكية، والعشبية، والغابية، والداكنة المهيبة، واللاذعة البراقة، تماماً مثل الأصناف الكثيرة واسعة النطاق من الشوكولاته، والعرقسوس، والتبغ، والزبيب، والليمون، والكرز، والتوت الأسود. غير أن مثل هذه الفروقات البسيطة من النكهات تضيع أحياناً لدى ثقافات لا تملك تاريخاً من الطهي مع الفلفل الحار، بل تعدّها من بين أدوات التعذيب الجسدية في المقام الأول -تلك المركبات ذات اللذعة القاسية، والطبيعة العقابية بحرارتها الشديدة المذيبة للعقل. (ليست كل أنواع الفلفل الحار بمثل هذا القدر من الحرارة، ولا يعاني الجميع مثل هذه الحرارة بنفس الطريقة، ففي مدونة الطهي التايلاندي تعد «نام بريك باو أو صلصة الفلفل التايلاندي»، المصنوعة عادةً من قرون الفلفل الحار، ذات نكهة قوية مع مذاق خفيف).

هناك إقبال كبير على النكهات الحريقة

وجد علماء الآثار أدلة على أن الفلفل الحار كان يُحصد من البرية لأغراض الطهي قبل نحو 9000 سنة فيما تُعرف الآن بالمكسيك، وبحلول سنة 4100 قبل الميلاد، كان قد راج استعمالها بين الناس في الوجبات المحلية. ومع ذلك، فإن هذه الفليفلة، التي تعود أصولها إلى نصف الكرة الغربي ثم انتشرت لاحقاً في آسيا وأفريقيا، كانت تُعامل لفترة طويلة بوصفها دخيلة على مناطق أميركا الشمالية وأجزاء كبيرة من أوروبا -ما نسميه اليوم العالم الغربي. ورغم وصولها إلى أوروبا واستمرار زراعتها هناك ابتداءً من أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، إلا أنه يمكن إيجاد آثار ضئيلة لوجودها في مدونات الطهي لما قبل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، عندما سمح لها ذوو النفوذ بالدخول إلى مطابخهم، كما تؤرخ لذلك عالمة الإنسانيات الفرنسية إستر كاتز.
لهذا الشأن، بدأ ظهورها وانتشارها لدى الأميركيين منذ السنوات الأخيرة فقط. فقد تضاعف استهلاك الفرد منها في الولايات المتحدة في الفترة بين 1980 إلى 2020. وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة «أجرونومي» العام الماضي، إذ من المرجح أن يكون أولئك الذين يجعلون الفلفل الحار جزءاً عادياً من نظامهم الغذائي هم من غير البيض بالأساس (في إشارة إلى تغيير التركيبة السكانية في البلاد) وتراهم أصغر سناً من 65 عاماً، و-أو يُصنفون بأنهم «مستكشفو الغذاء»: أولئك الذين يفخرون باهتمامهم ومعرفتهم بالمكونات «الرفيعة» أو «الفريدة، من المذاقات الجديدة أو الغريبة.
جدير بالذكر أنه كلما تناولنا المزيد من الفلفل الحار انخفض إحساسنا بالألم الناتج عنه، إذ تتوقف أذهاننا عن الإصرار على الشعور المستمر بالألم، ولذلك يمكننا أن نُعير انتباهاً أكبر للمذاق الفعلي، مُلاحظين، ربما للمرة الأولى، كل النكهات الأخرى التي يجلبها الفلفل الحار إلى أطباقنا، مما يذهب بالمذاق الحار الملتهب إلى الخلفية تماماً.
 


من سلالة الفليفلة بنكهة قوية ولاذعة

(ومما ساعد في الأمر كذلك حقيقة أن الفلفل الحار غني بالفيتامينات). ونظراً لأن الطيور لا تتأثر بمادة «كابسيسين: التي تمنح الفلفل الحار طعمه الحارق»، يمكنها أن تأكل الفلفل الحار بأريحية بالغة ثم تنشر البذور من دون أن تعلم، مما يدعم ليس فقط بقاء الفلفل في الطبيعة، وإنما انتشاره كذلك -ثم غزوه للعالم بأسره في نهاية المطاف.
بحلول سنة 1991 كانت صلصة «سالسا» تتفوق على مبيعات الكاتشاب في الولايات المتحدة، رغم أن العبوات المنتجة بكميات كبيرة لم تكن لطيفة المظهر بصفة عامة. واليوم، تبحث الشركات عن المزيد من الاستثمارات اللاذعة: اشترت «ماكورميك»، الشركة الرائدة عالمياً في إنتاج التوابل، ومقرها شمال بالتيمور، صلصة «فرانك ريد هوت لويزيانا» سنة 2017 (وهو تعاون في مجال الفلفل الحريف بين تاجر التوابل في سينسيناتي ومزارع فلفل الكاجون منذ نهاية الحرب العالمية الأولى)، وفي سنة 2020، ابتاعت كذلك صلصة «شولولا» (الصلصة الحارة المجهزة من فلفل الأربول والبيكوين، والمصنوعة في جاليسكو بالمكسيك، من وصفة نُقلت عبر الأجيال).
لماذا أصبح استهلاك الفلفل الحار -بعد قرون من الزراعة والهجرة العالمية- يُضفي قدراً من المكانة والرقي؟
هناك مفارقة في الهواجس التي رافقت الفلفل الحار في رحلته إلى أوروبا أواخر القرن الخامس عشر. فقد كان الأوروبيون تواقين للغاية للتوابل والبهارات -طلباً للمذاق اللاذع الذي يقضي على البلادة التي تَميز بها طعامهم- منذ القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل، عندما كتب المؤرخ الإغريقي هيرودوت عن التجار العرب الذين يجلبون القرفة من بعض الأراضي المجهولة، والتي كانوا يجمعونها (أو كما قيل لليونانيين وقتذاك) من أعشاش الطيور العملاقة.
عصر الاستكشاف، أولى الشركات العالمية: كانت التوابل تعد كنزاً ثميناً على الجانب البعيد من الخريطة، وذريعة للغزو والسيطرة. كان كريستوفر كولومبوس يتصيد التوابل عندما عبر المحيط الأطلسي سنة 1492 ورأى الفلفل الحار في منطقة البحر الكاريبي (جزر الهند الغربية بالنسبة إليه آنذاك). وبصرف النظر عن الاختلافات النباتية، قرر أن الفلفل الحار ليس مجرد نوع من الفلفل فحسب، وإنما منافس جدير للفلفل الأسود (أو نبتة «بايبر نيغروم» غير ذات الصلة)، وكتب عن الفلفل الحار في مذكراته يصفه بأنه «أكثر وفرة وانتشاراً، وربما أكثر قيمة تجارية كذلك».
وسرعان ما أتت البذور التي جُلبت من الأميركتين بثمارها في حدائق الأديرة في إسبانيا. ومع ذلك، رغم اهتمام الأوروبيين بالفلفل الحار، وجد بعضهم أن مذاقه اللاذع والشديد أحياناً مثير للضيق والإزعاج.
كانت هنغاريا من بين الاستثناءات البارزة لمقاومة الفلفل الحار أوروبياً، والتي ظهر الفلفل فيها للمرة الأولى في القرن السادس عشر في صورة هدايا من إسبانيا، وفقاً للسجلات المدونة، رغم أن بعض المؤرخين يشيرون إلى مصدر ثانوي: الغزاة العثمانيون، الذين يُعتقد أنهم قد تبنوا الفلفل الحار من الهند، التي وصل إليها الفلفل بالأساس على أيدي المستكشفين البرتغاليين الذين كانت عينات الفلفل لديهم ناشئة عن نباتات الفلفل النامية في إسبانيا من البذور الأولى المأخوذة من الأميركتين. ابتكر الهنغاريون، في القرن الثامن عشر، مزيجاً خاصاً بهم من الفلفل الحار، وأطلقوا عليه مسمى «فلفل البابريكا» الذي كان يُستخدم في صناعته.


مقالات ذات صلة

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)

حكاية أقدم صانع شعيرية كردي في شمال سوريا

من بين حبال رقائق الشعيرية الطازجة ولونها الذهبي ورائحتها الطيبة، يقف الصناعي الكردي عبد الناصر قاسم برفقة زوجته، بوصفه أحد أقدم الحرفيين في صناعة الشعيرية…

كمال شيخو (القامشلي)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)
الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)
TT

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)
الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعداداته لافتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وُلد الشيف أكيرا في سيول، بكوريا الجنوبية، ونشأ في أسبن، كولورادو. يدير الشيف حالياً 28 مطعماً دولياً، من بينها فروع في لندن، وباريس، ولاس فيغاس، ودبي، وغيرها من المدن، مع افتتاح مطاعم جديدة في كل من روما، وفلورنسا، وسان فرانسيسكو خلال العامين المقبلين.

اكتسب الشيف أكيرا شهرة عالمية بارزة بفضل تجاربه المبتكرة في الطهي والممزوجة بأجواء اجتماعية نابضة بالحياة.

كان أكيرا باك محترفاً في رياضة التزلج، وتتأثر أطباقه بذكريات طفولته في كوريا، وبرحلاته الكثيرة، وحبه الكبير للمأكولات العالمية.

ويشتهر الشيف أكيرا بقدرته على إعادة تشكيل المطبخ الياباني الحديث، مما يجلب شعوراً بالمغامرة والإبداع اللامحدود في ابتكاراته المتميّزة في الطهي التي تجمع بين المرح والإتقان.

ويقدم مطعم أكيرا باك الرياض، لضيوفه رحلة طعام لا مثيل لها، وسط أجواء أنيقة. حيث سيتم تقديم مجموعة من الأطباق الشهيرة للشيف أكيرا، بما في ذلك البيتزا الفريدة «إيه بي تونا بيتزا»، التي تتكون من قشرة مقرمشة رقيقة، ومايونيز أومامي مصنوع من صلصة بونزو، وساشيمي التونة، وميكرو شيزو وزيت الكمأة الأبيض، وطبق «بيرفكت ستورم»، أحد أطباق السوشي المميّز للشيف أكيرا، الذي يحتوي على تونة حارة، تمبورا الروبيان، وبطن التراوت المشوي، ومايونيز شيبوتلي.

ويقع المطعم في مركز 1364 للتسوق، ويتميّز بتصميم فاخر، وبإطلالة ساحرة. وتمتاز منطقة تناول الطعام بأنها فسيحة ومريحة، ومجهزة بمقاعد جلدية فاخرة، وديكورات خشبية ورخامية جميلة، وبتصميم عصري جديد ومبتكر يضفي مزيداً من الفخامة والأناقة، ويعطي لمسة جمالية رائعة للمكان.

كما يتميز المطعم بمطبخ مفتوح، يشبه الترتيب الديناميكي في جميع المواقع الأخرى، مما يسمح للضيوف بمشاهدة إعداد وجباتهم بدقة وعناية، ويضيف إليهم تجربة تفاعلية ممتعة في تناول الطعام.

ويتمتع مطعم أكيرا باك الرياض، بمميزات بارزة تتمثل في تزيينه بلوحات فنية رائعة من إبداع والدة الشيف أكيرا باك، تزين السقف، وتضيف لمسة فنية وثقافية عريقة إلى المكان.

وتؤكد هذه اللوحة الفريدة مدى اهتمام وتقدير الشيف أكيرا للفن والتراث العائلي، مما يخلق نقطة محورية مذهلة بصرياً للمطعم.