نقاد بريطانيون وأميركيون.. ثلاثة قرون من النقد الثقافي

ناقد الأدب حين يكون شخصية عامة

صموئيل جونسون  -  ماثيو أرنولد  -  تي. إس. إليوت
صموئيل جونسون - ماثيو أرنولد - تي. إس. إليوت
TT

نقاد بريطانيون وأميركيون.. ثلاثة قرون من النقد الثقافي

صموئيل جونسون  -  ماثيو أرنولد  -  تي. إس. إليوت
صموئيل جونسون - ماثيو أرنولد - تي. إس. إليوت

«الناقد في العالم الحديث» عنوان كتاب جديد صدر في 2014 عن دار بلومزبري للنشر بنيويورك ولندن، من تأليف الناقد الأسترالي جيمز لي، رئيس تحرير «مجلة سيدني لعرض الكتب» ويحمل الكتاب عنوانًا فرعيًا هو «النقد العمومي من صمويل جونسون إلى جون وود».
James Ley,The Critic in the Modem World، Bloomsbury، 2014.
وعبارة «النقد العمومي» يقصد بها النقد الذي لا يكون موجهًا إلى المتخصصين والأكاديميين فحسب، وإن كان موجهًا إليهم أيضا - وإنما هو موجه إلى جمهور عريض من القراء المتعلمين، ممن تعنيهم قضايا الثقافة والمجتمع. ويتناول الكتاب ستة نقاد بريطانيين وأميركيين يمتدون من القرن الثامن عشر إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. نحن هنا نلتقي بثلاثة قرون من التاريخ الثقافي، ونرى الدور الذي يلعبه ناقد الأدب حين يكون شخصية عامة، وكيف واجه مشكلات العالم الغربي الحديث، وقضايا الديمقراطية والليبرالية والتصنيع، وأخيرًا العولمة، وإذ يخصص الكتاب فصلا مستقلا لكل ناقد من نقاده الستة، فإنه يؤطر الكتاب بمقدمة في البداية وبحاشية وببليوغرافيا في النهاية. وفيما بين هذين الإطارين يفحص - من حيث العمق - نقادًا على كلا شاطئي الأطلنطي كان كل منهم يمثل لحظة تاريخية بعينها.
الفصل الأول من الكتاب يتناول الناقد والشاعر الإنجليزي الدكتور صمويل جونسون (1709 - 1784) الذي كان يمثل اتجاها كلاسيكيًا جديدًا، وكان إلى جانب الشاعر ألكسندر بوب - أبرز شخصيات العصر الأوغطسي في القرن الثامن عشر في إنجلترا. كان جونسون هو الديكتاتور الأدبي لعصره، أشبه بعباس محمود العقاد في زمنه، وإلى جانب تحريره أعمال شكسبير، وكتبه النقدية مثل «سير الشعراء» وروايته المسماة «راسيلاس أمير الحبشة» وقصائد بالإنجليزية واللاتينية، وضع أول قاموس للغة الإنجليزية على أسس تاريخية، متتبعًا تاريخ كل كلمة ومصدرها واستخداماتها المختلفة على أقلام الكتاب عبر العصور، وصولا إلى عصره.
يقول جيمز لي إن جونسون قد لخص نظرته إلى الأدب على لسان إيملاك، أحد شخصيات روايته «راسيلاس» فعند إيملاك أن الأدب (وأبرز نماذجه الشعر) يعتد بالحقائق العامة لا الحالات الفردية. إنه يتناول العواطف الثابتة في الطبيعة البشرية، لا الأهواء العابرة أو الصرعات الزائلة.
وهو بهذه المثابة يتجاوز الزمان والمكان والمجتمعات ليصل إلى الجوهر المشترك بين بني الإنسان؛ فالشاعر لا ينظر في أحوال الفرد وإنما في أحوال الجنس البشرى بعامة. إنه - بتعبير جونسون - لا يحصي عدد الخطوط على زهرة التيوليب وإنما يلم بكل أبعاد الزهرة من جدر وساق وأوراق. فالشاعر مشرع للبشرية، يخترق مقولات الزمان والمكان المحدودة.
والناقد الثاني الذي يتناوله الكتاب هو وليم هازليت (1778 - 1830) الذي كان - على النقيض من جونسون - نصيرًا للرومانتيكية، وصديقًا لعدد من الأدباء الرومانتيكيين (على الأقل في مرحلتهم الثورية الباكرة) وكانت اتجاهاته معقدة لا تخلو من متناقضات حتى لقد وصفه أحد مؤرخي حياته بأنه «مثالي رومانتيكي واقعي «والشعر في نظره لغة عالمية تنقل ما هو جوهري في طبائعنا، وتمتزج بكل خبراتنا الوجدانية». يقول: «إنما الخوف شعر، والأمل شعر، والازدراء والغيرة والندم والإعجاب والتعجب والشفقة والقنوط والجنون كلها شعر»، ونحن جميعًا شعراء بالقوة أو بالإمكان (إذا استخدمنا التعبير الفلسفي) حتى ولو لم ننظم شعرًا، لأننا جميعًا قادرون على استشعار هذه الحالات الوجدانية الحادة.
وينتقل جيمز لي في فصله الثالث إلى ناقد من أبرز مفكري العصر الفيكتوري في القرن التاسع عشر هو الشاعر الناقد ماثيو أرنولد (1822 - 1888). لقد كان أرنولد بكتاباته في الأدب والنقد والسياسة والدين والاجتماع، أول نقاد العصر الحديث. وقد وضع الأجندات الفكرية التي سار بمقتضاها كثير من نقاد القرن العشرين، سواء وافقوه أو خالفوه - مثل ت. س. إليوت وف. ر. ليفيس ولايونيل تريلنغ وريموند ويليامز. دعا أرنولد إلى أن يكون النقد نشاطًا ذهنيًا منزهًا عن الغرض، ومستقلا عن أي اعتبارات نفعية عملية. فالنقد هو محاولة أن نرى الأشياء على ما هي عليه في الحقيقة، دون تزوير أو تحريف. والشعر «نقد للحياة» وأبيات الشعراء العظام (هوميروس ودانتي وشكسبير وملتون)، هي «المحك» الذي نفحص به أي شعر جديد لنتبين قيمته، حين نوازن بينه وبين كلمات أولئك العظماء.
والفصل الرابع من الكتاب مخصص لـ«ت. س. إليوت» (1888 - 1965) الذي وصف نفسه في 1928 بأنه «كلاسيكي في الأدب، ملكي في السياسة، أنجلو - كاثوليكي في الدين». لقد كان يشارك أرنولد جديته وسعيه إلى موضوعية النقد، ولكنه كان أقرب إلى المحافظة في حين كان أرنولد أقرب إلى الليبرالية. إن إليوت يؤمن بأهمية التقاليد الدينية والفلسفية والاجتماعية، والدور الحاسم الذي يلعبه الوعي بالموروث الأدبي السابق في تشكيل الموهبة الفردية، فالشعر عنده يتولد من هذا اللقاء بين تقاليد الماضي والموهبة الفردية. من هنا ألح على ضرورة أن يكون الشاعر فكريًا ووجدانيًا وتقنيًا - على وعي بكل منجزات الشعر الأوروبي منذ هوميروس حتى يومنا هذا. لقد كان كلاسيكيًا مجددًا، أو تقليديًا ثوريًا، إن جاز التعبير.
ومن إليوت المولود في أميركا قبل أن يهاجر إلى بريطانيا ينتقل جيمز لي في فصله الخامس إلى ناقد أميركي آخر هو لايونيل تريلنغ (1905 - 1975). كان تريلنغ أستاذا بجامعة كولومبيا ثم بجامعة هارفرد، وواحدًا من أبرز مفكري مدينة نيويورك، وقد خلف أثرًا باقيًا في النقد بكتبه «الخيال الليبرالي» و«ما وراء الثقافة» و«الإخلاص والأصالة» ودراساته عن جون كيتس وماثيو أرنولد وفورستر وغيرهم. وتريلنغ نموذج للمفكر الهيوماني الليبرالي الذي اشتبك بمشكلات العصر، وتأثر في مطلع حياته بماركس وفرويد، وظل محتفظًا حتى النهاية ببعض جوانب فكرهما، كذلك تأثر تريلنغ بالرؤية التشاؤمية للفيلسوف الألماني أوزفالد شبنغلر صاحب كتاب «اضمحلال الغرب» وفى ذلك يقول تريلنغ: «إني أحب الغرب، وأتمنى أن يكف عن الاضمحلال». فكتاباته محاولة لمواجهة تحديات العصر الحديث وأزمات المجتمع الغربي (وهي التي بلغت ذروتها بدخوله حربين عالميتين مدمرتين) ومواجهة لما دعاه فرويد «الحضارة ومنغصاتها».
ويختم جيمز لي كتابه بفصل عن الناقد المعاصر جيمز وود (المولود في 1965 وهو الوحيد على قيد الحياة بين من يتناولهم) أستاذ النقد الأدبي بجامعة هارفرد الأميركية. لقد بدأ حياته صحافيا ثم تحول إلى العمل الأكاديمي، وهو في هذا يقف على النقيض من الذين بدأوا أكاديميين ثم تحولوا إلى الصحافة، مثل ف. ر. ليفيس ولايونيل تريلنغ وفرانك كيرمود وهارولد بلوم وإدوارد سعيد وتري إيجلتون، وقد أصدر وود أربعة كتب حتى الآن هي: «الميراث المحطم: مقالات عن الأدب والاعتقاد» (2000) و«النفس اللامسؤولة: حول الضحك والرواية» (2004) و«كيف تعمل القصة؟» (2008) و«مادة الفكاهة ومقالات أخرى» (2013)، ورغم ضآلة هذا الإنتاج نسبيًا، فقد جعله من أقوى الأصوات النقدية في عالم اليوم.
وينصب اهتمام وود أساسًا على فن القصة في العصر الحديث. ويشارك نقادًا سابقين مثل ميلان كونديرا وإيان وات وإريك أويرباخ اهتمامهم بالنمو الشكلي لطرق تمثيل الواقع في الأدب. ويهتم بوجه خاص بابتكار الرواية طرقًا جديدة للمحاكاة أو التمثيل، ومن ثم فهم الواقع المعقد للسلوك الإنساني والتدرج الدقيق لألوان الوعي الفردي. والقصاصون الذين يحلون أعلى مكان، في سلم قيمه، هم تولستوي وتشيخوف.
وفى نهاية هذه الجولة مع ستة نقاد يقول جيمز لي إنهم يشتركون في كونهم «نقادًا وصفيين» بمعنى أنهم يصفون خصائص العمل الأدبي الذي يتناولونه، ويفككونه إلى مكوناته (وهذا هو المقصود بالتحليل) ثم يعيدون تركيبها. ثم هم نقاد عموميون يكتبون عن قضايا تهم المجتمع كله، لا المثقفين فحسب. ولكنهم يشتركون - بدرجات متفاوتة - في أن لهم أجندات فلسفية وسياسية واجتماعية تستخفي تحت سطح التحليل الأدبي. إنهم منظرون حتى ولو كانوا - مثل ماثيو أرنولد - يجهرون بعدائهم للنظريات المجردة، وحتى لو كان فكرهم يشتمل على عناصر لا عقلانية أو استجابات وجدانية وجمالية منحازة إلى هذا الاتجاه أو ذاك.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».