حذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، خلال محادثات مع رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين في أنقرة الاثنين، مما وصفه مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي بأنه «عواقب» استخدام روسيا لسلاح نووي في أوكرانيا، في حين أعلنت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أن بعض العقوبات على روسيا يمكن أن يظل سارياً حتى بعد أي اتفاق سلام نهائي مع أوكرانيا، بينما فرضت عقوبات واسعة النطاق على شبكات تدعم الصناعات العسكرية في روسيا.
وهذا أول اتصال رفيع المستوى معلن بين الولايات المتحدة وروسيا منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.
ولم يشأ المسؤول الأميركي الكشف عن اسمه خلال حديثه مع الصحافيين في واشنطن، بيد أنه لفت إلى أن بيرنز، الذي عمل في السابق سفيراً لدى موسكو، «لا يجري مفاوضات من أي نوع. إنه لا يبحث في تسوية للحرب في أوكرانيا»، مضيفاً أنه سيثير أيضاً قضايا الأميركيين المحتجزين في روسيا.
ولم يتضح على الفور ما إذا كان المسؤول الأميركي قد نجح في الحصول على موافقة روسيا لإطلاق نجمة فريق فينكس ميركوري بريتني غراينر والمدير التنفيذي لأمن الشركات في ميشيغان بول ويلان، وهما مواطنان أميركيان محتجزان في روسيا وتضغط إدارة الرئيس جو بايدن على الكرملين لإطلاقهما.
وتراجعت العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى أسوأ حالاتها في عقود منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في فبراير الماضي. وأثارت تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام أسلحة نووية في حرب أوكرانيا مخاوف في شأن التصعيد. وقال المسؤول في البيت الأبيض: «كنا منفتحين للغاية في شأن حقيقة أن لدينا قنوات للتواصل مع روسيا بخصوص إدارة المخاطر، ولا سيما المخاطر النووية والمخاطر على الاستقرار الاستراتيجي».
ولدى سؤاله عن الاجتماع بين بيرنز وناريشكين، أجاب الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه لا يمكنه تأكيد أو نفي التقارير المتعلقة بالمحادثات الأميركية الروسية في تركيا. ولكن صحيفة «كوميرسانت» الروسية أوردت خبر اللقاء الأميركي - الروسي في تركيا. ونقلت عن مصدر لم تسمه أن ناريشكين سيحضر المحادثات.
وكذلك قال مسؤولان تركيان إنهما ليسا على علم باجتماع بين وفدين أميركي وروسي. غير أن أنقرة دأبت على تقديم نفسها كوسيط بين موسكو والغرب منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا. وساعدت أنقرة في التوسط في اتفاق بين موسكو وكييف بشأن تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود في يوليو (تموز) الماضي.
وأفاد الرئيس بايدن، بعد اجتماعه مع نظيره الصيني شي جينبينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، بأنهما ناقشا مسألة الحرب في أوكرانيا، قائلاً إن المسؤولين الصينيين «أعادوا تأكيد إيماننا المشترك بأن التهديد باستخدام الأسلحة النووية غير مقبول على الإطلاق».
وكان بايدن قد صرح الشهر الماضي بأن خطر حصول «هرمجدون» نووية بات عند أعلى مستوى له منذ أزمة الصواريخ الكوبية لعام 1962، وبينما حذر المسؤولون الأميركيون لأشهر من احتمال أن تستخدم روسيا أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا لأنها واجهت نكسات استراتيجية في ساحات المعارك، قال مسؤولو إدارة بايدن مراراً إن شيئاً لم يتغير في تقييمات الاستخبارات الأميركية يشير إلى أن الرئيس الروسي لديه خطط وشيكة لنشر أسلحة نووية.
ووردت أنباء الشهر الحالي عن انخراط مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان في محادثات سرية مع مسؤولين روس كبار بهدف تقليل مخاطر اندلاع حرب أوسع على أوكرانيا.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً أن من المتوقع أن يجتمع الجانبان قريباً ويناقشان استئناف عمليات التفتيش بموجب معاهدة ستارت الجديدة لخفض الأسلحة النووية التي توقفت منذ ما قبل الغزو الروسي.
العقوبات ستبقى
إلى ذلك، أفادت وزير الخزانة الأميركية بأن أي اتفاق سلام نهائي بين موسكو وكييف سيتضمن مراجعة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على اقتصاد روسيا. لكنها قالت: «لم يكن هناك حقاً أي جهد من جانب روسيا للرغبة في إجراء مفاوضات مع أوكرانيا بأي شروط مقبولة لأوكرانيا»، مضيفة: «أفترض في سياق بعض اتفاقات السلام، أن تعديل العقوبات ممكن وقد يكون مناسباً»، ولكن «ربما نشعر، بالنظر إلى ما حدث، أنه من المحتمل أن تظل بعض العقوبات سارياً».
وقادت يلين التي كانت تتحدث في مقابلة على هامش اجتماع لزعماء مجموعة العشرين جهداً لمجموعة الدول السبع المتقدمة من أجل فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي رداً على الغزو. وأوضحت أنها عملت مع نظرائها الأوروبيين لتسهيل توفير الشحن، قائلة: «أمضينا بعض الوقت في مناقشة هذا معهم ومناقشة تنفيذها. وأعتقد أننا في وضع معقول بشأن ذلك».
والسؤال المحوري الذي يدور حول سقف السعر هو ما إذا كانت روسيا ستقطع صادراتها النفطية للرد على الجهود الغربية لإملاء سعر أهم سلعتها. وقالت يلين: «من الصعب معرفة ما سيكون رد روسيا (…) لا أعتقد أنهم قادرون حقاً على تصريف الكثير من النفط. إنهم بحاجة إلى العائدات».
عقوبات واسعة النطاق
وفي السياق نفسه، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، المعروف اختصاراً باسم «أوفاك»، مع وزارة الخارجية عقوبات على شبكة روسية عابرة للحدود لشراء التكنولوجيا تدعم المجمع الصناعي العسكري الروسي، بالإضافة إلى شبكة عالمية من الميسرين الماليين وعدد من المرتبطين بنخبتين رئيسيتين لهما صلات مع الكرملين، في إجراءات تطول 14 فرداً و28 كياناً، بالإضافة إلى ثماني طائرات باعتبارها «ممتلكات محظورة».
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين: «ستواصل الولايات المتحدة فضح وتعطيل سلاسل الإمداد العسكرية في الكرملين وحرمان روسيا من المعدات والتكنولوجيا التي تحتاج إليها لشن حربها غير القانونية ضد أوكرانيا».
وأعلن وزير الخارجية الأميركي في بيان أن العقوبات تطول شبكة «ميلاندر» التي تصنع الإلكترونيات الدقيقة، وهي جزء من هيكل البحث والتطوير العسكري في روسيا، بالإضافة إلى ثلاثة كيانات مرتبطة بـ«ميلاندر» وهي «ميلور ألكترونيكس» ومقرها أرمينيا وشركة «شارب أدج انجينيرينغ» ومقرها تايوان وشركة «ميلور إس آي» ومقرها سويسرا، مع اثنين من مسؤولي «ميلور إس آي» والمديرين العامين لكل من «ميلاندر» نفسها و«تيلور إلكترونيكس».
وفرضت وزارة الخزانة عقوبات على أفراد أسرة سليمان كريموف، وبينهم نجله سعيد كريموف، وبنتاه البالغتان جلنارا كريموفا وأمينة كريموفا، وزوجته فيروزا كريموفا، فضلاً عن ناريمان غادزييف، وهي الميسرة المالية الأساسية لكريموف وشركة قابضة مقرها الإمارات العربية المتحدة مرتبطة بغادزييف.
وتشمل العقوبات أيضاً أربع شركات عقارية مقرها فرنسا مملوكة لجلنارا كريموفا، والمواطنة السويسرية لورين كاتز، التي تشغل منصب رئيسة هذه الشركات، وشركة إدارة الطائرات «أمبيرور آفياشن» ومقرها مالطا وروسيا، بالإضافة إلى ثماني طائرات فاخرة تديرها «أمبيرور آفياشن»، فضلاً عن ألكسندر - والتر ستودهالتر باعتباره لاعباً رئيسياً في شبكة كريموف المالية، وثمانية كيانات مرتبطة بـستودهالتر في خمس دول أوروبية، وابنيه البالغين اللذين يشغلان منصبين قياديين في إحدى شركات والدهما. وتشمل القائمة كذلك رجل الأعمال والمستثمر الروسي مراد علييف وسبع شركات مرتبطة به، بالإضافة إلى إينغا ريتيش، وهي مديرة إحدى هذه الشركات. كما تم تصنيف شركتين قابلتين مقرهما سويسرا ومرتبطتين بأندريه غريغوريفيتش جورييف، وهو شريك معروف للرئيس فلاديمير بوتين، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية.