مطعم الأسبوع: «إيجيبشين نايتس».. ألف ليلة وليلة في قلب القاهرة

أشهى الأطباق المصرية والشامية لسحور بطعم التراث

TT

مطعم الأسبوع: «إيجيبشين نايتس».. ألف ليلة وليلة في قلب القاهرة

أن تنعم بالهواء النقي والطعام الشهي في قلب حديقة خديوية على ضوء القمر والنجوم مع خدمة ممتازة في وسط القاهرة بزحامها المعتاد وصخبها، هو أمر أقرب إلى الحلم! لكن مطعم «إيجيبشين نايتس» بفندق ماريوت الزمالك التاريخي يوفر لك ذلك.
يقع المطعم المفتوح في قلب حديقة الفندق الغناء الحافلة بمجموعة من أندر الأشجار في العالم، بمجرد دخولك من بهو الفندق وصولا إلى الحديقة التاريخية ستشعر بالفخامة وعبق التراث في كل خطوة حتى تصل إلى الحديقة التي تحفها التماثيل البرونزية الرائعة المنحوتة بأنامل أبرع فناني فرنسا وإيطاليا في عهد الخديوي إسماعيل؛ فقد شيده الخديوي وسماه «قصر الجزيرة» لكي تقيم به الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث، إمبراطور فرنسا، هي وعدد من ملوك وأمراء أوروبا في حفل افتتاح قناة السويس عام 1869م. ومنذ ذلك الحين وحتى تحول القصر إلى فندق تديره شركة ماريوت، فقد حظي الفندق ومطاعمه وتحديدا «إيجيبشين نايتس» بزيارة أبرز الرؤساء والشخصيات العامة في العالم كان آخرها السيدة هيلاري كلينتون، والنجم الهندي أميتاب باتشان، والمذيع الأميركي جون ستيورات.
يعتبر مطعم «إيجيبشين نايتس» أفضل وجهة لقضاء أمسية ممتعة بعد يوم طويل وشاق؛ فهو يجمع بين مميزات المطعم والمقهى، ويعتبر أفضل وجهة للقاء الأهل والأصدقاء في أي وقت من العام، إلا أنه في شهر رمضان يحلو فيه السمر قبل السحور، خاصة في أجواء الخيمة الرمضانية «سمعة باشا» التي يحتضنها المطعم وتفتح أبوابها في الثامنة مساء وحتى الثالثة فجرا.
ففي شهر رمضان يكتسي المطعم بستائر زاهية الألوان تنسدل من كافة جوانبه، مع إضاءة بالفوانيس النحاسية الضخمة، لتعطيك إحياء بأجواء القصور العربية التي تنقلك بديكوراتها التراثية الأخاذة إلى أجواء رمضان الروحانية.
وما إن تختار طاولتك ذات أدوات المائدة النحاسية والقطع المزخرفة سوف تستمتع برائحة الخبز الطازج المنبعثة من الفرن الريفي الموجود في أحد زوايا المطعم، حيث تجلس سيدة تخبز ما لذ وطاب من الفطائر والخبز المصري. بعدها سوف يحضر لك النادل بزيه التراثي المميز قائمة الطعام لتشعر بمعاملة تليق بالأمراء والسلاطين، تتطور في أغلب الوقت لتصبح صداقة، حيث يعرف الطهاة والندلة زبائن المطعم بالاسم، وأيضا يعرفون الأطباق التي يفضلونها وكيفية طهوها. تضم القائمة المأكولات الشعبية المصرية والشامية أيضا إلى جانب «الشيشة» بنكهاتها المختلفة في جميع أوقات السنة في أجواء شرقية ساحرة. كما يمكنك مشاهدة ما تعشق من المسلسلات الرمضانية من خلال الشاشة العملاقة في الهواء الطلق.
قبل وقت الإمساك عن الطعام بوقت كاف يمكنك أن تبدأ السحور لتختار ما بين حساء الحريرة المغربي، والحساء الأندلسي بالخضار، وحساء الدجاج التقليدي. كما يتيح المطعم أصنافا متعددة من المقبلات الباردة والساخنة التي سوف تستمتع بتناولها، سواء مصرية أو شامية، من السلاطات الطازجة: كالحمص باللحم والبابا غنوج والطحينة والتبولة والفتوش والمكدوس، وجبن الحلومي المشوي مع الطماطم وزيت الزيتون وصوص الليمون، أو الساخنة ككبد الدجاج، والكبدة البتلو المقلية، والكبيبة والسبموسك والرقاق والكاليماري المقلي، التي تفتح شهيتك للمزيد.
حقيقة يعتبر «إيجيبشين نايتس» اسما على مسمى، فهو يقدم لك كل ما تشتهيه من المأكولات والأطباق المصرية الشعبية والمنزلية، بداية من الفول والفلافل بكل طرق تقديمهما، والفطائر الريفية المحلاة أو المملحة (الفطير) التي تتربع دوما على أي مائدة سحور، إلى جانب أروع مذاق للكباب والكفتة والحواشي التي تقدم مع المخللات. أما الأطباق الرئيسية فيمكنك الاختيار ما بين طواجن المسقعة والبامية والدجاج والبطاطس بالصلصة والفتة بلحم الغنم التي تعتبر من الأطباق المحببة لدى المصريين على مائدة الإفطار الرمضانية، ولعشاق الأسماك وفواكه البحر، يقدم المطعم أيضا أطباق الجمبري والكاليماري المشوي والمقلي وسمك الباس مع الأرز المطهو إما بالزعفران أو بطريقة الصيادية المصرية.
أما أطباق الحلويات التي لن تستطيع مقاومتها فتتربع على رأسها الكنافة المحشوة بالمكسرات والكريمة والمغمورة بشراب العسل، فضلا عن تشكيلة متنوعة من الحلويات الشرقية المحببة في رمضان من القطائف وبلح الشام وعيش السرايا والبقلاوة والبسبوسة والمهلبية وأم علي والأرز باللبن وسلطة الفواكه. أما المشروبات فهناك قائمة متنوعة من المشروبات الساخنة والباردة بما فيها العصائر الرمضانية المحببة، كقمر الدين والتمر هندي والكركديه والخروب والسوبيا التي تقدم في أكواب تتمشى مع أجواء الخيمة الرمضانية. تكلفة الحد الأدنى لطلبات الفرد في ليالي رمضان 200 جنيه مصري غير شاملة للضرائب والخدمة، وفي الأيام العادية 155 جنيها مصريا. ويفضل القيام بحجز مسبق.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.