تحويل «زرقاء تويتر» لخدمة مدفوعة يُثير تساؤلات حول «المصداقية»

تحويل «زرقاء تويتر» لخدمة مدفوعة يُثير تساؤلات حول «المصداقية»
TT

تحويل «زرقاء تويتر» لخدمة مدفوعة يُثير تساؤلات حول «المصداقية»

تحويل «زرقاء تويتر» لخدمة مدفوعة يُثير تساؤلات حول «المصداقية»

«أرجو أن تعرفوا أن (تويتر) سيفعل الكثير من الأشياء غير المألوفة خلال الأشهر المقبلة، سنُبقي على ما ينجح ونلغي ما لا ينجح»، هذه عبارة وصف بها إيلون ماسك، المرحلة الحالية التي تمر بها منصة التغريدات القصيرة «تويتر» بعدما استحوذ عليها من خلال صفقة شغلت العالم.
كما هو معروف، كان ماسك قد استحوذ على «تويتر» في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقابل 44 مليار دولار أميركي. ثم أعلن بعد ذلك اتجاه المنصة لتعدد مصادر الدخل، وجاء على رأسها خطة تتيح للمغردين شراء العلامة الزرقاء التي تشير إلى التحقق من المصدر، وذلك مقابل 7.99 دولار شهرياً.
لقد أثار القرار مخاوف عديدة حول رواج «الحسابات الزائفة»، ومن ثم تأثير ذلك على الازدياد المطرد للمعلومات المغلوطة والرسائل المضللة. كذلك، فإن اتباع نموذج عمل ربحي يقوم على التوسع في «الخدمات المدفوعة» من شأنه إحداث تأثيرات قد تطول مستقبل المؤسسات الصحافية والإعلامية التي باتت تعتمد بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي.
أحمد الشيخ، مستشار الإعلام الرقمي لدى شركة «ميديا مايز» للاستشارات الإعلامية ببريطانيا وعضو مجلس الإعلام الجديد بنقابة الصحافيين البريطانية، علق في لقاء مع «الشرق الأوسط» على قرار العلامة الزرقاء «المدفوعة»، فقال إنها «سياسة اعتادها ماسك كي يتصدر عناوين الأخبار». ثم أضاف أن «رغبته في لفت الانتباه لم تكن السبب الوحيد، بينما منذ البداية، هو رافض لنموذج العمل المُتبع في شركة (تويتر) الذي يعتمد في 90 في المائة من دخله على الإعلانات... ومن ثم يبحث عن مصادر أكثر تنوعاً، لا سيما، أن الإعلانات تمولها شركات لها أهداف اقتصادية. وكونه بالأصل رجل أعمال يملك شركات كبرى، قد تكون لديه خصومة مع بعضهم، بدليل اتجاه بعض الشركات بالفعل لإيقاف الخدمات الإعلانية على (تويتر) بعدما باتت تحت سيطرته».
وعن عواقب تحويل العلامة الزرقاء إلى خدمة مدفوعة، شرح الشيخ أن «النمط الذي أعلن عنه ماسك يفتح باب القلق على مصراعيه. إذ كانت علامة التوثيق في السابق مقتصرة على الشخصيات البارزة والمؤثرة، ويجري التحقق من مصداقيتها بطرق دقيقة، بينما بتنا الآن أمام نموذج عمل غير موثوق المصدر».
الشيخ أشار أيضاً إلى أن «خطورة هذه الخطوة تكمن في أننا أمام مستخدِمين يعتمدون منصات التواصل الاجتماعي كمصادر للمعلومات. وهو ما يجب التعامل معه بطرق حثيثة تضمن الحد من انتشار الأضاليل والمعلومات الزائفة... ومن غير المعقول أن يتاح لأي شخص لديه بطاقة هوية و8 دولارات أميركية أن يصبح مصدراً موثوقاً للمعلومات».
وللعلم، قرار ماسك بشأن توثيق الحسابات واجه سيلاً من الانتقادات دفعه إلى تعليق القرار بحجة «الانتهاء من انتخابات التجديد النصفي الأميركية منعاً للتأثير على الناخبين»، حسب ما نشرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

تحولات النموذج الربحي

بيد أن النموذج الربحي لمنصات التواصل الاجتماعي بات «معضلة»، لا سيما بعد خسائر فادحة تكبدتها عملاقة التواصل شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام». فقد خسرت الشركة أكثر من نصف قيمتها السوقية خلال العام الحالي، وهو ما دفعها إلى تسريح نحو 11 ألف موظف من حول العالم، لتحذو بذلك حذو شركة «تويتر» التي سرحت نصف موظفيها. ووفق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) برر ماسك ذلك بأن «(تويتر) كانت تخسر أربعة ملايين دولار يومياً».
عودة إلى أحمد الشيخ، الذي يقول «يحق لإيلون ماسك أن يبحث عن مصادر ربحية جديدة، حتى وإن كانت خدمات مدفوعة. فهذا شأن معمول به في عدد من المنصات على غرار (لينكد إن) و(يوتيوب) اللتين توفران نُسخ (بريميوم) لمن يرغب في خدمات إضافية». قبل أن يضيف «أن للمسألة معايير تُطرَح... وتعويض الخسائر ليس مبرراً لرهن المصداقية بقيمة مدفوعة، بينما ثمة امتيازات أخرى من شأنها تحقيق الربح من دون الإخلال بسبل التحقق من المعلومات».
من جانبه، يصف الدكتور أنس النجداوي، الأستاذ المشارك في جامعة أبوظبي، ومستشار الأعمال الرقمية، قرارات ماسك بأنها «نتاج ورطة وضع نفسه فيها منذ طرح شراء (تويتر) بقيمة مبالغ فيها». وتابع خلال حوار مع «الشرق الأوسط» أن «الأزمة الاقتصادية العالمية وضعت صفقة (تويتر) أمام تعثرات، انتهت بإلزام قضائي لماسك بإتمام الاتفاق... وهذا يعكس غضاضة الخطوة، لا سيما أن الشركة لم تحقق أرباحاً في السنوات الماضية. ولذلك انصبت قراراته على الجانب الاقتصادي، من دون الالتفات إلى حرية التعبير، كما أدعى في السابق». وأردف النجداوي: «ثمة عزوف واضح للمغردين، حتى البارزين منهم، عن منصة (تويتر)، والانجذاب إلى منصات أخرى، ما فاقم الأزمة». ومن ثم، وصف قرارات ماسك بـ«المتسرعة». ثم استطرد قائلاً: «بإمكان المنصة تقديم خدمات وتحقيق ربح، ولكن ليس بهذه السرعة. إن رهن تحقيق الربح بتطوير خدمات مستحدثة وليس إعادة تقديم الخدمات نفسها بمقابل مادي فحسب، فضلاً عن توفير الحلول من خلال خدمات حقيقية، قد تأتي في شكل منصات تعليمية... أو حتى خدمات ترفيهية جديدة تعتمد على تنقيح تجربة (تيك توك) من حيث قيمة المحتوى، مع اعتماد نقاط نجاحهم التي باتت لا جدال حولها».

المؤسسات الإعلامية وأزمة الربح

من جهة أخرى، يشير خبراء الإعلام إلى تحديثات مرتقبة قد تحدث ربما لدرء الخسائر التي تكبدتها بعض المنصات، من ثم فإن على المؤسسات الإعلامية والصحافية أن تستعد بـ«تغيير نموذج العمل مع منصات التواصل الاجتماعي».
وهنا، يقول أحمد الشيخ محللاً تأثير ما يحدث على المؤسسات الإعلامية، «إن اعتماد بعض المؤسسات الإعلامية على منصات التواصل بات راهناً قصير الأجل... في حين أن تقديم محتوى إعلامي متميز يضمن لأي مؤسسة البقاء والاستمرارية نحو النجاح، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً ستبحث عن المتميز».
ويشير الشيخ إلى أهمية وضع «الاشتراكات الشهرية» كنموذج ربحي في الحسبان، موضحاً أن «ثمة مؤسسات كبرى نجحت في استقطاب الجمهور من خلال الاشتراكات بتقديم خدمات قيمة ومحتوى يستحق القراءة، وكذلك لدينا تجارب عربية قيمة... إلا أن القارئ العربي ربما ما زال غير مستعد للحصول على معلومة مقابل اشتراك مدفوع».
أما الدكتور النجداوي، فيثير جانباً آخر للتعامل مع الأزمة، في حال استمرار اعتماد المؤسسات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي. إذ يرى أن «على المؤسسات الإعلامية والصحافية وضع خطة حثيثة للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي في المرحلة المقبلة». ويشير إلى «أهمية تحليل بيانات الجمهور المستهدف بدقة، وبناءً على البيانات تتحدد خطة الاعتماد على المنصات، كلاً حسب المحتوى المقدم وما يتطلع له المستخدم». أما عن توثيق الحسابات المدفوعة يقول إنها «لن تشكل أزمة للمؤسسات الكبرى على الإطلاق».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.