‬فتاة مصرية من الصعيد تحوِّل هدر الرمان إلى دبس

فاكهة الرمان (إ.ب.أ)
فاكهة الرمان (إ.ب.أ)
TT

‬فتاة مصرية من الصعيد تحوِّل هدر الرمان إلى دبس

فاكهة الرمان (إ.ب.أ)
فاكهة الرمان (إ.ب.أ)

على متن إحدى العبَّارات النيلية الصغيرة بمحافظة أسيوط المصرية، تنتقل أسماء مهران يومياً من منزلها في قرية دوينة إلى مقر عملها في قرية أبو سالم.
وفي أحد أيام شهر يونيو (حزيران) عام 2020، استمعت أسماء وهي على متن العبارة لشكاوى أهالي قريتها المزارعين من انتشار الآفات الحشرية في محصول الرمان.
وراع أسماء (28 عاماً) قرارهم التخلص من هدر المحصول، أو كما يسمونه «الشُّرُك»، في النيل، وقالت: «بدأت تجيلي فكرة، ما ده خسارة عليهم، طب ده هنرميه؟ طب ما فيه مشكلة التغيرات المناخية، طب إحنا ممكن نستفاد منه بإيه؟».
وتعمل أسماء، الحاصلة على شهادة من معهد الصحة في أسيوط، بإحدى الجمعيات الأهلية.
وتشتهر محافظة أسيوط في صعيد مصر بزراعة الرمان. وأوضح مصدر مسؤول بقطاع الشؤون الاقتصادية في وزارة الزراعة، لوكالة «رويترز» للأنباء، أن المساحة المزروعة بالرمان في محافظة أسيوط تبلغ ما يقارب 11024 فداناً، وهي الأكبر في الجمهورية. ويصل متوسط إنتاج الفدان في المحافظة إلى ما يقرب من 15 طناً.
توصلت أسماء إلى فكرة لم يسبقها إليها أحد في قريتها الصغيرة، وهي تحويل «الرمان الشُّرُك» إلى دبس الرمان. وبدأت في شراء الهدر من المزارعين بمبلغ زهيد، وكانت تدفع 150 قرشاً في الكيلوغرام الواحد. وأوضحت أن سعر الكيلوغرام من الرمان السليم في ذلك الوقت كان يقدر بخمسة جنيهات.
جمعت أسماء 65 كيلوغراماً من هدر الرمان، وبدأت في مطبخها رحلة شاقة من تقطيع وتفصيص واستخلاص العصير من الثمار، ثم إعداد الدبس على النار في خطوة تستهلك وحدها من 5 إلى 7 ساعات.
واستغرقت تلك العملية شهراً كاملاً من العمل الدؤوب، استعانت خلالها بآراء خبراء في مركز البحوث الزراعية في أسيوط، لمساعدتها في الوصول لأفضل وصفة ممكنة، وأضافت: «لازم أعمل حاجة بجودة كويسة، وحاجة تكون آمنة، فكان لازم ألجأ لحد هو ده تخصصه».
عارضت أسرة أسماء الفكرة في بداية الأمر، وانتابها القلق تجاه الخسارة: «قالولي بلاش تجازفي؛ بلاش تدفعي فلوس في حاجة إنتي مش ضامناها، طب مين هنا هيشتري دبس رمان؟» لكن التجربة تكللت بالنجاح في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2020، بعدما تمكنت منفردة من إنتاج 11 كيلوغراماً من دبس الرمان، ثم بيعها في أقل من أسبوعين.
أدركت أسماء التي تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 27) المنعقد حالياً بمدينة شرم الشيخ في مصر، أن انتشار فكرة إعادة تدوير الهدر سيساعد على تقليص نسب التلوث في مياه النيل، بالإضافة إلى مساعدة المزارعين في تعويض خسارتهم المادية الناتجة عن تلف المحصول بسبب تغير المناخ.
وقالت: «إحنا هنا في الصعيد مش متسببين أوي في التغيرات المناخية اللي بتحصل، بس إحنا أكثر ناس مأذية (متضررة)، مأذيين في الأرض بتاعتنا»، وهو الموضوع الذي تتمنى أن تلقي الضوء عليه من خلال مشاركتها في «كوب 27».
وهبَّت متطوعات لمساعدة‭‭‭ ‬‬‬‬أسماء، وذاعت شهرة منتجها الذي سمَّته «دبسي» بمختلف القري في أسيوط، وازدادت الطلبات من عملاء أغلبهم من أصحاب مطاعم المأكولات المشوية.
ولم تكتف بتصنيع الدبس، بل أرادت أن تستغل الثمرة كاملة، فاتجهت إلى تجفيف قشر الرمان وبذوره على سطح منزلها، قبل أن تطحنهما لتستخدم مسحوق القشر في عمل حنة لصبغ الشعر، أما مسحوق البذور فتضيفه إلى العسل والليمون ليُستخدم مرطباً طبيعياً للجسم.
وصل إجمالي مبيعاتها بنهاية العام الأول للمشروع في 2021 إلى 130 كيلوغراماً من دبس الرمان. ويبلغ سعر الكيلوغرام من دبس الرمان «دبسي» 100 جنيه.
دربت أسماء أكثر من 100 امرأة من قريتها والقرى المحيطة بها على صناعة منتجات الرمان، وتطمح للتوسع في تدريب النساء في مختلف المحافظات بهدف «إنتاج منتجات صديقة للبيئة» ونشر ثقافة التكيف مع تغير المناخ. كما تأمل أن تؤسس أكبر وحدة لإنتاج دبس الرمان في مصر.
وذكرت أسماء أن بعضاً من النساء اللائي عملن معها بدأن في تصنيع دبس الرمان في بيوتهن، مستخدمات الهدر المتبقي من أراضي أزواجهن، وهو ما تراه نجاحاً في نشر ثقافة إعادة التدوير في قريتها.
وتقول: «الستات عارفة إزاي تعمل دبس الرمان، وده (الهدر) بدل ما أرميه على الأقل أستخدمه في بيتي».



«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».