تتسارع الجهود والمساعي التي تبذلها الأجهزة الأوروبية منذ يومين لاحتواء الأزمة المفتوحة التي نشبت بين فرنسا وإيطاليا حول ملف الهجرة الذي تمتد تداعياته عميقاً في المشهدين السياسي والاجتماعي للبلدين، والتي بدأت تهدد بحدوث شرخ جديد داخل الاتحاد الأوروبي.
وفيما سارعت إسبانيا إلى التجاوب مع الدعوة الفرنسية لوقف تنفيذ اتفاق التضامن الأوروبي لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين وتوزيعهم على بلدان الاتحاد، أعلنت ألمانيا استعدادها لمواصلة تنفيذه (خصوصاً مع إيطاليا التي استقبلت ثلاثاً من سفن الإنقاذ)، وأكّدت أنها ستستقبل 3500 مهاجر من أصل 18 ألفاً يوجدون حالياً في إيطاليا التي وصلوها في الأشهر الأخيرة.
وكشف مسؤولون أوروبيون أن المفوضية أوشكت على وضع خطة طوارئ حول الهجرة واللجوء، لعرضها على دورة استثنائية لمجلس وزراء الداخلية قبل نهاية هذا الشهر، فيما أكّدت مصادر أن ملف الهجرة سيدرج كبند طارئ على جدول أعمال مجلس وزراء الخارجية يوم الاثنين المقبل في بروكسل.
وكانت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغاريتس سكيناس قد صرّحت أمس قائلة: «لا يمكن أن نسمح لنزاع نشأ بين بلدين شريكين في الاتحاد أن يؤدي إلى نشوب أزمة كبرى حول ملف الهجرة».
من جهته، دعا الرئيس الإيطالي سرجيو ماتّاريلّا، الذي تربطه علاقة وثيقة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمة له خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى هولندا، إلى تقاسم الأعباء بين الدول الأوروبية من أجل استقبال المهاجرين وفقاً للمواثيق والاتفاقات المرعية وأحكام القانون الإنساني الدولي. وقال ماتّاريلا إن موضوع الهجرة كان سبباً رئيساً في تنامي المشاعر المناهضة للمشروع الأوروبي في إيطاليا، والتي انتشرت مثل فيروس «كوفيد»، لكنها إلى انحسار منذ فترة.
وتأتي تصريحات ماتاريلا التي فاجأت بسرعة صدورها عن رئيس لا يتمتع سوى بصلاحيات بروتوكولية، كمحاولة لرأب الصدع بين البلدين، واستعادة أجواء التفاهم الذي ساد العلاقات بينهما خلال السنتين الماضيتين، والذي يعود له الفضل فيه بنسبة كبيرة، ولرئيس الوزراء السابق ماريو دراغي، والذي كان بدأ يشكّل نواة محور جديد داخل الاتحاد الأوروبي بعد الفتور الذي يعتري العلاقات بين باريس وبرلين.
وفيما يتبدّى أن الموقف الفرنسي، الذي فاجأ الإيطاليين بقسوته وما رافقه من تحذيرات حول تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين، يستهدف الاستهلاك الداخلي وهو رسالة موجهة في المقام الأول إلى اليمين الفرنسي المتطرف، تعتبر رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني أنها على الصراط الصحيح، مستندة في ذلك إلى الارتفاع الملحوظ الذي شهدته شعبيتها في الأيام الأخيرة، وإلى موقف ألمانيا التي رفضت التجاوب مع الدعوة الفرنسية لمقاطعة الاتفاق الأوروبي حول الهجرة.
وأعلنت ميلوني أمس أن حكومتها تدرس حزمة من التدابير الجديدة لاعتمادها اعتباراً من الآن في التعامل مع سفن الإنقاذ، وأوضحت أن جميع السفن التي ستقترب من السواحل الإيطالية ستلقى نفس المعاملة التي عوملت بها «أوشن فايكنيغ»، وأن إيطاليا لن تستقبل سوى المهاجرين المرضى والضعفاء، وان المنظمات غير الحكومية التي تدير هذه السفن ستتعرّض للملاحقة القانونية، كما ستفرض عقوبات شديدة على أصحاب السفن، مثل المصادرة والغرامات المالية الباهظة. وأعرب مسؤولون إيطاليون عن ارتياحهم للتصريحات التي صدرت أمس عن رئيس الحزب الشعبي الأوروبي، الألماني مانفريد ويبير، الذي قال خلال زيارته روما: «ليس مقبولاً أن نترك إيطاليا وحدها في مواجهة تدفقات الهجرة التي نعرف جميعاً أنها لن تتوقف».
لكن ميلوني سارعت أيضاً إلى التجاوب مع الدعوات والمساعي الأوروبية، وفتحت نافذة للحوار مع باريس عندما صرّحت أمس بقولها: «ليس لدينا شيء ضد فرنسا، ولا مصلحة لنا في زيادة التوتر مع باريس. ثمّة ملفات عديدة يمكن أن نتعاون فيها، من تحديد سقف لسعر الغاز إلى القواعد المالية الجديدة في الاتحاد. لكن هذا الوضع يمكن أن يشكّل فرصة لكي تنكبّ أوروبا أخيراً على الاهتمام جدّياً بملف الهجرة ومعالجته بصورة نهائية». وقالت ميلوني إن حكومتها ستواصل العمل من أجل التوصل إلى حل أوروبي مشترك لملف الهجرة، بالتعاون مع بلدان شمال أفريقيا، لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين على متن الزوارق والسفن الصغيرة التي تنطلق من سواحل هذه البلدان.
وبينما تكثّف المفوضية جهودها لاحتواء الخلاف بين باريس وروما ومنع تفاقمه تحت تأثير التداعيات الداخلية لهذه الأزمة، قالت مصادر إن اتصالات رفيعة تجري لترتيب لقاء بين ميلوني وماكرون الأسبوع المقبل على هامش قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي.
مساع أوروبية لاحتواء «أزمة المهاجرين» بين فرنسا وإيطاليا
مساع أوروبية لاحتواء «أزمة المهاجرين» بين فرنسا وإيطاليا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة