ناصر كامل لـ«الشرق الأوسط»: «كوب27» حقق اختراقاً... ونبحث عن «العدالة المناخية»

أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط» تحدث عن خطط «إنقاذ البحار من التلوث»

السفير ناصر كامل الأمين العام لمنظمة «الاتحاد من أجل المتوسط»
السفير ناصر كامل الأمين العام لمنظمة «الاتحاد من أجل المتوسط»
TT

ناصر كامل لـ«الشرق الأوسط»: «كوب27» حقق اختراقاً... ونبحث عن «العدالة المناخية»

السفير ناصر كامل الأمين العام لمنظمة «الاتحاد من أجل المتوسط»
السفير ناصر كامل الأمين العام لمنظمة «الاتحاد من أجل المتوسط»

على هامش قمة «كوب27»، حضرت بقوة منظمة «الاتحاد من أجل المتوسط» التي تجمع في إطار الشراكة 42 دولة في محيط البحر الأبيض المتوسط من الشمال والجنوب، مع جناح للمرة الأولى داخل المؤتمر ومشاركات فاعلة.
وفي أروقة المؤتمر، التقت «الشرق الأوسط» السفير ناصر كامل، أمين عام المنظمة، الذي ظهر نشطاً للغاية خلال الفعاليات، سواء في الجلسات، أو في لقاءت مع عدد كبير من المسؤولين الدوليين من أجل إنجاز المزيد من الحراك في إقليم البحر المتوسط. وكان من أحدث إنجازات الاتحاد، طرح مبادرة «شراكة المتوسط الأزرق» المعنية بالأساس بالمشروعات البيئية وعلاج التحديات المناخية.
وإلى نص الحوار...

* حدثنا عن آخر مشروعات الاتحاد المتمثلة في «شراكة المتوسط الأزرق»؟

- تمثل هذه المبادرة نقلة نوعية في أنشطة «الاتحاد من أجل المتوسط»؛ لأننا كنا المبادرين بطرحها على عدد من الشركاء بداية ببنك الإنشاء والتعمير الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي، وهما أكبر مؤسستي تمويل في المنطقة الأورو - متوسطية.
والهدف من المبادرة هو حشد حجم من المنح والقروض الميسرة قد يصل إلى 1.3 مليار يورو، في الاستثمار بمشروعات تتصل بالاقتصاد الأزرق أي كل ما يتصل بالأنشطة الاقتصادية المحيطة بسواحل البحر المتوسط، وأيضاً ببيئة البحر المتوسط نفسه؛ للتعامل مع مشكلات على شاكلة التخلص من المواد الصلبة في الصرف الصحي في عدد من المدن المطلة على البحر المتوسط، وتحويل قطاع السياحة على ساحل البحر المتوسط ليكون أكثر استدامة وأكثر توافقاً مع المعايير البيئة، والتعامل مع قضية الصيد الجائر وتنظيم الصيد، والتعامل مع قضية الوقود المستخدم في أساطيل الشحن العابرة والعاملة في البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً أن 30 في المائة من حجم التجارة العالمية يمر بالبحر المتوسط، فهو في الواقع حالياً أكثر بحار العالم تلوثاً، فضلاً عن تأثره بظاهرة التغير المناخي كمنطقة ككل، مقارنة بأي منطقة في العالم.
وعندما بدأنا العمل في «الاتحاد من أجل المتوسط» مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي، تحدثنا مع عدد من الدول التي وافقت على أن تنضم لهذه المبادرة من حيث التمويل المناخي وأيضاً استثمارياً، ومنها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد التي أبدت استعداد طيباً، كما قدم الاتحاد الأوروبي دعماً كاملاً للمبادرة.

* هل هناك تحركات فعلية حتى الآن؟

- باكورة الدول المستفيدة من هذه المبادرة هي 4 دول في جنوب البحر الأبيض المتوسط، هي: مصر، والمغرب، وتونس، والأردن. وأعلنا، الثلاثاء الماضي، رغبتنا الجماعية كدول ومنظمات وبنوك ومؤسسات تمويل إقليمية ودولية أن ننشئ هذه الآلية، وسنعمل في الشهور القليلة المقبلة لوضع الهيكل التنظيمي والحوكمة الخاصة بها، كما سنعقد مؤتمر ببرشلونة، في الأسبوع الأخير من مايو (أيار) أو الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) العام المقبل، للإعلان عن حجم التمويل المتاح، ولحث دول ومنظمات أخرى على المزيد من التمويل المنحي والتمويل الاستثماري والقروض الميسرة، رغبة في النظر في المشروعات التي قدمتها الدول المستفيدة، وأين وكيف نبدأ في تنفيذ هذه المبادرة على أرض الواقع، ليكون لها مردود إيجابي، ليس فقط على بيئة البحر المتوسط، لكن على النشاط الاقتصادي، وخلق نمو مستدام في حوض البحر الأبيض المتوسط.

* ما الذي تراه مختلفاً في «كوب27» عن القمم السابقة؟

- القمة السابقة كانت قمة وصفت نتائجها بأنها «نصف الكوب الممتلئ»، بما يعني أن نصف الكوب الآخر كان فارغاً. أتصور أن الرئاسة المصرية لمؤتمر «كوب27» كانت رشيدة جداً في اختيار شعارها «من الطموح إلى التنفيذ»، والتركيز على عنصر التنفيذ، حيث بدأت القمة بخبر سعيد جداً بعد مفاوضات شاقة استمرت للرابعة صباحاً عشية افتتاح المؤتمر، وتم التأجيل حتى الجلسة الافتتاحية التي تسلمت فيها مصر رئاسة هذه القمة لإدراج بند «الخسائر والأضرار»، وهو بند كانت ترفض الدول الصناعية الكبرى إدراجه؛ لأنه سيترتب عليه مناقشة التزامات مالية عليها؛ كونها المتسببة في هذه الأضرار التي يجب أن تقدم تعويضات عنها.
قبول هذا المبدأ أراه انتصاراً للدبلوماسية المصرية ولدول الجنوب ودول الاقتصادات الناشئة أو البازغة، التي كانت كلها تدفع في هذا الاتجاه. وستظهر الأيام المقبلة مدى التزام الدول الصناعية الكبرى بما تعهدت به مراراً وتكراراً منذ مؤتمر باريس فيما يتعلق بالتعهدات المالية اتصالاً بالمواءمة والتكيف. نحن نتحدث عن 100 مليار دولار سنوياً، لكن اليوم حجم التحديات البيئية والمناخية التي يواجهها العالم قد يتطلب أضعاف هذا المبلغ.
نحن لا نتحدث عن آثار تغير المناخ في المستقبل، نحن نعيش اليوم جانباً من هذه الآثار التي ستتفاقم في المستقبل، خاصة في منطقة المتوسط. وتشهد المنطقة هذا الصيف تحديداً عدداً غير مسبوق من الحرائق أودت بحياة العديد من مواطني المنطقة في الجزائر وغيرها من الدول، كما أعلنت مناطق كاملة في جنوب أوروبا -وليس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- مناطق جفاف لأول مرة في تاريخها، وشهدنا في دول أوروبية حرارة غير مسبوقة تصل إلى 45 درجة مئوية، فما بالك فيما يتصل بجنوب المتوسط؟ نتحدث عن موارد مائية شحيحة ومرشحة لأن تنخفض بنسبة 20 في المائة، إذا لم نتخذ الإجراءات الكفيلة واللازمة في وقف ظاهرة الاحتباس الحراري من التكيف والمواءمة.

* كم يبلغ حجم الأضرار في رأيكم؟

- المنطقة تعاني بشدة اليوم، نحن نتحدث عن مناطق تشهد زحف ملوحة البحر المتوسط إلى أراضٍ زراعية خصبة، وهذا يحدث في عديد من الدول من بينها مصر. ومصر عندما عرضت فيلماً عن التحدي المناخي، أظهرت مدينة الإسكندرية تحديداً والمبالغ الكبيرة جداً التي تنفق من الموازنة المصرية لحمايتها... السؤال هنا: من تسبب في تضرر الإسكندرية وأن تنفق مصر أموالاً طائلة للحفاظ عليها؟ هل هي سياسات مصر في مجال الصناعة أم الاقتصادات الكبرى على مدار 150 عاماً منذ أن بدأت الثورة الصناعية؟
ومن هنا نبدأ «العدالة المناخية»، أنتم تطالبون الدول النامية بأن تلتزم في سياستها الإنمائية وفي جهودها في الارتقاء باقتصاداتها في الانطلاق نحو مجتمعات صناعية متقدمة، وهو يحدث في العديد من الدول الناشئة كمصر والمغرب في منطقتنا، والهند والبرازيل تطالبونهما بأن تلتزما بنموذج اقتصادي مستدام، فماذا عن الأضرار؟ وماذا عن العدالة؟ إنكم لم تتبعوا هذا النموذج وتسببتم في أضرار بالفعل، وتطالبون بأن نبطئ من وتيرة النمو دون أن يكون هناك مساهمة مالية لإعادة صياغة النشاط الاقتصادي ليكون أكثر استدامة وأقل أضراراً بالبيئة.

* من خلال ما شهدتموه في الأيام الماضية... هل تعتقد أن القمة ستخرج بمخرجات حقيقية لتنفيذ الالتزامات؟

- هناك 3 مستويات أراها مبشرة. المستوى الأول، هو ما شهدته هذه القمة من اتفاقيات وتفاهمات بين مجموعات من الدول غير مسبوقة، على المستوى الإقليمي مثلاً لا حصراً، أن مصر ستنشئ أكبر محطة للرياح في العالم، فضلاً عن حجم الاتفاقيات في مجال الهيدروجين الأخضر، والمبادرات السعودية الخضراء التي تهدف لزراعة المنطقة الأكثر تصحراً على مستوى العالم... فالتحركات السعودية والإماراتية والمصرية وغيرها من شأنها أن تحول الشرق الأوسط لمخزن للنمو الاقتصادي.
المستوى الثاني يخص بعض المؤشرات فيما أعلنه عدد من الدول عن الوفاء بالتزاماتها، وهو أيضاً باعث للأمل، إذ يظل الأمر مرهوناً بالوفاء بهذه الالتزامات. وعلى المستوى الثالث، إذا كان لدينا الرغبة الحقيقية للانطلاق إلى عالم أكثر أماناً بيئياً ومناخياً، أتصور أن التحدي الرئيسي في المرحلة الحالية هو كيفية توفير الظروف والبيئة المالية التي تسمح للقطاع الخاص بأن ينغمس وينخرط بقوة؛ لأننا لسنا في مرحلة الحاجة إلى مليارات، بل نحن في مرحلة الحاجة إلى تريليونات الدولارات، وهذا لا يمكن أن يتوافر من خلال تمويل حكومي، لا بد للقطاع الخاص من الشراكة على مستوى العالم ككل.

* ما هو تقييمكم لتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على دول المنظمة؟

- دول الأورو-متوسط من أكثر الدول تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية، ببساطة شديدة سواء في أوروبا بما يتصل بمصادر الطاقة، أو لمواجهة الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية جنوباً في دول شمال أفريقيا. والشرق الأوسط لديه مشكلة، فنتيجة لندرة المياه -وليس لغياب الجهود أو الاستدامة- نحن منطقة تستورد صافي استخدامها من الغذاء. المنطقتان تأثرتا بالموجات التضخمية غير المسبوقة بسبب الحرب وتأثر سلاسل الإنتاج.
بالتأكيد هذه الحرب كان لها أثر سلبي واضح على المنطقة، وهذا لا ينفي استمرار المنطقة في العمل الجماعي من خلال الشراكات والمبادرات التي رأيناها في مجالات البيئة والمناخ. وكل دول المنطقة تحاول فرادى ومجتمعة بشكل أو بآخر أن تتجاوز الأزمة، مثل تنويع مصادر الطاقة، وزيادة الاعتماد على غاز شرق المتوسط والخليج بالنسبة لدول أوروبا، أو الاعتماد على تنويع المصادر الغذائية في جنوب المتوسط.


مقالات ذات صلة

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

الاقتصاد جانب من الجلسات في اليوم الختامي لمؤتمر المناخ «كوب 30» المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية (أ.ب)

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

دخل مؤتمر المناخ «كوب 30»، المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية وسط غابات الأمازون، يومه الأخير على وقع توتر غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية انتشر الدخان داخل وخارج المكان الذي يستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (أ.ف.ب)

علاج 13 شخصاً بعد استنشاق الدخان إثر حريق بمقر مؤتمر المناخ «كوب 30»

قال منظمون، في بيان، إن 13 شخصاً تلقوا العلاج من استنشاق الدخان الناجم عن حريق اندلع في المقر الذي ينعقد فيه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب 30).

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
تحليل إخباري الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يصافح نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في بيليم (رويترز)

تحليل إخباري الصين تتربع على عرش «كوب 30» وتملأ الفراغ الأميركي

لأول مرة منذ 3 عقود، تغيب أميركا عن قمة الأمم المتحدة للمناخ، تاركة الباب مفتوحاً أمام الصين لتتصدر المشهد قائدةً جديدة في مكافحة الاحتباس الحراري.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية قارب مهجور يرقد في خزان مائي جفّ بفعل الجفاف على مشارف صنعاء (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة: أزمة المناخ أكبر تهديد في عصرنا

رغم الحروب والنزاعات الكثيرة في أنحاء العالم، عدّت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، أزمة المناخ «أكبر تهديد في عصرنا».

«الشرق الأوسط» (بيلم (البرازيل))
أميركا اللاتينية اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن في محاولة لاقتحام مقر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بالبرازيل (إ.ب.أ) play-circle 00:37

متظاهرون من السكان الأصليين يشتبكون مع الأمن في قمة المناخ بالبرازيل (صور)

اشتبك عشرات المتظاهرين من السكان الأصليين مع حراس أمن، الثلاثاء، في قمة المناخ (كوب 30) في بيليم البرازيلية، في حدث نادراً ما يحصل في مؤتمر المناخ السنوي.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».