اللاجئون العالقون في البحر يفتحون جبهة مواجهة بين باريس وروما

فرنسا أدانت موقف إيطاليا «غير المقبول» ووافقت على استقبال «أوشن فايكينغ»

المهاجرون على متن سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» خلال إبحارها في المياه الدولية أمس (أ.ف.ب)
المهاجرون على متن سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» خلال إبحارها في المياه الدولية أمس (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون العالقون في البحر يفتحون جبهة مواجهة بين باريس وروما

المهاجرون على متن سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» خلال إبحارها في المياه الدولية أمس (أ.ف.ب)
المهاجرون على متن سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» خلال إبحارها في المياه الدولية أمس (أ.ف.ب)

بعد أسبوعين من المواجهة المفتوحة بين الحكومة الإيطالية الجديدة وعدد من الشركاء الأوروبيين، في طليعتهم ألمانيا، بسبب رفضها إنزال حوالي ألف مهاجر شرعي على متن أربعة زوارق إنقاذ قبالة سواحلها منذ عدة أسابيع، رضخت روما لضغوط الاتحاد بعد تحذيرات المفوضية من عواقب انتهاك القوانين المرعية والامتناع عن إغاثة المهاجرين الذين كانت منظمة «أطباء بلا حدود» قد أفادت أن عدداً كبيراً منهم، خاصة بين الأطفال والنساء، يعاني ظروفاً صحية صعبة. لكن التطورات التي شهدتها هذه الأزمة في الساعات الأخيرة، على وقع الحسابات السياسية الداخلية في إيطاليا وفرنسا، فتحت جبهة مواجهة بين باريس وروما. بينما تتوالى تقارير منظمات الإغاثة وتقاريرها عن الوضع الصحي المتردي للمهاجرين الذين ما زالوا عالقين في عرض البحر، بعد أن قضى منهم اثنان، بينهم طفل رضيع مريض كانت والدته تسعى لمعالجته في إيطاليا.
وكانت حجة الحكومة الإيطالية، التي يتولى فيها حقيبة الداخلية مقرب من زعيم الرابطة اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، أن سفن الإنقاذ يجب أن تتوجه إلى موانئ الدول التي ترفع علمها لإنزال المهاجرين الذين على متنها. لكن المفوضية نبهت السلطات الإيطالية إلى أن المعيار المرعي في مثل هذه الحالات هي الأراضي والمياه الإقليمية، وليس علم الدولة الذي ترفعه السفينة، وحذرت من أن عدم إغاثة المهاجرين هو انتهاك للقوانين الأوروبية والدولية.
وبعد أن تراجعت روما عن موقفها، حاولت رئيسة الحكومة جيورجيا ميلوني تمويه الهزيمة الأولى في المواجهة مع بروكسل بقولها إن «هدفنا هو الدفاع عن الشرعية، والأمن، وكرامة كل إنسان، ولذلك نسعى إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية، وتحاشي وقوع المزيد من الضحايا في عرض البحر، ومكافحة المنظمات الإجرامية التي تتاجر بالبشر. المواطنون الإيطاليون طلبوا منا، عندما صوتوا لنا، الدفاع عن حدود البلاد، وهذه الحكومة لن تخون الوعود التي قطعتها».
لكن رغم ذلك، اضطرت الحكومة الإيطالية الجديدة، التي تشكل علاقاتها مع المؤسسات الأوروبية محكاً أساسياً وشائكاً في مسيرتها، للعدول عن قرارها الذي كان ينذر بتجدد الأزمة السابقة عندما كان سالفيني يتولى حقيبة الداخلية ويتزعم التيار الأوروبي المتطرف في ملف الهجرة. وكان لافتاً الصمت الذي التزمه حتى الآن سالفيني حول هذا الموضوع، على الرغم مما يُعرف عنه من إفراط في التصريحات حول كل ما يتعلق بالهجرة.
وكانت المعارضة الإيطالية قد شنت هجوماً قاسياً على حكومة ميلوني، واتهمتها بافتعال أزمة سفن الإنقاذ لرفع راية «الخط المتشدد»، وإشاحة الأنظار عن الملفات الساخنة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي التي لن يكون بمقدور الحكومة معالجتها من غير المساعدات الأوروبية عن طريق صندوق النهوض من أزمة (كوفيد)، الذي خصص فيه الاتحاد حصة الأسد لإيطاليا بما يزيد على 200 مليار يورو.
مصادر رسمية فرنسية وصفت تصرف الحكومة الإيطالية الجديدة في ملف سفن الإنقاذ بأنه «غير مقبول، ويتعارض مع أحكام قانون البحار ومبدأ التضامن الأوروبي»، وأن باريس كانت تتوقع موقفاً مختلفاً من الدولة التي هي المستفيد الأول من هذا التضامن. وأفادت هذه المصادر بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقد اجتماعاً مع ميلوني على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ، شدد فيه على وجوب فتح الموانئ الإيطالية أمام السفن التي تحمل على متنها مهاجرين غير شرعيين تم إنقاذهم في عرض البحر.
وكانت فرنسا أعلنت استعدادها لاستقبال عدد من أولئك الذين تحملهم سفن الإنقاذ منذ أسابيع قبالة السواحل الإيطالية، في موقف وصفته المصادر الأوروبية بأنه تحول جذري في سياسة باريس تجاه ملف الهجرة الذي بات مؤكداً أنه سيعود إلى الواجهة مع حكومة ميلوني وحليفها سالفيني.
يذكر أن فرنسا كانت قد رفضت في عام 2018 استقبال سفينة الإنقاذ «أكواريوس» التي كانت السلطات الإيطالية منعتها من الرسو في موانئها، لكنها أعلنت هذه المرة أنها ستسمح لإحدى السفن الأربع بالدخول إلى ميناء مرسيليا، وإنزال المهاجرين الذين على متنها، والذين قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إنهم في وضع صحي يائس. وفيما كانت السفينة «أوشين فايكينغ» التي تحمل على متنها 234 مهاجراً بينهم عشرات الأطفال، لا تزال تبحث عن ميناء ترسو فيه، رغم إعلان السلطات الفرنسية أنها مستعدة لاستقبالها في ميناء مرسيليا، ارتفعت حدة الصدام بين روما وباريس بعد أن أصر الجناح المتشدد داخل الحكومة الفرنسية على موقفه الرافض لاستقبال السفينة التي كانت حتى ظهر أمس الخميس تبحر في المياه الدولية قبالة سواحل جزيرة كورسيكا.
ورغم الاستعداد الذي أعلنته باريس في بداية الأزمة لاستقبال السفينة نظراً لتدهور الوضع الصحي للمهاجرين على متنها، إلا أنها علقت هذا الاستعداد في الساعات الأخيرة وعادت للضغط على روما كي توافق على إنزال المهاجرين في أحد الموانئ الإيطالية.
ومن بروكسل، عادت المفوضية الأوروبية لتذكر أمس بأنه «... لا بد من إنزال المهاجرين من أوشن فايكينغ فوراً في أقرب ميناء إليها، لأن الوضع الصحي على متن السفينة بلغ مستوى خطيراً جداً، وبالتالي يجب إيجاد حل سريع لمنع وقوع مأساة إنسانية».
وأفادت مصادر مقربة من الحكومة الإيطالية بأن جيورجيا ميلوني كانت أعدت مذكرة شكر لنظيرتها الفرنسية على استعدادها للتعاون في حل الأزمة، لكنها فوجئت بتغيير الموقف الفرنسي، وأعلنت رفضها استقبال السفينة التي كانت بدأت رحلتها باتجاه مرسيليا.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التحول في موقف ماكرون ليس ناشئاً فقط عن رغبة الرئيس الفرنسي في مد يد العون للحكومة الإيطالية الجديدة التي يعول عليها في تعزيز محوره الأوروبي وتعويض الفتور الذي يعتري العلاقة الخاصة بين باريس وبرلين، والذي كان أول الذين اجتمعوا برئيستها مؤخراً في روما، بل هو يندرج أيضاً ضمن حساباته الداخلية، حيث يراهن على تصعيد المواجهة مع المعارضة للذهاب إلى انتخابات مسبقة قد تخرجه من الطريق المسدود الذي أوصلته إليه في البرلمان الانتخابات الأخيرة.
وكانت المعارضة اليمينية المتطرفة شنت حملة قاسية على ماكرون في الجمعية الوطنية بعد إعلان باريس استعدادها لاستقبال سفينة الإنقاذ، وهددت بالتصعيد في حال رست السفينة في ميناء مرسيليا.
وفي تطورات الساعات الأخيرة، أعلن ناطق بلسان الحكومة الفرنسية بعد الاجتماع الذي عقدته أمس الخميس أنه «نزولاً عند طلب رئيس الجمهورية، وبشكل استثنائي، قررنا استقبال سفينة أوشن فايكينغ نظراً لانقضاء خمسة عشر يوماً التي فرضتها السلطات الإيطالية على المهاجرين الذين على متنها».
ومن المتوقع أن ترسو السفينة ظهر اليوم الجمعة في ميناء طولون الفرنسي.


مقالات ذات صلة

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

جزر الباهاماس ترفض اقتراح ترمب باستقبال المهاجرين المرحّلين

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن جزر الباهاماس رفضت اقتراحاً من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة، باستقبال المهاجرين المرحَّلين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم اقتحام معبر سبتة الحدودي مع إسبانيا (أ.ف.ب)

إسبانيا تشيد بتعاون المغرب في تدبير تدفقات الهجرة

أشادت كاتبة الدولة الإسبانية للهجرة، بيلار كانسيلا رودريغيز بـ«التعاون الوثيق» مع المغرب في مجال تدبير تدفقات الهجرة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي مهاجرون يعبرون بحر المانش (القنال الإنجليزي) على متن قارب (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle 00:32

العراق وبريطانيا يوقعان اتفاقاً أمنياً لاستهداف عصابات تهريب البشر

قالت بريطانيا، الخميس، إنها وقعت اتفاقاً أمنياً مع العراق لاستهداف عصابات تهريب البشر، وتعزيز التعاون على الحدود.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترحيل المهاجرين ضمن مهام ترمب في أول أيامه الرئاسية

قالت ثلاثة مصادر مطلعة لـ«رويترز» إنه من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عدة إجراءات تنفيذية في أول أيام رئاسته لإنفاذ قوانين الهجرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.