اعتمد المدير الفني لآرسنال، ميكيل أرتيتا، على المهاجم الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ بشكل أساسي في وقت من الأوقات، ولم يكن آرسنال يستطيع مواصلة التقدم من دون أهدافه، وكان أوباميانغ هو المهاجم الأساسي لـ«المدفعجية»، وأبرز لاعب في صفوف الفريق، عندما فاز على تشيلسي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي عام 2020. ورأى آرسنال أنه حقق إنجازاً كبيراً في العام التالي عندما مدد عقد المهاجم الغابوني لمدة 3 سنوات أخرى.
لكن سرعان ما ولت الأيام الجيدة؛ حيث انخفض المعدل التهديفي لأوباميانغ بشكل واضح، وتدهورت العلاقة بينه وبين المدير الفني الإسباني. وعقد أرتيتا العزم على فرض الانضباط داخل النادي، لذلك دخل في صدام مع أوباميانغ الذي لم يكن يلتزم بمواعيد التدريبات. وكان أرتيتا يريد بناء فريق شاب يقدم مستويات عالية، ويفرض الالتزام والانضباط داخل الفريق، لذلك اتخذ قراراً قاسياً بتجريد أوباميانغ –الذي كان يحصل على أعلى أجر في النادي– من شارة القيادة، واستبعده من صفوف الفريق الأول الموسم الماضي.
لقد كان هذا القرار بمنزلة مغامرة محفوفة بالمخاطر الشديدة، وبدأ كثيرون يشككون في أرتيتا عندما فشل في قيادة النادي لاحتلال أحد المراكز الأربعة الأولى في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز. فهل كان أرتيتا لا يشعر بالأمان؟ وهل كان يجد صعوبة حقاً في التعامل مع اللاعبين الكبار؟
وقال أوباميانغ في مقطع فيديو مسرب تم تسجيله بعد فترة وجيزة من رحيله عن آرسنال وانضمامه إلى برشلونة في يناير (كانون الثاني) الماضي: «إنه لا يمكنه إدارة اللاعبين الكبار والتعامل مع الشخصيات الكبيرة. إنه يريد أن يتعامل مع اللاعبين الشباب الذين لا يقولون أي شيء».
أوباميانغ بعد الهزيمة برباعية أمام برايتون (رويترز)
ومع ذلك، تمكن آرسنال بقيادة أرتيتا من الفوز على تشيلسي في عقر داره بملعب «ستامفورد بريدج» بهدف دون رد، ليواصل «المدفعجية» تصدر جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز. وأثبت أرتيتا خلال تلك المباراة أنه كان محقاً تماماً عندما استبعد أوباميانغ الذي واجه ناديه القديم في المواجهة مع «البلوز». فلم يكن الأمر يتعلق فقط بعدم انضباط لاعب ما أو التزامه بمواعيد التدريبات؛ لكن الأمر كان يتعلق بشكل أكبر بالفلسفة الكروية التي يعتمد عليها أرتيتا، وما إذا كان من الممكن بناء خط هجوم يعتمد على عدة محاور ويمارس الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة، على لاعب لا يبذل كثيراً من الجهد داخل الملعب، على الرغم من قدراته الواضحة فيما يتعلق بإحراز الأهداف واستغلال أنصاف الفرص أمام المرمى.
والآن، كيف يبدو القرار الذي اتخذه أرتيتا باستبعاد أوباميانغ؟ إننا نرى الآن مهاجمي آرسنال الشباب وهم يتبادلون المراكز فيما بينهم، ويركضون في المساحات الخالية خلف دفاعات الفرق المنافسة، ويلعبون بمهارة كبيرة وإبداع منقطع النظير. ومن الواضح للجميع أن بوكايو ساكا، وغابرييل مارتينيلي، ومارتن أوديغارد، يمتلكون مواهب استثنائية وقدرة فائقة على الإبداع.
وفي المقدمة، لم يتمكن المهاجم البرازيلي غابرييل جيسوس من إحراز أي هدف في آخر 8 مباريات؛ لكنه يلعب دوراً محورياً في خط هجوم الفريق منذ انضمامه من مانشستر سيتي، ويجعل جميع زملائه من حوله أفضل من خلال تمريراته الحاسمة وتحركاته التي لا تتسم بالأنانية على الإطلاق؛ حيث يسخِّر كل طاقته من أجل خدمة الفريق في المقام الأول والأخير.
في غضون ذلك، يحتل تشيلسي المركز السادس في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، وخسر أمام برايتون بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد قبل الهزيمة أمام آرسنال. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان التعاقد مع أوباميانغ من برشلونة خلال الصيف الماضي كان قراراً حكيماً ومدروساً أم لا! فمن ناحية، كانت هناك حاجة واضحة للتعاقد مع مهاجم صريح قوي للتغلب على العقم الهجومي الذي كان يعانيه الفريق، وبالتالي كان أوباميانغ يبدو خياراً جيداً؛ خصوصاً أنه لم يكلف خزينة النادي سوى 12 مليون جنيه إسترليني. لكن من ناحية أخرى، ظهرت المشكلة التي واجهت أرتيتا: هل هناك مكان في خط الهجوم العصري في الدوري الإنجليزي الممتاز، لمهاجم يمكن القول إن أهدافه تأتي على حساب اللعب الجماعي للفريق؟
يبلغ أوباميانغ من العمر 33 عاماً، وبالتالي فإن طريقته في اللعب لن تتغير. لقد قدم مستويات مقنعة في بعض الأحيان، وسجل 3 أهداف في أول 5 مباريات له مع «البلوز»، ثم أقيل المدير الفني الألماني توماس توخيل الذي كانت تجمعه به علاقة قوية للغاية، وسبق أن تألق تحت قيادته في بوروسيا دورتموند.
في الحقيقة، جاءت فكرة التعاقد مع أوباميانغ من مسؤولي تشيلسي الذين اكتشفوا فجأة أن هناك صفقة قد تكون متاحة بسعر مادي معقول، بعد تعاقد برشلونة مع المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي.
ولحسن الحظ أن توخيل الذي رفض مقترحاً بالتعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، قد وافق على ضم أوباميانغ. لم يكن توخيل قلقاً بشأن شخصية أوباميانغ، وكان يؤمن بأنه قادر على القيام بدور مهم في صفوف الفريق، على عكس الوضع فيما يتعلق برونالدو.
وكان هناك افتراض بأن أوباميانغ شعر بأنه مستقبله مع تشيلسي بات مهدداً للغاية بعد رحيل توخيل. ولم يستمر لم الشمل بين أوباميانغ ومديره الفني السابق سوى 5 أيام فقط؛ لكن تشيلسي طمأن المهاجم الغابوني بأنه جزء من خطط الفريق. ولم يحدث أي شيء غير عادي، وتكيف أوباميانغ مع الحياة تحت قيادة المدير الفني الجديد غراهام بوتر، ولم يعبر عن غضبه أو استيائه خلال استبداله في الشوط الثاني من المباراة التي فاز فيها تشيلسي على ميلان على ملعب «سان سيرو».
وعلاوة على ذلك، يحظى أوباميانغ بحب الجميع في ملعب التدريب، ويبدو مستقراً وهادئاً. وبعد كل الأموال التي أُهدرت في محاولة لملء الفراغ الذي خلفه رحيل دييغو كوستا في عام 2017 –بدءاً من السنوات البائسة لألفارو موراتا مروراً بتيمو فيرنر، وإهداره للفرص المحققة بشكل كوميدي، ووصولاً إلى روميلو لوكاكو واعتراضه على الطريقة التكتيكية التي يلعب بها توخيل- بدا الأمر وكأن تشيلسي قد وجد أخيراً ضالته في مهاجم لا يشعر بالضغط لارتداء القميص رقم 9.
وحتى لو لم يكن أوباميانغ يتحرك بالفعالية نفسها التي كان يتحرك بها مهاجمون مثل كوستا وديدييه دروغبا، فإنه قادر على استغلال أنصاف الفرص ووضع الكرة داخل الشباك، وهو الأمر الذي أظهره للجميع عندما تسلم الكرة واستدار ببراعة ووضعها في المرمى، محرزاً هدف التعادل في مرمى كريستال بالاس، في المباراة التي انتهت بفوز «البلوز» بهدفين مقابل هدف وحيد الشهر الماضي. وكان هدفه في المباراة التي فاز فيها تشيلسي على ميلان على ملعب «ستامفورد بريدج» من مسافة قريبة من المرمى، بعد الخطأ الذي ارتكبه المدافع فيكايو توموري، مثالاً واضحاً على يقظة المهاجم الغابوني، وقدرته على استغلال أي خطأ داخل منطقة الجزاء.
ومع ذلك، فقد تغير كثير من الآراء بشأن أوباميانغ خلال الأسابيع الثلاثة الماضية؛ خصوصاً بعدما فشل في إحراز أي هدف في آخر 6 مباريات. لقد أهدر عديداً من الفرص في المباراة التي فاز فيها تشيلسي على ريد بول سالزبورغ. وعلى عكس الوضع مع لاعب مثل غابريل جيسوس، فإن أوباميانغ لا يعوض فشله في إحراز الأهداف باللعب الجماعي وخلق الفرص لزملائه في الفريق. وللتأكيد على هذا الأمر تجب الإشارة إلى أن أوباميانغ لم يصنع أي هدف ولم يخلق أي تمريرة حاسمة لفرصة خطيرة، في 5 مباريات بالدوري مع تشيلسي الذي ما زال يعاني في الثلث الأخير من الملعب.
هذه الأرقام هي السبب الذي يجعل كثيرين يعتقدون أن أوباميانغ عبارة عن خيار مؤقت على المدى القصير في خط هجوم «البلوز»؛ أو بمعنى آخر، فإنه يمثل هذا النوع من الصفقات التي تلجأ إليها الأندية عندما تستنفد جميع البدائل الأخرى.
من المتوقع أن يتعاقد تشيلسي مع كريستوفر نكونكو من ريد بول لايبزيغ الصيف المقبل، كما أن نجم ميلان، رافائيل لياو يعد خياراً آخر، وهناك شعور بأن النموذج المثالي لبوتر في خط الهجوم أقرب إلى النموذج الذي يفضله أرتيتا. وقبل كل هذا، تجب الإشارة إلى أن أوباميانغ لم يشارك أساسياً في مباراة برايتون، وأبقاه بوتر على مقاعد البدلاء! أما أرتيتا فقد كان شجاعاً للغاية عندما تمسك بقناعاته وأبعد اللاعب الذي لا يناسب أفكاره وفلسفته، وقد بدأ آرسنال يحصد ثمار ذلك.