هل حان الوقت لترك كرة القدم تتحدث عن نفسها؟

بعد أن أصبح الصراخ والمبالغة أثناء التعليق على المباريات سمة من سمات اللعبة

جون موتسون... أحد رواد التعليق على مباريات كرة القدم (غيتي)
جون موتسون... أحد رواد التعليق على مباريات كرة القدم (غيتي)
TT

هل حان الوقت لترك كرة القدم تتحدث عن نفسها؟

جون موتسون... أحد رواد التعليق على مباريات كرة القدم (غيتي)
جون موتسون... أحد رواد التعليق على مباريات كرة القدم (غيتي)

في مكان ما في قبو خرساني حصين في نصف الكرة الشمالي، كان المعلق التلفزيوني بول ديمبسي لا يزال يتحدث. لقد كان يتحدث قبل وقت طويل من قيامك بتشغيل جهاز التلفزيون، ومن المؤكد أنه سيواصل الحديث لفترة طويلة بعد أن تغلق التلفزيون! وكان أمامه قائمة طويلة بالأسماء والإحصائيات والحقائق، بالإضافة إلى مساحة زمنية طويلة يمكنه الحديث خلالها، وعمل هائل يتطلب منه صبراً ربما لا يقوى على تحمله أي إنسان!
وبدأ بالحديث عن لوتارو مارتينيز، الذي لم يسجل أي هدف في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ثم انتقل للحديث عن فرانشيسكو كابوتو، الذي يمتلك أربع قبعات، وجاكسون بورك الذي يجلس على مقاعد البدلاء في سامبدوريا، والذي جاء في الصيف من الدوري المالطي الممتاز، والذي يمكنك مشاهدة مباراته التالية على القناة الرياضية الثامنة لشبكة «بي تي سبورت» يوم الخميس في الساعة الحادية عشرة صباحاً. والآن، جاء الدور للحديث عن دينزل دومفريز، الذي لم يتذوق طعم المربى من قبل!
لقد بدا هؤلاء المعلقون وكأنهم جيش مجهول الهوية من رجال في منتصف العمر جاءوا لغزو الشاشات للمطالبة فقط بالحق في التحدث عن أي شيء يتعلق بكرة القدم، ويريدون مواصلة الحديث إلى الأبد! أنا أتحدث هنا عن معلقين من أمثال آدم سمرتون، ودانيال مان، ومارك سكوت، وجو سبايت، ودان بارسونز، وغاري تابهاوس، وتوم باراكلوف، وستيف باور، الذين يعلقون على المباريات على الشاشة لكن لا يمكن للجمهور أن يتعرف عليهم لو قابل أي منهم في الشارع. ربما لن تلاحظ حتى أنني بدلت اثنين من أسمائهم، لكن الحقيقة أن هؤلاء المعلقين أمضوا وقتاً في التحدث إليك أطول من الوقت الذي تتحدث فيه مع العديد من أفراد عائلتك المقربين!
وفي الوقت نفسه، يبدو أن شيئاً غريباً قد حدث لهذه المهنة النبيلة التي كانت ذات يوم تشع بريقا لا يقاوم. لقد كان موتسون، وديفيز، ومور (ولم يكن هناك أكثر من ثلاثة معلقين على الساحة أبداً)، بمثابة آلهة التعليق، وكانوا يفعلون أي شيء من أجل تقديم المتعة للجمهور الذي ينتظرهم، فكانوا يتحملون حرارة الشمس الحارقة في منتصف النهار في المكسيك، أو برودة الطقس القاسية في فترة أعياد الميلاد، من أجل نقل تفاصيل وأحداث المباريات للجمهور في كل مكان.
في الحقيقة، من الصعب إيجاد مثل هؤلاء العظماء مرة أخرى، ويعود السبب في ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إلى العدد الهائل من المباريات التي تذاع على الهواء مباشرة، فلم يعد الأمر يقتصر على بطولة كبرى تجذب الجماهر من حولها في وقت معين، بل أصبح هناك عدد هائل ولا نهاية له من المباريات، وأصبح المعلقون ينقلون أحداث المباريات من داخل صندوق معدني يوجد في مكان ما في جنوب إنجلترا أمام شاشتين لامعتين وكوب من القهوة يبرد ببطء بسبب انشغال المعلق في الحديث المستمر! وبالتالي، لم يعد من الغريب أن يكون صوت هؤلاء المعلقين مليئاً بالبؤس، وكأنهم سجناء في دولة بوليسية بائسة يحاولون فعل أي شيء مقابل الحصول على حريتهم!
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من قيمة التعليق على المباريات، فهي مهمة صعبة لا تتطلب موهبة طبيعية فحسب، بل تتطلب أيضاً قدرة هائلة على تحمل الضغوط والانتقادات في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد ظهر معلقو كرة القدم الأصليون في عصر كان فيه التلفزيون لا يزال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالراديو، عندما كانت الصورة غامضة وغير واضحة وكان الجميع بحاجة إلى من يعلق على المباراة لمساعدة الجمهور على التعرف على هذا اللاعب أو ذاك. فهل لا يزال هذا مطلوباً في عصر الشاشات التي تنقل المباريات بتقنيات فائقة الجودة، وأسماء اللاعبين المكتوبة على ظهورهم، والتقدم التكنولوجي المذهل؟
لقد أصبحت التكنولوجيا الحديثة قادرة على تحديد اللاعبين بدقة وسرعة أكبر بكثير من قدرات أي معلق بشري. وفي هذه الحالة، ما الذي يتعين على المعلق أن يفعله خلال تعليقه على المباراة؟ فإذا كنت تبدأ كرة القدم من الصفر، فهل ستسمح لهؤلاء الرجال بأن يتجاذبوا أطراف الحديث في الخلفية؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما هو الهدف من وجودهم الآن؟
هناك إجابة صادقة وساخرة على هذا السؤال. سوف يزعم أي معلق محترم أن وظيفته ليست مجرد السرد والحكي، وإنما مهمته تتمثل في الحديث عن أشياء معينة وشرح الأسباب في أنها مهمة للجمهور. وتكمن المشكلة في أن هذه ليست الطريقة التي نتفاعل بها مع كرة القدم الآن، حيث يشاهد معظم الناس هذه الأيام المباريات أثناء القيام بشيء آخر: السفر، أو الطهي، أو الترفيه مع الأصدقاء، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي. وبالتالي، أصبحت وظيفة المعلق تتطلب مهارات مختلفة تماماً لجذب الجمهور المشغول بالقيام بأشياء أخرى.
ومع مرور الوقت، ظهرت أنماط مختلفة من التعليق على المباريات، وكلها تتصارع بشدة من أجل جذب اهتمام الجمهور، فأصبحنا نرى المعلقين يستخدمون عبارات رنانة ويتحدثون بصوت مرتفع وبعاطفة جياشة، للحديث مثلاً عن هدف أحرزه ميلان في الدوري الأوروبي، لكن الجمهور العادي ينظر إلى الأمر بكل بساطة على أن هذا هدف جاء في دور المجموعات بالدوري الأوروبي ولا يستحق كل هذا الضجيج والصراخ!
من الواضح أن البعض منكم لا يمل من سماع الأحاديث عن كرة القدم (ورغم كل التقدم الذي تم إحرازه، تظل هذه مهنة مقتصرة إلى حد كبير على الذكور من أصحاب البشرة البيضاء)، ومن الواضح أيضاً أن البعض منكم يشعرون بالراحة وهم يستمعون إلى الأصوات المألوفة للمعلقين، في حين يفضل البعض الآخر الصراخ والصوت المرتفع، ويفضل آخرون الحس الفكاهي. بل ويصل الأمر لدرجة أن البعض منكم يذهب مجدداً إلى موقع «يوتيوب» لإعادة مشاهدة المباريات بتعليق ذلك المعلق الذي لديه مليونا متابع على الموقع!
لكن على مدار عقود من الزمان، كانت كرة القدم التي تنقل عبر شاشات التلفزيون تتجه نحو طريق واحد: المزيد من الحديث، والمزيد من التنظيم، والمزيد من الأصوات. لكن الآن، أصبحت السوق منقسمة إلى حدٍ كبير، لدرجة أن هناك قطاعاً من الجمهور يشاهد المباريات من دون أي تعليق على الإطلاق ويكتفي بمجرد مشاهدة الشاشة وسماع الضوضاء المحيطة بالمباراة، في تجربة هي الأقرب لمشاهدة المباريات من الملعب. لقد أصحبت كرة القدم لعبة مذهلة، وبالتالي فربما حان الوقت لنتركها هي تتحدث عن نفسها!


مقالات ذات صلة

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الرياضة الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

أصدرت محكمة في نابولي حكماً بالسجن، في حق مُدافع فريق «مونتسا» الدولي أرماندو إيتزو، لمدة 5 أعوام؛ بسبب مشاركته في التلاعب بنتيجة مباراة في كرة القدم. وقال محاموه إن إيتزو، الذي خاض 3 مباريات دولية، سيستأنف الحكم. واتُّهِم إيتزو، مع لاعبين آخرين، بالمساعدة على التلاعب في نتيجة مباراة «دوري الدرجة الثانية» بين ناديه وقتها «أفيلينو»، و«مودينا»، خلال موسم 2013 - 2014، وفقاً لوكالات الأنباء الإيطالية. ووجدت محكمة في نابولي أن اللاعب، البالغ من العمر 31 عاماً، مذنب بالتواطؤ مع «كامورا»، منظمة المافيا في المدينة، ولكن أيضاً بتهمة الاحتيال الرياضي، لموافقته على التأثير على نتيجة المباراة مقابل المال.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
الرياضة الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم، اليوم (الخميس)، أن الأندية قلصت حجم الخسائر في موسم 2021 - 2022 لأكثر من ستة أضعاف ليصل إلى 140 مليون يورو (155 مليون دولار)، بينما ارتفعت الإيرادات بنسبة 23 في المائة لتتعافى بشكل كبير من آثار وباء «كوفيد - 19». وأضافت الرابطة أن صافي العجز هو الأصغر في مسابقات الدوري الخمس الكبرى في أوروبا، والتي خسرت إجمالي 3.1 مليار يورو، وفقاً للبيانات المتاحة وحساباتها الخاصة، إذ يحتل الدوري الألماني المركز الثاني بخسائر بقيمة 205 ملايين يورو. وتتوقع رابطة الدوري الإسباني تحقيق صافي ربح يقل عن 30 مليون يورو في الموسم الحالي، ورأت أنه «لا يزال بعيداً عن المستويات قب

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الرياضة التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

منح فريق التعاون ما تبقى من منافسات دوري المحترفين السعودي بُعداً جديداً من الإثارة، وذلك بعدما أسقط ضيفه الاتحاد بنتيجة 2-1 ليلحق به الخسارة الثانية هذا الموسم، الأمر الذي حرم الاتحاد من فرصة الانفراد بالصدارة ليستمر فارق النقاط الثلاث بينه وبين الوصيف النصر. وخطف فهد الرشيدي، لاعب التعاون، نجومية المباراة بعدما سجل لفريقه «ثنائية» في شباك البرازيلي غروهي الذي لم تستقبل شباكه هذا الموسم سوى 9 أهداف قبل مواجهة التعاون. وأنعشت هذه الخسارة حظوظ فريق النصر الذي سيكون بحاجة لتعثر الاتحاد وخسارته لأربع نقاط في المباريات المقبلة مقابل انتصاره فيما تبقى من منافسات كي يصعد لصدارة الترتيب. وكان راغد ال

الرياضة هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

يسعى فريق الهلال لتكرار إنجاز مواطنه فريق الاتحاد، بتتويجه بلقب دوري أبطال آسيا بنظامها الجديد لمدة عامين متتاليين، وذلك عندما يحل ضيفاً على منافسه أوراوا ريد دياموندز الياباني، السبت، على ملعب سايتاما 2022 بالعاصمة طوكيو، بعد تعادل الفريقين ذهاباً في الرياض 1 - 1. وبحسب الإحصاءات الرسمية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، فإن فريق سوون سامسونغ بلو وينغز الكوري الجنوبي تمكّن من تحقيق النسختين الأخيرتين من بطولة الأندية الآسيوية أبطال الدوري بالنظام القديم، بعد الفوز بالكأس مرتين متتاليتين موسمي 2000 - 2001 و2001 - 2002. وتؤكد الأرقام الرسمية أنه منذ اعتماد الاسم الجديد للبطولة «دوري أبطال آسيا» في عا

فارس الفزي (الرياض)
الرياضة رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

تعد الملاكمة رغد النعيمي، أول سعودية تشارك في البطولات الرسمية، وقد دوّنت اسمها بأحرف من ذهب في سجلات الرياضة بالمملكة، عندما دشنت مسيرتها الدولية بفوز تاريخي على الأوغندية بربتشوال أوكيدا في النزال الذي احتضنته حلبة الدرعية خلال فبراير (شباط) الماضي. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قالت النعيمي «كنت واثقة من فوزي في تلك المواجهة، لقد تدربت جيداً على المستوى البدني والنفسي، وعادة ما أقوم بالاستعداد ذهنياً لمثل هذه المواجهات، كانت المرة الأولى التي أنازل خلالها على حلبة دولية، وكنت مستعدة لجميع السيناريوهات وأنا سعيدة بكوني رفعت علم بلدي السعودية، وكانت هناك لحظة تخللني فيها شعور جميل حينما سمعت الج


بسبب تلوثه... باريس قد تُبعد سبَّاحي الأولمبياد عن نهر السين

برج إيفل يظهر من مياه نهر السين (رويترز)
برج إيفل يظهر من مياه نهر السين (رويترز)
TT

بسبب تلوثه... باريس قد تُبعد سبَّاحي الأولمبياد عن نهر السين

برج إيفل يظهر من مياه نهر السين (رويترز)
برج إيفل يظهر من مياه نهر السين (رويترز)

يفكر منظمو دورة الألعاب الأولمبية في باريس، في الاستغناء عن نهر السين في حدث السباحة الرئيسي، إذا ظل ملوثاً خلال أسابيع قليلة، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

وقال توني إيستانجيت، رئيس اللجنة الأولمبية في باريس، إن السباحة الماراثونية سيتم نقلها إلى البحيرة في فاير سور مارن، خارج العاصمة، إذا لم تكن جهود التنظيف كافية بحلول الوقت الذي تبدأ فيه المسابقة.

وتتوافق تعليقاته مع موقفه في أبريل (نيسان)، عندما قال إنه «واثق من أنه سيكون من الممكن استخدام نهر السين»، ولكن قد يكون هناك «قرار نهائي؛ حيث لا يمكننا السباحة»، وهو الوضع الذي قال: «نريد تجنبه بالطبع».

وكان تجهيز نهر السين لسباق الترياتلون والماراثون مهمة كبيرة ومكلفة، إذ بلغت تكلفتها أكثر من مليار يورو.

وكان النهر محظوراً على السباحين منذ أوائل عشرينات القرن الماضي، بسبب ارتفاع مستويات البكتيريا، وفي الصيف الماضي أدت مشكلة في الصرف الصحي إلى إلغاء حدث للسباحة قبل الألعاب الأولمبية.

أشخاص يستمتعون بالطقس الدافئ على الأرصفة التي غمرتها المياه على طول نهر السين في باريس (أ.ف.ب)

وفي وقت مبكر من شهر مايو (أيار)، كشفت الاختبارات أن مستويات البكتيريا كانت أعلى من الحدود المقبولة لممارسة الرياضة.

مع ذلك، أظهر يوم الخميس بعض النتائج المشجعة، مع تحسن نوعية مياه نهر السين، وفقاً للبيانات.

وأظهرت البيانات التي نشرتها المدينة والسلطات الإقليمية، أن تركيزات المكورات المعوية وبكتيريا الإشريكية القولونية كانت أقل من العتبات القانونية، في 6 من أصل 9 أيام، بين 24 يونيو (حزيران) و2 يوليو (تموز).

لكن كثيراً لا يزال يُعتمد على هطول الأمطار ودرجة حرارة المياه من الآن وحتى استمرار الأحداث، في الفترة من 26 يوليو إلى 1 أغسطس (آب).

وسط الطقس الجيد هذا الأسبوع في باريس، من المتوقع أن تظل جودة المياه مقبولة، على الرغم من أن المنظمين تأكدوا من وجود خيار احتياطي في فاير سور مارن إذا تدهور الوضع.