دمشق تشترط «تكليفاً رسمياً» من حكومة لبنان والترسيم واحد من أزمات ثنائية كثيرة

نقطة العريضة الحدودية بين لبنان وسوريا (أ.ف.ب)
نقطة العريضة الحدودية بين لبنان وسوريا (أ.ف.ب)
TT

دمشق تشترط «تكليفاً رسمياً» من حكومة لبنان والترسيم واحد من أزمات ثنائية كثيرة

نقطة العريضة الحدودية بين لبنان وسوريا (أ.ف.ب)
نقطة العريضة الحدودية بين لبنان وسوريا (أ.ف.ب)

اصطدم ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا بمجموعة مطالب سورية عالقة منذ العام 2013، يتصدرها الإصرار على «قرار من الحكومة اللبنانية بتكليف رسمي»، إلى جانب عدم الاستجابة اللبنانية لمطالب سورية سابقة، جمّدت الكثير من الملفات، ومن ضمنها استجرار الكهرباء الذي كان معمولاً به، ورفع الرسوم عن الشاحنات التي تعبر عبر الأراضي السورية لنقل المنتجات اللبنانية.
ولمح نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، أمس، إلى هذا الجانب، حيث دعا إلى التواصل «مباشرة وعلناً» مع دمشق من أجل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «سوريا دولة لديها مآخذ ومطالب».
وترى مصادر لبنانية مواكبة للملف، أن الشروع في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين «لا تبدو مهمة سهلة قبل تشكيل حكومة لبنانية، استناداً إلى مطالب دمشق»، وهو أمر يبدو متعذراً في هذا الوقت، على ضوء الفشل في التوافق على اسم واحد لرئيس الجمهورية يمكن أن ينهي الشغور الرئاسي، ويفتح الباب، تالياً، نحو تكليف رئيس جديد للحكومة وتأليفها.
وقالت مصادر لبنانية مواكبة لملف العلاقات بين بيروت ودمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن سوريا «تشترط قراراً رسمياً من مجلس الوزراء اللبنانية بتكليف وفد لبناني بزيارتها لحلحة أي ملف»، وقالت «دمشق تطالب بأن يكون كل شيء رسمياً وبتكليف مباشر من الحكومة اللبنانية».
وقالت المصادر، إن الملفات بدأت تتراكم بشكل كبير منذ العام 2013، «وإلى جانب عدم إعطاء أي صفة رسمية لأي وفد لبناني، لم يستجب لبنان للمطالب السورية، بسبب العقوبات الأميركية والدولية على سوريا، لم يكن هناك أي قرار رسمي، بتفعيل العلاقات الرسمية معها».
وتتعدد المطالب اللبنانية من ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية، إلى إعفاء البضائع اللبنانية من رسوم المرور باتجاه الدول العربية، إضافة إلى ملفات تجارية واقتصادية، وملف استجرار الطاقة من الذي كان معمولاً به إلى لبنان، بمعدل يتراوح بين 220 ميغاواط و500 ميغاواط كحد أقصى سنوياً، وتوقف استجرار هذه الكمية قبل ثلاث سنوات.
وفي حين لم توافق الحكومة اللبنانية على تمديد الاتفاقية بعد عقوبات «قيصر»، فإن ملفاً آخر علق في العامين الأخيرين، مرتبط بتغذية شركة الكهرباء السورية لقرية الطفيل اللبنانية الحدودية بالكهرباء، واشتراط الجانب اللبناني لدفع البدل على سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة لبنانية للدولار)، علماً بأن سعر الدولار وصل أخيراً إلى 40 ألف ليرة لبنانية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم