تمويل «الخسائر والأضرار»... اختراق مناخي تهدده «التفاصيل»

بعد إدراجه على جدول أعمال قمة «كوب 27»

فيضانات باكستان كانت مضرب الأمثال في أروقة «كوب 27» خلال الحديث عن تغيرات المناخ (أ.ب)
فيضانات باكستان كانت مضرب الأمثال في أروقة «كوب 27» خلال الحديث عن تغيرات المناخ (أ.ب)
TT

تمويل «الخسائر والأضرار»... اختراق مناخي تهدده «التفاصيل»

فيضانات باكستان كانت مضرب الأمثال في أروقة «كوب 27» خلال الحديث عن تغيرات المناخ (أ.ب)
فيضانات باكستان كانت مضرب الأمثال في أروقة «كوب 27» خلال الحديث عن تغيرات المناخ (أ.ب)

ربما أعطى التصفيق الحاد في قاعة افتتاح قمة مؤتمر الأطراف للاتفاقية المناخية للأمم المتحدة «كوب 27» المنعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية، لإعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري، نجاح المحادثات المكثفة في «إدراج مناقشة تمويل (الخسائر والأضرار) المناخية على جدول الأعمال» الشعور بأن تلك القضية المناخية المعقدة قد تم حلها؛ لكن هذه الخطوة التي وصفت بـ«الاختراق»، هي مجرد بداية لمفاوضات معقدة، ستطرح خلالها أسئلة صعبة، سيحدد إجاباتها مسار التقدم في هذا الملف.
وتشير عبارة «الخسائر والأضرار» إلى التكاليف التي يتم تكبدها بالفعل من جراء الظواهر المناخية القاسية أو التأثيرات المناخية، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر.
وكانت هناك مطالبات دائمة بإدراج قضية «الخسائر والأضرار» على اجتماعات مؤتمر الأطراف التي بدأت في أوائل تسعينات القرن الماضي، ومع ذلك فإن دولاً صناعية كبرى أعاقت مراراً الجهود المبذولة لإضافتها إلى جدول الأعمال، خشية أن تفتح مطالب بمليارات الدولارات كتعويضات للدول الفقيرة.
وأعطت الكوارث المناخية الأخيرة -مثل الفيضانات في باكستان- دفعة جديدة لمطالب الدول النامية، وجاء التبني لجدول الأعمال المتضمن لهذه القضية على خلفية مفاوضات مستمرة في الكواليس، للتوصل إلى حل وسط يجنب القمة مناوشات قد تحدث خلال الساعة الأولى منها، وتم تأجيل الجلسة الافتتاحية لأكثر من ساعة لاستيعاب المناقشات النهائية حول صياغة ومحتوى بند جدول الأعمال.
وقبل القمة، توقع مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تحقق «قمة كوب 27» اختراقات مهمة بسبب الإنذار المناخي الذي رفعته الطبيعة هذا العام في وجه العالم، متمثلاً في الظواهر المناخية القاسية التي شهدتها دول عدة.
ولكن إذا اعتُبر إدراج مناقشة «الخسائر والأضرار» على جدول الأعمال، اختراقاً، فإن «الشيطان يكمن في التفاصيل»؛ خصوصاً أن المناقشات السابقة لقضايا التمويل تركزت دائماً على «تمويل التكيف المناخي» عن طريق تمكين الدول التي تأثرت من تغير المناخ من التعامل مع تداعياته.
إلا أن بند تمويل الخسائر والأضرار سيكون مختلفاً عن تعويض التكاليف التي لا تستطيع البلدان تجنبها أو «التكيف» معها.
ويقول وائل عبد المعز، الباحث المتخصص في شؤون المناخ بجامعة برلين لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا يوجد اتفاق على توصيف الخسائر والأضرار التي يجب تعويضها»، ويضيف متسائلاً: «هل ستكون هي الخسائر التي تحدث في البنية التحتية للدولة؟ أم في نظمها البيئية الطبيعية كالغابات مثلاً؟ أم في أصولها الثقافية مثل الآثار؟». ويضيف: «سيكون هناك خلاف أيضاً على من سيدفع: هل تكون أميركا الأكثر دفعاً باعتبارها الملوث الأكبر تاريخياً؟ أم ستدفع الصين باعتبارها الملوث الأكبر الآن؟ وبالقطع فإن توتر العلاقات الصينية- الأميركية سيؤثر على إمكان حسم مثل هذه القضايا».
وبتجاوز هذه النقطة إلى افتراض اتفاق الدول على التمويل، فسيكون شكل التمويل من التفاصيل الأخرى التي ستحتاج إلى نقاشات معمقة.
ولم تفِ الدول المتقدمة بوعودها في تقديم 100 مليار دولار لتمويل المناخ سنوياً بحلول عام 2020، أو ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية باريس 2015، وهو ما يجعل الدول النامية والفقيرة تبحث عن حلول أكثر عملية لتمويل «الخسائر والأضرار».
ويقول عبد المعز: «أحد الحلول المطروحة في أروقة المؤتمر هو تحميل الأمم المتحدة المسؤولية؛ حيث اقترح تحالف الدول الجزرية الصغيرة تشكيل (صندوق استجابة) تستضيفه الأمم المتحدة لجمع الأموال من مصادر مختلفة للبلدان التي ضربتها الكوارث. كما اقترحت دول أخرى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لفرض ضريبة أرباح على شركات الوقود الأحفوري لجمع التمويل».
ولا يتوقع أحسن المتفائلين أن يحسم «كوب 27» هذه التفاصيل، أو حتى «كوب 28» الذي تستضيفه دولة الإمارات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وقد لمح وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى ذلك، عندما قال في كلمته: «إن الإنجاز الذي تم التوصل إليه بعد 48 ساعة من المحادثات المكثفة، يهدف إلى التوصل إلى قرار حاسم حول الخسائر والضرر في موعد أقصاه 2024».
وبسبب هذه التفاصيل التي لم تحسم، كان استقبال الدول الجزرية -وهي من كبريات الدول المتأثرة بتغير المناخ- لاختراق وضع ملف الخسائر والأضرار على جدول الأعمال «خافتاً».
ورحب تحالف هذه الدول بهذا الاختراق؛ لكنه قال إنه كان ينبغي مناقشة المسألة منذ فترة طويلة، وبدلاً من ذلك، استمرت الدول الغنية في حرق الوقود الأحفوري الذي يهدد حياة ومنازل الآخرين.
وأضاف التحالف في بيان: «لا نريد أن نُعامل وكأنك تقدم لنا معروفاً بإضافة بند في جدول الأعمال، فهذا البند من جدول الأعمال يعكس أرضية ما هو مقبول، وهذا هو الحد الأدنى لدينا».
وعبرت إيناس بن عمر، الخبيرة في الخسائر والأضرار في مركز أبحاث المناخ المستقل «E3G»، عن هذا المعنى بلهجة أخف حدة، وقالت: «إنه أمر تاريخي أن يكون تمويل الخسائر والأضرار مدرجاً أخيراً على جدول أعمال مؤتمر الأطراف؛ لكن يجب تحديد التفاصيل بحلول عام 2024 على أبعد تقدير، ولا ينبغي استخدام هذا لمزيد من التأخير».
وأضافت: «من الأهمية بمكان أن تشارك الأطراف في مناقشات هادفة في (كوب 27) لضمان تحقيق أعلى نتيجة طموحة في ما يتعلق بتمويل الخسائر والأضرار، وأن يتم النظر في جميع الخيارات المتاحة داخل وخارج اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بشكل جيد، ضمن الجدول الزمني المقترح».


مقالات ذات صلة

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

الاقتصاد استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

يتحرك أكبر جبل جليدي في العالم مرة أخرى بعد أن حوصر في دوامة طوال معظم العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)
العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».